الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد وقع لنا حديثه بعلو، وسياقه من مسند ابن حنبل (2)، وحديثه فى تعرض الشيطان لابن آدم، ليصده عما يريده من أفعال الخير، ولم أر قوله: وقيل ابن الفاكهة، فى مختصر تهذيب الكمال للذهبى، ولا فى مختصره للحافظ ابن حجر. ولعله سهو من ناسخ النسخة التى رأيتها. والله أعلم.
1257 ـ سديف بن ميمون المكى الشاعر:
حدث عن محمد بن على الباقر. روى عنه حنان بن سدير. قال العقيلى: ليس لحديثه أصل، وكان يغلو فى الرفض. وقال الذهبى: رافضىّ [ ...... ](1) خرج مع ابن حسن، فظفر به المنصور فقتله. انتهى.
ومن الميزان للذهبى كتبت ما ذكرت من حاله. وأن حسن المشار إليه، هو محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن على بن أبى طالب، خرج بالمدينة وتلقب بالنفس الزكية، فى سنة خمس وأربعين ومائة، فبعث إليه المنصور من قتله، واستعمل المنصور بعد قتله، لحرب أخيه إبراهيم بن عبد الله بن الحسن، وكان خرج بالبصرة، وهلك فى محاربته للمنصور. وكان سديف بن ميمون، قبيل دولة بنى العباس، مائلا إليهم، ويقرب دولتهم، ونال بسبب ذلك بلاء شديدا، من ضربه من أسبتا، وسجنه بمكة. وكان الذى فعل به ذلك، الوليد بن عروة السعدى، عامل مكة لمروان، خاتمة خلفاء بنى أمية.
ولما قدم داود بن علىّ مكة، واليا عليها لابن أخيه أبى العباس السفاح، أطلق سديفا من السجن، وخطب سديف بين يديه خطبة، مدح فيها بنى العباس، وقال فيهم أبياتا يمدحهم بها، وسبب قتل المنصور لسديف على ما قيل، أبيات بلغته عنه، نال فيها من المنصور، منها قوله [من الكامل] (2):
ـ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقة فقعد له بطريق الإسلام فقال: تسلم وتذر دينك ودين آبائك وآباء أبيك فعصاه فأسلم، ثم قعد له بطريق الهجرة فقال: تهاجر وتدع أرضك وسماءك وإنما مثل المهاجر كمثل الفرس فى الطول فعصاه فهاجر، ثم قعد له بطريق الجهاد فقال: تجاهد فهو جهد النفس والمال فتقاتل فتقتل فتنكح المرأة ويقسم المال فعصاه فجاهد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فمن فعل ذلك كان حقا على الله عزوجل أن يدخله الجنة ومن قتل كان حقا على الله عزوجل أن يدخله الجنة وإن غرق كان حقا على الله أن يدخله الجنة أو وقصته دابته كان حقا على الله أن يدخله الجنة.
(2)
حديث رقم 15392.
1257 ـ انظر ترجمته فى: (الشعر والشعراء 737، الأغانى 4/ 344، ميزان الاعتدال 2/ 115 ترجمة 3483).
(1)
ما بين المعقوفتين بياض فى الأصل.
(2)
الأبيات فى العقد الفريد 2/ 88.
أسرفت فى قتل الرعية ظالما
…
فاكفف يديك إخالها مهديّها
وكانت وصلت إليه مبهمة، ولم يسم قائلها، فبحث عنه، حتى أخبر أنها لسديف، فأمر بدفنه حيّا، ففعل به ذلك عبد الصمد بن علىّ، عم المنصور ونائبه على مكة.
وكان سديف فى سجنه، وكان قتله فى سنة سبع أو ثمان أو تسع وأربعين ومائة، فإن عبد الصمد كان واليا [على مكة فى هذه](3) المدة، وما ذكرناه فى سبب قتله وكيفية قتله، ذكره صاحب العقد، وما ذكرناه فى ميله إلى بنى العباس، وتقريبه لدولتهم، وضربه وسجنه وإطلاقه، وخطبته ومدحه لبنى العباس، ذكره الفاكهى، فنذكر ذلك ثم نتبعه بما ذكره صاحب العقد، ثم بما ذكره صاحب الأغانى من خبره، وما علمناه من ذلك.
قال الفاكهى: «ذكر خطبة سديف بن ميمون، بين يدى داود بن على، وما لقى قبل خروج بنى هاشم ودولتهم» (4).
