الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْأَصْحَابِ أَنَّ مَنْ لَمْ يَتَخَطَّطْ لَا يَجِبُ تَكْفِينُهُ وَلَا دَفْنُهُ.
وَمَا رُدَّ بِهِ ذَلِكَ مِنْ أَنَّ الْمُتَّجِهَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلْقَاءُ النُّطْفَةِ بِدَوَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ عَلَى الْحَامِلِ قَوَدٌ وَجَبَ التَّأْخِيرُ إلَى وَضْعِهِ، وَإِنْ ظَنَنَّا عَدَمَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ مَرْدُودٌ بَعْدَ تَسْلِيمِ الْحُكْمِ فِي الْأُولَى مِنْ هَاتَيْنِ بِأَنَّ الظَّاهِرَ فِي حَمْلِ الْحَيَاةِ وَفِي حَمْلِ الْمَيِّتَةِ فَلَمْ يُرَاعُوا حُرْمَتَهُ فِي الِاسْتِقْبَالِ كَمَا لَوْ يُرَاعُوهَا فِي التَّكْفِينِ وَالدَّفْنِ (وَحَكَى عَنْ النَّصِّ أَنَّ أَهْلَ دِينِهَا يَتَوَلَّوْنَ غُسْلَهَا وَدَفْنَهَا) ؛ لِأَنَّهَا الْمَقْصُودُ بِذَلِكَ
(فَرْعٌ يُرْفَعُ رَأْسُ الْمَيِّتِ) نَدْبًا (بِنَحْوِ لَبِنَةٍ) طَاهِرَةٍ كَكَوْمِ تُرَابٍ (وَيُفْضَى بِخَدِّهِ) الْأَيْمَنِ (مَكْشُوفًا إلَيْهَا) الْأَوْلَى إلَيْهِ أَيْ إلَى نَحْوِ اللَّبِنَةِ (أَوْلَى التُّرَابُ) مُبَالَغَةً فِي الِاسْتِكَانَةِ وَالِامْتِهَانِ رَجَاءَ الرَّحْمَةِ وَقَوْلُهُ مِنْ زِيَادَتِهِ مَكْشُوفًا إيضَاحٌ (وَيُكْرَهُ) أَنْ يُوضَعَ تَحْتَهُ (مِخَدَّةٌ) بِكَسْرِ الْمِيمِ (وَفُرُشٌ) قَالُوا؛ لِأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ وَأَجَابُوا عَمَّا فِي خَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ أَنَّهُ جُعِلَ فِي قَبْرِهِ صلى الله عليه وسلم قَطِيفَةٌ حَمْرَاءُ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِرِضَا جُمْلَةِ الصَّحَابَةِ وَلَا عِلْمِهِمْ، وَإِنَّمَا فَعَلَهُ شُقْرَانُ مَوْلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَرَاهَةَ أَنْ تُلْبَسَ بَعْدَهُ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَرِهَ وَضْعَ ثَوْبٍ تَحْتَ الْمَيِّتِ بِقَبْرِهِ مَعَ أَنَّ الْقَطِيفَةَ أُخْرِجَتْ قَبْلَ إهَالَةِ التُّرَابِ عَلَى مَا قَالَهُ فِي الِاسْتِيعَابِ وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ فَفِي الدَّارَقُطْنِيِّ قَالَ وَكِيعٌ هَذَا خَاصٌّ بِهِ صلى الله عليه وسلم.
