الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فَصْلٌ. وَإِنْ بَلَغَ) الصَّبِيُّ فِي أَثْنَاءِ الْحَجِّ، وَلَوْ بَعْدَ وُقُوفِهِ (فَأَدْرَكَ الْوُقُوفَ أَجْزَأَهُ عَنْ فَرْضِهِ) ؛ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ مُعْظَمَ الْعِبَادَةِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَدْرَكَ الرُّكُوعَ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُدْرِكْ الْوُقُوفَ (وَ) لَكِنْ (يُعِيدُ السَّعْيَ) وُجُوبًا (بَعْدَ الطَّوَافِ) إنْ كَانَ سَعَى بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ قَبْلَ بُلُوغِهِ لِيُوقِعَهُ حَالَ الْبُلُوغِ بِخِلَافِ الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَدَامٌ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ عَنْ فَرْضِهِ أَيْضًا إذَا تَقَدَّمَ الطَّوَافُ أَوْ الْحَلْقُ وَأَعَادَهُ بَعْدَ إعَادَةِ الْوُقُوفِ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ تَجِبُ إعَادَتُهُ لِتَبَيُّنِ وُقُوعِهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ (وَلَا دَمَ عَلَيْهِ) بِإِتْيَانِهِ بِالْإِحْرَامِ قَبْلَ الْبُلُوغِ (وَإِنْ لَمْ يَعُدْ إلَى الْمِيقَاتِ بَالِغًا) ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا فِي وُسْعِهِ، وَلَا إسَاءَةَ (وَالطَّوَافُ فِي الْعُمْرَةِ كَالْوُقُوفِ فِي الْحَجِّ) قَالَ فِي الْأَصْلِ فَإِذَا بَلَغَ قَبْلَهُ أَجْزَأَتْهُ عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ زَادَ فِي الْمَجْمُوعِ وَكَذَا لَوْ بَلَغَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ فَلَا وَوَقَعَ لِلْبُلْقِينِيِّ لِعَدَمِ وُقُوفِهِ عَلَى هَذِهِ الزِّيَادَةِ - مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ لَكِنْ لَوْ بَلَغَ فِيهِ لَا يَكُونُ كَبُلُوغِهِ فِي الْوُقُوفِ؛ لِأَنَّ مُسَمَّى الْوُقُوفِ حَاصِلٌ بِمَا وُجِدَ بَعْدَ بُلُوغِهِ بِخِلَافِ الطَّوَافِ، وَحَيْثُ أَجْزَأَهُ مَا أَتَى بِهِ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ وَعُمْرَتِهِ وَقَعَ إحْرَامُهُ أَوَّلًا تَطَوُّعًا وَانْقَلَبَ عَقِبَ الْبُلُوغِ فَرْضًا عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْمَجْمُوعِ.
وَفِيهِ عَنْ الدَّارِمِيِّ لَوْ فَاتَ الصَّبِيَّ الْحَجُّ وَبَلَغَ فَإِنْ بَلَغَ قَبْلَ الْفَوَاتِ فَعَلَيْهِ حِجَّةٌ وَاحِدَةٌ تُجْزِئُهُ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ وَالْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ فَعَلَيْهِ حِجَّتَانِ حِجَّةٌ لِلْفَوَاتِ وَحِجَّةٌ لِلْإِسْلَامِ وَيَبْدَأُ بِحِجَّةِ الْإِسْلَامِ وَلَوْ أَفْسَدَ الْحُرُّ الْبَالِغُ حَجَّهُ قَبْلَ الْوُقُوفِ، ثُمَّ فَاتَهُ أَجْزَأَتْهُ حِجَّةٌ وَاحِدَةٌ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ وَالْفَوَاتِ وَالْقَضَاءِ، وَعَلَيْهِ فِدْيَتَانِ إحْدَاهُمَا لِلْإِفْسَادِ وَالْأُخْرَى لِلْفَوَاتِ (وَالْعِتْقُ) لِلرَّقِيقِ فِي أَثْنَاءِ النُّسُكِ (كَالْبُلُوغِ) لِلصَّبِيِّ فِيهِ فَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا دَمَ عَلَيْهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَنْبَغِي وُجُوبُهُ إذَا كَانَ قَضَاءً عَنْ وَاجِبٍ مِنْ نَذْرٍ أَوْ قَضَاءٍ أَفْسَدَهُ بَلْ يَنْبَغِي وُجُوبُهُ إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الْحُرِّيَّةِ بِأَنْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِصِفَةٍ هُوَ قَادِرٌ عَلَى فِعْلِهَا تَنْزِيلًا لِلْمُتَوَقَّعِ مَنْزِلَةَ الْوَاقِعِ قُلْت الِانْبِغَاءُ الثَّانِي ظَاهِرٌ دُونَ الْأَوَّلِ قَالَ وَسَكَتَ الرَّافِعِيُّ عَنْ إفَاقَةِ الْمَجْنُونِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ عَنْهُ وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالصَّبِيِّ فِي حُكْمِهِ (وَلَوْ أَحْرَمَ ذِمِّيٌّ) الْأَوْلَى كَافِرٌ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ (مِنْ الْمِيقَاتِ أَوْ جَاوَزَهُ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ، ثُمَّ أَسْلَمَ وَأَحْرَمَ، وَلَمْ يَعُدْ) إلَى الْمِيقَاتِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ (لَزِمَهُ دَمٌ) ، وَإِنْ عَادَ فَلَا كَمُسْلِمٍ جَاوَزَهُ بِقَصْدِ النُّسُكِ نَعَمْ إنْ حَجَّ مِنْ سَنَةٍ أُخْرَى فَلَا دَمَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا أَعَادَ إحْرَامَهُ فِي الْأُولَى؛ لِأَنَّ إحْرَامَهُ الْأَوَّلَ لَمْ يَنْعَقِدْ وَالتَّصْرِيحُ بِالثَّانِيَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَكَالْكَافِرِ فِيمَا ذَكَرَ الصَّبِيُّ وَالْعَبْدُ كَمَا نُقِلَ عَنْ النَّصِّ (وَمَنْ طَيَّبَ أَوْ حَلَقَ صَبِيًّا) أَوْ مَجْنُونًا.
