الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أجاز لى مروياته غير مرة. وكان حسن الطريقة بأخرة.
توفى فى أول العشر الأول من ذى الحجة، سنة تسعين وسبعمائة بمكة، ودفن بالمعلاة، وكانت وفاته فى اليوم الأول من ذى الحجة أو الثانى ـ فيما أظن ـ وهو خاتمة أصحاب الرضى الطبرى بالسماع.
1628 ـ عبد الله بن محمد بن محمد بن علىّ، الشيخ نجم الدين الأصبهانى:
نزيل مكة، وجدت بخط محدث اليمن إبراهيم بن عمر العلوى: أنه روى عن عبد الله ابن رتن الهندى، عن أبيه، عن النبى صلى الله عليه وسلم حديثا فى فضل:«لا إله إلا الله وحده لا شريك له» مائة مرة، وهو مخرج فى الصحيحين (1)، من رواية أبى هريرة رضى الله عنه، عن النبى صلى الله عليه وسلم، وإسناده فى هذا الحديث باطل؛ لأن رتن الهندى كاذب فى دعواه الصحبة، كما يأتى بيانه فى ترجمة عبد الملك المرجانى، الآتى ذكره؛ لأنه رواه عنه، وقد أثنى عليه غير واحد من العلماء، منهم: البرزالى، لأنه قال: كان شيخا جليلا، فاضلا مشهورا، مقصودا، منقطعا عن الناس. انتهى.
وذكره الصلاح الصفدى، وذكر شيئا من حاله؛ لأنه قال: صحب أبا العباس المرسى، وكان شيخا مهيبا وقورا عجيبا منقبضا عن الأنام، منجمعا فى ذاته بالحطيم، زاهدا فى الحطام، تفقه فى مذهب الشافعى فأتقنه، وبرع فى علم الأصول، فأثار فى معدنه، ودخل فى طريق الحب، ونزل منه فى جب، ثم قال: ولم يزل على حاله إلى أن عدم الحرم أنسه، وأتاه العدم الذى يعم نوعه وجنسه، ثم قال: جاور بضعا وعشرين سنة، وحج من مصر ولم يزر النبى صلى الله عليه وسلم، فعيب ذلك عليه مع جلالة قدره.
وكان لجماعة عظيمة فيه اعتقاد زائد.
وذكر اليافعى فى كتابه «الإرشاد والتطريز» من أخبار الشيخ نجم الدين الأصبهانى أشياء، وبعضها دال على عظم مقداره، ويحسن ذكرها هنا. ونص ما ذكره بعد أن ذكر حكاية عن الشيخ عز الدين بن عبد السلام، فى اغتساله بماء بارد، قال: وكذلك الشيخ الجليل العارف نجم الدين الأصبهانى، روى عنه أنه اغتسل فى ماء بارد قد جمد، قال: وما عهدى بنفسى إلا حين دخلت فى الماء، ثم أفقت وأنا فى مسجد، وقد قرب إنسان إلىّ مجمرة نار يدفئنى بها.
1628 ـ (1) أخرجه البخارى فى صحيحه باب فضل التهليل، برقم (6162)، وأخرجه مسلم فى صحيحه فى باب فضل التسبيح والتهليل والدعاء، برقم (6788).
وقال رضى الله عنه: قال لى فى بلاد العجم: إنك ستلقى القطب فى الديار المصرية، فخرجت لذلك، فبينما أنا فى بعض الطريق، إذ خرج علىّ جماعة فأمسكونى وكتفونى، وقالوا: هذا جاسوس، فقال بعضهم: نقتله. وقال بعضهم: لا. فبت مكتوفا وبقيت أفكر فى أمرى، وما بى جزع الموت، وإنما أن أموت قبل أن أعرف ربى؟ فنظمت أبياتا وضمنتها قول امرئ القيس، ومن جملة أبياته الذى ذكر، هذان البيتان [من الوافر]:
وقد وطأت نعلى كل أرض
…
وقد أتعبت نفسى باغترابى
وقد طوفت بالآفاق حتى
…
رضيت من الغنيمة بالإياب
فما أتممت الإنشاد، حتى انقض علىّ رجل صفته كذا وكذا، كانقضاض البازى. وقال: قم يا عبد الله، فأنا مطلوبك، وحل كتافى. فلما قدمت الديار المصرية، سمعت بشيخ يقال له أبو العباس المرسى. فلما رأيته، عرفت أنه الذى أطلقنى، ثم تبسم وقال لى: لقد أعجبنى إنشادك وتضمينك، وقولك كذا وكذا ليلة أسرت. فصحبه ولازمه إلى أن توفى، ثم أمر الشيخ نجم الدين بالذهاب إلى مكة، فجاور بها إلى أن مات رضى الله عنه.
