الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَغَيْرِهَا، فَإِنْ كَرِهَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ حُضُورَ بَعْضِ الْمَأْمُومِينَ (لَمْ يُكْرَهْ لَهُ الْحُضُورُ) ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ لَا يَرْتَبِطُ بِهِ.
(وَيُكْرَهُ أَنْ يَرْتَفِعَ أَحَدُ مَوْقِفَيْ الْإِمَامِ، وَالْمَأْمُومِ عَلَى الْآخَرِ) ؛ لِأَنَّ حُذَيْفَةَ أَمَّ النَّاسَ عَلَى دُكَّانٍ فِي الْمَدَائِنِ فَأَخَذَ ابْنُ مَسْعُودٍ بِقَمِيصِهِ فَجَذَبَهُ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يُنْهَوْنَ عَنْ ذَلِكَ قَالَ بَلَى قَدْ ذَكَرْت حِينَ جَذَبْتنِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَقِيسَ بِذَلِكَ عَكْسُهُ (فَإِنْ احْتَاجَهُ) أَيْ الِارْتِفَاعَ (الْإِمَامُ لِتَعْلِيمِ الصَّلَاةِ) ، أَوْ لِغَيْرِهِ (أَوْ الْمَأْمُومُ لِتَبْلِيغِ تَكْبِيرَةِ الْإِمَامِ) ، أَوْ لِغَيْرِهِ (اُسْتُحِبَّ) لِتَحْصِيلِ هَذَا الْمَقْصُودِ.
(وَأَفْضَلُ الصُّفُوفِ) لِلرِّجَالِ وَلَوْ مَعَ غَيْرِهِمْ وَلِلْخَنَاثَى الْخُلَّصِ وَلِلنِّسَاءِ كَذَلِكَ (أَوَّلُهَا) ، وَهُوَ الَّذِي يَلِي الْإِمَامَ وَإِنْ تَخَلَّلَهُ مِنْبَرٌ، أَوْ نَحْوُهُ (ثُمَّ الْأَقْرَبُ) ، فَالْأَقْرَبُ إلَيْهِ (وَ) أَفْضَلُهَا (لِلنِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ) أَوْ الْخَنَاثَى وَلِلْخَنَاثَى مَعَ الرِّجَالِ (آخِرُهَا) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَلْيَقُ وَأَسْتَرُ وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ «خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا» وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَعْتَمِدُوا يَمِينَ الْإِمَامِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ عَنْ الْبَرَاءِ «كُنَّا إذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَحْبَبْنَا أَنْ نَكُونَ عَنْ يَمِينِهِ يُقْبِلُ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، وَأَنْ يُوَسِّطُوا الْإِمَامَ وَيَكْتَنِفُوهُ مِنْ جَانِبَيْهِ» لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد «وَسِّطُوا الْإِمَامَ وَسُدُّوا الْخَلَلَ» قَالَ الْأَذْرَعِيُّ، وَقَدْ يُقَالُ قَضِيَّةُ قَاعِدَةِ أَنَّ الْمُحَافَظَةَ عَلَى فَضِيلَةٍ تَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الْعِبَادَةِ أَوْلَى مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِمَكَانِهَا أَنَّ الْوَاقِفَ فِي الصَّفِّ الثَّانِي بِقُرْبِ الْإِمَامِ يُشَاهِدُ أَفْعَالَهُ وَيَسْمَعُ قِرَاءَتَهُ وَيَقْفُو أَثَرَهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ أَفْضَلُ حَالًا مِنْ الْوَاقِفِ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ بَعِيدًا عَنْهُ لَا يَعْلَمُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا يَقْتَدِي بِصَوْتِ الْمُبَلِّغِ قَالَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ صَفٌّ عَلَى ظَهْرِ الْمَسْجِدِ بِحَيْثُ لَوْ كَانَ بِأَرْضِهِ لَكَانَ هُوَ الصَّفُّ الْأَوَّلُ وَوَقَفَ صَفٌّ ثَانٍ وَثَالِثٌ وَرَاءَ مَوْقِفِهِ، لَكِنْ بِأَرْضِ الْمَسْجِدِ كَانَا أَفْضَلَ مِنْهُ وَإِنْ تَقَدَّمَ عَلَيْهِمَا فِي الْمَوْقِفِ، وَالْأَحَادِيثُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْغَالِبِ.
