الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَا اسْتَدَارَ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد، وَغَيْرِهِ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «نَهَى عَنْ الْبَوْلِ فِي الْحِجْرِ» قَالُوا لِقَتَادَةَ مَا يُكْرَهُ مِنْهُ فِي الْجُحْرَةِ فَقَالَ كَانَ يُقَالُ أَنَّهَا مَسَاكِنُ الْجِنِّ (وَ) لَا فِي (سَرَبٍ) بِفَتْحِ السِّينِ، وَالرَّاءِ مَا اسْتَطَالَ، وَيُقَالُ لَهُ الشَّقُّ إلْحَاقًا لَهُ بِالثَّقْبِ، وَالنَّهْيُ فِيهِمَا لِلْكَرَاهَةِ، وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ يَنْبَغِي تَحْرِيمُ ذَلِكَ لِلنَّهْيِ الصَّحِيحِ إلَّا أَنْ يُعَدَّ لِذَلِكَ فَلَا تَحْرِيمَ، وَلَا كَرَاهَةَ، وَالتَّصْرِيحُ بِالسَّرَبِ مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ (وَ) لَا فِي (مَهَبِّ رِيحٍ) لِمَا مَرَّ فِي الْبَوْلِ بِمَكَانٍ صَلْبٍ، وَمِنْهُ الْمَرَاحِيضُ الْمُشْتَرَكَةُ.
(وَلَا) يَبُولُ (قَائِمًا) لِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ، وَغَيْرِهِ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ «مَنْ حَدَّثَكُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَبُولُ قَائِمًا فَلَا تُصَدِّقُوهُ مَا كَانَ يَبُولُ إلَّا قَاعِدًا» (إلَّا لِعُذْرٍ) فَلَهُ أَنْ يَبُولَ قَائِمًا بِلَا كَرَاهَةٍ بَلْ، وَلَا خِلَافَ الْأَوْلَى لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ فَبَالَ قَائِمًا» ، وَسَبَبُ بَوْلِهِ قَائِمًا مَا قِيلَ إنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَسْتَشْفِي بِهِ لِوَجَعِ الصُّلْبِ فَلَعَلَّهُ كَانَ بِهِ أَوْ أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ مَكَانًا يَصْلُحُ لِلْقُعُودِ أَوْ أَنَّهُ لِعِلَّةٍ بِمَأْبِضَيْهِ أَيْ بَاطِنَيْ رُكْبَتَيْهِ قَالَ النَّوَوِيُّ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ الْغَائِطَ كَالْبَوْلِ فِيمَا ذُكِرَ إلَّا فِي الْمَكَانِ الصَّلْبِ، وَمَهَبِّ الرِّيحِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَيُحْتَمَلُ التَّفْصِيلُ بَيْنَ الْمَائِعِ، وَالْجَامِدِ.
(وَيَسْتَبْرِئُ) نَدْبًا (مِنْ الْبَوْلِ) عِنْدَ انْقِطَاعِهِ، وَقَبْلَ قِيَامِهِ إنْ كَانَ قَاعِدًا لِئَلَّا يَقْطُرَ عَلَيْهِ، وَلِخَبَرِ الْحَاكِمِ السَّابِقِ، وَيَحْصُلُ (بِتَنَحْنُحٍ، وَنَتْرٍ) لِلذَّكَرِ ثَلَاثًا (وَمَشْيٍ) وَأَكْثَرُهُ فِيمَا قِيلَ سَبْعُونَ خُطْوَةً، وَذِكْرُ الْمَشْيِ مِنْ زِيَادَتِهِ عَلَى الرَّوْضَةِ، وَكَيْفِيَّةُ النَّتْرِ أَنْ يَمْسَحَ بِيَسَارِهِ مِنْ دُبُرِهِ إلَى رَأْسِ ذَكَرِهِ، وَيَنْثُرُهُ بِلُطْفٍ لِيَخْرُجَ مَا بَقِيَ إنْ كَانَ، وَيَكُونُ ذَلِكَ بِالْإِبْهَامِ، وَالْمُسَبِّحَةِ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ بِهِمَا مِنْ الْإِحَاطَةِ بِالذَّكَرِ، وَتَضَعُ الْمَرْأَةُ أَطْرَافَ أَصَابِعِ يَدِهَا الْيُسْرَى عَلَى عَانَتِهَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ، وَالْقَصْدُ أَنْ يَظُنَّ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ بِمَجْرَى الْبَوْلِ شَيْءٌ يَخَافُ خُرُوجَهُ فَمِنْهُمْ مَنْ يَحْصُلُ لَهُ هَذَا بِأَدْنَى عَصْرٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْتَاجُ إلَى تَكَرُّرِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْتَاجُ إلَى تَنَحْنُحٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْتَاجُ إلَى مَشْيِ خُطُوَاتٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْتَاجُ إلَى صَبْرٍ لَحْظَةً، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَحْتَاجُ إلَى شَيْءٍ مِنْ هَذَا، وَيَنْبَغِي لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ لَا يَنْتَهِيَ إلَى حَدِّ الْوَسْوَسَةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ الِاسْتِبْرَاءُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ انْقِطَاعِ الْبَوْلِ عَدَمُ عَوْدِهِ، وَقَالَ الْقَاضِي وَالْبَغَوِيُّ بِوُجُوبِهِ بِهِ، وَجَرَى عَلَيْهِ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِصِحَّةِ التَّحْذِيرِ مِنْ عَدَمِ التَّنَزُّهِ مِنْ الْبَوْلِ
(وَكُرِهَ) بِغَيْرِ حَاجَةٍ (حَشْوُ إحْلِيلٍ) ، وَهُوَ مَخْرَجُ الْبَوْلِ مِنْ الذَّكَرِ بِقُطْنٍ أَوْ غَيْرِهِ (وَلَا يَنْتَقِلُ مُسْتَنْجٍ بِحَجَرٍ) عَنْ مَحَلِّ قَضَاءِ حَاجَتِهِ لِئَلَّا تَنْتَشِرَ النَّجَاسَةُ، وَلَا مُسْتَنْجٍ بِمَاءٍ، وَهُوَ (آمِنٌ مِنْ رَشَاشٍ) يُنَجِّسُهُ كَأَنْ كَانَ فِي الْأَخْلِيَةِ الْمُتَّخَذَةِ لِذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَأْمَنْ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَنْتَقِلُ، وَمِنْ الْآدَابِ مَا قَالَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ تَفَقُّهًا أَنْ لَا يَأْكُلَ، وَلَا يَشْرَبَ، وَمِنْهَا أَنْ لَا يَسْتَاكَ لِأَنَّهُ يُورِثُ النِّسْيَانَ
(فَصْلٌ) فِي بَيَانِ الِاسْتِنْجَاءِ
(يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ) لَا عَلَى الْفَوْرِ بِالْمَاءِ عَلَى الْأَصْلِ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ أَوْ بِالْحَجَرِ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم جَوَّزَهُ بِهِ حَيْثُ فَعَلَهُ كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَأَمَرَ بِفِعْلِهِ بِقَوْلِهِ فِيمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، وَغَيْرُهُ «، وَلْيَسْتَنْجِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ» ، وَفِيمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَغَيْرُهُ كَمَا مَرَّ «إذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ إلَى الْغَائِطِ» الْحَدِيثَ (مِنْ خَارِجٍ مِنْ) مَخْرَجٍ (مُعْتَادٍ) فَلَا يَجِبُ مِنْ الْخَارِجِ مِنْ غَيْرِهِ كَالْخَارِجِ بِالْفَصْدِ، وَالْحِجَامَةِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ إزَالَتُهُ بِالْمَاءِ (وَيُجْزِئُ الْحَجَرُ) فِي الْخَارِجِ مِنْ الْمُعْتَادِ لِمَا مَرَّ (لَا مِنْ مُنْفَتِحٍ) آخَرَ (وَلَوْ انْسَدَّ الْمُعْتَادُ) لِنُدْرَتِهِ بَلْ يَتَعَيَّنُ فِيهِ الْمَاءُ عَلَى الْأَصْلِ (وَإِنَّمَا) يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ إذَا كَانَ الْخَارِجُ (مُلَوَّثًا، وَلَوْ نَادِرًا كَدَمٍ، وَمَذْيٍ) ، وَوَدْيٍ (لَا) نَحْوِ (دُودٍ، وَبَعْرٍ جَافَّيْنِ) فَلَا يَجِبُ بِهِمَا الِاسْتِنْجَاءُ لِفَوَاتِ مَقْصُودِهِ مِنْ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ أَوْ تَخْفِيفِهَا لَكِنْ يُسْتَحَبُّ الِاسْتِنْجَاءُ مِنْ ذَلِكَ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ (وَيُجْزِئُ الْحَجَرُ) فِيمَا ذُكِرَ (لَا فِي بَوْلِ خُنْثَى) مُشْكِلٍ.
