الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِلْمَسَاكِينِ فِيهِ لَكِنَّهُ فِي الْحَرَمِ أَوْلَى لِشَرَفِهِ.
(فَرْعٌ أَفْضَلُ) بُقْعَةٍ مِنْ (الْحَرَمِ لِذَبْحِهِ) يَعْنِي لِذَبْحِ الْحَاجِّ، وَلَوْ مُتَمَتِّعًا (مِنًى وَ) لِذَبْحِ (الْمُعْتَمِرِ الْمَرْوَةُ) ؛ لِأَنَّهُمَا مَحَلُّ تَحَلُّلِهِمَا (وَكَذَا الْهَدْيُ) الَّذِي سَاقَهُ تَقَرُّبًا مِنْ مَنْذُورٍ وَغَيْرِهِ أَفْضَلُ بُقْعَةٍ لِذَبْحِ الْحَاجِّ لَهُ مِنًى وَلِذَبْحِ الْمُعْتَمِرِ لَهُ الْمَرْوَةُ لَكِنْ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ دَمٌ فَالْأَفْضَلُ لَهُ ذَبْحُ هَدْيِهِ بِالْمَرْوَةِ نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَفِيهِ عَنْهُمْ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَذْبَحَهُ بَعْدَ السَّعْيِ وَقَبْلَ الْحَلْقِ كَمَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِي الْحَجِّ أَنْ يُذْبَحَ قَبْلَ الْحَلْقِ (وَالْوَاجِبُ دَفْعُهُ) أَيْ الْوَاجِبُ الْمَالِيِّ جُمْلَةً أَوْ مُفَرَّقًا (إلَى ثَلَاثَةٍ) فَأَكْثَرَ مِنْ مَسَاكِينِ الْحَرَمِ؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ أَقَلُّ الْجَمْعِ (كَالزَّكَاةِ) ، فَلَوْ دَفَعَ إلَى اثْنَيْنِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى ثَالِثٍ ضَمِنَ لَهُ أَقَلَّ مُتَمَوَّلٍ كَنَظِيرِهِ مِنْ الزَّكَاةِ وَذَكَرَ فِيهِ فِي الرَّوْضَةِ وَجْهَيْنِ بِلَا تَرْجِيحِ أَحَدِهِمَا هَذَا وَالثَّانِي يَضْمَنُ الثُّلُثَ، وَهُوَ قَضِيَّةُ مَا نُقِلَ عَنْ النَّصِّ الْآتِي وَعُلِمَ مِنْ وُجُوبِ دَفْعِ ذَلِكَ حُرْمَةَ الْأَكْلِ مِنْهُ عَلَى مَنْ لَزِمَهُ، فَلَوْ أَكَلَهُ ضَمِنَهُ بِالْقِيمَةِ عَلَى الْأَصَحِّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَكَلَامُ الْمُتَوَلِّي يَقْتَضِي أَنَّ الْخِلَافَ مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِنَا اللَّحْمُ مُتَقَوِّمٌ لَكِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ مِثْلِيٌّ فَيَنْبَغِي تَصْحِيحُ ضَمَانِهِ بِالْمِثْلِ، وَعُلِمَ مِنْ تَشْبِيهِهِ بِالزَّكَاةِ وُجُوبُ نِيَّةِ الدَّفْعِ مُقْتَرِنَةً بِهِ أَوْ مُتَقَدِّمَةً عَلَيْهِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الرَّوْضَةِ نَقْلًا عَنْ الرُّويَانِيِّ فِي الْمُقْتَرِنَةِ وَسَوَاءٌ فِي الْمَسَاكِينِ الْغُرَبَاءُ وَالْمُسْتَوْطِنُونَ (وَ) لَكِنْ (الْمُسْتَوْطِنُونَ أَوْلَى) بِالدَّفْعِ إلَيْهِمْ، وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ حَاجَةُ الْغُرَبَاءِ أَشَدُّ، وَلَا يَجِبُ اسْتِيعَابُهُمْ، وَإِنْ انْحَصَرُوا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ قَالَ السُّبْكِيُّ: وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْقَصْدَ هُنَا حُرْمَةُ الْبَلَدِ وَثَمَّ سَدُّ الْخَلَّةِ.
