الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وصدق أبقاه الله؛ لأن الدار قطنى قال: إنه ثقة. وقال الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادى: كان ثقة ثبتا عالما بالنسب، عارفا بأخبار المتقدمين، ومآثر الماضين. وله الكتاب المصنف فى نسب قريش وأخبارها، ولى القضاء بمكة، وورد بغداد وحدث بها.
وقال أبو بكر محمد بن عبد الملك التاريخى: أنشدنى ابن أبى طاهر لنفسه فى الزبير ابن بكار (2)[من البسيط]:
ما قال «لا» قط إلا فى تشهده
…
ولا جرى فى لفظه إلا على «نعم»
بين الحوارى والصديق نسبته
…
وقد جرى ورسول الله فى رحم
قال أحمد بن سليمان الطوسى: توفى أبو عبد الله الزبير قاضى مكة، ليلة الأحد لتسع ليال بقين من ذى القعدة سنة ست وخمسين ومائتين، وقد بلغ أربعا وثمانين سنة، وتوفى بمكة، وحضرت جنازته، وصلى عليه ابن مصعب. وكان سبب وفاته، أنه وقع من فوق سطحه، فمكث يومين لا يتكلم، ومات. قال: وتوفى الزبير بعد فراغنا من قراءة، كتاب «النسب» عليه بثلاثة أيام. انتهى.
1202 ـ الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصى بن كلاب القرشى الأسدى، أبو عبد الله:
هذا هو المشهور فى كنيته، وذلك أنه كنى بابنه عبد الله بن الزبير، وكنى أيضا بأبى
(2) انظر البيتين تاريخ بغداد 8/ 468.
1202 ـ انظر ترجمته فى: (الاستيعاب ترجمة 811، الإصابة ترجمة 2796، أسد الغابة ترجمة 1732، طبقات ابن سعد 1/ 160، 191، 2/ 31، 3/ 73، 112، 236، 8/ 184، المصنف لابن أبى شيبة رقم 1578، تاريخ يحيى برواية الدورى 2/ 172، طبقات خليفة 13، 189، 291، تاريخه 67، 82، 99، 112، 147، 148، 180 ـ 187، 201، علل أحمد 1/ 69 ـ 379، الزهد لأحمد 144، فضائل الصحابة لأحمد 2/ 733، نسب قريش 20، 22، 103، 106، تاريخ البخارى الكبير الترجمة 1359، تاريخه الصغير 1/ 75، البيان والتبيين 1/ 100، 180، 302، 406، 2/ 316، 317، 3/ 101، 154، 211، 221، 345، 346، سؤالات الآجرى لأبى داود الترجمة 114، الجرح والتعديل الترجمة 2627، مشاهير علماء الأمصار الترجمة 9، الحلية لابن نعيم 1/ 89 ـ 92، جمهرة ابن حزم 14/ 81، 115، 120 ـ 127، الجمع لابن القيسرانى 1/ 149، تاريخ دمشق تهذيبه 5/ 358، صفوة الصفوة 1/ 132، التبيين فى أنساب القرشيين 74، 140، 161، 195، 196، 223، 253، 270، 310، 270، 310، 383، 389، تهذيب الأسماء واللغات 1/ 194 ـ 196، الكاشف 1/ 320، سير أعلام النبلاء 1/ 41، العبر 1/ 37، تجريد أسماء الصحابة 1/ 188، تهذيب ابن حجر 3/ 318، تهذيب الكمال 1971).
الطاهر. قال ابن الأثير: كانت أمه تكنيه أبا الطاهر، بكنية أخيها الزبير بن عبد المطلب. انتهى.
وأمه صفية بنت عبد المطلب، عمة النبى صلى الله عليه وسلم، فهو ابن عمة النبى صلى الله عليه وسلم وحواريه، ومعنى الحوارى الخليل، وقيل الصاحب المستخلص، وقيل الحوارى الناصر، وقيل غير ذلك. وهو أحد العشرة الذين شهد لهم النبى صلى الله عليه وسلم بالجنة، وتوفى وهو عنهم راض، وأحد الستة أصحاب الشورى، الذين جعل عمر ـ رضى الله عنه ـ الخلافة فى أحدهم، وهم على ما ذكر النووى: عثمان بن عفان، وعلى بن أبى طالب، والزبير بن العوام، وطلحة ابن عبيد الله التيمى، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبى وقاص ـ رضى الله عنهم.