وَإِنْ كَانَ الْخَارِجُ مِنْ أَحَدِ قُبُلَيْهِ لِاحْتِمَالِ زِيَادَتِهِ نَعَمْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ آلَتَا الذَّكَرِ، وَالْأُنْثَى بَلْ آلَةٌ لَا تُشْبِهُ وَاحِدًا مِنْهُمَا يَخْرُجُ مِنْهَا الْبَوْلُ فَالظَّاهِرُ فِيهِ الْإِجْزَاءُ بِالْحَجَرِ (وَ) لَا فِي بَوْلِ (ثَيِّبٍ تَيَقَّنَتْهُ دَخَلَ مَدْخَلَ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ كَأَنْ يُقَالَ أَنَّهَا مَسَاكِنُ الْجِنِّ) وَلِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِيهِ حَيَوَانٌ ضَعِيفٌ فَيَتَأَذَّى أَوْ قَوِيٌّ فَيُؤْذِيهِ أَوْ يُنَجِّسُهُ. (قَوْلُهُ وَلَا فِي مَهَبِّ رِيحٍ) أَيْ مَوْضِعِ هُبُوبِهَا فَشَمِلَ حَالَ سُكُونِهَا إذْ قَدْ تَهُبُّ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي الْبَوْلِ فَتَرُدُّ الرَّشَّاشَ عَلَيْهِ فس
(قَوْلُهُ وَلَا يَبُولُ قَائِمًا) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الظَّاهِرُ التَّحْرِيمُ إذَا عَلِمَ التَّلْوِيثَ وَلَا مَاءَ أَوْ وَجَدَهُ وَلَكِنْ ضَاقَ وَقْتُ الصَّلَاةِ أَوْ لَمْ يَضِقْ وَقُلْنَا يَحْرُمُ التَّضَمُّخُ بِالنَّجَاسَةِ عَبَثًا وَقَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ إلَّا لِعُذْرٍ) كَعِلَّةٍ أَوْ ضِيقِ مَكَان. (قَوْلُهُ قَالَ النَّوَوِيُّ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ) قَالَ أَبُو زُرْعَةَ وَقَدْ بَيَّنَّا الْحِكْمَةَ فِي ذَلِكَ مِنْ عَشْرَةِ أَوْجُهٍ فِي شَرْحِ أَبِي دَاوُد (قَوْلُهُ وَيُحْتَمَلُ التَّفْصِيلُ بَيْنَ الْمَائِعِ وَالْجَامِدِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
(قَوْلُهُ وَنَتْرٌ لِلذَّكَرِ) بِالْمُثَنَّاةِ. (قَوْلُهُ لِصِحَّةِ التَّحْذِيرِ مِنْ عَدَمِ التَّنَزُّهِ مِنْ الْبَوْلِ) لَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَسْتَبْرِئْ لَخَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ وَجَبَ الِاسْتِبْرَاءُ لِئَلَّا يَخْرُجَ فِي حَالِ غَفْلَتِهِ عَنْهُ فَيَتَنَجَّسُ وَيُنْتَقَضُ وُضُوءُهُ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْبَزْرِيِّ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ غَيْرِهِ وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ وَقَوْلُ بَعْضِ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَ يُحْمَلُ عَلَيْهِ غ
(قَوْلُهُ عَنْ مَحَلِّ قَضَاءِ حَاجَتِهِ إلَخْ) بَلْ يُسْتَحَبُّ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ فِي مَجْلِسِهِ وَقَدْ يَجِبُ حَيْثُ لَا مَاءَ وَلَوْ انْتَقَلَ لَتَضَمَّخَ بِالنَّجَاسَةِ وَهُوَ يُرِيدُ الصَّلَاةَ بِالتَّيَمُّمِ أَوْ بِالْوُضُوءِ وَالْمَاءُ لَا يَكْفِي لَهُمَا (قَوْلُهُ كَأَنْ كَانَ فِي الْأَخْلِيَةِ الْمُتَّخَذَةِ لِذَلِكَ) وَلَيْسَ فِيهَا هَوَاءٌ مَعْكُوسٌ فَإِنْ كَانَ يُكْرَهُ.
[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الِاسْتِنْجَاءِ]
(فَصْلٌ) فِي بَيَانِ الِاسْتِنْجَاءِ (قَوْلُهُ لَا عَلَى الْفَوْرِ) لِأَنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ عَنْ الْوُضُوءِ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ (قَوْلُهُ وَيُجْزِئُ الْحَجَرُ) شَمِلَ الْمَغْصُوبَ (قَوْلُهُ لِاحْتِمَالِ زِيَادَتِهِ) وَلْيُنْظَرْ فِيمَنْ لَهُ ذَكَرَانِ هَلْ يَلْحَقُ بِهِ فَإِنَّ الْأَصْلِيَّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَاحِدٌ وَالظَّاهِرُ الْإِلْحَاقُ غ. (قَوْلُهُ فَالظَّاهِرُ فِيهِ الْإِجْزَاءُ بِالْحَجَرِ) قَالَ شَيْخُنَا هُوَ كَذَلِكَ إذْ لَا احْتِمَالَ هُنَا لِلزِّيَادَةِ لِأَنَّهُ أَصْلِيٌّ بِلَا كَلَامٍ فَإِنَّهُ إمَّا ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى وَإِنْ قُلْنَا بِإِشْكَالِهِ فِي ذَاتِهِ
الذَّكَرِ) لِانْتِشَارِهِ عَنْ مَخْرَجِهِ بِخِلَافِ مَا لَمْ تَتَيَقَّنْ دُخُولَهُ ذَلِكَ، وَبِخِلَافِ الْبِكْرِ لِأَنَّ الْبَكَارَةَ تَمْنَعُ نُزُولَ الْبَوْلِ إلَى مَدْخَلِ الذَّكَرِ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ (وَيُجْزِئُ) الْحَجَرُ (فِي دَمِ حَائِضٍ) أَوْ نُفَسَاءَ، وَفَائِدَتُهُ فِيمَنْ انْقَطَعَ دَمُهَا، وَعَجَزَتْ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فَاسْتَنْجَتْ بِالْحَجَرِ ثُمَّ (تَيَمَّمَتْ) لِسَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِ فَإِنَّهَا تُصَلِّي، وَلَا إعَادَةَ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ، وَمَحِلُّهُ فِي الْبِكْرِ دُونَ الثَّيِّبِ كَمَا حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ، وَغَيْرُهُ عَنْ النَّصِّ، وَوَجَّهَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِأَنَّ مَدْخَلَ الذَّكَرِ قَدْ تَنَجَّسَ بِالدَّمِ، وَالْحَجَرُ لَا يَصِلُهُ كَمَا قَالُوهُ فِيمَنْ تَحَقَّقَ وُصُولُ بَوْلِهَا إلَيْهِ انْتَهَى، وَرُدَّ بِمَنْعِ أَنَّ الْحَجَرَ لَا يَصِلُهُ لَا سِيَّمَا، وَالْخِرْقَةُ مَثَلًا تَقُومُ مَقَامُهُ.