(وَفِي) دَفْعِ (الطَّعَامِ) لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ (لَا يَتَعَيَّنُ لِكُلٍّ) مِنْهُمْ (مُدٌّ) بَلْ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ وَالنَّقْصُ مِنْهُ وَقِيلَ يَمْتَنِعَانِ كَالْكَفَّارَةِ وَنُقِلَ فِي الرَّوْضَةِ تَصْحِيحُ الْأَوَّلِ عَنْ الرُّويَانِيِّ وَأَقَرَّهُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الْأُمِّ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي دَمِ التَّمَتُّعِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَيْسَ دَمُهُ دَمَ تَخْيِيرٍ وَتَقْدِيرٍ أَمَّا دَمُ الِاسْتِمْتَاعَاتِ وَنَحْوِهَا مِمَّا دَمُهُ دَمُ تَخْيِيرٍ وَتَقْدِيرٍ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ سِتَّةِ مَسَاكِينَ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ ثَلَاثَةِ آصُعٍ كَمَا مَرَّ (فَإِنْ ذَبَحَ) الدَّمَ الْوَاجِبَ فِي الْحَرَمِ مَثَلًا (فَسُرِقَ) مِنْهُ أَوْ غُصِبَ قَبْلَ التَّفْرِقَةِ (لَمْ يُجْزِهِ) فَعَلَيْهِ إعَادَةُ ذَبْحِ دَمٍ، وَهِيَ أَوْلَى (وَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بَدَلَهُ لَحْمًا وَيَتَصَدَّقَ بِهِ) ؛ لِأَنَّ الذَّبْحَ قَدْ وُجِدَ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِيَ اللَّحْمَ وَغَيْرَهُ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَجْزَاءِ وَمِثْلُ كَلَامِهِمْ مَا لَوْ سَرَقَهُ مَسَاكِينُ الْحَرَمِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ سَوَاءٌ أَوُجِدَتْ نِيَّةُ الدَّفْعِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ الدَّفْعِ إلَيْهِمْ، وَهُمْ إنَّمَا يَمْلِكُونَ بِهِ وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي تَقْيِيدُ ذَلِكَ بِمَا إذَا قَصَّرَ فِي تَأْخِيرِ التَّفْرِقَةِ، وَإِلَّا فَلَا يَضْمَنُ كَمَا لَوْ سُرِقَ الْمَالُ الْمُتَعَلِّقُ بِهِ الزَّكَاةُ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ الدَّمَ مُتَعَلِّقٌ بِالذِّمَّةِ وَالزَّكَاةَ بِعَيْنِ الْمَالِ.
[فَصْلٌ الْأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْقُرْآنِ]
(فَصْلٌ وَالْأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ) الْمَذْكُورَةُ فِي الْقُرْآنِ (عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ الْأُوَلُ وَ) الْأَيَّامُ (الْمَعْدُودَاتُ) الْمَذْكُورَةُ فِي الْقُرْآنِ (أَيَّامُ التَّشْرِيقِ) رَوَاهُمَا الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَوْ صَحِيحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَذَكَرَهُمَا الْأَصْحَابُ هُنَا لِاخْتِصَاصِ غَالِبِ الْمَنَاسِكِ بِهِمَا أُصُولُهُمَا بِالْمَعْلُومَاتِ وَتَوَابِعُهَا بِالْمَعْدُودَاتِ وَفِي الْمَعْلُومَاتِ خِلَافٌ بَيَّنْتُهُ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَسُمِّيَتْ الْأُولَى مَعْلُومَاتٌ لِلْحِرْصِ عَلَى عَمَلِهَا بِحِسَابِهَا لِأَجْلِ أَنَّ وَقْتَ الْحَجِّ فِي آخِرِهَا وَالثَّانِيَةُ مَعْدُودَاتٌ لِقِلَّتِهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ} [يوسف: 20]
(بَابُ الْهَدْيِ)
هُوَ بِإِسْكَانِ الدَّالِ مَعَ تَخْفِيفِ الْيَاءِ وَبِكَسْرِ الدَّالِ مَعَ تَشْدِيدِ الْيَاءِ مَا يُهْدَى إلَى الْحَرَمِ مِنْ حَيَوَانٍ وَغَيْرِهِ وَالْمُرَادُ هُنَا مَا يُهْدَى إلَيْهِ مِنْ النَّعَمِ وَيُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى دِمَاءِ الْجُبْرَانَاتِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ (يُسْتَحَبُّ لِمَنْ قَصَدَ مَكَّةَ لِنُسُكٍ) بَلْ وَلِمَنْ يَقْصِدُهَا لَهُ كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمَجْمُوعِ (أَنْ يُهْدِيَ) إلَيْهَا (شَيْئًا مِنْ النَّعَمِ) فَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَهْدَى فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ مِائَةَ بَدَنَةٍ» وَتَعْبِيرُهُ بِنُسُكٍ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ (وَلَا يَجِبُ) ذَلِكَ (إلَّا بِالنَّذْرِ) ؛ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ فَلَزِمَ بِهِ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَكُونَ مَا يُهْدِيهِ سَمِينًا حَسَنًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ} [الحج: 32] فَسَّرَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ بِالِاسْتِسْمَانِ وَالِاسْتِحْسَانِ وَكَوْنُهُ مَعَهُ مِنْ بَلَدِهِ أَفْضَلُ وَشِرَاؤُهُ مِنْ طَرِيقِهِ أَفْضَلُ مِنْ شِرَائِهِ مِنْ مَكَّةَ، ثُمَّ مِنْ عَرَفَةَ فَإِنْ لَمْ يَسُقْهُ أَصْلًا بَلْ اشْتَرَاهُ مِنْ مِنًى جَازَ وَحَصَلَ أَصْلُ الْهَدْيِ.
(وَ) يُسْتَحَبُّ لَهُ (أَنْ يُقَلِّدَ الْبَدَنَةَ وَالْبَقَرَةَ نَعْلَيْنِ) مِنْ النِّعَالِ الَّتِي تُلْبَسُ فِي الْإِحْرَامِ (وَيَتَصَدَّقُ بِهِمَا) بَعْدَ ذَبْحِهَا (ثُمَّ يُشْعِرُهَا) وَالْإِشْعَارُ الْإِعْلَامُ وَالْمُرَادُ هُنَا مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (فَيَجْرَحُ) ، وَهِيَ بَارِكَةً (صَفْحَةَ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ فَالْأَفْضَلُ لَهُ ذَبْحُ هَدْيِهِ بِالْمَرْوَةِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وُجُوبُ دَفْعِ ذَلِكَ)(قَوْلُهُ وُجُوبُ نِيَّةِ الدَّفْعِ ذَلِكَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
(قَوْلُهُ وَالْأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ إلَخْ) عِنْدَنَا، وَكَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا نَقَلَهُ الزَّمَخْشَرِيّ وَقَالَ مَالِكٌ: هِيَ يَوْمُ النَّحْرِ وَتَالِيَاهُ فَتَالِيَاهُ عِنْدَهُ مِنْ الْمَعْلُومَاتِ وَالْمَعْدُودَاتِ، وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى مَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْبَيَانِ هِيَ يَوْمُ عَرَفَةَ وَتَالِيَاهُ وَقَالَ عَلِيٌّ فِي رِوَايَةٍ هِيَ يَوْمُ النَّحْرِ وَالثَّلَاثَةُ بَعْدَهُ فِي أُخْرَى هِيَ يَوْمُ عَرَفَةَ وَالثَّلَاثَةُ بَعْدَهُ، وَهَذِهِ مَرْوِيَّةٌ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى هِيَ يَوْمُ عَرَفَةَ وَالنَّحْرِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ هِيَ وَالْمَعْدُودَاتُ وَاحِدٌ، وَهِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ
[بَابُ الْهَدْيِ]
(قَوْلُهُ بَعْدَ ذَبْحِهَا) عُلِمَ مِنْ التَّعَلُّقِ بِهِمَا أَنَّ لَهُمَا قِيمَةً هَكَذَا بَيَاضٌ بِالْأَصْلِ
(
سَنَامَهَا الْيُمْنَى بِحَدِيدَةٍ) فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا سَنَامٌ أَشْعَرَ مَوْضِعَهُ لَا يُقَالُ هَذَا مُثْلَةٌ، وَهِيَ مَنْهِيٌّ عَنْهَا وَعَنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ أَخْبَارُ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ عَامَّةٌ وَأَخْبَارُ الْإِشْعَارِ خَاصَّةٌ فَقُدِّمَتْ (مُسْتَقْبِلًا بِهَا) فِي حَالَتَيْ التَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ (الْقِبْلَةَ) كَمَا صَحَّ عَنْ فِعْلِ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَحَكَى فِي الرَّوْضَةِ وَجْهَيْنِ فِي أَنَّ تَقْدِيمَ الْإِشْعَارِ أَفْضَلُ أَوْ التَّقْلِيدِ قَالَ: وَقَدْ صَحَّ فِي الْأَوَّلِ خَبَرٌ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَصَحَّ فِي الثَّانِي عَنْ فِعْلِ ابْنِ عُمَرَ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَعَلَيْهِ جَرَى الْمُصَنِّفُ حَيْثُ عَطَفَ بِثُمَّ وَزَادَ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّ الْمَاوَرْدِيَّ حَكَى الْأَوَّلَ عَنْ أَصْحَابِنَا كُلِّهِمْ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا (وَيُلَطِّخُهَا بِالدَّمِ لِتُعْرَفَ) فَلَا يُتَعَرَّضُ لَهَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ، وَالسُّنَّةُ أَنْ يُقَلِّدَ هَدْيَهُ وَيُشْعِرَهُ عِنْدَ إحْرَامِهِ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ فِيهِ قَالَ وَيُسَنُّ لِمَنْ لَمْ يُرِدْ الذَّهَابَ إلَى النُّسُكِ أَنْ يَبْعَثَ هَدْيًا، وَأَنْ يُقَلِّدَهُ وَيُشْعِرَهُ مِنْ بَلَدِهِ لِلْخَبَرِ الْآتِي.
وَيُسَنُّ أَنْ يُجَلِّلَ هَدْيَهُ وَيَتَصَدَّقَ بِذَلِكَ الْجَلِّ وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ الْعُلَمَاءِ: أَنَّ التَّجْلِيلَ يَكُونُ بَعْدَ الْإِشْعَارِ لِئَلَّا يَتَلَطَّخَ بِالدَّمِ وَأَنْ يَشُقَّ الْجِلَالَ عَنْ الْأَسْنِمَةِ إنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا قَلِيلَةً؛ لِئَلَّا تَسْقُطَ وَلِيَظْهَرَ الْإِشْعَارُ فَإِنْ كَانَتْ نَفِيسَةً لَمْ تُشَقَّ (فَإِنْ قَرَنَ هُدَيَيْنِ بِحَبْلٍ أَشْعَرَ) مَعَ إشْعَارِهِ أَحَدَهُمَا، وَهُوَ الْأَيْمَنُ فِي الصَّفْحَةِ الْيُمْنَى كَمَا عُلِمَ مَا مَرَّ (الْآخَرُ) ، وَهُوَ الْأَيْسَرُ (فِي الصَّفْحَةِ الْيُسْرَى) لِيُشَاهَدَا وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْأَيْسَرُ أَطْوَلَ أَشْعَرَهُ فِي الصَّفْحَةِ الْيُمْنَى، وَهُوَ مَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ، وَلَوْ قَرَنَ ثَلَاثَةً بِحَبْلٍ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ يُشْعِرُ الْأَوْسَطَ فِي الصَّفْحَةِ الْيُمْنَى مُطْلَقًا.