وَلَوْ لِحَاجَتِهِ (لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ) وَلِيًّا كَانَ أَوْ أَجْنَبِيًّا لِإِسَاءَتِهِ وَكَالتَّطْيِيبِ وَالْحَلْقِ مَا يُشْبِهُهُمَا مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ كَاللُّبْسِ وَالدُّهْنِ وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ يَنْبَغِي تَقْيِيدُ الْمَسْأَلَةِ بِمَا إذَا كَانَ الْوَلِيُّ وَالْأَجْنَبِيُّ حَلَالَيْنِ فَإِنْ كَانَا مُحْرِمَيْنِ لَزِمَهُمَا فِدْيَتَانِ لَا يَنْبَغِي قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ لَوْ أَلْجَأَهُ الْوَلِيُّ إلَى التَّطَيُّبِ أَوْ فَوَّتَهُ الْحَجَّ فَالْفِدْيَةُ عَلَى الْوَلِيِّ بِلَا خِلَافٍ وَمِثْلُهُ الْأَجْنَبِيُّ.
(بَابُ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ)
أَيْ الْمُحَرَّمَاتِ بِهِ، وَالْأَصْلُ فِيهَا أَخْبَارٌ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنْ الثِّيَابِ فَقَالَ لَا يَلْبَسُ الْقُمُصَ، وَلَا الْعَمَائِمَ، وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ، وَلَا الْبَرَانِسَ، وَلَا الْخِفَافَ إلَّا أَحَدٌ لَا يَجِدُ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ الْخُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ، وَلَا يَلْبَسُ مِنْ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ أَوْ وَرْسٌ» زَادَ الْبُخَارِيُّ، وَلَا تَنْتَقِبُ الْمَرْأَةُ، وَلَا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ وَكَخَبَرِ «نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ لُبْسِ الْقَمِيصِ وَالْأَقْبِيَةِ وَالسَّرَاوِيلَاتِ وَالْخُفَّيْنِ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ النَّعْلَيْنِ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَالسُّؤَالُ وَقَعَ فِي الْخَبَرِ الْأَوَّلِ عَمَّا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ فَأُجِيبَ بِمَا لَا يَلْبَسُ؛ لِأَنَّهُ مَحْصُورٌ بِخِلَافِ مَا يَلْبَسُ إذْ الْأَصْلُ الْإِبَاحَةُ، وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي السُّؤَالُ عَمَّا لَا يَلْبَسُ وَأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْجَوَابِ مَا يُحَصِّلُ الْمَقْصُودَ، وَإِنْ لَمْ يُطَابِقْ السُّؤَالَ صَرِيحًا (وَهِيَ) أَنْوَاعٌ (سَبْعَةٌ: الْأَوَّلُ اللُّبْسُ فَيَحْرُمُ سَتْرُ رَأْسِ الرَّجُلِ أَوْ بَعْضِهِ كَالْبَيَاضِ) الَّذِي
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
وَلَمْ يَذْكُرُوا الْحَلْقَ وَقِيَاسُ كَوْنِهِ نُسُكًا اشْتِرَاطُ الْإِفَاقَةِ فِيهِ، وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ عَنْ عَدَمِ اعْتِبَارِ الْحَلْقِ بِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ فِعْلُ الْحَاجِّ فَلَوْ حُلِقَ رَأْسُهُ، وَهُوَ نَائِمٌ كَفَى فِيمَا يَظْهَرُ قَالَ شَيْخُنَا فَعُلِمَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مَرْدُودٌ.
[فَصْلٌ بَلَغَ الصَّبِيُّ فِي أَثْنَاءِ الْحَجِّ وَلَوْ بَعْدَ وُقُوفِهِ فَأَدْرَكَ الْوُقُوفَ]
(قَوْلُهُ وَإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ إلَخْ) لَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ فِي أَثْنَاءِ الْحَجِّ بَعْدَ الْوُقُوفِ وَقَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِهِ، وَلَمْ يَعُدْ إلَى الْمَوْقِفِ لَمْ يُجْزِئْهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ لِمُضِيِّ الْمُعْظَمِ فِي حَالِ النُّقْصَانِ، وَيُخَالِفُ الصَّلَاةُ حَيْثُ تُجْزِئُهُ إذَا بَلَغَ فِي أَثْنَائِهَا أَوْ بَعْدَهَا؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عِبَادَةٌ تَتَكَرَّرُ بِخِلَافِ الْحَجِّ (قَوْلُهُ وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ يَنْبَغِي إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَكَالْكَافِرِ فِيمَا ذُكِرَ الصَّبِيُّ وَالْعَبْدُ إلَخْ) قَالَ شَيْخُنَا هَذَا إذَا جَاوَزَهُ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ فَلَا يُنَافِي مَا قَالَهُ ابْنُ شُهْبَةَ وَابْنُ قَاسِمٍ مِنْ عَدَمِ لُزُومِ الدَّمِ فِي الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ إذْ هُوَ فِي مُجَاوَزَتِهَا بِغَيْرِ إذْنِ الْوَلِيِّ (قَوْلُهُ لَا يَنْبَغِي) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.
[بَابُ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ]
(بَابُ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ) عَدَّهَا فِي اللُّبَابِ وَأَصْلِهِ عِشْرِينَ شَيْئًا وَجَرَى عَلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ فِي التَّدْرِيبِ وَقَالَ فِي الْكِفَايَةِ إنَّهَا عَشَرَةٌ يَعْنِي وَالْبَاقِيَةُ مُتَدَاخِلَةٌ (قَوْلُهُ: فَيَحْرُمُ سَتْرُ رَأْسِ الرَّجُلِ) إذَا غَطَّى رَأْسَهُ بِثَوْبٍ شَفَّافٍ تَبْدُو الْبَشَرَةُ مِنْهُ وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ مَعَ أَنَّهُمْ لَمْ يَجْعَلُوهُ فِي الصَّلَاةِ سَاتِرًا، وَلَوْ انْغَمَسَ فِي مَاءٍ لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ سَاتِرًا قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي وَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمَاءَ الْكَدِرِ كَالصَّافِي، لَكِنَّهُ قَدْ عُدَّ الْمَاءُ الْكَدِرُ فِي الصَّلَاةِ سَاتِرًا فَلْيُتَأَمَّلْ. اهـ.
وَقَالَ الكوهكيلوني وَمَاءٌ، وَلَوْ كَدِرًا فَإِنَّهُ لَا يُعَدُّ سَاتِرًا بِخِلَافِ مَا مَرَّ فِي الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ أَوْ بَعْضَهُ) ضَبَطَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ الْبَعْضَ بِالْقَدْرِ الَّذِي يَقْصِدُ سَتْرَهُ لِغَرَضِ سَتْرِهِ الْعِصَابَةَ وَإِلْصَاقٌ لُصُوقُ شَجَّةٍ، وَأَبْطَلَهُ الرَّافِعِيُّ بِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّهُ لَوْ شَدَّ خَيْطًا عَلَى رَأْسِهِ لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ يُقْصَدُ لِمَنْعِ الشَّعْرِ مِنْ الِانْتِشَارِ فَالْوَجْهُ الضَّبْطُ بِتَسْمِيَتِهِ سَاتِرًا، لَكِنْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ إنَّ الصَّوَابَ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ، وَلَا يَنْتَقِضُ بِمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ
(وَرَاءَ الْأُذُنِ بِمَا يُعَدُّ سَاتِرًا) عُرْفًا، وَإِنْ، وَلَمْ يُحِطْ بِالرَّأْسِ (وَلَوْ بِعِصَابَةٍ وَمَرْهَمٍ) ، وَهُوَ مَا يُوضَعُ عَلَى الْجِرَاحَةِ (وَطِينٍ) وَحِنَّاءٍ لِخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ السَّابِقِ وَلِخَبَرِ الَّذِي وَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ.
وَقَوْلُهُ (سَاتِرٌ) إيضَاحٌ؛ لِأَنَّهُ مَفْهُومٌ مِنْ تَرْكِيبِهِ السَّابِقِ (لَا) سَتْرُهُ (بِمَاءٍ) كَأَنْ غَطَسَ فِيهِ (وَخَيْطٍ) شَدَّ بِهِ رَأْسَهُ (وَهَوْدَجٍ) اسْتَظَلَّ بِهِ (وَإِنْ مَسَّهُ) وَطِينٍ وَحِنَّاءٍ رَقِيقَيْنِ (، وَلَا بِوَضْعِ كَفِّهِ، وَكَذَا كَفِّ غَيْرِهِ وَمَحْمُولٍ) كَقُفَّةٍ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى رَأْسِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُرَدُّ سَاتِرًا وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أُمِّ الْحُصَيْنِ قَالَتْ «حَجَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِجَّةَ الْوَدَاعِ فَرَأَيْت أُسَامَةَ وَبِلَالًا وَأَحَدُهُمَا أَخَذَ بِخِطَامِ نَاقَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالْآخَرُ رَافِعٌ ثَوْبَهُ يَسْتُرُهُ مِنْ الْحَرِّ حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ» وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ عَدَمُ حُرْمَةِ ذَلِكَ سَوَاءٌ أَقَصَدَ السَّتْرَ بِهِ أَمْ لَا لَكِنْ جَزَمَ الْفُورَانِيُّ وَغَيْرُهُ بِوُجُوبِ الْفِدْيَةِ فِيمَا إذَا قَصَدَ بِحَمْلِ الْقُفَّةِ وَنَحْوِهَا السَّتْرَ وَظَاهِرُهُ حُرْمَةُ ذَلِكَ حِينَئِذٍ، وَلَا أَثَرَ لِتَوَسُّدِ وِسَادَةٍ أَوْ عِمَامَةٍ فَإِنَّهُ حَاسِرُ الرَّأْسِ عُرْفًا وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ: لَا أَثَرَ لِلطِّلَاءِ بِعَسَلٍ أَوْ لَبَنٍ مَحْمُولٌ عَلَى الرَّقِيقِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَالْأَفْضَلُ بُرُوزُ الرَّجُلِ لِلشَّمْسِ حَيْثُ لَا ضَرَرَ وَالسَّتْرُ لِلْمَرْأَةِ انْتَهَى. وَكَالْمَرْأَةِ الْخُنْثَى أَمَّا غَيْرُ الرَّأْسِ مِنْ الرَّجُلِ فَيَجُوزُ سَتْرُهُ لَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يَبْقَى شَيْئًا لِيَسْتَوْعِبَ الرَّأْسَ بِالْكَشْفِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ (وَيَحْرُمُ) أَنْ يَلْبَسَ فِيهِ (مَا يُحِيطُ بِالْبَدَنِ وَكَذَا بِالْعُضْوِ وَنَحْوِهِ كَخَرِيطَةِ لِحْيَةٍ) ، وَإِنْ بَدَا الْمَسْتُورُ كَمَا فِي السَّتْرِ بِزُجَاجٍ شَفَّافٍ لِخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ السَّابِقِ؛ وَلِأَنَّ خَرِيطَةَ اللِّحْيَةِ فِي مَعْنَى الْقُفَّازَيْنِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُحِيطُ (بِخِيَاطَةٍ كَالْقَمِيصِ أَوْ الْخُفِّ) وَالْقُفَّازِ (أَوْ نَسْجٍ كَالدِّرْعِ أَوْ عِقْدٍ كَجُبَّةِ اللَّبَدِ أَوْ اللَّزُوقِ) الْأَوْلَى لَزُوقٌ أَوْ لَزِقَ عَطْفًا عَلَى خِيَاطَةٍ وَكَأَنَّهُ عَطَفَهُ عَلَى اللَّبَدِ فَعَرَّفَهُ وَكَلَامُ أَصْلِهِ يَحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ، وَهُوَ إلَى الْأَوَّلِ أَقْرَبُ وَعَلَيْهِ جَرَى فِي الْبَهْجَةِ وَعَبَّرَ بِاللَّصْقِ بِالصَّادِ هَذَا وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِي كَوْنِ اللَّبَدِ مَعْقُودًا، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فِي قَوْلِ الْمِنْهَاجِ أَوْ الْمَعْقُودُ يَعْنِي الْمَلْزُوقُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ كَالثَّوْبِ مِنْ اللَّبَدِ انْتَهَى.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ اللَّبَدَ عَلَى نَوْعَيْنِ نَوْعٌ مَعْقُودٌ وَنَوْعٌ مَلْزُوقٌ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمُتَّخَذُ مِنْ قُطْنٍ وَكَتَّانٍ وَغَيْرِهِمَا (وَتَجِبُ الْفِدْيَةُ إنْ لَبِسَهُ) أَيْ مَا يُحِيطُ بِمَا ذُكِرَ (كَالْعَادَةِ) عَامِدًا مُخْتَارًا (وَإِنْ لَمْ يُدْخِلْ الْيَدَ فِي الْكُمِّ) مِنْ الْقَبَاءِ وَنَحْوِهِ قَصُرَ الزَّمَنُ أَوْ طَالَ وَخَرَجَ بِالْعَادَةِ مَا لَوْ أَلْقَى عَلَى نَفْسِهِ قَبَاءً أَوْ فَرَجِيَّةً، وَهُوَ مُضْطَجِعٌ وَكَانَ بِحَيْثُ لَوْ قَامَ أَوْ قَعَدَ لَمْ يَسْتَمْسِكْ عَلَيْهِ إلَّا بِمَزِيدِ أَمْرٍ فَلَا تَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ وَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي قَوْلِهِ (لَا إنْ ارْتَدَى بِالْقَمِيصِ وَالسَّرَاوِيلِ أَوْ اتَّزَرَ بِهِمَا) أَوْ أَدْخَلَ رِجْلَيْهِ سَاقَيْ الْخُفِّ فَلَا فِدْيَةَ كَمَا لَوْ اتَّزَرَ بِإِزَارٍ لَفَّقَهُ مِنْ رِقَاعٍ؛ وَلِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي كُلِّ مَلْبُوسٍ بِمَا يُعْتَادُ إذْ بِهِ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
لِأَنَّ الْخَيْطَ لَا يُسَمَّى سَاتِرًا بِخِلَافِ الْعِصَابَةِ الْعَرِيضَةِ (قَوْلُهُ لَا بِمَاءٍ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي إطْلَاقِ الْمَاءِ وَقْفَةٌ؛ لِأَنَّهُمْ عَدُّوا الْمَاءَ الْكَدِرَ فِي الْمُتَرَاكَمِ سَاتِرًا فِي الصَّلَاةِ فَلِمَ لَا يَجْرِي ذَلِكَ هُنَا (قَوْلُهُ كَقُفَّةٍ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ لَعَلَّ مَا ذَكَرُوهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَسْتَرْخِ الزِّنْبِيلُ وَنَحْوُهُ عَلَى رَأْسِهِ لِصَلَابَةٍ أَسْفَلَهُ أَوْ امْتِلَائِهِ بِشَيْءٍ، أَمَّا لَوْ اسْتَرْخَى فَهُوَ سَاتِرٌ كَالْقَلَنْسُوَةِ الْوَاسِعَةِ (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُهُ حُرْمَةُ ذَلِكَ حِينَئِذٍ) وَجَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ.