وَالْأَصْحَابُ إنَّمَا مَنَعُوا ذَلِكَ فِي الْبَوْلِ لِانْتِشَارِهِ عَنْ مَخْرَجِهِ بِخِلَافِ دَمِ الْحَيْضِ فَيَتَعَيَّنُ فِيهِ إجْزَاءُ الْحَجَرِ كَمَا فِي الْبِكْرِ، وَالنَّصُّ إنْ صَحَّ حُمِلَ عَلَى دَمِ حَيْضٍ انْتَشَرَ إلَى ظَاهِرِ الْفَرْجِ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ، وَهَذَا هُوَ الْأَوْجَهُ وَلَا يُجْزِئُ الْحَجَرُ فِي بَوْلِ الْأَقْلَفِ قَالَهُ ابْنُ الْمُسْلِمِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا، وَصَلَ الْبَوْلُ إلَى الْجِلْدَةِ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ (وَ) يُجْزِئُ فِي خَارِجٍ (مُنْتَشِرٍ) حَوْلَ الْمَخْرَجِ فَوْقَ عَادَةِ النَّاسِ بِقَيْدٍ زَادَهُ بِقَوْلِهِ (مُتَّصِلٍ) بَعْضُهُ بِبَعْضٍ (لَمْ يُجَاوِزْ الْحَشَفَةَ) فِي الْبَوْلِ، وَهِيَ مَا فَوْقَ الْخِتَانِ (، وَالصَّفْحَتَيْنِ) فِي الْغَائِطِ، وَهُمَا مَا يَنْضَمُّ مِنْ الْأَلْيَتَيْنِ عِنْدَ الْقِيَامِ لِمَا صَحَّ أَنَّ الْمُهَاجِرِينَ أَكَلُوا التَّمْرَ لَمَّا هَاجَرُوا، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَادَتُهُمْ وَهُوَ مِمَّا يُرِقُّ الْبُطُونَ، وَمَنْ رَقَّ بَطْنُهُ انْتَشَرَ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يُؤْمَرُوا بِالِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ وَلِأَنَّ ذَلِكَ يَتَعَذَّرُ ضَبْطُهُ فَنِيطَ الْحُكْمُ بِالْحَشَفَةِ، وَالصَّفْحَةِ، وَتَعْبِيرُهُ بِالصَّفْحَتَيْنِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ الْأَصْلِ بِالْأَلْيَتَيْنِ إذْ الْحُكْمُ دَائِرٌ مَعَهُمَا لَا مَعَ الْأَلْيَتَيْنِ.
وَالْمُتَّجَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ أَنَّ مَقْطُوعَ الْحَشَفَةِ يَقُومُ قَدْرُهَا مَقَامَهَا (فَإِنْ تَقَطَّعَ) الْخَارِجُ هَذَا تَصْرِيحٌ بِمَا أَفْهَمَهُ قَوْلُهُ مُتَّصِلٌ (أَوْ انْتَقَلَ عَنْ الْمَحَلِّ) الَّذِي أَصَابَهُ عِنْدَ الْخُرُوجِ، وَاسْتَقَرَّ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يُجَاوِزْ فِيهِمَا مَا ذُكِرَ (أَوْ) لَمْ يَتَقَطَّعْ، وَلَمْ يَنْتَقِلْ لَكِنْ (جَاوَزَ) ذَلِكَ (أَوْ جَفَّ تَعَيَّنَ الْمَاءُ) فِي ذَلِكَ حَتَّى فِي الدَّاخِلِ فِي الثَّالِثَةِ لِخُرُوجِهِ عَمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى فَإِنْ تَقَطَّعَ فِيهَا كَفَى فِي الدَّاخِلِ الْمُتَّصِلِ بِالْمَخْرَجِ الْحَجَرُ، وَمِثْلُهُ الْمُتَّصِلُ بِهِ فِي الْأُولَى، وَيُسْتَثْنَى مِمَّا إذَا جَفَّ مَا لَوْ جَفَّ بَوْلُهُ ثُمَّ بَالَ ثَانِيًا فَوَصَلَ بَوْلُهُ إلَى مَا، وَصَلَ إلَيْهِ بَوْلُهُ الْأَوَّلُ فَيَكْفِي فِيهِ الْحَجَرُ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَالْقَفَّالُ قَالَ، وَمِثْلُهُ الْغَائِطُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا كَانَ مَائِعًا، وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ اشْتِرَاطِ عَدَمِ الِانْتِقَالِ مُقَيَّدٌ بِمَا لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ، وَسَيَأْتِي إيضَاحُهُ (وَكَذَا يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ إنْ لَاقَى) الْخَارِجُ (نَجَسًا، وَلَوْ رَشَاشَهُ) أَيْ الْخَارِجُ (أَوْ) لَاقَى (بَلَلًا. وَلَوْ) كَانَ الْبَلَلُ (بِالْحَجَرِ) لِخُرُوجِ ذَلِكَ عَمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى، وَقَوْلُهُ أَوْ بَلَلًا، وَلَوْ بِالْحَجَرِ مِنْ زِيَادَتِهِ، وَيُغْنِي عَنْ قَوْلِهِ، وَلَوْ بِالْحَجَرِ قَوْلُهُ الْآتِي لَا رَطْبٌ، (وَكُلُّ جَامِدٍ طَاهِرٌ قَالِعٌ) غَيْرُ مُحْتَرَمٍ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي كَخَشَبٍ، وَخَزَفٍ، وَحَشِيشٍ (كَالْحَجَرِ) فِي أَنَّهُ يُجْزِئُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ، وَالتَّنْصِيصُ عَلَى الْحَجَرِ فِي الْأَخْبَارِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ بِدَلِيلِ خَبَرِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ «أَتَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْغَائِطَ فَأَمَرَنِي أَنْ آتِيَهُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ فَوَجَدْت حَجَرَيْنِ، وَالْتَمَسْت الثَّالِثَ فَلَمْ أَجِدْهُ فَأَخَذْت رَوْثَةً فَأَتَيْته بِهَا فَأَخَذَ الْحَجَرَيْنِ، وَأَلْقَى الرَّوْثَةَ، وَقَالَ هَذَا رِكْسٌ» فَتَعْلِيلُهُ مَنَعَ الِاسْتِنْجَاءَ بِالرَّوْثَةِ بِكَوْنِهَا رِكْسًا لَا بِكَوْنِهَا غَيْرَ حَجَرٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا فِي مَعْنَى الْحَجَرِ كَالْحَجَرِ فِيمَا ذُكِرَ، وَفَارَقَ تَعَيُّنَهُ فِي رَمْيِ الْجِمَارِ، وَتَعَيُّنِ التُّرَابِ فِي التَّيَمُّمِ بِأَنَّ الرَّمْيَ لَا يَعْقِلُ مَعْنَاهُ بِخِلَافِ الِاسْتِنْجَاءِ، وَالتُّرَابُ فِيهِ الطَّاهِرِيَّةُ، وَالطَّهُورِيَّةُ، وَهُمَا مَفْقُودَتَانِ فِي غَيْرِهِ بِخِلَافِ الْإِنْقَاءِ يُوجَدُ فِي غَيْرِ الْحَجَرِ ثُمَّ بَيَّنَ مَا احْتَرَزَ عَنْهُ بِمَا قَدَّمَهُ بِقَوْلِهِ (لَا رَطْبَ) لِأَنَّ رُطُوبَتَهُ تَنْجُسُ بِمُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ، وَيَعُودُ شَيْءٌ مِنْهَا إلَى مَحَلِّ الْخَارِجِ فَتَصِيرُ كَنَجَاسَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ (وَ) لَا (مُتَنَجِّسَ) كَمَا فِي الطُّهْرِ بِالْمَاءِ، وَلِلنَّهْيِ عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالرَّوْثِ.
