الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1288 ـ سعيد بن سلام المغربى، كنيته أبو عثمان:
أصله من القيروان (1)، أقام بالحرم مدة، وصحب أبا علىّ بن الكاتب، وحبيبا المغربى، وأبا عمرو الزّجاجىّ، ولقى النّهر جورىّ، وأبا الحسن بن الصائغ الدينورى، وغيرهم من المشايخ.
وكان أوحد وقته، وهو بقية المشايخ الأولين، ورد بغداد وأقام بها مدة، ثم خرج منها إلى نيسابور واستوطنها، ومات بها، وأوصى أن يصلى عليه الإمام أبو بكر بن فورك، رحمة الله عليه.
قال محمد بن عبد الله النيسابورى: سعيد بن سلام العارف، أبو عثمان الزاهد، ولد بالقيروان فى قرية من قراها، وكان أوحد عصره فى الورع والزهد والصبر على العزلة. لقى الشيوخ بمصر، ثم دخل بلاد الشام، وصحب أبا الخير الأقطع، وجاور بمكة سنين فوق العشر. وكان لا يظهر فى الموسم، ثم انصرف إلى العراق لمحنة لحقته بمكة فى السنّة وسئل المقام بها، فلم يجبهم، إلى ذلك، فورد نيسابور.
وقال علىّ بن محمد القوّال: قال لى جماعة من أصحابنا: تعال حتى ندخل على الشيخ أبى عثمان المغربى فنسلم عليه، فقلت: إنه رجل منقبض، وأنا أستحيى منه، فألحوا علىّ، فلما دخلنا على أبى عثمان، فكلما وضع بصره علىّ قال: يا أبا الحسين، كان انقباضى بالحجاز وانبساطى بخراسان.
وقال على بن غالب: دخلت على أبى عثمان يوما فى مرضه الذى مات فيه. فقيل له: كيف تجد نفسك؟ فقال: أجد مولى كريما رحيما، إلا أن القدوم عليه شديد. ثم حكى عن شعوانة أنها قالت عند موتها: إنى أكره لقاء الله، فقيل لها: ولم؟ قالت: مخافة ذنوبى.
وقال أبو ذر بن أحمد الهروىّ: كنت فى مجلس أبى سليمان الخطابى، فجاءه رجل
1288 ـ انظر ترجمته فى: (طبقات الصوفية 479، الرسالة القشيرية 38، نتائج الأفكار القدسية 2/ 12، طبقات الشعرانى 1/ 143، شذرات الذهب 4/ 394، تاريخ بغداد 9/ 112، اللباب 3/ 31، البداية والنهاية 11/ 299، المنتظم لابن الجوزى 14/ 303، 304، كشف المحجوب 158، النجوم الزاهرة 4/ 144، جامع كرامات الأولياء 1/ 281، هدية العارفين 1/ 389، كشف الظنون 1/ 45، طبقات الأولياء 44).
(1)
القيروان: هى قاعدة البلاد الإفريقية وأم مدائنها، وكانت أعظم مدن المغرب نظرا، وأكثرها بشرا، وأيسرها أموالا. انظر: الروض المعطار 486، 487، الإدريسى 110/ 80، البكرى 24، اليعقوبى 347، المقدسى 224.
وعزاه بأبى عثمان، وذكر وفاته بنيسابور، فسمعت أبا سليمان يقول: قال النبىصلى الله عليه وسلم: «قد كان فى الأمم ناس محدثون، فإن يكن فى أمتى فعمر» (2) وأنا أقول: فإن كان فى هذا العصر أحد، فهو أبو عثمان المغربى.
وقال أبو بكر بن فورك: كنت عند أبى عثمان المغربى حين قرب أجله، وعلىّ القوّال يقول شيئا، فلما تغيرت عليه الحال، أشرنا إلى علىّ القوّال بالسكوت، ففتح الشيخ أبو عثمان عينيه وقال: لم لا يقول علىّ شيئا؟ فقلت لبعض الحاضرين: سلوه، وقولوا له: على ما يسمع المستمع، فإنى أحتشمه فى هذه الحالة، فسألوه عن ذلك فقال: إنما يسمع من حيث يسمع. وكان فى الرياضة كبير الشأن.
