الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَنْ نَسِيَ مِنْ نُسُكِهِ شَيْئًا أَوْ تَرَكَهُ فَلْيُهْرِقْ دَمًا رَوَاهُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادِهِ صَحِيحٍ وَشَرْطُ لُزُومِهِ أَنْ يُحْرِمَ بَعْدَ الْمُجَاوَزَةِ كَمَا عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ وَأَنْ يُحْرِمَ فِي تِلْكَ السَّنَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُحْرِمْ أَصْلًا؛ لِأَنَّ لُزُومَهُ إنَّمَا هُوَ لِنُقْصَانِ النُّسُكِ لَا بَدَلَ مِنْهُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا أَحْرَمَ فِي سَنَةٍ أُخْرَى؛ لِأَنَّ إحْرَامَ هَذِهِ السَّنَةِ لَا يَصْلُحُ لِإِحْرَامِ غَيْرِهَا، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّ الْكَافِرَ إذَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ، ثُمَّ أَسْلَمَ وَأَحْرَمَ دُونَهُ يَكُنْ كَالْمُسْلِمِ فِيمَا ذُكِرَ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي بَابِ حَجِّ الصَّبِيِّ (وَيَسْقُطُ) عَنْهُ الدَّمُ (مَتَى عَادَ) ؛ لِأَنَّهُ قَطَعَ الْمَسَافَةَ مِنْ الْمِيقَاتِ مُحْرِمًا وَأَدَّى الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا بَعْدَهُ فَكَانَ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ مِنْهُ سَوَاءٌ أَكَانَ دَخَلَ مَكَّةَ أَمْ لَا (لَا) إنْ عَادَ (بَعْدَ التَّلَبُّسِ بِنُسُكٍ وَلَوْ طَوَافَ الْقُدُومِ) فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ لِتَأَدِّي النُّسُكِ بِإِحْرَامٍ نَاقِصٍ.
(، وَالْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ أَفْضَلُ مِنْهُ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ) خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ فِي تَصْحِيحِهِ عَكْسَهُ «؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَحْرَمَ بِحَجَّتِهِ وَبِعُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ» رَوَى الْأَوَّلَ الشَّيْخَانِ وَالثَّانِيَ الْبُخَارِيُّ؛ وَلِأَنَّ فِي مُصَابَرَةِ الْإِحْرَامِ بِالتَّقْدِيمِ عُسْرًا، وَتَغْرِيرًا بِالْعِبَادَةِ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا، وَإِنَّمَا جَازَ قَبْلَ الْمِيقَاتِ الْمَكَانِيِّ لَا قَبْلَ الزَّمَانِيِّ؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الْعِبَادَةِ بِالْوَقْتِ أَشَدُّ مِنْهُ بِالْمَكَانِ، وَلِأَنَّ الْمَكَانِيَّ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ بِخِلَافِ الزَّمَانِيِّ.
(فَصْلٌ مِيقَاتُ الْعُمْرَةِ
مِيقَاتُ الْحَجِّ) لِقَوْلِهِ فِي الْخَبَرِ السَّابِقِ «مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ» (إلَّا لِمَنْ فِي الْحَرَمِ) مَكِّيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ (فَمِيقَاتُهُ الْوَاجِبُ أَدْنَى الْحِلِّ) فَيَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ، وَلَوْ بِقَلِيلٍ مِنْ أَيْ جَانِبٍ شَاءَ لِلْجَمْعِ فِيهَا بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ كَالْجَمْعِ فِي الْحَجِّ بَيْنَهُمَا بِوُقُوفِهِ بِعَرَفَةَ «وَلِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ عَائِشَةَ بِالْخُرُوجِ إلَى الْحِلِّ لِلْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فَلَوْ لَمْ يَجِبْ الْخُرُوجُ لَأَحْرَمَتْ مِنْ مَكَانِهَا لِضِيقِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عِنْدَ رَحِيلِ الْحَاجِّ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ " الْوَاجِبُ " مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَالْأَفْضَلُ) مِنْ بِقَاعُ الْحِلِّ لِإِحْرَامِهِ بِالْعُمْرَةِ (الْجِعْرَانَةُ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَهِيَ بِإِسْكَانِ الْعَيْنِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ أَفْصَحُ مِنْ كَسْرِ الْعَيْنِ وَتَثْقِيلِ الرَّاءِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ الْمُحَدِّثِينَ عَلَى الثَّانِي ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَهِيَ فِي طَرِيقِ الطَّائِفِ عَلَى سِتَّةِ فَرَاسِخَ مِنْ مَكَّةَ (ثُمَّ التَّنْعِيمُ) لِأَمْرِهِ صلى الله عليه وسلم عَائِشَةَ بِالِاعْتِمَارِ مِنْهُ، وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي عِنْدَ الْمَسَاجِدِ الْمَعْرُوفَةِ بِمَسَاجِدِ عَائِشَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ فَرْسَخٌ وَسُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ عَلَى يَمِينِهِ جَبَلًا يُقَالُ لَهُ نُعَيْمٌ وَعَلَى شِمَالِهِ جَبَلًا يُقَالُ لَهُ نَاعِمٌ وَالْوَادِي نُعْمَانُ (ثُمَّ الْحُدَيْبِيَةُ) بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ أَفْصَحُ مِنْ تَثْقِيلِهَا وَهِيَ اسْمٌ لِبِئْرٍ هُنَاكَ بَيْنَ طَرِيقِ جُدَّةَ وَطَرِيقِ الْمَدِينَةِ بَيْنَ جَبَلَيْنِ عَلَى سِتَّةِ فَرَاسِخَ مِنْ مَكَّةَ وَذَلِكَ «؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم هَمَّ بِالِاعْتِمَارِ مِنْهَا فَصَدَّهُ الْكُفَّارُ فَقَدَّمَ فِعْلَهُ، ثُمَّ أَمْرَهُ، ثُمَّ هَمَّهُ» كَذَا قَالَ الْغَزَالِيُّ: إنَّهُ هَمَّ بِالِاعْتِمَارِ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ كَانَ أَحْرَمَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ إلَّا أَنَّهُ هَمَّ بِالدُّخُولِ إلَى مَكَّةَ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ «وَإِنَّمَا أَعْمَرَ عَائِشَةَ مِنْ التَّنْعِيمِ» وَمَعَ أَنَّ الْإِحْرَامَ مِنْ الْجِعْرَانَةِ أَفْضَلُ لِضِيقِ الْوَقْتِ، أَوْ لِبَيَانِ الْجَوَازِ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ وَلَيْسَ التَّفْضِيلُ لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ فَإِنَّ الْجِعْرَانَةَ وَالْحُدَيْبِيَةَ مَسَافَتُهُمَا إلَى مَكَّةَ وَاحِدَةٌ: سِتَّةُ فَرَاسِخَ وَالتَّنْعِيمُ مَسَافَتُهُ إلَيْهَا فَرْسَخٌ كَمَا مَرَّ فَهُوَ أَقْرَبُ إلَيْهَا مِنْهُمَا فَإِنْ لَمْ يُحْرِمْ مِنْ أَحَدِ الثَّلَاثَةِ نُدِبَ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَرَمِ بَطْنَ وَادٍ، ثُمَّ يُحْرِمَ كَمَا فِي التَّتِمَّةِ وَغَيْرِهَا وَحَكَاهُ فِي الْإِبَانَةِ عَنْ الشَّافِعِيِّ (وَإِذَا أَحْرَمَ بِهَا مِنْ مَكَّةَ وَتَمَّمَ) أَفْعَالَهَا (وَلَمْ يَخْرُجْ) إلَى الْحِلِّ قَبْلَ تَلَبُّسِهِ بِفَرْضٍ مِنْهَا (أَجْزَأَهُ) مَا أَحْرَمَ بِهِ (وَلَزِمَهُ الدَّمُ) لِأَنَّ الْإِسَاءَةَ بِتَرْكِ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ إنَّمَا تَقْتَضِي لُزُومَ الدَّمِ لَا عَدَمَ الْإِجْزَاءِ (وَمَتَى عَادَ) يَعْنِي خَرَجَ إلَى الْحِلِّ (قَبْلَ التَّلَبُّسِ بِفَرْضٍ سَقَطَ) عَنْهُ الدَّمُ لِمَا مَرَّ.
(بَابُ بَيَانِ وُجُوهِ الْإِحْرَامِ
وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ) عِبَارَةُ الْأَصْلِ بِهَا (الْإِفْرَادُ، ثُمَّ التَّمَتُّعُ، ثُمَّ الْقِرَانُ أَفْضَلُ) عَلَى الْأَصَحِّ مَنْشَأُ الْخِلَافِ اخْتِلَافُ الرُّوَاةِ فِي إحْرَامِهِ صلى الله عليه وسلم
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
وَإِنْ طَلُقَتْ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ.
(قَوْلُهُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا أَحْرَمَ فِي سَنَةٍ أُخْرَى إلَخْ) فَإِنْ كَانَ النُّسُكُ الَّذِي أَحْرَمَ بِهِ عُمْرَةً لَزِمَهُ الدَّمُ سَوَاءٌ اعْتَمَرَ فِي سَنَةِ الْمُجَاوَزَةِ أَمْ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتٌ لِلْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ (قَوْلُهُ وَيَسْقُطُ مَتَى عَادَ) ظَاهِرُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّ الدَّمَ وَجَبَ ثُمَّ سَقَطَ بِالْعَوْدِ، وَهُوَ وَجْهٌ فِي الْحَاوِي وَصَحَّحَ أَعْنِي الْمَاوَرْدِيَّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا بِفَوَاتِ الْعَوْدِ كَمَا لَوْ جَاوَزَ، وَلَمْ يُحْرِمْ فَإِنَّ الدَّمَ إنَّمَا يَجِبُ بِفَوَاتِ الْعَوْدِ وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْإِسَاءَةَ هُنَا تَأَكَّدَتْ بِالْإِحْرَامِ، وَلِهَذَا لَا يَنْفَعُهُ الْعَوْدُ عَلَى وَجْهٍ وَقِيلَ إنَّهُ يُرَاعَى إنْ لَمْ يَعُدْ تَبَيَّنَ وُجُوبُهُ عَلَيْهِ، وَإِلَّا تَبَيَّنَ عَدَمُهُ وَإِذَا سَقَطَ بِالدَّمِ عَنْ الْمُجَاوِزِ بِالْعَوْدِ بَانَ أَنَّ الْمُجَاوَزَةَ لَمْ تَكُنْ حَرَامًا جَزَمَ بِذَلِكَ الْمَحَلِّيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَحَكَاهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ صَاحِبِ الْبَيَانِ وَأَقَرَّهُ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ شَرْطُ انْتِفَاءِ التَّحْرِيمِ أَنْ تَكُونَ الْمُجَاوَزَةُ بِنِيَّةِ الْعَوْدِ وَقَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ، وَلَا بُدَّ مِنْهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ مَا صَحَّحَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ بَعِيدٌ وَكَيْفَ يُقَالُ إنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّ لَهُ الْمُجَاوَزَةَ ثُمَّ يَعُودُ وَقَدْ نَقَلَ النَّوَوِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى تَحْرِيمِ الْمُجَاوَزَةِ فَالصَّحِيحُ أَوْ الصَّوَابُ أَنَّهُ مُسِيءٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ مَا ذَكَرُوهُ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْإِسَاءَةِ ارْتَفَعَ بِرُجُوعِهِ وَتَوْبَتِهِ وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ خِلَافٌ
(قَوْلُهُ وَالْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ أَفْضَلُ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ) لَكِنْ لَوْ نَذَرَهُ مِنْهَا لَزِمَهُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَكَمُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ.
[فَصْلٌ مِيقَاتُ الْعُمْرَةِ]
(قَوْلُهُ فَمِيقَاتُهُ الْوَاجِبُ أَدْنَى الْحِلِّ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ لَوْ خَطَا بِإِحْدَى قَدَمَيْهِ إلَى الْحِلِّ وَبَاقِيهِ فِي الْحَرَمِ فَإِنْ كَانَ مُعْتَمِدًا عَلَى الْبَاقِي فِي الْحَرَمِ أَوْ عَلَى الْقَدَمَيْنِ مَعًا فَلَيْسَ بِخَارِجٍ وَإِنْ كَانَ مُعْتَمِدًا عَلَى الْقَدَمِ الْخَارِجِ فَقَطْ فَفِيهِ احْتِمَالٌ، وَلَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا انْتَهَى وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ خَارِجٌ (قَوْلُهُ وَالْأَفْضَلُ الْجِعْرَانَةُ إلَخْ) قَالَ يُوسُفُ بْنَ وَأَسْحُتٌ اعْتَمَرَ مِنْهَا ثَلَاثُمِائَةِ نَبِيٍّ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (قَوْلُهُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَالصَّوَابُ إلَخْ) يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ هَمَّ أَوَّلًا بِالِاعْتِمَارِ مِنْهَا ثُمَّ بَعْدَ إحْرَامِهِ هَمَّ بِالدُّخُولِ مِنْهَا.
[بَابُ بَيَانِ وُجُوهِ الْإِحْرَامِ]
(بَابُ بَيَانِ وُجُوهِ الْإِحْرَامِ إلَخْ)(قَوْلُهُ الْإِفْرَادُ ثُمَّ التَّمَتُّعُ ثُمَّ الْقِرَانُ أَفْضَلُ)
رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ جَابِرٍ وَعَائِشَةَ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَفْرَدَ الْحَجَّ» وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا وَرَوَيَا «عَنْ أَنَسٍ قَالَ سَمِعْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا» وَرَوَيَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَحْرَمَ مُتَمَتِّعًا وَرُجِّحَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ رُوَاتَهُ أَكْثَرُ وَبِأَنَّ جَابِرًا مِنْهُمْ أَقْدَمُ صُحْبَةً وَأَشَدُّ عِنَايَةً بِضَبْطِ الْمَنَاسِكِ وَبِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم اخْتَارَهُ أَوَّلًا كَمَا سَيَأْتِي وَبِالْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ وَبِأَنَّ الْمُفْرِدَ لَمْ يَرْبَحْ مَا رَبِحَهُ الْمُتَمَتِّعُ مِنْ اسْتِبَاحَةِ الْمَحْظُورَاتِ، وَلَا مَا رَبِحَهُ مِنْ انْدِرَاجِ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ تَحْتَ الْحَجِّ فَهُوَ أَشَقُّ عَمَلًا، وَبِأَنَّ التَّمَتُّعَ وَالْقِرَانَ يَجِبُ فِيهِمَا الدَّمُ بِخِلَافِ الْإِفْرَادِ، وَالْجَبْرُ دَلِيلُ النُّقْصَانِ وَأَمَّا تَمَنِّيهِ صلى الله عليه وسلم التَّمَتُّعَ بِقَوْلِهِ «لَوْ اسْتَقْبَلْت مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرَتْ مَا أَهْدَيْت وَلَجَعَلْتهَا عُمْرَةً» فَلِتَطْيِيبِ قُلُوبِ الصَّحَابَةِ حَيْثُ حَزِنُوا عَلَى عَدَمِ الْمُوَافَقَةِ لَمَّا أَمَرَهُمْ بِالِاعْتِمَارِ لِعَدَمِ الْهَدْيِ قَالَ الْقَاضِي؛ وَلِأَنَّ ظَاهِرَ الْخَبَرِ مِنْ أَنَّ الْإِهْدَاءَ يَمْنَعُ الِاعْتِمَارَ غَيْرُ مُرَادٍ إجْمَاعًا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ.
وَالصَّوَابُ الَّذِي نَعْتَقِدُهُ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْعُمْرَةَ» وَخُصَّ بِجَوَازِهِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ لِلْحَاجَةِ وَأَمَرَ بِهِ فِي قَوْلِهِ «لَبَّيْكَ عُمْرَةً فِي حِجَّةٍ» وَبِهَذَا يَسْهُلُ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ فَعُمْدَةُ رُوَاةِ الْإِفْرَادِ وَهُمْ الْأَكْثَرُ أَوَّلُ الْإِحْرَامِ وَعُمْدَةُ رُوَاةِ الْقِرَانِ آخِرُهُ، وَمَنْ رَوَى التَّمَتُّعَ أَرَادَ التَّمَتُّعَ اللُّغَوِيَّ، وَهُوَ الِانْتِفَاعُ، وَقَدْ انْتَفَعَ بِالِاكْتِفَاءِ بِفِعْلٍ وَاحِدٍ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَعْتَمِرْ فِي تِلْكَ السَّنَةِ عُمْرَةً مُفْرَدَةً وَلَوْ جُعِلَتْ حِجَّةً مُفْرَدَةً لَكَانَ غَيْرَ مُعْتَمِرٍ فِي تِلْكَ السَّنَةِ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ الْحَجَّ وَحْدَهُ أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَانِ فَانْتَظَمَتْ الرِّوَايَاتُ فِي حِجَّتِهِ فِي نَفْسِهِ، وَأَمَّا الصَّحَابَةُ فَكَانُوا ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ قِسْمٌ أَحْرَمُوا بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ أَوْ بِحَجٍّ وَمَعَهُمْ هَدْيٌ وَقِسْمٌ بِعُمْرَةٍ فَفَرَغُوا مِنْهَا، ثُمَّ أَحْرَمُوا بِحَجٍّ وَقِسْمٌ بِحَجٍّ، وَلَا هَدْيَ مَعَهُمْ فَأَمَرَهُمْ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَقْلِبُوهُ عُمْرَةً، وَهُوَ مَعْنَى فَسْخِ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ، وَهُوَ خَاصٌّ بِالصَّحَابَةِ أَمَرَهُمْ بِهِ صلى الله عليه وسلم لِبَيَانِ مُخَالَفَةِ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّةُ مِنْ تَحْرِيمِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَاعْتِقَادِهِمْ أَنَّ إيقَاعَهَا فِيهِ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ كَمَا «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَدْخَلَ الْعُمْرَةَ عَلَى الْحَجِّ» لِذَلِكَ وَدَلِيلُ التَّخْصِيصِ خَبَرُ أَبِي دَاوُد «عَنْ الْحَارِثِ بْنِ بِلَالٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت فَسْخَ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ لَنَا خَاصَّةً أَمْ لِلنَّاسِ عَامَّةً فَقَالَ: بَلْ لَكُمْ خَاصَّةً» فَانْتَظَمَتْ الرَّاوِيَاتُ فِي إحْرَامِهِمْ أَيْضًا فَمَنْ رَوَى أَنَّهُمْ كَانُوا قَارِنِينَ أَوْ مُتَمَتِّعِينَ أَوْ مُفْرِدِينَ أَرَادَ بَعْضَهُمْ وَهُمْ الَّذِينَ عُلِمَ ذَلِكَ مِنْهُمْ، وَظُنَّ أَنَّ الْبَقِيَّةَ مِثْلُهُمْ.
وَأَمَّا تَفْضِيلُ التَّمَتُّعِ عَلَى الْقِرَانِ فَلِأَنَّهُ أَكْثَرُ عَمَلًا وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ، ثُمَّ الْقِرَانُ أَيْ أَفْضَلُ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْحَجِّ، ثُمَّ الْحَجُّ أَفْضَلُ مِنْ الْعُمْرَةِ.
(فَالْإِفْرَادُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ وَحْدَهُ وَيَفْرُغُ مِنْهُ، ثُمَّ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ) وَمَحَلُّ أَفْضَلِيَّتِهِ عَلَى التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ أَنْ يَعْتَمِرَ (مِنْ سَنَتِهِ فَإِنْ لَمْ يَعْتَمِرْ فِيهَا فَهُمَا أَفْضَلُ مِنْهُ) لِأَنَّهُ يُكْرَهُ تَأْخِيرُ الِاعْتِمَارِ عَنْهَا كَمَا مَرَّ (وَأَمَّا الْقِرَانُ فَهُوَ أَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا أَوْ بِالْعُمْرَةِ، وَلَوْ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ يُدْخِلُهُ) أَيْ الْحَجَّ (عَلَيْهَا فِي أَشْهُرِهِ قَبْلَ) الشُّرُوعِ فِي (الطَّوَافِ) دَلِيلُ الصُّورَةِ الْأُولَى الْإِجْمَاعُ وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ حِجَّةِ الْوَدَاعِ فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِهِمَا» وَدَلِيلُ الثَّانِيَةِ خَبَرُ مُسْلِمٍ «أَنَّ عَائِشَةَ أَحْرَمَتْ بِعُمْرَةٍ فَدَخَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَوَجَدَهَا تَبْكِي فَقَالَ مَا شَأْنُك قَالَتْ حِضْت، وَقَدْ حَلَّ النَّاسُ، وَلَمْ أَحْلُلْ، وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ فَقَالَ لَهَا أَهِلِّي بِالْحَجِّ فَفَعَلَتْ وَوَقَفَتْ الْمَوَاقِفَ حَتَّى إذَا طَهُرَتْ طَافَتْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَقَالَ لَهَا قَدْ حَلَلْت مِنْ حَجِّك وَعُمْرَتِك جَمِيعًا» .