(كِتَابُ) كَيْفِيَّةِ (صَلَاةِ الْمُسَافِرِ)
شُرِعَتْ تَخْفِيفًا عَلَيْهِ لِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ تَعَبِ السَّفَرِ، وَهِيَ نَوْعَانِ الْقَصْرُ، وَالْجَمْعُ وَذَكَرَ فِيهِ الْجَمْعَ بِالْمَطَرِ لِلْمُقِيمِ وَأَهَمُّهَا الْقَصْرُ وَلِهَذَا بَدَأَ الْمُصَنِّفُ كَغَيْرِهِ بِهِ فَقَالَ (وَلَهُ) أَيْ لِلْمُسَافِرِ (الْقَصْرُ بِالسَّفَرِ الطَّوِيلِ الْمُبَاحِ) طَاعَةً كَانَ كَسَفَرِ حَجٍّ أَوْ غَيْرَهَا وَلَوْ مَكْرُوهًا كَسَفَرِ تِجَارَةٍ وَسَفَرِ مُنْفَرِدٍ، وَالْأَصْلُ فِيهِ مَعَ مَا يَأْتِي قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ} [النساء: 101] الْآيَةَ قَالَ يَعْلَى بْنُ أُمَيَّةَ قُلْت لِعُمَرَ إنَّمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إنْ خِفْتُمْ، وَقَدْ أَمِنَ النَّاسُ فَقَالَ عَجِبْت مِمَّا عَجِبْت مِنْهُ فَسَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ «صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَالْإِتْمَامُ جَائِزٌ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي فَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّه قَصَرْتَ وَأَتْمَمْتُ وَأَفْطَرْتَ وَصُمْتُ قَالَ أَحْسَنْت يَا عَائِشَةُ» .
وَأَمَّا خَبَرُ «فُرِضَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ» أَيْ فِي السَّفَرِ فَمَعْنَاهُ لِمَنْ أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَيْهِمَا جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ (لَا) بِالسَّفَرِ (الْقَصِيرِ) ، أَوْ الْمَشْكُوكِ فِي طُولِهِ فَلَا يَجُوزُ فِيهِ الْقَصْرُ (وَلَوْ فِي الْخَوْفِ) لِمَا سَيَأْتِي فِي بَيَانِ السَّفَرِ الطَّوِيلِ وَلَا فَرْقَ فِي عَدَمِ الْقَصْرِ فِي الْخَوْفِ بَيْنَ الصُّبْحِ وَغَيْرِهَا وَلَا فِي جَوَازِهِ إلَى رَكْعَتَيْنِ بَيْنَ الْخَوْفِ وَغَيْرِهِ وَأَمَّا خَبَرُ مُسْلِمٍ «فَرَضَ اللَّهُ الصَّلَاةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ فِي الْحَضَرِ أَرْبَعًا وَفِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةً» فَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ يُصَلِّي فِي الْخَوْفِ رَكْعَةً مَعَ الْإِمَامِ وَيَنْفَرِدُ بِأُخْرَى وَمَحَلُّ الْقَصْرِ (إذَا كَانَ) السَّفَرُ (إلَى مَقْصِدٍ مَعْلُومٍ) فَلَا قَصْرَ لِلْهَائِمِ، وَهُوَ الَّذِي لَا يَدْرِي أَيْنَ يَتَوَجَّهُ، وَإِنْ سَلَكَ طَرِيقًا وَلَا لِرَاكِبِ التَّعَاسِيفِ.