(تَنْبِيهٌ) عُلِمَ عَدَمُ تَعَدُّدِ الْفِدْيَةِ فِيمَا إذَا سَتَرَ رَأْسَهُ بِقُبَعٍ، ثُمَّ بِعِمَامَةٍ، ثُمَّ بِطَيْلَسَانٍ فِي أَزْمِنَةٍ أَوْ نَزَعَ الْعِمَامَةَ، ثُمَّ لَبِسَهَا وَكَثِيرًا مَا يُسْأَلُ عَنْ ذَلِكَ وَاَلَّذِي أَفْتَى بِهِ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ هُوَ عَدَمُ التَّعَدُّدِ مَا دَامَ الرَّأْسُ مَسْتُورًا؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ فِي الرَّأْسِ إنَّمَا هُوَ السَّتْرُ وَالْمَسْتُورُ، وَلَا يُسْتَرُ بِخِلَافِ الْبَدَنِ فَإِنَّ الْفِدْيَةَ فِيهِ مُتَعَلِّقَةٌ بِاللُّبْسِ فَيُقَالُ لِلَّابِسِ لَبِسَ وَفِي كَلَامِ الشَّيْخِ مُحِبِّ الدِّينِ الطَّبَرِيِّ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الْبَدَنَ كَالرَّأْسِ حَيْثُ قَالَ فِي شَرْحِهِ عَلَى التَّنْبِيهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ التَّنْبِيهِ عَلَى دَقِيقِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْأَصْحَابَ ذَكَرُوا تَصْوِيرَ تَكْرَارِ اللُّبْسِ فِي مَجَالِسَ بِأَنْ يَلْبَسَ الْقَمِيصَ فِي مَجْلِسٍ وَالسَّرَاوِيلَ فِي مَجْلِسٍ، وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْبُدَاءَةِ بِالسَّرَاوِيلِ أَوْ الْقَمِيصِ وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ التَّسْوِيَةُ فِي طَرْدِ الْقَوْلَيْنِ فِي الْحَالَيْنِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ إذْ بَدَأَ بِالسَّرَاوِيلِ، ثُمَّ الْقَمِيصِ فَإِنْ عَكَسَ فَلَا يَتَّجِهُ طَرْدُ الْخِلَافِ فِيهِ فَإِنَّهُ بِلُبْسِ الْقَمِيصِ سَتَرَ مَحَلَّ السَّرَاوِيلِ بِالْمَخِيطِ، وَوَجَبَتْ الْفِدْيَةُ فَلَا تَتَكَرَّرُ بِسَاتِرٍ آخَرَ مَعَ بَقَاءِ الْأَوَّلِ كَمَا لَوْ لَبِسَ قَمِيصًا فَوْقَ قَمِيصٍ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ بِالثَّانِي شَيْءٌ، وَلَا أَعْرِفُ فِيهِ خِلَافًا، وَلَا يَظْهَرُ فَرْقٌ بِأَنْ يَلْبَسَ لِبَاسًا فَوْقَ لِبَاسٍ وَجَبَتْ بِهِ الْفِدْيَةُ أَوْ تَحْتَهُ، وَيَطَّرِدُ ذَلِكَ فِيمَا لَوْ لَبِسَ تَحْتَ قَمِيصٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَتَقْدِيرُ نَزْعِ الْقَمِيصِ بِلُبْسِ السَّرَاوِيلِ تَحْتَهُ أَوْ الْقَبَاءِ وَتَصْبِيرِهِ كَأَنَّهُ كَشَفَ الْقَمِيصَ عَنْ مَحَلِّ السَّرَاوِيلِ، ثُمَّ لَبِسَ السَّرَاوِيلَ فِيهِ بَعْدُ، وَلَا نَظَرَ إلَى الْمُبَاشِرَةِ فَإِنَّهُ لَوْ الْتَفَّ بِثَوْبِ إحْرَامِهِ، ثُمَّ يَلْبَسُ فَوْقَهُ قَمِيصًا فَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ قَالَ، وَلَمْ أَقِفْ فِيهِ عَلَى نَصٍّ، وَإِنَّمَا سَاقَ الْبَحْثَ إلَيْهِ، وَهُوَ مُتَّجَهٌ لَا بُعْدَ فِيهِ. اهـ.