قال ابن الأثير: وكان إسلامه بعد أبى بكر ـ رضى الله عنه ـ بيسير، قيل: كان رابعا أو خامسا فى الإسلام، وهاجر إلى الحبشة، وإلى المدينة. انتهى.
ذكر ذلك النووى، وقال: شهد بدرا وأحدا والخندق والحديبية وخيبر، وفتح مكة، وحصار الطائف، والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهد اليرموك، وفتح مصر. انتهى.
وذكر ذلك ابن الأثير، إلا أنه لم يذكر اليرموك، ولم يقل: والمشاهد كلها، وليس تركه لذلك لعدم وقوعه، وإنما هو لعدم حضوره بالبال وقت التأليف، وزاد: وحنينا، وهو صحيح.
وكان الزبير فى فتح مكة، على المجنبة اليسرى، ومعه راية النبى صلى الله عليه وسلم، وأمره أن يدخل مكة من أعلاها.
واختلف فى سنه حين أسلم، فقيل: ابن ثمان سنين، وقيل: ابن اثنتى عشرة سنة، وقيل: ابن خمس عشرة سنة، وقيل: ابن ست عشرة سنة.
حكى هذه الأقوال ابن عبد البر، عن عروة بن الزبير، إلا القول الأول، فعن أبى الأسود محمد بن عبد الرحمن، يتيم عروة. وقال بعد أن ذكر القول الأخير: وقول عروة أصح من قول أبى الأسود. ونقل غيره عن أبى الأسود، زيادة فى خبر إسلامه؛ لأن المزى قال: وقال عبد الله بن وهب، عن الليث بن سعد، عن أبى الأسود: أسلم الزبير وهو ابن ثمانى سنين، وهاجر وهو ابن ثمان عشرة. وكان عم الزبير يعلق الزبير فى حصير، ويدخن عليه بالنار، ويقول: ارجع. فيقول الزبير: لا أكفر أبدا. انتهى.
والزبير ـ رضى الله عنه ـ أول من سلّ سيفا فى سبيل الله عزوجل، على ما روى
عن سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، فيما نقله عنهما ابن عبد البر؛ وذلك أنه نفحت نفحة من الشيطان، أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل الزبير يشق الناس بسيفه، والنبى صلى الله عليه وسلم بأعلا مكة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«مالك يا زبير؟ » قال: أخبرت أنك أخذت، قال: فصلى عليه ودعا له ولسيفه. انتهى. وهذا الخبر نقله ابن عبد البر عن الزبير.
وقال ابن عبد البر: لم يتخلف الزبير عن غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وشهد الزبير بدرا، وكانت عليه يومئذ عمامة صفراء، وكان معتجرا بها، فيقال: إنها نزلت الملائكة يوم بدر على سيماء الزبير. وروى بمعنى ذلك، عن ابن إسحاق الفزارى، عن هشام بن عروة، عن عباد بن حمزة بن الزبير. قال ابن عبد البر: وثبت عن الزبير أنه قال: جمع لى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أبويه مرتين، يوم أحد، ويوم قريظة، فقال: ارم فداك أبى وأمى (1). انتهى.
وفى الترمذى، حديث جمع النبى صلى الله عليه وسلم أبويه للزبير يوم قريظة، وهو فى الصحيحين أيضا، وفيهما: أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إن لكل نبى حواريّا، وحواريى الزبير، وذلك فى يوم الأحزاب، بعد أن ندب أصحابه للإتيان بخبر القوم، فانتدب الزبير ثلاث مرات، وذلك من حديث جابر ـ رضى الله عنه (2).