(، وَلَا تُشْعَرُ الْغَنَمُ) لِضَعْفِهَا؛ وَلِأَنَّ الْإِشْعَارَ لَا يَظْهَرُ فِيهَا لِكَثْرَةِ شَعْرِهَا وَصُوفِهَا (بَلْ يُقَلِّدُهَا عُرَا الْقِرَبِ وَآذَانِهَا) قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَالْخُيُوطَ الْمَفْتُولَةَ وَنَحْوَهَا لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَهْدَى مَرَّةً غَنَمًا مُقَلَّدَةً» ، وَلَا يُقَلِّدُهَا بِالنِّعَالِ إذْ يَثْقُلُ عَلَيْهَا حَمْلُهَا قَالَ وَيُسْتَحَبُّ فَتْلُ قَلَائِدِ الْهَدْيِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ فَتَلْت قَلَائِدَ بُدْنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِيَدَيْ، ثُمَّ أَشْعَرَهَا وَقَلَّدَهَا، ثُمَّ بَعَثَ بِهَا إلَى الْبَيْتِ وَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ فَمَا حَرُمَ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَانَ لَهُ حَلَالًا» (وَلَا يَلْزَمُ بِذَلِكَ) أَيْ بِمَا ذَكَرَ مِنْ إشْعَارِهَا وَتَقْلِيدِهَا (ذَبْحُهَا) إذْ لَمْ تَصِرْ بِذَلِكَ هَدْيًا وَاجِبًا كَمَا لَوْ كَتَبَ الْوَقْفَ عَلَى بَابِ دَارِهِ أَوْ غَيْرِهِ بِلَا نِيَّةٍ (فَإِنْ عَطِبَ) الْهَدْيُ (فِي الطَّرِيقِ، وَكَانَ تَطَوُّعًا فَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ) بِبَيْعٍ وَأَكْلٍ وَغَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ ثَابِتٌ عَلَيْهِ (أَوْ) كَانَ (نَذْرًا لَزِمَهُ ذَبْحُهُ) مَكَانَهُ لِلْخَبَرِ الْآتِي؛ وَلِأَنَّهُ هَدْيٌ مَعْكُوفٌ عَلَى الْحَرَمِ فَوَجَبَ نَحْرُهُ مَكَانَهُ كَهَدْيِ الْمُحْصَرِ، وَلَيْسَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِمَا يُزِيلُ الْمِلْكَ أَوْ يَئُولُ إلَى زَوَالِهِ كَالْوَصِيَّةِ وَالْهِبَةِ وَالرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ بِالنَّذْرِ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ وَصَارَ لِلْمَسَاكِينِ وَفَارَقَ مَا لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ إعْتَاقُ هَذَا الْعَبْدِ حَيْثُ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ إلَّا بِإِعْتَاقِهِ، وَإِنْ امْتَنَعَ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِأَنَّ الْمِلْكَ يَنْتَقِلُ هُنَا إلَى الْمَسَاكِينِ فَانْتَقَلَ بِنَفْسِ النَّذْرِ كَالْوَقْفِ.