وَارْتَضَى الْإِسْنَوِيُّ فِي مُهِمَّاتِهِ وَالْأَذْرَعِيُّ فِي تَوَسُّطِهِ مَا ذَكَرَهُ الطَّبَرِيُّ وَتَبِعَاهُ عَلَيْهِ لَكِنْ قَالَ الدَّمِيرِيِّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ عَنْ الطَّبَرِيِّ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الرَّأْسِ وَالْبَدَنِ وَالْمُعْتَمَدُ الْفَرْقُ. اهـ. وَقَوْلُ الطَّبَرِيِّ فَإِنَّهُ بِلُبْسِ الْقَمِيصِ سَتَرَ مَحَلَّ السَّرَاوِيلِ بِالْمَخِيطِ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَ الْقَمِيصُ سَابِغًا، وَإِلَّا فَقَدْ سَتَرَ السَّرَاوِيلُ شَيْئًا مِنْ الْبَدَنِ لَمْ يَسْتُرْهُ الْقَمِيصُ، وَحِينَئِذٍ فَتَتَكَرَّرُ الْفِدْيَةُ؛ لِأَنَّهُ سَاتِرًا آخَرَ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي التَّوَسُّطِ، وَلَا يَخْفَى مَجِيئُهُ فِي سَتْرِ الرَّأْسِ بِالْقُبَعِ وَالْقَلَنْسُوَةِ، ثُمَّ بِالْعِمَامَةِ (قَوْلُهُ فَلَا تَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ) فَإِنْ أَخَذَ مِنْ بَدَنِهِ مَا إذَا قَامَ عُدَّ لَابِسُهُ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ (قَوْلُهُ فَلَا فِدْيَةَ) كَمَا لَوْ اتَّزَرَ بِإِزَارٍ لَفَّقَهُ مِنْ رِقَاعٍ، كَذَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ لَكِنَّهُ ذَكَرَ قَبْلَهُ بِأَسْطُرٍ أَنَّهُ لَوْ أَلْقَى عَلَى نَفْسِهِ قَبَاءً أَوْ فَرَجِيَّةً، وَهُوَ مُضْطَجِعٌ نَقْلًا عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ إنْ أَخَذَ مِنْ بَدَنِهِ مَا إذَا قَامَ عُدَّ لَابِسُهُ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ قَامَ أَوْ قَعَدَ لَمْ يَسْتَمْسِكْ إلَّا بِمَزِيدِ أَمْرٍ فَلَا. اهـ. وَاعْتَرَضَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ بِأَنَّ الِالْتِحَافَ الْمَذْكُورَ إمَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ الْإِلْقَاءُ الَّذِي عَبَّرَ بِهِ أَوَّلًا فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ التَّفْصِيلِ مَعَ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ التَّكْرَارِ عَلَى قُرْبٍ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي أَيْ، وَهُوَ مَا لَمْ يَسْتَمْسِكْ عِنْدَ الْقِيَامِ، وَهُوَ الْأَقْرَبُ إلَى التَّعْبِيرِ بِالِالْتِحَافِ فَعَلَى كُلِّ حَالٍ هُوَ كَلَامٌ عَجِيبٌ. اهـ.
وَجُمِعَ بَيْنَ كَلَامَيْ الرَّافِعِيِّ بِأَنَّ مُرَادَهُ أَوَّلًا مَا إذَا وَضَعَهُ عَلَى هَيْئَةِ اللُّبْسِ الْمُعْتَادَةِ بِأَنْ يَضَعَ طَوْقَ الْقَبَاءِ أَوْ الْفَرْجِيَّةِ عِنْدَ رَقَبَتِهِ وَتَوَسَّدَهُ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي كُمِّهِ فَإِنَّهُ إذَا قَامَ، وَهُوَ عَلَيْهِ عُدَّ لَابِسًا لَهُ، وَلِهَذَا مَثَّلَ بِالْقَبَاءِ وَالْفَرْجِيَّةِ؛ لِأَنَّهُمَا هَكَذَا بِالْأَصْلِ
يَحْصُلُ التَّرَفُّهُ بِخِلَافِ الْحِنْثِ بِهِ لِوُجُودِ اسْمِ اللُّبْسُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ، وَكَذَا لَوْ الْتَحَفَ بِقَمِيصٍ أَوْ عَبَاءَةٍ أَوْ إزَارٍ أَوْ نَحْوِهَا وَلَفَّ عَلَيْهِ طَاقًا، أَوْ أَكْثَرَ فَلَا فِدْيَةَ (وَلَهُ تَقَلُّدُ السَّيْفِ) وَالْمُصْحَفِ (وَشَدُّ الْمِنْطَقَةِ) وَالْهِمْيَانِ عَلَى وَسَطِهِ لِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ وَقَدْ قَدِمَتْ الصَّحَابَةُ مَكَّةَ مُتَقَلِّدِينَ بِسُيُوفِهِمْ عَامَ عُمْرَةِ الْقَضَاءِ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبُخَارِيُّ.
وَلَهُ أَنْ يَلُفَّ بِوَسَطِهِ عِمَامَةً، وَلَا يَعْقِدُهَا وَأَنْ يَلْبَسَ الْخَاتَمَ وَأَنْ يُدْخِلَ يَدَهُ فِي كُمِّ قَمِيصٍ مُنْفَصِلٍ عَنْهُ (وَ) لَهُ (عَقْدُ الْإِزَارِ بِتِكَّةٍ) بِكَسْرِ التَّاءِ أَوْ نَحْوِهَا (فِي حُجُزِهِ) بِضَمِّ الْحَاءِ أَيْ فِي حُجْزَةِ الْإِزَارِ أَيْ مَعْقِدِهِ لِحَاجَةِ إحْكَامِهِ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ كَمَا قَالَ الْمُتَوَلِّي، وَلَهُ شَدُّهُ بِخَيْطٍ، وَلَوْ مَعَ عَقْدِ الْإِزَارِ لِحَاجَةِ ثُبُوتِهِ بِخِلَافِ اتِّخَاذِ الشَّرَجِ وَالْعُرَى لِلرِّدَاءِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَصْلُ (لَا إنْ عَقَدَهُ) أَيْ الْإِزَارَ (بِشَرَجٍ) بِفَتْحِ الشِّينِ وَالرَّاءِ أَيْ أَزْرَارٍ (فِي عُرًى أَوْ شَقَّهُ) نِصْفَيْنِ (وَلَفَّ كُلَّ نِصْفٍ عَلَى سَاقٍ وَعَقَدَهُ أَوْ عَقَدَ طَرَفَيْ رِدَائِهِ) بِخَيْطٍ أَوْ بِدُونِهِ (أَوْ خَلَّهُمَا بِخِلَالٍ) كَمِسَلَّةِ فَلَيْسَ لَهُ شَيْءٌ مِنْهَا لِشَبَهِ الثَّانِي بِالسَّرَاوِيلِ وَمَا عَدَاهُ بِالْمَخِيطِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَسْتَمْسِكُ وَقَيَّدَ الْغَزَالِيُّ وَالْقَاضِي مُجَلِّيٌّ الْأَوَّلَ بِمَا إذَا تَقَارَبَ الشَّرَجُ بِحَيْثُ أَشْبَهَتْ الْخِيَاطَةُ، وَإِلَّا فَلَا فِدْيَةَ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ، وَلَا يَتَقَيَّدُ الرِّدَاءُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الشَّرَجَ الْمُتَبَاعِدَ يُشْبِهُ الْعَقْدَ، وَهُوَ فِيهِ مُمْتَنِعٌ لِعَدَمِ احْتِيَاجِهِ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْإِزَارِ.