(1) أخرجه مسلم فى صحيحه حديث رقم (2416) من طريق: إسمعيل بن الخليل وسويد ابن سعيد كلاهما، عن ابن مسهر، قال: إسماعيل أخبرنا على بن مسهر، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد الله بن الزبير، قال: كنت أنا وعمر بن أبى سلمة يوم الخندق مع النسوة فى أطم حسان فكان يطأطئ لى مرة فأنظر وأطأطئ له مرة فينظر فكنت أعرف أبى إذا مر على فرسه فى السلاح إلى بنى قريظة، قال: وأخبرنى عبد الله بن عروة، عن عبد الله بن الزبير، قال: فذكرت ذلك لأبى فقال: ورأيتنى يا بنى. قلت: نعم، قال: أما والله لقد جمع لى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ أبويه، فقال:«فداك أبى وأمى» . وحدثنا أبو كريب، حدثنا أبو أسامة، عن هشام، عن أبيه، عن عبد الله بن الزبير، قال: لما كان يوم الخندق كنت أنا وعمر بن أبى سلمة فى الأطم الذى فيه النسوة ـ يعنى نسوة النبى صلى الله عليه وسلم وساق الحديث بمعنى حديث ابن مسهر فى هذا الإسناد ولم يذكر عبد الله بن عروة فى الحديث ولكن أدرج القصة فى حديث هشام عن أبيه عن ابن الزبير.
وأخرجه الترمذى فى سننه برقم (3743) بلفظ مختلف، من طريق: هناد، حدثنا عبدة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد الله بن الزبير عن الزبير، قال: جمع لى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه يوم قريظة فقال: «بأبى وأمى» . قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
(2)
أخرجه البخارى فى صحيحه، فى الجهاد والسير، حديث رقم (2634). وأخرجه مسلم فى صحيحه، فى فضائل الصحابة، حديث رقم (4436). وأخرجه الترمذى فى سننه، فى كتاب المناقب، حديث رقم (3678). وأخرجه ابن ماجة فى سننه، حديث رقم (119).
وفى البخارى أيضا، عن عروة بن الزبير: أن أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم، قالوا للزبير يوم اليرموك: ألا تشد فنشد معك، فحمل عليهم، فضربوه ضربتين على عاتقه، بينهما ضربة ضربها يوم بدر، قال عروة: فكنت أدخل يدى فى تلك الضربات ألعب وأنا صغير (3).
وفى رواية البخارى: أن الزبير حمل عليهم حتى شق صفوفهم، وجاوزهم وما معه أحد (4).
وفى الترمذى عن هشام بن عروة بن الزبير قال: أوصى الزبير إلى ابنه عبد الله صبيحة الجمل، فقال: وما بقى عضو إلا وقد جرح مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهى إلى فرجه. قال الترمذى: حديث حسن (5). قال النووى: وفيما قاله نظر؛ لأنه منقطع بين هشام والزبير.
وفى البخارى: أن عثمان بن عفان ـ رضى الله عنه ـ قيل له: استخلف، قال: فلعلهم قالوا الزبير، قال: نعم، قال: أما والذى نفسى بيده إنه لخيرهم، ما علمت، وإن كان لأحبهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (6).
وفى البخارى عن عبد الله بن الزبير: وما ولى ـ يعنى الزبير ـ إمارة ولا جباية ولا خراجا ولا شيئا، إلا أن يكون غزوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو مع أبى بكر وعمر وعثمان رضى الله عنهم (7).
وروى ابن عبد البر بسنده إلى أبى إسحاق السبيعى، قال: سألت مجلسا فيه أكثر من عشرين رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان أكرم الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قالوا: الزبير وعلىّ بن أبى طالب. قال ابن عبد البر: وفضله حسّان على جميعهم، كما فضل أبو هريرة على الصحابة أجمعين، جعفر بن أبى طالب، فقال يمدحه، فذكر أبياتا منها (8) [من الطويل]:
فما مثله فيهم ولا كان قبله
…
وليس يكون الدهر ما دام يذبل
(3) أخرجه البخارى فى صحيحه، كتاب المناقب، حديث رقم (3443، 3678).
(4)
حديث رقم 3678.
(5)
فى سننه، فى المناقب، حديث رقم 3679.
(6)
فى صحيحه، كتاب المناقب، حديث رقم 3439، وأحمد فى المسند، حديث رقم 423.
(7)
من حديث طويل فى صحيحه، كتاب فرض الخمس، حديث رقم 2897.
(8)
الأبيات فى الاستيعاب ترجمة 811.