(وَ) يُكْرَهُ (صُنْدُوقٌ) أَيْ جَعْلُ الْمَيِّتِ فِيهِ (وَلَا تَنْفُذُ وَصِيَّته بِذَلِكَ) أَيْ بِمَا ذَكَرَ مِنْ الْمَكْرُوهَاتِ الثَّلَاثَةِ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْهُ فَقَوْلُهُ بِذَلِكَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ أَصْلِهِ بِهِ (فَإِنْ اُحْتِيجَ الصُّنْدُوقُ) أَيْ إلَيْهِ (لِنَدَاوَةٍ وَنَحْوِهَا) كَرَخَاوَةٍ فِي الْأَرْضِ فَلَا كَرَاهَةَ فَإِنْ وَصَّى بِهِ (نَفَذَتْ) وَصِيَّتُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ أَيْضًا مَا إذَا كَانَ فِي تَهْرِيَةٍ بِحَرِيقٍ أَوْ لَدْغٍ بِحَيْثُ لَا يَضْبِطُهُ إلَّا الصُّنْدُوقُ قَالَ وَيُسْتَثْنَى امْرَأَةٌ لَا مَحْرَمٌ لَهَا كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ لِئَلَّا يَمَسَّهَا الْأَجَانِبُ عِنْدَ الدَّفْنِ قُلْت فِيهِ نَظَرٌ قَالَ وَيَظْهَرُ أَنْ يَلْحَقَ بِذَلِكَ الْأَرْضُ الْمُسَبَّعَةُ بِحَيْثُ لَا يَصُونُهُ مِنْ نَبْشِهَا إلَّا الصُّنْدُوقُ (وَهُوَ) أَيْ الصُّنْدُوقُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ (مِنْ رَأْسِ الْمَالِ) كَالْكَفَنِ؛ وَلِأَنَّهُ مِنْ مَصَالِحِ دَفْنِهِ الْوَاجِبِ (فَرْعٌ ثُمَّ) بَعْدَ فَرَاغِهِ مِمَّا مَرَّ (يُبْنَى اللَّحْدُ) نَدْبًا (بِاللَّبِنِ وَالطِّينِ) أَوْ نَحْوِهِمَا لِقَوْلِ سَعْدٍ فِيمَا مَرَّ وَانْصِبُوا عَلَى اللَّبِنِ نَصْبًا؛ وَلِأَنَّ ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي صِيَانَةِ الْمَيِّتِ عَنْ النَّبْشِ وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّ «اللَّبِنَاتِ الَّتِي وُضِعَتْ فِي قَبْرِهِ صلى الله عليه وسلم تِسْعٌ» (وَتَسُدُّ فُرَجُهُ) أَيْ اللَّحْدِ بِكَسْرِ اللَّبِنِ مَعَ الطِّينِ أَوْ بِالْإِذْخِرِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَمْنَعُ التُّرَابَ وَالْهَوَامَّ وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْأَصْلِ بَدَلَ الْإِذْخِرِ الْآجُرُّ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ بَلْ صَرَّحَ الصَّيْمَرِيُّ بِكَرَاهَةٍ قُلْت وَجَرَى عَلَيْهِ الْقَمُولِيُّ قَالَ؛ لِأَنَّهُ يُكْرَهُ وَضْعُ شَيْءٍ مَسَّتْهُ النَّارُ فِي الْقَبْرِ وَمِثْلُهُ يَجْرِي فِي إسْنَادِ ظَهْرِهِ وَرَفْعِ رَأْسِهِ وَبِنَاءِ لَحْدِهِ أَوْ نَحْوِهِ وَاعْلَمْ أَنَّ عِبَارَةَ الْأَصْلِ وَغَيْرِهِ يُنْصَبُ اللَّبِنُ عَلَى فَتْحِ اللَّحْدِ وَتُسَدُّ الْفُرَجُ بِقَطْعِ اللَّبِنِ مَعَ الطِّينِ أَوْ بِالْإِذْخِرِ وَنَحْوِهِ (ثُمَّ) بَعْدَ ذَلِكَ (يُحْثِي) نَدْبًا (كُلُّ مَنْ دَنَا) عِبَارَةُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ مَنْ عَلَى شَفِيرِ الْقَبْرِ (ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ) مِنْ تُرَابِهِ بِيَدَيْهِ جَمِيعًا وَلِيَكُنْ قِبَلَ رَأْسِهِ وَذَلِكَ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ كَمَا قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَلِمَا فِيهِ مِنْ الْمُشَارَكَةِ فِي هَذَا الْفَرْضِ يُقَالُ حَثَى يُحْثِي حَثْيًا وَحَثَيَاتٍ وَحَتَّى يَحْثُوَ حَثْوًا وَحَثْوَاتٍ وَالْأَوَّلُ أَفْصَحُ (وَيَقُولُ نَدْبًا فِي الْأُولَى {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ} [طه: 55] وَفِي الثَّانِيَةِ {وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} [طه: 55] وَفِي الثَّالِثَةِ {وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه: 55] رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا أَنْ يَقُولَ فِي الْأُولَى اللَّهُمَّ لَقِّنْهُ عِنْدَ الْمَسْأَلَةِ حُجَّتَهُ وَفِي الثَّانِيَةِ اللَّهُمَّ افْتَحْ أَبْوَابَ السَّمَاءِ لِرُوحِهِ وَفِي الثَّالِثَةِ اللَّهُمَّ جَافِ الْأَرْضَ عَنْ جَنْبَيْهِ (ثُمَّ يُدْفَنُ بِالْمَسَاحِي) إسْرَاعًا بِتَكْمِيلِ الدَّفْنِ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْحَثْيِ؛ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ وُقُوعِ اللَّبِنَاتِ وَعَنْ تَأَذِّي الْحَاضِرِينَ بِالْغُبَارِ وَالْمَسَاحِي بِفَتْحِ الْمِيمِ جَمْعِ مِسْحَاةٍ بِكَسْرِهَا؛ لِأَنَّهَا آلَةٌ يُمْسَحُ بِهَا الْأَرْضُ وَلَا تَكُونُ إلَّا مِنْ حَدِيدٍ بِخِلَافِ الْمِجْرَفَةِ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَالْمُرَادُ هُنَا هِيَ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهَا
(فَرْعٌ الْمُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُزَادَ الْقَبْرُ عَلَى تُرَابِهِ) الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ لِئَلَّا يُعَظِّمَ شَخْصُهُ (وَأَنْ يُرْفَعَ قَدْرَ شِبْرٍ) تَقْرِيبًا لِيُعْرَفَ فَيُزَارَ وَيُحْتَرَمَ كَقَبْرِهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فَإِنْ لَمْ يَرْتَفِعْ تُرَابُهُ شِبْرًا فَالْأَوْجَهُ أَنْ يُزَادَ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَقَدْ تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَى الزِّيَادَةِ كَأَنْ سَفَّتْهُ الرِّيحُ قَبْلَ إتْمَامِ حَفْرِهِ أَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ قَلِيلَةَ التُّرَابِ لِكَثْرَةِ الْحِجَارَةِ (وَتَسْطِيحُهُ أَفْضَلُ مِنْ تَسْنِيمِهِ) كَقَبْرِهِ صلى الله عليه وسلم وَقَبْرِ صَاحِبِيهِ فَإِنَّهَا كَانَتْ كَذَلِكَ رَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ قَالَ دَخَلْت عَلَى
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ بَعْدَ تَسْلِيمِ الْحُكْمِ فِي الْأَوْلَى مِنْ هَاتَيْنِ) أَيْ حُكْمُهَا مَمْنُوعٌ
[فَرْعٌ يُرْفَعُ رَأْسُ الْمَيِّتِ نَدْبًا بِنَحْوِ لَبِنَةٍ طَاهِرَةٍ وَيُفْضَى بِخَدِّهِ الْأَيْمَنِ مَكْشُوفًا إلَيْهَا]
(قَوْلُهُ وَيَظْهَرُ أَنْ يُلْحَقَ بِذَلِكَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ؛ وَلِأَنَّهُ مِنْ مَصَالِحِ دَفْنِهِ الْوَاجِبِ) قَالَ شَيْخُنَا مَا لَمْ يُوصَ بِهِ مِنْ الثُّلُثِ (قَوْلُهُ كُلُّ مَنْ دَنَا إلَخْ) قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ لِمَنْ حَضَرَ الدَّفْنَ، وَهَذَا يَشْمَلُ الْبَعِيدَ وَالْقَرِيبَ وَقَوْلُهُ لِمَنْ حَضَرَ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
[فَرْعٌ لَا يُزَادَ الْقَبْرُ عَلَى تُرَابِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ]
(قَوْلُهُ فَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ يُزَادُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
عَائِشَةَ فَقُلْت لَهَا اكْشِفِي لِي عَنْ قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَصَاحِبِيهِ فَكَشَفَتْ عَنْ ثَلَاثَةٍ وَلَا مُشْرِفَةٍ وَلَا لَاطِئَةٍ مَبْطُوحَةٍ بِبَطْحَاءِ الْعَرْصَةِ الْحَمْرَاءِ أَيْ لَا مُرْتَفِعَةً كَثِيرًا وَلَا لَاصِقَةً بِالْأَرْضِ كَمَا بَيَّنَهُ آخِرَ الْخَبَرِ يُقَالُ لَطِئَ بِكَسْرِ الطَّاءِ وَلَطَا بِفَتْحِهَا أَيْ لَصِقَ وَلَا يُؤَثِّرُ أَفْضَلِيَّةُ التَّسْطِيحِ كَوْنُهُ صَارَ شِعَارَ الرَّوَافِضِ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ لَا تُتْرَكُ بِمُوَافَقَةِ أَهْلِ الْبِدَعِ فِيهَا وَلَا يُخَالِفُ ذَلِكَ «قَوْلُ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ لَا تَدَعَ قَبْرًا مُشْرِفًا إلَّا سَوَّيْتَهُ» ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ تَسْوِيَتَهُ بِالْأَرْضِ.