وقال: من اختار الخلوة على الصحبة، فيجب أن يكون خاليا من جميع الأذكار، إلا من ذكر ربه، وخاليا من جميع الإرادات، إلا رضى ربه، وخاليا من مطالبة النفس من جميع الأسباب. وإن لم يكن بهذه الصفة، فإن خلوته توقعه فى فتنة أو بليّة.
وقال: علم اليقين يدل على الأفعال، فإذا فعلها وأخلص فيها، وظهرت له بينات ذلك، صار له علم اليقين عين اليقين.
وقال: التقوى تتولد من الخوف.
وقال: أفواه قلوب العارفين فاغرة فاغرة لمناجاة القدر: وقال: أفضل ما يلزم الإنسان نفسه فى هذه الطريقة، المحاسبة والمراقبة. وسياسة عمله بالعلم.
وقال: الإخلاص ما لا يكون للنفس فيه مجال، وهذا إخلاص العوام.
وإخلاص الخواص، ما يجرى عليهم؛ لأنهم تبدو منهم الطاعات، وهو عنها بمعزل، ويقع لهم لا يقع لهم يقع عليها روية، ولا بها اعتداد.
وقال: الولى قد يكون مشهورا، ولكن لا يكون مفتونا.
وقال: العارف تضئ له أنوار العلم، ويبصر بها عجائب الغيب.
وقال: من ادّعى السماع، ولم يسمع لصوت الطيور، وصرير الباب، وتصفيق الرياح، فهو مفتر مدّع.
وقال: قلوب أهل الحق قلوب حاضرة، وأسماعهم أسماع مفتوحة.
وقال: من أعطى من نفسه الأمانى، قطعها بالتسويف والتّوانى.
(2) أخرجه أحمد بن حنبل فى مسنده (23824).
وقال: الغنى الشاكر، يكون كأبى بكر الصديق ـ رضى الله عنه ـ شكر فقدم ماله، وآثر الله تعالى عليه، فأورثه الله غنى الدارين وملكها. والفقير الصابر، مثل أويس القرنّى، ونظرائه، صبروا فيه، حتى ظهرت لهم براهينه.
وقال: الاعتكاف حفظ الجوارح تحت الأوامر.
وسئل عن قول النبى صلى الله عليه وسلم: «أكثر أهل الجنة البله» فقال: الأبله فى دنياه، الفقيه فى دينه.
وقال: لا يعرف الشيء من لا يعرف ضده. كذلك لا يصلح لمخلص إخلاصه، إلا بعد معرفته الرياء، ومفارقته له. وقال: من تحقق فى العبودية، ظهر سره لمشاهدة الغيوب، وأجابته القدرة إلى كل ما يريد.
وذكر بين يديه قول الشافعى: العلم علمان: علم الأديان، وعلم الأبدان. فقال: رحم الله الشافعى! ما أحسن ما قال: علم الأديان علم الحقائق والمعارف، وعلم الأبدان علم السياسات والرياضات والمجاهدات.
وقال: من آثر صحبة الأغنياء على مجالسة الفقراء، ابتلاه الله تعالى بموت القلب.
وقال: العاصى خير من المدعى؛ لأن العاصى ـ أبدا ـ يطلب طريق توبته، والمدعى يتخبط فى حبال دعواه.
وقال: الساكت بعلم، أحمد أثرا من الناطق بجهل.
وقال: لا تصحب إلا أمينا أو معينا، فإن الأمين يحملك على الصدق، والمعين يعينك على الطاعة.
وقيل له: ما عقدة الورع؟ قال: الشريعة تأمره وتنهاه، فيتبع ولا يخالف.
وقال: من حمل نفسه على الرجاء تعطل، ومن حمل نفسه على الخوف قنط، ولكن ساعة وساعة، ومرّة ومرّة.
وقال: باديات المقامات أرفاق وغنى، وكفاية. ولكن إذا تمكن أتته البلايا، وكذلك قال بعض المريدين: ما زالوا يرفقون حتى وقعت، فلما وقعت، قالوا لى: استمسك. كيف أستمسك إن لم يمسكنى؟ .
ومات أبو عثمان بنيسابور سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة، رحمة الله عليه.