ومنها:
وإن امرأ كانت صفية أمه
…
ومن أسد فى بيته لمرقل (9)
له من رسول الله قربى قريبة
…
ومن نصرة الإسلام مجد مؤثل
وكم كربة ذبّ الزبير بسيفه
…
عن المصطفى والله يعطى ويجزل (10)
وقال فيه عمر بن الخطاب، رضى الله عنه: نعم ولى تركة المرء المسلم. ذكر هذا الخبر الزبير بن بكار؛ لأنه قال: وحدثنى علىّ بن صالح عن جدّى عبد الله بن مصعب قال: قال مطيع بن الأسود، حين أوصى إلى الزبير، فأبى أن يلى تركته، وقال: فى قومك من ترضى. فقال: إنك دخلت على عمرو أنا عنده، فلما خرجت، قال: نعم ولى تركة المرء المسلم، فقبل الزبير وصيته. انتهى.
وقد أوصى إلى الزبير من الصحابة: عثمان بن عفان ـ رضى الله عنه ـ أوصى إليه بصدقته، حتى يدرك ابنه عمرو بن عثمان، وأوصى إليه عبد الرحمن بن عوف، وأبو العاص بن الربيع بابنته أمامة، فزوجها من علىّ، وأوصى إليه عبد الله بن مسعود، والمقداد بن عمرو. ذكر هذا الخبر الزبير عن عمه عن جده عن هشام بن عروة، وفيه أيضا، مطيع إلى الزبير تركناه للاستغناء عنه بما سبق.
وذكر هذين الخبرين ابن الأثير، وأفاد فيه مكرمة للزبير؛ لأنه قال: وقال هشام بن عروة: أوصى إلى الزبير سبعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، منهم عثمان، وعبد الرحمن ابن عوف والمقداد، وابن مسعود وغيرهم، وكان يحفظ على أولادهم مالهم وينفق عليهم من ماله. انتهى.
وكان الزبير ـ رضى الله عنه ـ كثير أفعال الخير والرزق؛ لأن ابن عبد البر، قال: وروى الأوزاعى عن نهيك بن يريم، عن مغيث بن سمى، عن كعب، قال: كان للزبير ألف مملوك، يؤدون إليه الخراج، فما يدخل بيته منها درهما واحدا، قال: يعنى أنه كان يتصدق بذلك كله.
قال ابن عبد البر: كان الزبير تاجرا مجدودا فى التجارة، وقيل له يوما: بم أدركت فى التجارة ما أدركت؟ قال: لأنى لم أشتر عيبا ولم أرد ربحا، والله يبارك لمن يشاء. انتهى.
وبارك الله تعالى فى تركة الزبير، حتى قامت بدينه، وفضل منها فضل كثير لورثته
(9) فى الاستيعاب:
وإن امرأ كانت صفية أمه
…
ومن أسد فى بيته لمرفل
(10)
فى الاستيعاب: «فكم كربة ذب الزبير بسيفه» .
ولوصيته، وكان يظن أنها لا تفى بدينه. وخبر ذلك مشهور فى صحيح البخارى؛ لأن فيه عن عبد الله بن الزبير، أن أباه دعاه يوم الجمل فقال: يا بنى، إنى لا أرانى إلا سأقتل اليوم مظلوما، وإن من أكبر همى لدينى، أفترى ديننا يبقى مالنا شيئا؟ ثم قال: يا بنى، بع مالنا، واقض ديننا، وأوصى بالثلث، ثم قال: فقتل الزبير ـ رضى الله عنه ـ ولم يدع دينارا ولا درهما، إلا أربعين سهما بالغابة، وأحد عشر دارا بالمدينة، ودارين بالبصرة، ودارا بالكوفة، ودارا بمصر. وقال: وإنما كان دينه، أن الرجل كان يأتيه بالمال يستودعه إياه، فيقول الزبير: لا، ولكنه سلف، إنى أخشى عليه الضيعة.