وَإِنَّمَا أَرَادَ تَسْطِيحَهُ جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ (فَإِنْ دُفِنَ) مُسْلِمٌ (فِي بَلَدِ الْكُفَّارِ أُخْفِيَ قَبْرُهُ) صِيَانَةً لَهُ عَنْهُمْ وَأَلْحَقَ بِهِ الْأَذْرَعِيُّ الْأَمْكِنَةَ الَّتِي يُخَافُ نَبْشُهَا لِسَرِقَةِ كَفَنِهِ أَوْ لِعَدَاوَةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا (وَيُكْرَهُ تَجْصِيصُ) أَيْ تَبْيِيضُ الْقَبْرِ بِالْجَصِّ أَيْ الْجِبْسُ وَيُقَالُ هُوَ النُّورَةُ الْبَيْضَاءُ (وَكِتَابَةٌ وَبِنَاءٌ عَلَيْهِ) قَالَ جَابِرٌ: «نَهَى رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ، وَإِنْ يُبْنَى عَلَيْهِ وَأَنْ يُقْعَدَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ زَادَ التِّرْمِذِيُّ «وَأَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهِ وَأَنْ يُوطَأَ» وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَسَوَاءٌ فِي الْبِنَاءِ الْقُبَّةُ أَمْ غَيْرُهَا وَسَوَاءٌ فِي الْمَكْتُوبِ اسْمُ صَاحِبِهِ أَمْ غَيْرُهُ فِي لَوْحٍ عِنْدَ رَأْسِهِ أَمْ فِي غَيْرِهِ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَكَمَا يُكْرَهُ الْبِنَاءُ عَلَيْهِ يُكْرَهُ بِنَاؤُهُ فَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ نَهَى أَنْ يُبْنَى الْقَبْرُ (بَلْ يُهْدَمَ) الْبِنَاءُ الَّذِي بُنِيَ (فِي) الْمَقْبَرَةِ (الْمُسَبَّلَةِ) بِخِلَافِ مَا إذَا بُنِيَ فِي مِلْكِهِ.
وَصَرَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ بِتَحْرِيمِ الْبِنَاءِ فِيهَا وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ إشَارَةٌ إلَيْهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيَقْرَبُ إلْحَاقُ الْمَوَاتِ بِالْمُسَبَّلَةِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَضْيِيقًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِمَا لَا مَصْلَحَةٍ وَلَا غَرَضٍ شَرْعِيٍّ فِيهِ بِخِلَافِ الْإِحْيَاءِ (وَلَا بَأْسَ بِتَطْيِينِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلزِّينَةِ بِخِلَافِ التَّجْصِيصِ وَقِيلَ لَا يُطَيَّنُ وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَصَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ فِي الْمَجْمُوعِ وَنَقَلَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ (وَمَشْيٌ) أَيْ وَلَا بَأْسَ بِمَشْيِ (مُتَنَعِّلٍ بِمَقْبَرَةٍ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «الْعَبْدُ إذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ حَتَّى يَسْمَعَ قَرْعَ نِعَالِهِمْ أَتَاهُ مَلَكَانِ» الْحَدِيثَ وَأَجَابُوا عَنْ خَبَرِ أَبِي دَاوُد «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِرَجُلٍ: رَآهُ يَمْشِي فِي الْقُبُورِ بِنَعْلَيْنِ يَا صَاحِبَ السِّبْتِيَّتَيْنِ وَيْحَك أَلْقِ سِبْتِيَّتَيْك فَخَلَعَهُمَا» بِأَنَّهُ كَرِهَهُمَا لِمَعْنًى فِيهِمَا؛ لِأَنَّ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ هِيَ الْمَدْبُوغَةُ بِالْقَرَظِ، وَهِيَ لِبَاسُ أَهْلِ التَّرَفُّهِ وَالتَّنَعُّمِ فَنَهَى عَنْهُمَا لِمَا فِيهِمَا مِنْ الْخُيَلَاءِ فَأُحِبُّ أَنْ يَكُونَ دُخُولُهُ الْمَقَابِرَ عَلَى زِيِّ التَّوَاضُعِ وَلِبَاسِ أَهْلِ الْخُشُوعِ وَبِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ فِيهِمَا نَجَاسَةٌ وَالنَّهْيُ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ لِلتَّنْزِيهِ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ قَضَاءُ الْحَاجَةِ عِنْدَ الْقُبُورِ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُرَشَّ) الْقَبْرُ (بِالْمَاءِ) لِئَلَّا يَنْسِفَهُ الرِّيحُ؛ وَلِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم فَعَلَ ذَلِكَ بِقَبْرِ ابْنِهِ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَسَيَأْتِي وَبِقَبْرِ سَعْدٍ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَأَمَرَ بِهِ فِي قَبْرِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ رَوَاهُ الْبَزَّارُ وَسَعْدٌ هَذَا هُوَ ابْنُ مُعَاذٍ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ طَاهِرًا طَهُورًا بَارِدًا تَفَاؤُلًا بِأَنَّ اللَّهَ يُبَرِّدُ مَضْجَعَهُ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَ (وَأَنْ يُوضَعَ عَلَيْهِ حَصًى) رَوَى الشَّافِعِيُّ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم رَشَّ عَلَى قَبْرِ ابْنِهِ إبْرَاهِيمَ وَوَضَعَ عَلَيْهِ حَصْبَاءَ» ، وَهِيَ بِالْمَدِّ وَبِالْمُوَحَّدَةِ الْحَصَى الصِّغَارُ، وَهُوَ حَدِيثٌ مُرْسَلٌ مَرْوِيٌّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ (وَ) يُوضَعُ (عِنْدَ رَأْسِهِ صَخْرَةٌ أَوْ خَشَبَةٌ) أَوْ نَحْوِهِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم وَضَعَ حَجَرًا أَيْ صَخْرَةً عِنْدَ رَأْسِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ وَقَالَ أَتَعَلَّمُ بِهَا قَبْرَ أَخِي وَأَدْفِنُ إلَيْهِ مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِي» قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَيُوضَعُ ذَلِكَ عِنْدَ رِجْلَيْهِ أَيْضًا (وَيُكْرَهُ رَشُّهُ) أَيْ قَبْرٍ (بِمَاءِ وَرْدٍ) وَنَحْوِهِ وَأَنْ يُطْلَى بِالْخَلُوقِ قَالُوا؛ لِأَنَّهُ إسْرَافٌ وَإِضَاعَةُ مَالٍ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ كَرَاهَةُ رَشِّهِ بِالنَّجَسِ أَوْ تَحْرِيمُهُ (وَ) يُكْرَهُ (ضَرْبُ مِظَلَّةٍ عَلَيْهِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ؛ لِأَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه رَأَى مِظَلَّةً عَلَى قَبْرٍ فَأَمَرَ بِرَفْعِهَا وَقَالَ دَعَوْهُ يُظِلُّهُ عَمَلُهُ وَيُكْرَهُ اسْتِلَامُهُ وَتَقْبِيلُهُ
(فَصْلٌ يَحْصُلُ مِنْ الْأَجْرِ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ) الْمَسْبُوقَةِ بِالْحُضُورِ مَعَهُ (قِيرَاطٌ وَ) يَحْصُلُ مِنْهُ (بِهَا وَالْحُضُورُ) مَعَهُ (إلَى تَمَامِ الدَّفْنِ لَا الْمُوَارَاةُ) فَقَطْ (قِيرَاطَانِ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ شَهِدَ الْجِنَازَةَ حَتَّى يُصَلِّيَ عَلَيْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ وَمَنْ شَهِدَهَا حَتَّى تُدْفَنَ» وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ «حَتَّى يُفْرَغَ مِنْ دَفْنِهَا فَلَهُ قِيرَاطَانِ قِيلَ وَمَا الْقِيرَاطَانِ قَالَ مِثْلُ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ وَأَلْحَقَ بِهِ الْأَذْرَعِيُّ) أَيْ وَغَيْرُهُ وَقَوْلُهُ الْأَمْكِنَةُ الَّتِي يُخَافُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَبَنَى عَلَيْهِ) اسْتَثْنَى الشَّيْخُ أَبُو زَيْدٍ وَمَنْ تَابَعَهُ مَا إذَا خَشِيَ نَبْشَهُ فَيَجُوزُ وَتَجْصِيصُهُ حَتَّى لَا يَقْدِرَ النَّبَّاشُ عَلَيْهِ وَفِي مَعْنَاهُ مَا لَوْ خَشِيَ عَلَيْهِ مِنْ نَبْشِ الضَّبُعِ وَنَحْوِهِ أَوْ أَنْ يَجْرِفَهُ السَّيْلُ وَقَوْلُهُ مَا إذَا خَشِيَ نَبْشَهُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ بَلْ يُهْدَمُ فِي الْمُسَبَّلَةِ) بِأَنْ جَرَتْ عَادَةُ أَهْلِ الْبَلَدِ بِالدَّفْنِ فِيهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَوْقُوفَةً ذَكَرَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ وَقَالَ ابْنُ الْعِمَادِ: يَتَعَيَّنُ أَنْ تَكُونَ مَوْقُوفَةً عَلَى الدَّفْنِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ لَفْظِ الْمُسَبَّلَةِ وَمَا أَدْرَى مَا حَمَلَهُ عَلَى صَرْفِ اللَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ وَحَمَلَهُ عَلَى تَأْوِيلٍ لَا يَصِحُّ (قَوْلُهُ وَصَرَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ بِتَحْرِيمِ الْبِنَاءِ فِيهَا) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ كَلَامَيْ النَّوَوِيِّ يُحْمَلُ الْكَرَاهَةُ عَلَى مَا إذَا بَنَى عَلَى الْقَبْرِ خَاصَّةً بِحَيْثُ يَكُونُ الْبِنَاءُ وَاقِعًا فِي حَرِيمِ الْقَبْرِ فَيُكْرَهُ وَلَا يَحْرُمُ؛ لِأَنَّهُ لَا تَضْيِيقَ فِيهِ وَيُحْمَلُ الْحُرْمَةُ عَلَى مَا إذَا بَنَى فِي الْمَقْبَرَةِ فِيهِ أَوْ بَيْتًا يُسْكَنُ فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَكَذَا لَوْ بَنَاهُ لِيَأْوِيَ فِيهِ الزَّائِرُونَ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّضْيِيقِ اهـ قَالَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ فِي الْمَوَاقِفِ وَلَا تَظُنَّنَّ بِكَلِمَةٍ خَرَجَتْ مِنْ فَمِ أَخِيك سُوءً مَا أَمْكَنَك لَهَا مَحْمَلٌ صَحِيحٌ (قَوْلُهُ وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إشَارَةٌ إلَيْهِ) بَلْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: لَا خِلَافَ فِيهِ (قَوْلُهُ وَيَقْرَبُ إلْحَاقُ الْمَوَاتِ بِالْمُسَبَّلَةِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَرُشَّ الْقَبْرُ بِالْمَاءِ) قَالَ شَيْخُنَا وَلَوْ بَعْدَ الدَّفْنِ بِمُدَّةٍ فِيمَا يَظْهَرُ وَالْأَوْجَهُ فِعْلُهُ وَلَوْ مَعَ وُجُودِ مَطَرٍ كَمَا اسْتَظْهَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ خِلَافًا لِبَعْضِ الْعَصْرِيِّينَ (قَوْلُهُ وَيُوضَعُ ذَلِكَ عِنْدَ رِجْلَيْهِ أَيْضًا) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ أَوْ تَحْرِيمِهِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَوْله كَمَا اسْتَظْهَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ عِبَارَةٌ فِي الْقُوتِ إشَارَاتٌ: حَضَرْت جِنَازَةً بِحَلَبِ فَوَقَعَ عَقِبَ دَفْنِهَا مَطَرٌ غَزِيرٌ فَقُلْتُ لَهُمْ: يَكْفِي هَذَا عَنْ الرَّشِّ اهـ مِنْ خَطِّ الْمُجَرَّدِ