وَإِنَّمَا جَازَ الدَّبْغُ بِالنَّجَسِ لِأَنَّهُ عِوَضُ الذَّكَاةِ الْجَائِزَةِ بِالْمُدْيَةِ النَّجِسَةِ بِخِلَافِ الْحَجَرِ (وَ) لَا (أَمْلَسَ كَزُجَاجٍ، وَتُرَابٍ، وَفَحْمٍ رِخْوَيْنِ) لِأَنَّهُ غَيْرُ قَالِعٍ بِخِلَافِ التُّرَابِ وَالْفَحْمِ الصُّلْبَيْنِ، وَالنَّهْيُ عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْفَحْمِ ضَعِيفٌ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَإِنْ صَحَّ حُمِلَ عَلَى الرِّخْوِ.
(وَيَجُوزُ) الِاسْتِنْجَاءُ (بِذَهَبٍ، وَفِضَّةٍ، وَجَوْهَرٍ) ، وَبِقِطْعَةِ دِيبَاجٍ نَعَمْ حِجَارَةُ الْحَرَمِ، وَالْمَطْبُوعُ مِنْ الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ يَمْتَنِعُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِمَا لِحُرْمَتِهِمَا فَإِنْ اسْتَنْجَى بِهِمَا أَسَاءَ، وَأَجْزَأَهُ (لَا بِمُحْتَرَمٍ كَمَطْعُومٍ) لِلْآدَمِيِّ كَالْخُبْزِ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
(قَوْلُهُ لِانْتِشَارِهِ عَنْ مَخْرَجِهِ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ يَظْهَرُ اسْتِثْنَاءُ الْمُفْضَاةِ إذَا اخْتَلَطَ بِهِ مَخْرَجُ الْبَوْلِ بِمَدْخَلِ الذَّكَرِ وَوَجْهُهُ بَيِّنٌ. (قَوْلُهُ وَيُجْزِئُ الْحَجَرُ فِي دَمِ حَائِضٍ إلَخْ) لَوْ خَرَجَ مِنْهُ الْمَنِيُّ عَلَى أَثَرِ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ أَوْ عَقِبَ الْبَوْلِ فَيَنْبَغِي إلْحَاقُ الِاسْتِنْجَاءِ مِنْهُ بِالِاسْتِنْجَاءِ مِنْ دَمِ الْحَيْضِ لِكَوْنِهِ خَارِجًا مُوجِبًا لِلْغُسْلِ ت (قَوْلُهُ وَلَا يُجْزِئُ الْحَجَرُ فِي بَوْلِ الْأَقْلَفِ) لِأَنَّ بَاطِنَ الْقُلْفَةِ لَا يُمْكِنُ مَسْحُهُ بِالْحَجَرِ وَدَاخِلُ الْجِلْدِ يَتَنَجَّسُ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِقَطْعِهَا فَهِيَ فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ.
(قَوْلُهُ فَوْقَ عَادَةِ النَّاسِ) أَيْ عَادَةِ غَالِبٍ. (قَوْلُهُ وَهِيَ مَا فَوْقَ الْخِتَانِ) قَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُهِمَّاتِ مَحِلُّهُ فِي الرَّجُلِ السَّلِيمِ الذَّكَرُ أَمَّا الْمَرْأَةُ وَالْمَجْبُوبُ فَلَا يَنْطَبِقُ عَلَيْهِمَا ذَلِكَ وَلَمْ يَتَحَرَّرْ لِي ضَابِطُ الِانْتِشَارِ الْمَانِعُ مِنْ الْحَجَرِ فِيهِمَا وَيُتَّجَهُ فِي مَقْطُوعِ الْحَشَفَةِ الْجَزْمُ بِأَنَّ مِقْدَارَهَا يَقُومُ مَقَامَهَا. (قَوْلُهُ وَالْمُتَّجَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ يَقُومُ قَدْرُهَا مَقَامَهَا) جَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا جَازَ الدَّبْغُ بِالنَّجِسِ إلَخْ) قَدْ يَجِبُ اسْتِعْمَالُ الْأَعْيَانِ النَّجِسَةِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ وَذَلِكَ إذَا كَانَ مَعَهُ مِنْ الْمَاءِ مَا يَكْفِيهِ لَوْ أَزَالَ الْعَيْنَ أَوَّلًا وَلَمْ يَجِدْ إلَّا الْعَيْنَ النَّجِسَةَ وَمِثْلُهُ سَائِرُ الْبَدَنِ فَلَا يَخْتَصُّ بِالِاسْتِنْجَاءِ.
(قَوْلُهُ وَبِقِطْعَةِ دِيبَاجٍ) قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَيَنْبَغِي التَّفْصِيلُ فِيهِ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ انْتَهَى وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ بِهِ لَا يُعَدُّ اسْتِعْمَالًا لَهُ فِي الْعُرْفِ وَإِلَّا لَمَا جَازَ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ (قَوْلُهُ فَإِنْ اسْتَنْجَى بِهِمَا أَسَاءَ وَأَجْزَأَهُ) قَوْلُهُ أَجْزَأَهُ بِالنِّسْبَةِ لِحِجَارَةِ الْحَرَمِ هُوَ مَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ لَا مَا نَقَلَهُ عَنْ الْإِسْنَوِيِّ مِنْ الْجَوَازِ وَكَأَنَّهُ الْتَبَسَ عَلَيْهِ الْإِجْزَاءُ بِالْجَوَازِ مِنْهُ، وَقَالَ ابْنُ قَاضِي شُهْبَةَ وَشَمِلَ إطْلَاقُهُ الْحَجَرَ حِجَارَةُ الْحَرَمِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَقَوْلُهُ مِنْ الْجَوَازِ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ لَا بِمُحْتَرَمٍ كَمَطْعُومٍ) يَرُدُّ عَلَى قَوْلِهِ مُحْتَرَمُ الْجِلْدِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِهِ إذَا دُبِغَ وَإِنْ قِيلَ يَحِلُّ أَكْلُهُ لِأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ عَادَةً
أَوْ لِلْجِنِّ كَالْعَظْمِ كَمَا سَيَأْتِي لِمَا رَوَى مُسْلِمٍ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْعَظْمِ، وَقَالَ إنَّهُ زَادُ إخْوَانِكُمْ يَعْنِي مِنْ الْجِنِّ» فَمَطْعُومُ الْآدَمِيِّ أَوْلَى، وَلِأَنَّ الْمَسْحَ بِالْحَجَرِ رُخْصَةٌ، وَهِيَ لَا تُنَاطُ بِالْمَعَاصِي (فَيَجُوزُ بِرُمَّانَةِ قَالِعَةِ لَمْ تُكْسَرْ و) لَكِنَّهُ (يُكْرَهُ) فَإِنْ كُسِرَتْ، وَانْفَصَلَ حَبُّهَا فَلَا كَرَاهَةَ (وَيَجُوزُ بِقِشْرِ مَوْزٍ يَبِسَ) ، وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ فَيَجُوزُ إلَى آخِرِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ.