قال عبد الله: فحسبت ما كان عليه من الدين، فكان ألفى ألف ومائتى ألف. وكان الزبير ـ رضى الله عنه ـ اشترى الغابة بسبعين ألفا ومائة ألف، فباعها عبد الله بألف ألف وستمائة ألف، وقضى دين أبيه، وأقام أربع سنين ينادى فى الموسم: ألا من كان له على الزبير دين فليأتنا فلنقضه، ثم قسم بعد الأربع سنين، بقية تركة الزبير بين ورثته، ودفع الثلث. وكان للزبير ـ رضى الله عنه ـ أربع نسوة، فأصاب كل امرأة، ألف ألف ومائتا ألف، فجميع ماله خمسون ألف ألف ومائتا ألف.
هذا معنى ما فى البخارى، وبعضه بلفظه، وذلك من قوله: وكان للزبير أربع نسوة إلى آخره.
وفى البخارى (11)، عن هشام بن عروة بن الزبير قال: أقمنا سيف الزبير بيننا بثلاثة آلاف. انتهى.
وشهد الزبير ـ رضى الله عنه ـ يوم الجمل، ثم انفصل عن المعركة بعد قليل، إلى موضع يعرف بوادى السباع، قريبا من البصرة، فقتل به.
وذكر ابن عبد البر: أنه قتل يوم الخميس لعشر خلون من جمادى الأولى سنة ست وثلاثين. قال: وفى ذلك اليوم كانت وقعة الجمل. انتهى.
وذكر ابن عبد البر: فى تاريخ وقعة الجمل، ما يخالف هذا، وهو أنها فى عاشر جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين؛ لأنه قال فى ترجمة طلحة بن عبيد الله التيمى: وكانت وقعة الجمل، لعشر خلون من جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين. انتهى.
وذكر غيره مثل ما ذكره فى وقعة الجمل، فى عاشر جمادى الأولى، وفى عاشر جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين، والله أعلم بالصواب.
(11) أخرجه البخارى فى الصحيح، كتاب فرض الخمس، حديث رقم (2897).
وذكر ابن عبد البر سبب رجوعه وصفة قتله، فنذكر ذلك على ما ذكره، قال: ثم شهد الزبير الجمل، فقاتل فيه ساعة، فناداه على ـ رضى الله عنهما ـ وانفرد به، وذكره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال له وقد وجدهما يضحكان بعضهما إلى بعض: أما إنك ستقاتل عليّا وأنت له ظالم، فذكر الزبير ـ رضى الله عنه ـ ذلك، فانصرف عن القتال، فاتبعه ابن جرموز عبد الله، ويقال عمير، ويقال عمرو، وقيل عميرة بن جرموز السعدى، فقتله بموضع يعرف بوادى السبع، وجاء بسيفه إلى على ـ رضى الله عنه ـ فقال علىّ ـ رضى الله عنه: بشر قاتل ابن صفية بالنار. وكان الزبير ـ رضى الله عنه ـ قد انصرف عن القتال نادما، مفارقا للجماعة التى خرج فيها منصرفا إلى المدينة، فرآه ابن جرموز، فقال: أتى يؤرّش بين الناس، ثم تركهم، والله لا تركته، ثم اتبعه، فلما لحق بالزبير، ورأى الزبير أنه يريده أقبل عليه، فقال له ابن جرموز: أذكرك الله. فكفّ عنه الزبير، حتى فعل ذلك مرارا، فقال الزبير: قاتله الله، يذكرنا الله وينساه، ثم عافصه ابن جرموز فقتله.
وذكر ابن عبد البر من تاريخ قتله، ووقعة الجمل ما سبق، ثم قال: ولما أتى قاتل الزبير عليّا برأسه، استأذن عليه، فلم يأذن له. وقال: بشره بالنار، فقال (12) [من المتقارب]:
أتيت عليّا برأس الزبي
…
ر أرجو لديه به الزلفه
فبشر بالنار إذ جئته
…
فبئس البشارة والتّحفه
وسيان عندى قتل الزب
…
ير وضرطة عير بذى الجحفه (13)
قال: وفى حديث عمرو بن جاذان، عن الأحنف، قال: لما بلغ الزبير سفوان ـ موضعا من البصرة ـ كمكان القادسية من الكوفة، لقيه النضر ـ رجل من بنى مجاشع ـ فقال: أين تذهب يا حوارى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ إلىّ، فأنت فى ذمتى ولا يوصل إليك، فأقبل معه، وأتى إنسان الأحنف بن قيس، فقال: هذا الزبير، قد لقى بسفوان، فقال الأحنف: ما شاء الله كان، قد جمع بين المسلمين حتى ضرب بعضهم حواجب بعض بالسيوف، ثم يلحق ببيته وأهله، فسمعه عمير بن جرموز وفضالة بن حابس ونفيع، فى غواة من غواة بنى تميم، فركبوا فى طلبه، فلقوه معه النفر، فأتاه عمير بن جرموز من خلفه، وهو على فرس له ضعيفة، فطعنه طعنة خفيفة، وحمل عليه الزبير، وهو على فرس له، يقال له ذو الخمار، حتى إذا كان ظن أنه قاتله، نادى صاحبيه: يا نفيع، يا فضالة،
(12) انظر الأبيات فى الاستيعاب 2/ 516.