وَهُوَ الَّذِي لَا يَدْرِي أَيْنَ يَتَوَجَّهُ وَلَا يَسْلُكُ طَرِيقًا سَوَاءٌ أَطَالَ سَفَرُهُمَا أَمْ لَا، وَقِيلَ: هُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَهُوَ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ وَنَقَلَ الْإِمَامُ عَنْ الصَّيْدَلَانِيِّ أَنَّ الْهَائِمَ عَاصٍ، أَيْ: لِأَنَّ إتْعَابَ النَّفْسِ بِالسَّفَرِ بِلَا غَرَضٍ حَرَامٌ كَمَا سَيَأْتِي وَمِثْلُهُ رَاكِبُ التَّعَاسِيفِ بَلْ أَوْلَى وَيَحْصُلُ ابْتِدَاءُ السَّفَرِ مِنْ بَلَدٍ لَهُ سُورٌ (بِمُفَارَقَةِ سُورِ الْبَلَدِ الْمُخْتَصِّ بِهِ) ، وَإِنْ تَعَدَّدَ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ دُونَ السُّورِ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ أَنْ يَرْتَفِعَ أَحَدُ مَوْقِفَيْ الْإِمَامِ إلَخْ) لَوْ حَضَرَ مَأْمُومٌ فَلَمْ يَجِدْ إلَّا مُرْتَفَعًا لَمْ يُكْرَهْ لَهُ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا أَمْكَنَ وُقُوفُهُمْ عَلَى مُسْتَوٍ، فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مِنْ وُقُوفِ أَحَدِهِمَا أَعْلَى مِنْ الْآخَرِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يَقِفَ الْإِمَامُ عَلَى الْعَالِي إذَا أَمْكَنَ (قَوْلُهُ: وَقِيسَ بِذَلِكَ عَكْسُهُ) قَالَ الْقَمُولِيُّ فِي جَوَاهِرِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ وَيَدْخُلُ فِيهِ مَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا فِي الْمَسْجِدِ، وَالْآخَرُ فِي سَطْحِهِ وَأَوْلَى هُنَا بِالْكَرَاهَةِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ الْإِمَامِ مَالِكٍ فِي عَدَمِ الصِّحَّةِ (قَوْلُهُ: وَأَفْضَلُ الصُّفُوفِ أَوَّلُهَا) لِمَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا اسْتِمَاعُ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ الثَّانِي أَنَّهُ أَخْشَعُ لِعَدَمِ اشْتِغَالِهِ عَنْ إمَامِهِ وَجِهَةُ الْيَمِينِ أَفْضَلُ قَالَ التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ «أَنَّ الرَّحْمَةَ تَنْزِلُ عَلَى الْإِمَامِ أَوَّلًا، ثُمَّ عَلَى مَنْ عَلَى يَمِينِهِ، ثُمَّ عَلَى مَنْ عَلَى يَسَارِهِ»
[كِتَابُ كَيْفِيَّةِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ]
(كِتَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ)
(قَوْلُهُ وَلَهُ الْقَصْرُ بِالسَّفَرِ الطَّوِيلِ إلَخْ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ لَنَا حَالَةٌ يَجِبُ فِيهَا قَصْرُ الصَّلَاةِ وَصُورَتُهُ إذَا نَوَى الْمُسَافِرُ تَأْخِيرَ الظُّهْرِ مَثَلًا إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ لِيَجْمَعَهَا مَعَهَا وَقَصَدَ أَيْضًا قَصْرَ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ تَأْخِيرُ الْإِحْرَامِ بِهَا إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ وَقْتِ الْعَصْرِ مِقْدَارٌ يَسَعُ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ يُوقِعُ فِيهِ الظُّهْرَ، وَالْعَصْرَ مَقْصُورَتَيْنِ فَإِذَا انْتَهَى إلَى هَذَا الْمِقْدَارِ وَجَبَ عَلَيْهِ قَصْرُ الظُّهْرِ بِلَا شَكٍّ إذْ لَوْ أَتَمَّهَا لَأَخْرَجَ الْعَصْرَ عَنْ وَقْتِهَا مَعَ إمْكَانِ فِعْلِهَا فِيهِ وَإِذَا قَصَرَ الظُّهْرَ وَأَرَادَ إتْمَامَ الْعَصْرِ، فَالْمُتَّجَهُ مَنْعُهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى إخْرَاجِ بَعْضِهَا، وَالصَّحِيحُ مَنْعُهُ، وَالْمَسْأَلَةُ لَمْ أَرَهَا مَسْطُورَةً، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ فِي نَظِيرٍ لَهَا مَا يُقَوِّي ذَلِكَ، وَيَأْتِي مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْعِشَاءِ أَيْضًا إذَا أَخَّرَ الْمَغْرِبَ لِيَجْمَعَهَا مَعَهَا وَلَوْ أَرْهَقَهُ حَدَثٌ وَعَلِمَ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ إنْ أَتَمَّ أَحْدَثَ، وَإِنْ قَصَرَ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ، فَالْمُتَّجَهُ وُجُوبُ الْقَصْرِ أَيْضًا (قَوْلُهُ: كَسَفَرِ تِجَارَةٍ) مِثَالٌ لِغَيْرِ الطَّاعَةِ وَقَوْلُهُ وَسَفَرِ مُنْفَرِدٍ مِثَالٌ لِلْمَكْرُوهِ (قَوْلُهُ: قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ} [النساء: 101] الْآيَةَ) ؛ لِأَنَّ نَفْيَ الْجُنَاحِ فِيهَا لَا يَدُلُّ عَلَى الْعَزِيمَةِ، وَالْقَصْرُ يُنْبِئُ عَنْ تَمَامٍ سَابِقٍ
الْجَامِعِ لِبِلَادٍ مُتَفَرِّقَةٍ كَمَا سَيَأْتِي وَمِنْ بَلَدٍ لَهُ بَعْضُ سُورٍ، وَهُوَ صَوْبُ سَفَرِهِ بِمُفَارَقَتِهِ (وَلَوْ لَاصَقَهُ) مِنْ خَارِجِهِ (بُنْيَانٌ) أَيْ عُمْرَانٌ (أَوْ مَقَابِرُ، أَوْ احْتَوَى عَلَى خَرَابٍ وَمَزَارِعَ) فَتَكْفِي مُفَارَقَةُ مَا ذُكِرَ وَلَا تُشْتَرَطُ مُفَارَقَةُ هَذِهِ الْأُمُورِ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ خَارِجَهُ كَالْأَوَّلَيْنِ لَا يُعَدُّ مِنْ الْبَلَدِ بِخِلَافِ مَا كَانَ دَاخِلَهُ كَالْأَخِيرَيْنِ.
وَإِطْلَاقُ الشَّيْخَيْنِ فِي الصَّوْمِ اشْتِرَاطَ مُفَارَقَةِ الْعُمْرَانِ حَيْثُ قَالَا وَإِذَا نَوَى لَيْلًا ثُمَّ سَافَرَ فَلَهُ الْفِطْرُ إنْ فَارَقَ الْعُمْرَانَ قَبْلَ الْفَجْرِ وَإِلَّا فَلَا يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا سَافَرَ مِنْ بَلَدٍ لَا سُورَ لَهَا لِيُوَافِقَ مَا هُنَا وَيُحْتَمَلُ بَقَاؤُهُ عَلَى إطْلَاقِهِ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّهُ ثَمَّ لَمْ يَأْتِ لِلْعِبَادَةِ بِبَدَلٍ بِخِلَافِهِ هُنَا وَكَالسُّورِ فِيمَا ذُكِرَ الْخَنْدَقُ قَالَهُ الْجِيلِيُّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ، وَهَلْ لِلسُّورِ، الْمُنْهَدِمِ حُكْمُ الْعَامِرِ فِيهِ نَظَرٌ قُلْت الْأَقْرَبُ أَنَّ لَهُ حُكْمَهُ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ قَرِيبًا مَا يُؤَيِّدُهُ (وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْبَلَدِ فِي صَوْبِ سَفَرِهِ سُورٌ) بِأَنْ سَافَرَ مِنْ بَلَدٍ لَا سُورَ لَهُ، أَوْ لَهُ بَعْضُ سُورٍ وَلَمْ يَكُنْ صَوْبَ سَفَرِهِ (اُشْتُرِطَ مُفَارَقَةُ الْعُمْرَانِ) ، وَإِنْ تَخَلَّلَهُ خَرَابٌ، أَوْ نَهْرٌ، أَوْ مَيْدَانٌ لِيُفَارِقَ مَوْضِعَ الْإِقَامَةِ (لَا) مُفَارَقَةُ (خَرَابٍ انْدَرَسَ فِي طَرَفِ الْبَلَدِ) ، أَوْ بَقِيَتْ بَقَايَا حِيطَانِهِ قَائِمَةً وَاِتَّخَذُوهُ مَزَارِعَ أَوْ هَجَرُوهُ بِالتَّحْوِيطِ عَلَى الْعَامِرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَوْضِعَ إقَامَةٍ.