وَصَرَّحَ بِجَوَازِهِ بِذَلِكَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي كَلَامٍ اسْتَحْسَنَهُ فِي الْمَجْمُوعِ فَقَالَ، وَأَمَّا الثِّمَارُ، وَالْفَوَاكِهُ فَمِنْهَا مَا يُؤْكَلُ رَطْبًا لَا يَابِسًا كَالْيَقْطِينِ فَلَا يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ رَطْبًا، وَيَجُوزُ يَابِسًا إذَا كَانَ مُزِيلًا، وَمِنْهَا مَا يُؤْكَلُ رَطْبًا، وَيَابِسًا، وَهُوَ أَقْسَامٌ أَحَدُهُمَا مَأْكُولُ الظَّاهِرِ، وَالْبَاطِنِ كَالتِّينِ، وَالتُّفَّاحِ، وَالسَّفَرْجَلِ فَلَا يَجُوزُ بِرَطِبِهِ، وَلَا بِيَابِسِهِ، وَالثَّانِي مَا يُؤْكَلُ ظَاهِرُهُ دُونَ بَاطِنِهِ كَالْخَوْخِ، وَالْمِشْمِشِ، وَكُلُّ ذِي نَوًى فَلَا يَجُوزُ بِظَاهِرِهِ، وَيَجُوزُ بِنَوَاهُ الْمُنْفَصِلُ، وَالثَّالِثُ مَا لَهُ قِشْرٌ، وَمَأْكُولُهُ فِي جَوْفِهِ فَلَا يَجُوزُ بِلُبِّهِ، وَأَمَّا قِشْرُهُ فَإِنْ كَانَ لَا يُؤْكَلُ رَطْبًا، وَلَا يَابِسًا كَالرُّمَّانِ جَازَ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ سَوَاءٌ أَكَانَ فِيهِ الْحَبُّ أَمْ لَا، وَإِنْ أُكِلَ رَطْبًا وَيَابِسًا كَالْبِطِّيخِ لَمْ يَجُزْ فِي الْحَالَيْنِ، وَإِنْ أُكِلَ رَطْبًا فَقَطْ كَاللَّوْزِ، وَالْبَاقِلَا جَازَ يَابِسًا لَا رَطْبًا انْتَهَى، وَأَمَّا مَطْعُومُ الْبَهَائِمِ فَيَجُوزُ، وَالْمَطْعُومُ لَهَا، وَلِلْآدَمِيِّ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْأَغْلَبُ فَإِنْ اسْتَوَيَا فَوَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ الرِّبَا فِيهِ، وَالْأَصَحُّ الثُّبُوتُ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ، وَإِنَّمَا جَازَ بِالْمَاءِ مَعَ أَنَّهُ مَطْعُومٌ لِأَنَّهُ يَدْفَعُ النَّجَسَ عَنْ نَفْسِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ عَدَمَ اسْتِعْمَالِ الْمَطْعُومِ لَا يَتَعَدَّى الِاسْتِنْجَاءَ إلَى سَائِرِ النَّجَاسَاتِ فَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُ الْمِلْحِ مَعَ الْمَاءِ فِي غَسْلِ الدَّمِ.
وَظَاهِرُهُ جَوَازُ اسْتِعْمَالِ الْخُبْزِ وَنَحْوُهُ فِي ذَلِكَ وَفِيهِ نَظَرٌ (وَجِلْدٍ) أَيْ وَبِجِلْدِ (مُذَكًّى) أَوْ غَيْرِهِ دُبِغَ لِأَنَّ الدِّبَاغَ يُزِيلُ مَا فِيهِ مِنْ الدُّسُومَةِ، وَيُقَلِّبُهُ عَنْ طَبْعِ اللُّحُومِ إلَى طَبْعِ الثِّيَابِ بِخِلَافِ مَا لَمْ يُدْبَغْ لِلدُّسُومَةِ الْمَانِعَةِ مِنْ التَّنْشِيفِ، وَلِنَجَاسَتِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَأْكُولًا، وَلِاحْتِرَامِهِ إنْ كَانَ مَأْكُولًا لِأَنَّهُ يُعَدُّ حِينَئِذٍ مِنْ الْمَطْعُومَاتِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُؤْكَلُ عَلَى الرُّءُوسِ، وَغَيْرِهَا، وَمَحَلُّ الْمَنْعِ إذَا اسْتَنْجَى بِهِ مِنْ الْجَانِبِ الَّذِي لَا شَعْرَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا جَازَ إذْ لَا دُسُومَةَ فِيهِ، وَلَيْسَ بِطَعَامٍ قَالَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي نَبَّهَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ، وَقَالَ كَالْأَذْرَعِيِّ الظَّاهِرُ الْجَوَازُ بِجِلْدِ الْحُوتِ الْكَبِيرِ الْجَافِّ، وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ مَأْكُولًا لِأَنَّهُ صَارَ كَالْمَدْبُوغِ.
وَمَا قَالَاهُ بَعِيدٌ (لَا عَظْمَ) ، وَإِنْ أُحْرِقَ حَتَّى خَرَجَ عَنْ حَالِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ إذَا أُحْرِقَ كَالْجِلْدِ إذَا دُبِغَ لِأَنَّهُ بِالْإِحْرَاقِ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهِ مَطْعُومًا لِلْجِنِّ بِخِلَافِ الْجِلْدِ بِالدَّبْغِ (وَلَا جُزْءُ حَيَوَانٍ مُتَّصِلٍ) كَيَدِهِ وَعَقِبِهِ وَصُوفِهِ وَوَبَرِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا انْفَصَلَ عَنْهُ قَالَ فِي شَرْحِ إرْشَادِهِ، وَهَذَا فِي حَيَوَانٍ لَا تَبْقَى حُرْمَتُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَإِنْ بَقِيَتْ كَالْآدَمِيِّ امْتَنَعَ الِاسْتِنْجَاءُ بِجُزْئِهِ مُطْلَقًا، وَهَذَا بَحْثٌ أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِ الْإِسْنَوِيِّ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْقِيَاسُ الْمَنْعُ، وَدَخَلَ فِي إطْلَاقِهِمْ مَا يَجُوزُ قَتْلُهُ كَفَأْرَةٍ وَبِهِ صَرَّحَ الْفُورَانِيُّ، وَاسْتَثْنَى ابْنُ الْعِمَادِ مِنْ الْمَنْعِ بِجُزْءِ الْحَيَوَانِ جُزْءَ الْحَرْبِيِّ، وَفِيهِ نَظَرٌ مَأْخَذُهُ كَلَامُ الْفُورَانِيِّ، وَيُمْكِنُ الْفَرْقُ.