وَأَمَّا الْمِلْكُ فِي الْعَبْدِ فَلَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِ، وَلَا إلَى غَيْرِهِ بَلْ يَنْفَكُّ الْعَبْدُ عَنْهُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَذْبَحْهُ حَتَّى تَلِفَ (ضَمِنَهُ) لِتَفْرِيطِهِ كَنَظِيرِهِ فِي الْوَدِيعَةِ، وَسَيَأْتِي فِيهِ زِيَادَةٌ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَمَا ذُكِرَ فِي النَّذْرِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ مَحَلُّهُ فِي الْمُعَيَّنِ ابْتِدَاءً، فَلَوْ كَانَ قَدْ عَيَّنَهُ عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ عَادَ إلَى مِلْكِهِ بِالْعَطَبِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَيَتَصَرَّفُ فِيهِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ النَّصِّ وَالْأَصْلُ بَاقٍ فِي ذِمَّتِهِ (ثُمَّ) بَعْدَ ذَبْحِهِ (يَغْمِسُ تِلْكَ النَّعْلَ) الَّتِي قَلَّدَهُ بِهَا فِي دَمِهِ (وَيَضْرِبُ بِهَا سَنَامَهُ) وَيَتْرُكُهُ لِيَعْلَمَ مَنْ مَرَّ بِهِ أَنَّهُ هَدْيٌ فَيَأْكُلُ مِنْهُ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَبْعَثُ مَعَ أَبِي قَبِيصَةَ بِالْبُدْنِ، ثُمَّ يَقُولُ إنْ عَطِبَ مِنْهَا شَيْءٌ فَخَشِيتَ عَلَيْهِ مَوْتًا فَانْحَرْهَا، ثُمَّ اغْمِسْ نَعْلَهَا فِي دَمِهَا، ثُمَّ اضْرِبْ بِهِ صَفْحَتَهَا، وَلَا تَطْعَمْهَا أَنْتَ، وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ رُفْقَتِك» (فَإِنْ) وَفِي نُسْخَةٍ فَإِذَا (كَانَ) الْهَدْيُ (نَذْرًا حَلَّ) لِمَنْ مَرَّ بِهِ غَيْرَ مَنْ يَأْتِي الْأَكْلَ مِنْهُ (وَإِنْ لَمْ يَقُلْ) مَنْ أَهْدَاهُ (أَبَحْتُهُ) لِمَنْ يَأْكُلُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ بِالنَّذْرِ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ وَصَارَ لِلْمَسَاكِينِ كَمَا مَرَّ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَتَقْيِيدُهُمْ بِالْأَكْلِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَحِلُّ غَيْرُهُ حَتَّى لَوْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ جَمِيعَهُ أَوْ يَأْكُلَ وَيَنْقُلَ مَعَهُ بَعْضَهُ لَمْ يَجُزْ، وَهُوَ نَظِيرُ السِّقَايَةِ الْمُسَبَّلَةِ فِي الطَّرِيقِ يَجُوزُ لِلْمَارِّ الشُّرْبُ مِنْهَا، وَلَا يَجُوزُ نَقْلُ الْمَاءِ مَعَهُ مِنْهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ انْتَهَى.
وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْمَاءَ لَا يَمْلِكُهُ الْمَارَّةُ بِخِلَافِ الْهَدْيِ يَمْلِكُونَهُ؛ لِأَنَّهُمْ بَدَلٌ عَنْ فُقَرَاءِ الْحَرَمِ الَّذِينَ يَمْلِكُونَهُ بِالنَّذْرِ وَمَعَ هَذَا فَالظَّاهِرُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُمْ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَكْلِ (وَيَتَوَقَّفُ التَّطَوُّعُ) أَيْ حِلُّ هَدْيِهِ إذَا ذَبَحَهُ (عَلَى الْإِبَاحَةِ) كَأَنْ يَقُولَ أَبَحْتُهُ لِلْفُقَرَاءِ أَوْ الْمَسَاكِينِ أَوْ جَعَلْته لَهُمْ (وَلِمَنْ وَجَدَهُ الْأَكْلُ) مِنْهُ (وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْإِبَاحَةِ) ؛ لِأَنَّ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ، وَلَا تَطْعَمْهَا أَنْتَ، وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ رُفْقَتِك) قَالَ شَيْخُنَا أَيْ لِمَا فِيهِ مِنْ التُّهْمَةِ الْحَاصِلَةِ لَهُمْ بِأَنَّهُمْ أَعْطَبُوهَا وَرُبَّمَا اتَّخَذُوا ذَلِكَ ذَرِيعَةً لِأَكْلِهَا فَحَسَمَ بَابَ أَكْلِهِمْ مِنْهَا حَيْثُ عَطِبَتْ أَمَّا لَوْ ذُبِحَتْ، وَهِيَ سَلِيمَةٌ لَا عَطَبَ فِيهَا فَيَنْبَغِي لِرَفِيقِهِ جَوَازُ الْأَكْلِ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُمْ فُقَرَاءُ حَاضِرُونَ بِالْحَرَمِ كَمَا سَيُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ بَعْدَ كَاتِبِهِ