قال: ومن كرامات الشيخ نجم الدين: أنى رأيته فى النوم بعد موته، وكنت مضرورا إلى حاجة تعسرت علىّ، ورأيت إنسانا بين يديه، والشيخ مقبل عليه يكلمه، ولم أدر بأى شيء يكلمه، فسلمت على الشيخ، ومشيت خلفه، وعرضت عليه شيئا فاستحسنه، أعنى جوابا أجبت به، ثم ودعته، وإذا قائل يقول لى: الظاهر أن الله يريد بك خيرا، ولكنك تحتاج إلى صبر؛ إذ الصبر من شأن الأجواد، فأبشر بكذا وكذا، يبشرنى بقضاء تلك الحاجة، ثم انتبهت وسررت بما رأيت، وخطر لى أن أبشر ذلك الإنسان الذى رأيت الشيخ يكلمه، بإقبال الشيخ عليه. وإذا به قد جاءنى بقضاء تلك الحاجة التى طلبتها، ففهمت أن الشيخ ما كان يكلمه إلا من أجلى، نفع الله به، وجزاه عنا أفضل الجزاء.
وكان رحمه الله، صاحب همة عالية، وصورة حسنة حالية، ولحية مليحة طويلة، وهيبة فى القلوب، ومنزلة جليلة.
وقال اليافعى أيضا، فى كتابه «الإرشاد»: وذكر الإمام أبو حامد الغزالى: أنه أدرك بعض الشيوخ بمكة، لا يحضر الصلاة فى المسجد الحرام، قال: فسألته عن سبب تخلفه، فذكر كلاما معناه: أنه يدخل عليه فى خروجه من الضرر، أكثر مما يدخل عليه من النفع.
قلت: ولذلك كان الشيخ نجم الدين الأصبهانى، يصلى مدة فوق جبل أبى قبيس (2) مقتديا بالإمام، مقلدا لبعض المذاهب. وكذلك أدركت سيدنا الشيخ أبا هادى المغربى، يصلى كذلك فى جبال مكة مقتديا بإمام الجماعة، فأنكر عليه أناس، فكان يقول: إذا جئت إليه، ما يقول هؤلاء المتعوبون؟ . انتهى. وذكره اليافعى في تاريخه. وذكر له كرامات.
منها: أن الفقيه الإمام علىّ بن إبراهيم البجلى اليمنى، قال له فى بعض حجاته: تركت ولدى مريضا فلعل تراه فى بعض أحوالك، وتخبرنى كيف هو؟ فزيق الشيخ فى الحال، ثم رفع رأسه، وقال: ها هو قد تعافى، وهو الآن يستاك على سرير، وكتبه حوله، ومن صفته وخلقته كذا وكذا. وما كان رآه قبل ذلك.
ومنها: أنه طلع يوما فى جنازة بعض الأولياء، فلما جلس الملقن عند قبره، ضحك الشيخ نجم الدين، ولم يكن الضحك له عادة، فسأله تلميذه عن ضحكه، فزجره، ثم أخبره بعد، أنه سمع صاحب القبر يقول: ألا تعجبون من ميت يلقن حيّا؟ .
ومنها: أن شخصا من الأولياء يقال له الشيخ محمد البغدادى، كان يسكن فى رباط مراغة، قال له: لما رجعت من زيارة النبى صلى الله عليه وسلم إلى مكة، فكرت فى الشيخ نجم الدين وعتبت عليه فى قلبى، كونه لا يقصد المدينة الشريفة ويزور، قال: ثم رفعت رأسى، وإذا به فى الهواء مارّا إلى جهة المدينة: ونادى، يا محمد، كذا وكذا، وذكر كلاما نسيته. انتهى.
وبهذه الحكاية، يجاب عن الشيخ نجم الدين، فى عدم إظهاره القصد إلى زيارة النبىصلى الله عليه وسلم؛ لأن الشيخ عليّا الواسطى، انتقد عليه ذلك، كما ذكر الذهبى والصفدى.
وذكره الذهبى فى ذيل تاريخ الإسلام، فقال: الإمام القدوة شيخ الحرم.
قال: وصحب أبا العباس المرسى وبرع فى الأصول، ودخل فى طريق الحب، صحبة الشيخ عماد الدين الحزامى، وكان شيخا مهيبا، منقبضا عن الناس. جاور بضعا وعشرين سنة. ولم يزر النبى صلى الله عليه وسلم، فعيب عليه ذلك، مع جلالة قدره. وكان لجماعة فيه اعتقاد عظيم، ثم قال: وقيل عنه أمر ما أدرى ما أقول فيه، أعاذك الله وإيانا من ترهات الصوفية، وخطرات أهل العناد، ووسواس ذوى الخلوات، التى تؤول بهم إلى الزندقة والشطح. انتهى.
(2) جبل أبى قبيس: أبو قابوس وأبو قبيس، اسمان لجبل مكة، ويقال: شيخ الجبال أبو قبيس، وقيل: ثبير. انظر: الروض المعطار 452، معجم ما استعجم 3/ 1040.