(وَلَا يَجُوزُ) إدْخَالُ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ (بَعْدَهُ) بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الطَّوَافِ وَلَوْ بِخُطْوَةٍ لِاتِّصَالِ إحْرَامِهَا بِمَقْصُودِهِ، وَهُوَ أَعْظَمُ أَفْعَالِهَا فَيَقَعُ عَنْهَا وَلَا يَنْصَرِفُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى غَيْرِهَا؛ وَلِأَنَّهُ أَخَذَ فِي التَّحَلُّلِ الْمُقْتَضِي لِنُقْصَانِ الْإِحْرَامِ فَلَا يَلِيقُ بِهِ إدْخَالُ الْإِحْرَامِ الْمُقْتَضِي لِقُوَّتِهِ فَلَوْ اسْتَلَمَ الْحَجَرَ بِنِيَّةِ الطَّوَافِ فَفِي صِحَّةِ الْإِدْخَالِ وَجْهَانِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ يَنْبَغِي تَصْحِيحُ الْجَوَازِ؛ لِأَنَّهُ مُقَدَّمَتُهُ لَا بَعْضُهُ قَالَ وَلَوْ شَكَّ هَلْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الطَّوَافِ أَوْ بَعْدَهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ أَصْحَابُنَا: صَحَّ إحْرَامُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ جَوَازُ إدْخَالِ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ حَتَّى يَتَّقِينَ الْمَنْعَ فَصَارَ كَمَنْ أَحْرَمَ وَتَزَوَّجَ، وَلَمْ يَدْرِ هَلْ كَانَ إحْرَامُهُ قَبْلَ تَزَوُّجِهِ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ تَزَوُّجُهُ وَإِذَا أَحْرَمَ بِهِمَا أَوْ بِالْعُمْرَةِ، ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهَا الْحَجَّ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الطَّوَافِ (فَتَنْدَرِجُ فِيهِ) فَيَكْفِيهِ عَمَلُ الْحَجِّ لِمَا رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ الَّذِينَ قَرَنُوا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا وَسَعَوْا سَعْيًا وَاحِدًا»
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَالَ الْبَارِزِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقِرَانُ أَفْضَلُ إنْ اعْتَمَرَ قَبْلَ الْحَجِّ أَوْ أَرَادَ الِاعْتِمَارَ بَعْدُ لِتَحْصُلَ لَهُ عُمْرَتَانِ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْإِفْرَادُ وَالتَّمَتُّعُ أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَانِ إذَا اقْتَصَرَ عَلَى عُمْرَةِ الْقِرَانِ قَالَ ابْنُ الْمُلَقَّنِ وَنَظِيرُهُ مَسْأَلَةُ التَّيَمُّمِ إذَا ظَنَّ الْمَاءَ آخِرَ الْوَقْتِ فَصَلَّى أَوَّلًا بِالتَّيَمُّمِ عَلَى قَصْدِ إعَادَتِهَا بِالْوُضُوءِ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ، وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ لَوْ تَمَتَّعَ وَلَكِنْ اعْتَمَرَ بَعْدَ الْحَجِّ يَظْهَرُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ أَفْضَلُ مِنْ الْإِفْرَاد لِتَحْصُلَ صُورَةُ الْإِفْرَادِ مَعَ اعْتِمَارِ عُمْرَتَيْنِ قَالَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ: إنَّمَا ذَكَرَ الْأَصْحَابُ هَذَا التَّفْصِيلَ عِنْدَ تَأْدِيَةِ نُسُكَيْنِ فَقَطْ وَفِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ قَدْ أَدَّى ثَلَاثَةَ نُسُكٍ.
(قَوْلُهُ فَالْإِفْرَادُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ وَحْدَهُ إلَخْ) اسْمُ الْإِفْرَادِ صَادِقٌ عَلَى صُوَرٍ إحْدَاهَا مَا ذَكَرَهُ، الثَّانِيَةُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْحَجِّ وَحْدَهُ صَرَّحَ بِأَنَّهُ مُفْرِدٌ بِلَا خِلَافٍ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَالْإِمَامُ، الثَّالِثَةُ إذَا اعْتَمَرَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ حَجَّ مِنْ الْمِيقَاتِ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَالْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَأَمَّا الْإِفْرَادُ الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ فَسَيَأْتِي بَيَانُهُ قَالَ شَيْخُنَا: هُوَ أَفْضَلُ مِنْ التَّمَتُّعِ الْمَشْهُورِ وَمِنْ الْقِرَانِ وَإِنْ صَدَقَ عَلَيْهِ اسْمُ التَّمَتُّعِ أَيْضًا وَهُوَ مَفْضُولٌ بِالنِّسْبَةِ لِصُورَةِ الْإِفْرَادِ الْأَصْلِيَّةِ (قَوْلُهُ ثُمَّ يُدْخِلُهُ عَلَيْهَا قَبْلَ الطَّوَافِ) شَمَلَ مَا لَوْ أَحْرَمَ بِهِ بَعْدَ مُجَاوَزَتِهِ الْمِيقَاتَ.