(13)
فى أسد الغابة: ................... وضرطة عيتر بذى الجحفه.
فحملوا عليه حتى قتلوه، وهذا أصح مما تقدم، والله أعلم.
وذكر ابن الأثير، القول الأخير فى قتل الزبير مختصرا، وذكر أن الزبير لما انصرف، بعد أن ذكره علىّ ـ رضى الله عنه ـ بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، نزل بوادى السباع وقام يصلى، فأتاه ابن جرموز فقتله، وجاء بسيفه إلى على بن أبى طالب، وقال: إن هذا السيف طال ما فرج الكرب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. انتهى.
وهذا يخالف ما ذكره ابن عبد البر، فى صفة قتله، والله أعلم.
وقال ابن الأثير: وكثير من الناس يقولون: إن ابن جرموز قتل نفسه، لما قال له على: بشر قاتل ابن صفية بالنار، وليس كذلك، وإنما هو عاش بعد ذلك، حتى ولى مصعب ابن الزبير البصرة، فاختفى ابن جرموز، فقال مصعب: ليخرج، فهو آمن، أيظن أنى أقيده بأبى عبد الله؟ يعنى أباه الزبير، ليسا سواء. فظهرت المعجزة بأنه من أهل النار؛ لأنه قتل الزبير ـ رضى الله عنه ـ وقد فارق المعركة، وهذه معجزة ظاهرة؛ انتهى.
وذكر الزبير بسنده خبرا يقضى أن ابن جرموز، أتى مصعب بن الزبير فسجنه، وكتب إلى أخيه عبد الله بن الزبير يخبره بذلك، فلامه على سجنه وأمره بإطلاقه، وقال: أظننت أنى قاتل أعرابيّا من بنى تميم بالزبير؟ فخلى مصعب سبيله، حتى إذا كان ببعض السواد، لحق بقصر من قصوره عليه رحا، ثم أمر إنسانا أن يطرحه عليه، فطرحه فقتله، وكان قد كره الحياة، لما كان يهول عليه ويرى فى منامه، وذلك دعاه إلى ما فعل، وهو حزين متألم، والله أعلم.
واختلف فى سن الزبير ـ رضى الله عنه ـ حين قتل، فقيل: كان ابن سبع وستين سنة، وقيل ابن ست وستين، حكى هذين القولين: ابن عبد البر وابن الأثير والنووى، وزاد ثالثا، وهو: أنه كان ابن أربع وستين سنة، وما عرفت من ذكر ذلك قبله. وأما القولان الأولان، فذكرهما الزبير، ولكنه حكاهما على الشك؛ لأنه قال: قتل وهو ابن سبع وستين أوست وستين سنة. انتهى.
واختلف فى صفة الزبير، فقال ابن عبد البر: كان أسمر ربعة معتدل اللحم خفيف اللحية. انتهى. وذكر ذلك ابن الأثير والنووى. وقال الزبير: إنه سمع عبد الله بن محمد ابن يحيى بن عروة يقول: كان الزبير بن العوام، أبيض طويلا نحيفا خفيف العارضين. انتهى. وقال الزبير أيضا، فيما رواه بسنده عن هشام بن عروة عن أبيه، قال: كان الزبير ابن العوام طويلا، تخط رجلاه الأرض إذا ركب الدابة، أشعر، ربما أخذت بشعر كتفيه، متوّذف الخلقة. انتهى. والله أعلم بالصواب.