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَفِي الْأَصْلِ عَنْ الْغَزَالِيِّ وَالْبَغَوِيِّ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ لِمَا ذُكِرَ، وَعَنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْجُوَيْنِيِّ اشْتِرَاطُ مُفَارَقَتِهِ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ مِنْ الْبَلَدِ، وَهُوَ مَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَصَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَالْأَوَّلُ قَالَ الرَّافِعِيُّ إنَّهُ الْمُوَافِقُ لِلنَّصِّ وَجَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي الْمِنْهَاجِ كَالْمُحَرَّرِ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ الصَّحِيحُ الْأَقْرَبُ إلَى النُّصُوصِ الِاشْتِرَاطُ (وَلَا تُشْتَرَطُ مُجَاوَزَةُ الْمَزَارِعِ، وَالْبَسَاتِينِ الْمُحَوَّطَةِ) وَغَيْرِ الْمُحَوَّطَةِ الْمَفْهُومَةِ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّهَا لَا تُتَّخَذُ لِلْإِقَامَةِ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ وَلَا تُشْتَرَطُ مُجَاوَزَةُ الْبَسَاتِينِ، وَالْمَزَارِعِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْبَلَدِ، وَإِنْ كَانَتْ مُحَوَّطَةً (وَلَوْ كَانَتْ مُتَّصِلَةً بِالْبَلَدِ وَفِيهَا دُورٌ يَسْكُنُهَا مُلَّاكُهَا) وَلَوْ (أَحْيَانًا) أَيْ فِي بَعْضِ فُصُولِ السَّنَةِ (اُشْتُرِطَ) مُجَاوَزَتُهَا هَذَا مَا فِي الرَّوْضَةِ كَالشَّرْحَيْنِ.
وَأَطْلَقَ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ عَدَمَ اشْتِرَاطِهَا وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ بَعْدَ نَقْلِهِ الْأَوَّلَ عَنْ الرَّافِعِيِّ وَفِيهِ نَظَرٌ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْجُمْهُورُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَتُهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَجْعَلُهَا مِنْ الْبَلَدِ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَبِهِ الْفَتْوَى (وَالْقَرْيَةُ) فِيمَا ذُكِرَ (كَالْبَلَدِ، وَالْقَرْيَتَانِ الْمُتَّصِلَتَانِ) فِيهِ (كَالْقَرْيَةِ، وَإِنْ انْفَصَلَتَا وَلَوْ يَسِيرًا فَبِمُجَاوَزَةِ قَرْيَتِهِ) فَلَا يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَتُهُ الْأُخْرَى (وَإِنْ جَمَعَ السُّورُ بَلَدَيْنِ مُتَقَارِبَتَيْنِ فَلِكُلٍّ) مِنْهُمَا (حُكْمُهُ) فَلَا تُشْتَرَطُ مُجَاوَزَةُ السُّورِ كَمَا فُهِمَ أَيْضًا مِنْ قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ سُورِ الْبَلَدِ الْمُخْتَصِّ بِهِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَالْقَرْيَتَانِ فِي ذَلِكَ كَالْبَلَدَيْنِ (وَمَنْ كَانَ فِي بَرِّيَّةٍ فَبِأَنْ يُفَارِقَ بُقْعَةَ رَحْلِهِ) الَّتِي هُوَ فِيهَا وَتُنْسَبُ إلَيْهِ (، أَوْ) فِي (رَبْوَةٍ، أَوْ وَهْدَةٍ، أَوْ وَادٍ) وَسَافَرَ عَرْضَهُ (فَبِأَنْ يَهْبِطَ) مِنْ الرَّبْوَةِ (أَوْ يَصْعَدَ) مِنْ الْوَهْدَةِ (أَوْ يُفَارِقَ عَرْضَ الْوَادِي إنْ اعْتَدَلَتْ) أَيْ الثَّلَاثَةُ، فَإِنْ أَفْرَطَتْ سِعَتُهَا فَبِأَنْ يُفَارِقَ مِنْهَا مَا يُعَدُّ مِنْ مَنْزِلِهِ، أَوْ مِنْ حِلَّةٍ هُوَ مِنْهَا كَمَا لَوْ سَافَرَ فِي طُولِ الْوَادِي وَمَحَلُّ اعْتِبَارِ عَرْضِهِ مُفَارَقَةُ عَرْضِهِ فِيمَا إذَا اعْتَدَلَ إذَا كَانَتْ الْبُيُوتُ فِي جَمِيعِ عَرْضِهِ، فَإِنْ كَانَتْ فِي بَعْضِهِ فَبِأَنْ يُفَارِقَهَا نَقَلَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ عَنْ أَصْحَابِنَا (وَ) مَنْ كَانَ فِي خِيَامِ حَيٍّ فَبِأَنْ (يُفَارِقَ خِيَامَ الْحَيِّ وَمَرَافِقَهُمْ) الشَّامِلَةَ لِقَوْلِهِ (وَمَعَاطِنَ إبِلِهِمْ) وَلِمَطْرَحِ الرَّمَادِ وَمَلْعَبِ الصِّبْيَانِ، وَالنَّادِي وَنَحْوِهَا كَالْمَاءِ، وَالْمُحْتَطَبِ إلَّا أَنْ يَتَّسِعَا بِحَيْثُ لَا يَخْتَصَّانِ بِالنَّازِلِينَ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ مَوْضِعِ الْإِقَامَةِ فَتُعْتَبَرُ مُفَارَقَتُهَا (وَإِنْ تَفَرَّقَتْ الْخِيَامُ) فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مُفَارَقَةِ ذَلِكَ (إنْ اتَّحَدَتْ الْمَحَلَّةُ) ، وَهِيَ مَنْزِلُ الْقَوْمِ وَعَبَّرَ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا بِالْحِلَّةِ بِتَرْكِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْحَاءِ، وَهِيَ بُيُوتٌ مُجْتَمِعَةٌ قَالَهُ ابْنُ مَالِكٍ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ إذْ مَعْنَاهُمَا فِي الْحَقِيقَةِ وَاحِدٌ وَاتِّحَادُهَا (بِاتِّحَادِ النَّادِي) الَّذِي يَجْتَمِعُونَ فِيهِ لِلسَّمَرِ (وَاسْتِعَارَةِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ) ، وَالْحِلَّتَانِ كَالْقَرْيَتَيْنِ وَيُعْتَبَرُ فِي سَفَرِ الْبَحْرِ الْمُتَّصِلِ سَاحِلُهُ بِالْبَلَدِ جَرْيُ السَّفِينَةِ، أَوْ الزَّوْرَقِ إلَيْهَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ، لَكِنْ فِي الْمَجْمُوعِ إذَا صَارَ خَارِجَ الْبَلَدِ تُرُخِّصَ، وَإِنْ كَانَ ظَهْرُهُ مُلْصَقًا بِالسُّورِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ آخِرَ عُمْرَانِ مَا لَا سُورَ لَهُ كَالسُّورِ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ سَيْرُ الْبَحْرِ يُخَالِفُ سَيْرَ الْبَرِّ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ: لَا مَا كَانَ خَارِجَهُ كَالْأَوَّلَيْنِ إلَخْ) أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ سَكَنَ فُلَانٌ خَارِجَ الْبَلَدِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ لَا يَجُوزُ لِمَنْ فِي الْبَلَدِ أَنْ يَدْفَعَ زَكَاتَهُ لِمَنْ هُوَ خَارِجَ السُّورِ؛ لِأَنَّهُ نَقْلٌ لِلزَّكَاةِ (قَوْلُهُ: قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَهَلْ لِلسُّورِ الْمُتَهَدِّمِ إلَخْ) قَالَ فِي غُنْيَتِهِ قُوَّةُ كَلَامِهِمْ تُفْهِمُ أَنَّ الْمُرَادَ سُورٌ عَامِرٌ أَمَّا الْمُتَهَدِّمُ كَسُورِ حَلَبَ فَكَالْعَدَمِ (قَوْلُهُ: قُلْت الْأَقْرَبُ أَنَّ لَهُ حُكْمَهُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ قَرِيبًا إلَخْ) جَزَمَ الدَّمِيرِيِّ بِأَنَّهُ كَالْعَدَمِ وَلَوْ كَانَ لِلْبَلَدِ سُورَانِ اُعْتُبِرَ مُجَاوَزَتُهُمَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ، وَقَدْ يُدَّعَى دُخُولُ ذَلِكَ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَفِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْجِيلِيِّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ خَنْدَقٌ فَلَا بُدَّ مِنْ مُجَاوَزَتِهِ قَالَ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ كَلَامُ غَيْرِهِ وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ بِبَابِ الْبَلَدِ قَنْطَرَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ مُجَاوَزَتِهَا اهـ.
وَعِبَارَةُ الْجِيلِيِّ، وَإِنْ كَانَ الْبَلَدُ مُسَوَّرًا بِسُورٍ، أَوْ خَنْدَقٍ فَلَا بُدَّ مِنْ مُجَاوَزَةِ الدَّرْبِ وَإِنْ كَانَ لِلْبَلَدِ سُورَانِ، أَوْ خَنْدَقَانِ فَلَا بُدَّ مِنْ مُجَاوَزَتِهِمَا اهـ.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ لَوْ أُنْشِئَتْ إلَى جَانِبِ جَبَلٍ لِيَكُونَ كَالسُّورِ لَهَا اُشْتُرِطَ فِي حَقِّ مَنْ يُسَافِرُ إلَى جِهَتِهِ أَنْ يَقْطَعَهُ إذَا كَانَ ارْتِفَاعُهُ مُقْتَصِدًا كَمَا قَالُوا فِي النَّازِلِ فِي وَهْدَةٍ إنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَصْعَدَ عِنْدَ الِاعْتِدَالِ وَلَا نَقْلَ عِنْدِي (قَوْلُهُ: أَوْ بَقِيَتْ بَقَايَا حِيطَانِهِ قَائِمَةً إلَخْ) يَصِحُّ إدْخَالُ كُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ فِي قَوْلِهِ انْدَرَسَ وَلَعَلَّهُ أَرَادَهُ وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ الْجُوَيْنِيُّ وَلَوْ سَوَّرُوا عَلَى الْعَامِرِ سُورًا وَعَلَى الْخَرَابِ سُورًا فَلَا بُدَّ مِنْ مُجَاوَزَةِ السُّورَيْنِ (قَوْلُهُ وَصَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَتُهَا) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: نَقَلَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ عَنْ أَصْحَابِنَا) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: جَرْيُ السَّفِينَةِ أَوْ الزَّوْرَقِ إلَيْهَا) حَتَّى لَوْ كَانَتْ السَّفِينَةُ كَبِيرَةً لَا تَتَّصِلُ بِالسَّاحِلِ وَيَنْقُلُ الْمَتَاعَ إلَيْهَا بِالزَّوْرَقِ قَصَرَ فِي الزَّوْرَقِ (قَوْلُهُ: فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ سَيْرُ الْبَحْرِ يُخَالِفُ سَيْرَ الْبَرِّ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ شَيْخُنَا فَعَلَى هَذَا لَوْ سَافَرَ مِنْ بَلْدَةٍ لَهَا سُورٌ