(وَلَهُ أَنْ يَشُدَّ طَرَفَ إزَارِهِ فِي طَرَفِ رِدَائِهِ) لِاحْتِيَاجِهِ إلَيْهِ فِي الِاسْتِمْسَاكِ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي، وَلَهُ غَرْزُ رِدَائِهِ فِي إزَارِهِ وَالتَّوَشُّحُ بِهِ (وَلِلْمَرْأَةِ) وَلَوْ أَمَةً (سَتْرُ مَا سِوَى الْوَجْهِ بِمَخِيطٍ وَغَيْرِهِ) مِنْ الْمَلْبُوسَاتِ «؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم نَهَى النِّسَاءَ فِي إحْرَامِهِنَّ عَنْ الْقُفَّازَيْنِ وَالنِّقَابِ وَمَا مَسَّهُ الْوَرْسُ أَوْ الزَّعْفَرَانُ مِنْ الثِّيَابِ، ثُمَّ قَالَ: وَلْيَلْبَسْنَ بَعْدَ ذَلِكَ مَا أَحْبَبْنَ مِنْ أَلْوَانِ الثِّيَابِ مِنْ مُعَصْفَرٍ أَوْ خَزٍّ أَوْ حَرِيرٍ أَوْ حُلِيٍّ أَوْ سَرَاوِيلَ أَوْ خُفٍّ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَإِنَّمَا جَازَ لَهَا السَّتْرُ بِالْمَخِيطِ دُونَ الرَّجُلِ لِلْإِخْبَارِ؛ وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ أَوْلَى بِالسَّتْرِ وَغَيْرُ الْمَخِيطِ لَا يَتَأَتَّى مَعَهُ الْأَمْنُ مِنْ الْكَشْفِ كَالْمَخِيطِ، وَلِهَذَا لَوْ اجْتَمَعَا عَلَى السَّتْرِ قُدِّمَتْ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ (لَا) سَتْرَ (الْكَفَّيْنِ بِقُفَّارَيْنِ) أَوْ إحْدَاهُمَا بِأَحَدِهِمَا فَلَيْسَ لَهَا ذَلِكَ لِلْخَبَرَيْنِ السَّابِقَيْنِ؛ وَلِأَنَّ الْقُفَّازَ مَلْبُوسُ عُضْوٍ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ فَأَشْبَهَ خُفَّ الرَّجُلِ وَخَرِيطَةَ لِحْيَتِهِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ، وَالْقُفَّازُ شَيْءٌ يُعْمَلُ لِلْيَدَيْنِ يُحْشَى بِقُطْنٍ وَتَكُونُ لَهُ أَزْرَارٌ تُزَرُّ عَلَى السَّاعِدَيْنِ مِنْ الْبَرْدِ تَلْبَسُهُ الْمَرْأَةُ فِي يَدَيْهَا، وَمُرَادُ الْفُقَهَاءِ مَا يَشْمَلُ الْمَحْشُوَّ وَغَيْرَهُ.
(وَيَجُوزُ) سَتْرُهُمَا (بِغَيْرِهِمَا) كَكُمٍّ وَخِرْقَةٍ لَفَّتْهَا عَلَيْهِمَا لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ وَمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ سَوَاءٌ أَخَضَبَتْهُمَا أَمْ لَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ عِلَّةَ تَحْرِيمِ الْقُفَّازِ عَلَيْهَا مَا مَرَّ آنِفًا وَفِي نُسْخَةٍ بَدَلَ لَا الْكَفَّيْنِ إلَى آخِرِهِ لَا الْقُفَّازَيْنِ وَيَجُوزُ لَفُّ يَدِهَا بِغَيْرِهِمَا أَمَّا الْوَجْهُ فَلَا تَسْتُرُهُ لِلْخَبَرَيْنِ السَّابِقَيْنِ (وَ) لَكِنْ (يُعْفَى عَمَّا تَسْتُرُهُ مِنْ الْوَجْهِ احْتِيَاطًا لِلرَّأْسِ) إذْ لَا يُمْكِنُ اسْتِيعَابُ سَتْرِهِ إلَّا بِسِتْرِ قَدْرٍ يَسِيرٍ مِمَّا يَلِيهِ مِنْ الْوَجْهِ وَالْمُحَافَظَةِ عَلَى سَتْرِهِ بِكَمَالِهِ لِكَوْنِهِ عَوْرَةً أَوْلَى مِنْ الْمُحَافَظَةِ عَلَى كَشْفِ ذَلِكَ الْقَدْرِ مِنْ الْوَجْهِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ الْأَمَةَ لَا تَسْتُرُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ رَأْسَهَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ لَكِنْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ مَا ذُكِرَ فِي إحْرَامِ الْمَرْأَةِ وَلُبْسِهَا لَمْ يُفَرِّقُوا فِيهِ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَشَذَّ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فَحَكَى وَجْهًا أَنَّ الْأَمَةَ كَالرَّجُلِ، وَوَجْهَيْنِ فِي الْمُبَعَّضَةِ هَلْ هِيَ كَالْأَمَةِ أَوْ كَالْحُرَّةِ (وَلَهَا أَنْ تُسْدِلَ) أَيْ تُرْخِيَ عَلَى وَجْهِهَا (ثَوْبًا مُتَجَافِيًا) عَنْهُ بِخَشَبَةٍ أَوْ نَحْوِهَا سَوَاءٌ أَفَعَلَتْهُ لِحَاجَةٍ كَحَرٍّ وَبَرْدٍ وَفِتْنَةٍ أَمْ لَا كَمَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ سَتْرُ رَأْسِهِ بِمِظَلَّةٍ وَنَحْوِهَا (وَإِنْ أَصَابَهُ) كَأَنْ وَقَعَتْ الْخَشَبَةُ فَأَصَابَ الثَّوْبُ وَجْهَهَا (بِلَا اخْتِيَارٍ مِنْهَا فَرَفَعَتْهُ فَوْرًا فَلَا فِدْيَةَ، وَإِلَّا) بِأَنْ اخْتَارَتْ ذَلِكَ أَوْ لَمْ تَرْفَعْهُ فَوْرًا (وَجَبَتْ) مَعَ الْإِثْمِ.
(وَلِلْخُنْثَى) الْمُشْكِلِ (سَتْرُ أَحَدِهِمَا) أَيْ الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ، وَلَا فِدْيَةَ؛ لِأَنَّا لَا نُوجِبُ شَيْئًا بِالشَّكِّ (فَقَطْ) أَيْ لَا سَتْرَهُمَا، فَلَوْ سَتَرَهُمَا لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ لِتَيَقُّنِ سَتْرِ مَا لَيْسَ لَهُ سَتْرُهُ وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَسْتُرَ بِالْمَخِيطِ لِجَوَازِ كَوْنِهِ رَجُلًا وَيُمْكِنُهُ سَتْرُهُ بِغَيْرِهِ هَكَذَا ذَكَرَهُ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ لَا خِلَافَ أَنَّا نَأْمُرُهُ بِالسَّتْرِ وَلُبْسِ الْمَخِيطُ كَمَا نَأْمُرُهُ أَنْ يَسْتَتِرَ فِي صَلَاتِهِ كَالْمَرْأَةِ انْتَهَى. وَقَالَ السُّلَمِيُّ عَقِبَ ذَلِكَ قُلْت أَمَّا سَتْرُ رَأْسِهِ فَوَاجِبٌ احْتِيَاطًا، وَلَا يَسْتُرُ وَجْهَهُ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ أُنْثَى فَكَشْفُهُ وَاجِبٌ أَوْ رَجُلًا لَمْ يَلْزَمْهُ سَتْرُهُ، وَأَمَّا سَتْرُ بَدَنِهِ فَيَجِبُ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ أُنْثَى فَوَاضِحٌ أَوْ رَجُلًا فَجَائِزٌ وَالسَّتْرُ مَعَ التَّرَدُّدِ وَاجِبٌ، وَلِهَذَا «أُمِرَتْ سَوْدَةُ أَنْ تَحْتَجِبَ مِنْ ابْنِ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ وَأَمَرَ الْخُنْثَى بِالِاحْتِجَابِ» قَالَ وَتَجْوِيزُ الْقَاضِي لُبْسَ الْمَخِيطِ فِيهِ نَظَرٌ، وَعِنْدِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ، وَلَا يَتَقَيَّدُ الرَّدُّ بِذَلِكَ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.
(قَوْلُهُ إذْ لَا يُمْكِنُ اسْتِيعَابُ سَتْرِهِ إلَّا بِسِتْرِهِ إلَخْ وَالْوَجْهُ إنَّمَا نَهَى فِيهِ عَنْ النِّقَابِ، وَذَلِكَ الْقَدْرُ لَيْسَ بِنِقَابٍ، وَلَا فِي مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ إظْهَارُ الشِّعَارِ، وَهُوَ لَا يَفُوتُ بِذَلِكَ؛ وَلِأَنَّ السَّتْرَ آكِدٌ (قَوْلُهُ وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ الْأَمَةَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ فِي شَرْحِ إرْشَادِهِ وَالْأَمَةُ كَالْحُرَّةِ عَلَى الْمَذْهَبِ لَكِنَّ الْحُرَّةَ لَا تُؤَاخَذُ بِمَا تَسْتُرُهُ مِنْ الْوَجْهِ احْتِيَاطًا لِسَتْرِ الرَّأْسِ
(قَوْلُهُ وَقَالَ السُّلَمِيُّ عَقِبَ ذَلِكَ إلَخْ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ وَمَا قَالَهُ حَسَنٌ وَفِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ يُخَمِّرُ رَأْسَهُ، وَلَا يُخَمِّرُ وَجْهَهُ