(وَيُجْزِئُ الْحَجَرُ بَعْدَ) الِاسْتِنْجَاءِ بِشَيْءٍ (مُحْتَرَمٍ، وَزُجَاجٍ لَمْ يَنْقُلَا) النَّجَاسَةَ فَإِنْ نَقْلَاهَا تَعَيَّنَ الْمَاءُ كَمَا مَرَّ، وَزَادَ الْمُحْتَرَمَ بِالْإِثْمِ، وَذُكِرَ لِزُجَاجٍ مِثَالٌ، وَالْمُرَادُ غَيْرُ الْقَالِعِ، وَمِنْ الْمُحْتَرَمِ مَا كُتِبَ عَلَيْهِ عِلْمٌ كَحَدِيثٍ، وَفِقْهٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ الْعِلْمِ بِالْمُحْتَرَمِ سَوَاءٌ أَكَانَ شَرْعِيًّا كَمَا مَرَّ أَمْ لَا كَحِسَابٍ، وَطِبٍّ، وَنَحْوٍ، وَعَرُوضٍ لِأَنَّهَا تَنْفَعُ فِي الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ.
أَمَّا غَيْرُ الْمُحْتَرَمِ كَمَنْطِقٍ، وَفَلْسَفَةٍ فَلَا أَثَرَ لَهُ، وَفِي إطْلَاقِهِ فِي الْمَنْطِقِ نَظَرٌ، وَأُلْحِقَ بِمَا فِيهِ عِلْمٌ مُحْتَرَمٌ جِلْدُهُ الْمُتَّصِلُ بِهِ دُونَ الْمُنْفَصِلِ عَنْهُ بِخِلَافِ جِلْدِ الْمُصْحَفِ يَمْتَنِعُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ مُطْلَقًا كَمَا فِي عُقُودِ الْمُخْتَصَرِ لِلْغَزَالِيِّ، وَجَوَّزَهُ الْقَاضِي بِوَرِقِ التَّوْرَاةِ، وَالْإِنْجِيلِ، وَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى مَا عُلِمَ تَبَدُّلُهُ مِنْهُمَا، وَخَلَا عَنْ اسْمِ اللَّهِ، وَنَحْوِهِ (وَيُشْتَرَطُ إنْقَاءً) لِلْمَحَلِّ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى إلَّا أَثَرٌ لَا يُزِيلُهُ إلَّا الْمَاءُ أَوْ صِغَارُ الْخَزَفِ (و) يُشْتَرَطُ (ثَلَاثُ مَسْحَاتٍ، وَلَوْ) كَانَتْ (بِجَوَانِبِ حَجَرٍ) لِلْأَخْبَارِ السَّابِقَةِ، وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ عَنْ سَلْمَانَ «نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ الثُّبُوتُ) قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ مُقْتَضَاهُ تَصْحِيحُ مَنْعِ الِاسْتِنْجَاءِ بِهِ (قَوْلُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَالظَّاهِرُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ، وَفِيهِ نَظَرٌ) قَالَ شَيْخُنَا يَنْبَغِي إلْحَاقُهُ بِالْمِلْحِ إنْ دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ وَإِلَّا امْتَنَعَ.
(قَوْلُهُ وَجِلْدُ مُذَكًّى دُبِغَ) قَالَ الْأَصْحَابُ وَإِنَّمَا جَازَ بِالْجِلْدِ الْمَأْكُولِ لِأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ عَادَةً وَلَا مَقْصُودًا وَلِهَذَا هُوَ غَيْرُ رِبَوِيٍّ. (قَوْلُهُ وَمَا قَالَاهُ بَعِيدٌ) قَالَ شَيْخُنَا إذْ هُوَ بِسَبِيلٍ مِنْ أَنْ يَبُلَّهُ وَيَأْكُلَهُ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ بِالْإِحْرَاقِ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهِ مَطْعُومًا لِلْجِنِّ) بَلْ قِيلَ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَخْلُقُ عَلَيْهِ لَحْمًا بَعْدَ حَرْقِهِ وَخَرَجَ بِهِ غَيْرُهُ مِنْ مَطْعُومِ الْآدَمِيِّ إذَا خَرَجَ بِحُرْقَةٍ عَنْ كَوْنِهِ مَطْعُومًا. (قَوْلُهُ كَبِدُهُ وَعَقِبُهُ إلَخْ) خَرَجَ بِهِ شَعْرُ الْمَأْكُولِ وَصُوفُهُ وَوَبَرُهُ وَرِيشُهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ مُنْفَصِلًا لَا مُتَّصِلًا. (قَوْلُهُ قَالَ فِي شَرْحِ إرْشَادِهِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ. (قَوْلُهُ وَاسْتَثْنَى ابْنُ الْعِمَادِ إلَخْ) مَا قَالَهُ مَمْنُوعٌ
(قَوْلُهُ، وَفِي إطْلَاقِهِ فِي الْمَنْطِقِ نَظَرٌ) ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ أَنَّ الْمَنْطِقَ مُبَاحٌ، وَفِي بَعْضِهَا أَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ.
(قَوْلُهُ وَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى مَا عُلِمَ تَبَدُّلُهُ مِنْهُمَا) كَمَا يَجِبُ حَمْلُ مَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فِي السِّيَرِ مِنْ أَنَّهُ يَحْرُمُ الِانْتِفَاعُ بِكُتُبِهِمَا لِتَبَدُّلِهِمَا عَلَى مَا عَلِمَ تَبَدُّلَهُ أَوْ شَكَّ فِيهِ وَمَا فِيهِمَا فِي الْأَيْمَانِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَتَكَلَّمُ لَا يَحْنَثُ بِقِرَاءَةِ التَّوْرَاةِ لِلشَّكِّ فِي تَبَدُّلِهَا عَلَى مَا شَكَّ فِي تَبَدُّلِهِ فَيَحْنَثُ بِقِرَاءَةِ مَا عُلِمَ تَبَدُّلُهُ وَلَوْ بِقِرَاءَةِ الْجُمْلَةِ لِأَنَّ فِيهَا مُبَدَّلًا قَطْعًا. (قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ ثَلَاثُ مَسْحَاتٍ) وَلِكَوْنِ دَلَالَةِ الْحَجَرِ ظَاهِرَةٌ لِعَدَمِ إزَالَةِ الْأَثَرِ اُحْتِيجَ إلَى الِاسْتِظْهَارِ بِالْعَدَدِ كَالْعِدَّةِ بِالْإِقْرَاءِ وَإِنْ حَصَلَتْ الْبَرَاءَةُ بِقُرْءٍ كَمَا فِي الِاسْتِبْرَاءِ بِخِلَافِ الْمَاءِ دَلَالَتُهُ قَطْعِيَّةٌ لِإِزَالَتِهِ الْعَيْنَ وَالْأَثَرَ فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى الْعَدَدِ كَالْعِدَّةِ بِالْحَمْلِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ فَإِنْ قِيلَ التَّقْيِيدُ فِي الْخَبَرِ بِالثَّلَاثَةِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ لِأَنَّ النَّقَاءَ لَا يَحْصُلُ بِدُونِهَا غَالِبًا قُلْنَا النَّقَاءُ شَرْطٌ اتِّفَاقًا فَكَيْفَ يُخِلُّ بِهِ وَيَذْكُرُ مَا لَيْسَ بِشَرْطٍ مَعَ إيهَامِهِ لِلشَّرْطِيَّةِ فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ تَرَكَ النَّقَاءَ قُلْنَا ذَاكَ مَعْلُومٌ بِخِلَافِ الْعَدَدِ فَنَصَّ عَلَى مَا يَخْفَى وَتَرْكُ مَا لَا يَخْفَى وَلَوْ حُمِلَ عَلَى الْغَالِبِ لَأَخَلَّ بِالشَّرْطَيْنِ مَعًا وَتَعَرَّضَ لِمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ بَلْ فِيهِ إيهَامٌ انْتَهَى ش إنَّمَا وَجَبَتْ ثَلَاثُ مَسْحَاتٍ لِأَنَّ الشَّارِعَ إذَا نَصَّ عَلَى عَدَدٍ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ فَائِدَةٍ وَهِيَ إمَّا
أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ» ، وَفِي مَعْنَاهَا ثَلَاثَةُ أَطْرَافِ حَجَرٍ بِخِلَافِ رَمْيِ الْجِمَارِ لَا يَكْفِي حَجَرٌ لَهُ ثَلَاثَةُ أَطْرَافٍ عَنْ ثَلَاثِ رَمْيَاتٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ ثَمَّ عَدَدُ الرَّمْيِ، وَهُنَا عَدَدُ الْمَسْحَاتِ (أَوْ غُسِلَ) الْحَجَرَ (وَجَفَّ) فَإِنَّهُ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ ثَانِيًا كَدَوَاءٍ دُبِغَ بِهِ، وَتُرَابٍ اُسْتُعْمِلَ فِي غَسْلِ نَجَاسَةِ الْكَلْبِ.
وَلَوْ لَمْ يَتَلَوَّثْ الْحَجَرُ فِي غَيْرِ الْأُولَى جَازَ اسْتِعْمَالُهُ أَيْضًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ، وَفَارَقَ الْمَاءَ بِأَنَّهُ لَمْ يُزِلْ حُكْمَ النَّجَاسَةِ بَلْ خَفَّفَهَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ تَنَجَّسَ مَا لَاقَاهَا مَعَ رُطُوبَةٍ بِخِلَافِ الْمَاءِ فَإِنَّهُ أَزَالَ حُكْمَ الْحَدَثِ، وَيُفَارِقُ تُرَابَ التَّيَمُّمِ أَيْضًا بِأَنَّ التُّرَابَ طَهُورٌ كَالْمَاءِ، وَبُدِّلَ عَنْهُ فَأُعْطِيَ حُكْمُهُ بِخِلَافِ الْحَجَرِ، وَمَعَ جَوَازِ اسْتِعْمَالِهِ لَا يُكْرَهُ بِخِلَافِ رَمْيِ الْجِمَارِ إذْ جَاءَ أَنَّ مَا تُقُبِّلَ مِنْ الْحَصَيَاتِ رُفِعَ، وَمَا لَا تُرِكَ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَعَدُّدُ الْمُرْمَى بِهِ (فَإِنْ لَمْ يَنْقَ) الْمَحَلُّ بِالثَّلَاثِ (زَادَ) عَلَيْهَا إلَى أَنْ يَحْصُلَ الْإِنْقَاءُ.
(وَسُنَّ) بَعْدُهُ إنْ لَمْ يَحْصُلْ بِوِتْرَانِ يَمْسَحُ (وِتْرًا) بِالْمُثَنَّاةِ كَأَنْ حَصَلَ بِرَابِعَةٍ فَيَأْتِي بِخَامِسَةٍ قَالَ صلى الله عليه وسلم «مَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ (و) سُنَّ فِي الِاسْتِنْجَاءِ (تَقْدِيمُ قُبُلٍ) عَلَى دُبُرٍ، وَكَلَامُهُ شَامِلٌ لِلِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ، وَبِالْحَجَرِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الرَّوْضَةِ، وَغَيْرِهَا مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْأَوَّلِ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِقَوْلِ الْحَلِيمِيِّ فِي الْكَلَامِ عَلَى الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ يَبْدَأُ بِدُبُرِهِ ثُمَّ يُثَنِّي بِقُبُلِهِ.
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إنَّهُ سُنَّةٌ فَيُحْتَمَلُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَغْلَظَ أَهَمُّ، وَالْبُدَاءَةُ بِالْأَهَمِّ أَوْلَى أَوْ لِأَنَّهُ إذَا اسْتَنْجَى مِنْ الْغَائِطِ أَوَّلًا قَدَرَ عَلَى التَّمَكُّنِ مِنْ الْجُلُوسِ فَاسْتَنْجَى مِنْ الْبَوْلِ أَوْ لِأَنَّهُ قَدْ يَنْزِلُ مِنْهُ بَوْلٌ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ الِاسْتِنْجَاءِ مِنْهُ إذَا بَدَأَ بِالدُّبُرِ نَقَلَهُ عَنْهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَأَقَرَّهُ، وَيُسَنُّ النَّظَرُ إلَى الْحَجَرِ الْمُسْتَنْجَى بِهِ قَبْلَ رَمْيِهِ لِيَعْلَمَ هَلْ قَلَعَ أَمْ لَا ذَكَرَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ (وَ) سُنَّ فِي كَيْفِيَّةِ الِاسْتِنْجَاءِ فِي الدُّبُرِ (وَضْعُ الْحَجَرِ أَوَّلًا عَلَى مُقَدَّمِ الصَّفْحَةِ الْيُمْنَى عَلَى) مَحَلٍّ (طَاهِرٍ قُرْبَ النَّجَاسَةِ) ثُمَّ يُمِرُّهُ عَلَى الْمَحَلِّ (وَ) أَنْ (يُدِيرَهُ بِرِفْقٍ) أَيْ قَلِيلًا قَلِيلًا حَتَّى يَرْفَعَ كُلُّ جُزْءٍ مِنْهُ جُزْءًا مِنْهَا (إلَى) أَنْ يَصِلَ إلَى (الْمَبْدَأِ و) أَنْ (يَعْكِسَ الثَّانِيَ كَذَلِكَ و) أَنْ يُمِرَّ (الثَّالِثَ عَلَى الصَّفْحَتَيْنِ، وَالْمُسْرَبَةَ) بِضَمِّ الرَّاءِ، وَفَتْحِهَا قَالَ فِي الْكِفَايَةِ، وَبِضَمِّ الْمِيمِ مَجْرَى الْغَائِطِ وَقِيلَ وَاحِدٌ لِلْيُمْنَى وَآخَرُ لِلْيُسْرَى وَالثَّالِثُ لِلْوَسَطِ، وَقِيلَ وَاحِدٌ لِلْوَسَطِ مُقْبِلًا، وَآخَرُ لَهُ مُدْبِرًا وَيَحْلِقَ بِالثَّالِثِ، وَالْخِلَافُ فِي الْأَفْضَلِ لَا فِي الْوُجُوبِ عَلَى الصَّحِيحِ فِي الْأَصْلِ، وَلَا بُدَّ فِي كُلِّ قَوْلٍ أَنْ يَعُمَّ بِكُلِّ مَسْحَةٍ جَمِيعَ الْمَحَلِّ لِيَصْدُقَ أَنَّهُ مَسَحَهُ ثَلَاثَ مَسْحَاتٍ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي شَرْحِ إرْشَادِهِ.
وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَعُمَّ بِالْمَسْحَةِ الْوَاحِدَةِ الْمَحَلَّ، وَإِنْ كَانَ أَوْلَى بَلْ يَكْفِي مَسْحَةٌ لِصَفْحَةٍ، وَأُخْرَى لِلْأُخْرَى، وَالثَّالِثَةُ لِلْمُسْرَبَةِ مَرْدُودٌ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي الَّذِي أُخِذَ مِنْهُ ذَلِكَ غَلَطُ الْأَصْحَابِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ قَائِلُهُ مِنْ حَيْثُ الِاكْتِفَاءُ بِمَا لَا يَعُمُّ الْمَحَلَّ بِكُلِّ حَجَرٍ لَا مِنْ حَيْثُ الْكَيْفِيَّةُ قَالَ الْمُتَوَلِّي فَإِنْ احْتَاجَ إلَى زَائِدٍ عَلَى الثَّلَاثِ فَصِفَةُ اسْتِعْمَالِهِ كَصِفَةِ الثَّالِثِ (وَإِنْ أَمَرَّ) الْحَجَرَ، (وَلَمْ يُدِرْهُ، وَلَمْ يَنْقُلْ) شَيْئًا مِنْ الْخَارِجِ (أَجْزَأَهُ) فَإِنْ نَقَلَ تَعَيَّنَ الْمَاءُ كَمَا مَرَّ، وَمَحَلُّهُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْعِرَاقِيِّينَ، وَصَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ فِيمَا لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ أَمَّا الْقَدْرُ الْمَضْرُورُ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ فَيُعْفَى عَنْهُ إذْ لَوْ كُلِّفَ أَنْ لَا يَنْقُلَ النَّجَاسَةَ فِي مُحَاوَلَةِ رَفْعِهَا أَصْلًا لَكَانَ ذَلِكَ تَكْلِيفُ أَمْرٍ يَتَعَذَّرُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَذَلِكَ لَا يَلِيقُ بِغَيْرِ الرُّخَصِ فَكَيْفَ بِهَا قَالَ، وَهُوَ كَإِلْقَاءِ الْجَبِيرَةِ عَلَى مَحَلِّ الْخَلْعِ فَإِنَّهَا تَأْخُذُ أَطْرَافًا مِنْ الْمَوَاضِعِ الصَّحِيحَةِ لِتَسْتَمْسِكَ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّ وَضْعَ الْحَجَرِ عَلَى طَاهِرٍ سُنَّةٌ.
وَكَلَامُ الْأَصْلِ يَقْتَضِي أَنَّهُ، وَاجِبٌ لَكِنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الصَّحِيحُ فِي الْمَجْمُوعِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ بَعْدَ نَقْلِهِ مَا فِي الْأَصْلِ عَنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْعِرَاقِيُّونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ فَإِنَّ اشْتِرَاطُهُ تَضْيِيقٌ لِلرُّخْصَةِ، وَلَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي السُّنَّةِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْوَضْعُ عَلَى طَاهِرٍ، وَأَنَّهُ لَا يَضُرُّ النَّقْلُ الْحَاصِلُ مِنْ عَدَمِ الْإِدَارَةِ (وَ) أَنْ (يَمْسَحَ) فِي اسْتِنْجَائِهِ بِالْحَجَرِ (وَيَغْسِلَ) فِي اسْتِنْجَائِهِ بِالْمَاءِ (بِيَسَارِهِ) لِأَنَّهَا الْأَلْيَقُ بِذَلِكَ، وَلِخَبَرِ أَبِي دَاوُد عَنْ عَائِشَةَ «كَانَتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْيُمْنَى لِطَهُورِهِ، وَطَعَامِهِ، وَكَانَتْ الْيُسْرَى لِخَلَائِهِ، وَمَا كَانَ مِنْ أَذًى» (وَ) أَنْ (يَحْمِلَ بِهَا) فِي اسْتِنْجَائِهِ (الْحَجَرَ لَا الْمَاءَ) بَلْ يَصُبُّهُ بِالْيُمْنَى، وَيَغْسِلُ بِالْيُسْرَى كَمَا مَرَّ (وَ) أَنْ (يَأْخُذَ بِهَا ذَكَرَهُ إنْ مَسَحَ الْبَوْلَ عَلَى جِدَارٍ أَوْ حَجَرٍ) عَظِيمٍ أَوْ نَحْوِهِمَا (وَ) أَنْ (يَضَعَهُ) أَيْ الْحَجَرَ (لِصِغَرٍ) فِيهِ (تَحْتَ عَقِبَيْهِ) يَعْنِي بَيْنَهُمَا كَمَا عَبَّرَ بِهِ الْأَصْلُ (أَوْ بَيْنَ إبْهَامَيْ رِجْلَيْهِ) أَوْ يَتَحَامَلُ عَلَيْهِ إنْ أَمْكَنَهُ، وَالذَّكَرَ بِيَسَارِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ (أَوْ) يَضَعَهُ (فِي يَمِينِهِ) إنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ وَضْعِهِ بَيْنَ عَقِبَيْهِ أَوْ إبْهَامَيْ رِجْلَيْهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ (وَ) أَنْ (يَضَعَهُ) أَيْ الذَّكَرَ (فِي مَوْضِعَيْنِ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
مَنْعُ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ أَوْ مَنْعُ أَحَدِهِمَا وَالزِّيَادَةُ غَيْرُ مُمْتَنِعَةٍ هُنَا فَتَعَيَّنَتْ فِي عَدَمِ النَّقْصِ وَلِأَنَّهَا نَجَاسَةٌ شُرِعَ فِي إزَالَتِهَا عَدَدٌ فَوَجَبَ الْإِتْيَانُ بِهِ كَغَسْلِ وُلُوغِ الْكَلْبِ وَلِأَنَّ الْإِنْقَاءَ الْحَاصِلَ بِالثَّلَاثِ لَا يُوجَدُ فِي الْمَرَّةِ خُصُوصًا وَالْمَحَلُّ غَيْرُ مُشَاهَدٍ لِلْمَاسِحِ.
(قَوْلُهُ وَتُرَابُ اُسْتُعْمِلَ فِي نَجَاسَةِ الْكَلْبِ) قَالَ شَيْخُنَا مَا ذَكَرَهُ مِنْ جَوَازِ اسْتِعْمَالِ تُرَابٍ اُسْتُعْمِلَ فِي نَجَاسَةِ الْكَلْبِ مَرَّةً ثَانِيَةً بَعْدَ غَسْلِهِ مَمْنُوعٌ لِكَوْنِهِ طَاهِرًا غَيْرَ طَهُورٍ
(قَوْلُهُ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْأَوَّلِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ نَقَلَهُ عَنْهُ الزَّرْكَشِيُّ) كَالْأَذْرَعِيِّ وَغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ وَلَا بُدَّ فِي كُلِّ قَوْلٍ أَنْ يَعُمَّ بِكُلِّ مَسْحَةٍ إلَخْ) وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالسُّبْكِيُّ وَابْنُ النَّقِيبِ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَعِبَارَةُ الرُّويَانِيِّ اعْلَمْ أَنَّ الْوَاجِبَ أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ يَعُمُّ بِكُلِّ حَجَرٍ مِنْهَا الْمَحَلَّ لِأَنَّ الْعَدَدَ الْمُعْتَبَرَ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَعُمَّ الْمَكَانَ بِكُلِّ مَرَّةٍ كَمَا قُلْنَا فِي عَدَدِ غَسْلِ الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ، وَقَالَ فِي الْخَادِمِ لَك أَنْ تَسْأَلَ إذَا كَانَتْ الْكَيْفِيَّةُ عَلَى الْأَصَحِّ مُسْتَحَبَّةً فَمَا هُوَ الْوَاجِبُ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْوَاجِبَ إمْرَارُ كُلِّ حَجَرٍ عَلَى كُلِّ الْمَحَلِّ سَوَاءٌ بَدَأَ بِالْمُقَدَّمِ أَوْ بِالْوَسَطِ أَوْ بِالْمُؤَخَّرِ وَعِبَارَةُ الْأَنْوَارِ وَيَجِبُ أَنْ يَمْسَحَ ثَلَاثَ مَسْحَاتٍ إمَّا بِأَحْجَارٍ أَوْ بِأَطْرَافِ حَجَرٍ وَأَنْ يَمْسَحَ فِي كُلِّ مَسْحَةٍ جَمِيعَ الْمَوْضِعِ