حدثنا عبد الله بن أبى مسرة قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن حشيبر اللهبىّ، عن ابن داب، قال: لما قدم داود بن على بن عبد الله بن عباس مكة، أخرج سديف بن ميمون من الحبس وخلع عليه، ثم وضع المنبر، فخطب فأرتج عليه، فقام سديف بن ميمون فقال: أما بعد، فإن الله عزوجل، بعث محمدا صلى الله عليه وسلم، فاختاره من قريش، نفسه من أنفسهم، وبيته من بيوتهم، فكان فيما أنزل عليه فى كتابه الذى حفظه، وأشهد ملائكته على حقه:(إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)[الأحزاب: 33]. وجعل الحق من بعد محمد صلى الله عليه وسلم، إلى أهل بيته، فقاتلوا على سنته وملته، بعد غض من الزمان، وتتابع الشيطان، بين ظهرانى أقوام، إن رتق حق فتقوه، وإن فتق جور رتقوه، آثروا العاجل على الآجل، والفانى على الباقى، أهل خمور وماجور وطنابير ومزامير، إن ذكروا الله لم يذكروا، وإن قوموا لحقّ أدبروا، بهذا قام زمانهم، وبه كان يعمر سلطانهم، عم الضلال فأحبطت أعمالهم، إن غر آل محمد صلى الله عليه وسلم، أولى بالخلافة منهم، فبم ولم أيها الناس؟ ، ألكم الفضل بالصحابة، دون ذوى القربى، الشركاء فى النسب، والورثة للسلب، مع ضربهم على الدين جاهلكم، وإطعامهم فى اللأواء جائعكم، وأمنهم فى الخوف سائلكم، والله ما اخترتم من حيث اختار الله لنفسه، ما زلتم تولون تيميّا مرة، وعدويّا مرة، وأسديّا مرة، وأمويّا مرة، حتى جاءكم من لا يعرف اسمه ولا نسبه، فضربكم بالسيف، فأعطيتموها عنوة، وأنتم كارهون آل محمد صلى الله عليه وسلم، أئمة
(3) ما بين المعقوفتين بياض فى الأصل، وما أوردناه من الشعر والشعراء.
(4)
الخطبة فى العقد الفريد 4/ 485.
الهدى، ومنار سبل التقى، كم قصم الله به من منافق طاغ، وفاسق باغ وأرباع أملاع، فهم السادة القادة الذادة، بنو عم الرسول صلى الله عليه وسلم، ومنزل جبريل بالتنزيل، لم يسمع بمثل العباس، لم تخضع له الأمة إلا لواجب حق الحرمة، أبو رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أبيه، وإحدى يديه، وجلدة ما بين عينيه، والموثق له يوم العقبة، وأمينه يوم القيامة، ورسوله يوم مكة، وحاميه يوم حنين عند ملتقى الفئتين، والشافع يوم نيق العقاب، إذ سار رسول اللهصلى الله عليه وسلم قبل الأحزاب. أقول قولى هذا وأستغفر الله لى ولكم.
ويقال إن سديف بن ميمون، كان فى حبس بنى أمية، وذلك أنه كان يتكلم فى بنى أمية ويطلق فيهم لسانه ويهجوهم. وكان له فى الحساب فيما يزعمون نظر، وفى الأدب حظ وافر. وكان يجلس مع لمة له من أهل مكة وأهل الطائف، يسمرون فى المسجد الحرام إلى نصف الليل ونحوه، فيتحدثون ويخبرهم بدولة بنى هاشم إنها قريبة، فبلغ ذلك من قوله، الوليد بن عروة، وهو على مكة واليا لمروان بن محمد، وسمعت بعض أهل الطائف يقول: فاتخذ عليه الأرصاد مع أصحابه حتى أخذوه، فأخذه فحبسه، ثم جعل يجلده كل سبت مائة سوط، كلما مضى سبت، أخرجه يضربه مائة سوط، حتى ضربه أسبتا، فلما آل الأمر لبنى هاشم، وبويع لأبى العباس السفاح بالخلافة، بعث داود ابن على بن عبد الله بن عباس، فقدم مكة يوم الأربعاء سنة اثنتين وثلاثين ومائة، فلما سمع الوليد بن عروة السعدى بداود بن علىّ، أنه يريد مكة، أيقن بالهلاك، فخرج هاربا إلى اليمن، وقدم داود بن علىّ مكة، فاستخرج سديفا من الحبس، وخلع عليه وأخلده، فعند ذلك يقول سديف قصيدته التى يمدح بها بنى العباس (5) [من الخفيف]:
أصبح الدين (6) ثابت الأساس
…
بالبهاليل من بنى العباس
ثم وضع داود بن علىّ المنبر، فخطب فأرتج عليه، فقام إليه سديف، فخطب بين يديه الخطبة التى ذكرناها.
وذكر الفاكهى أن سديفا مكى، وذكر له شعرا يدل على أنه قطن بمكة؛ لأنه قال: وكان بعض المكيين يجلس عند هذين الحوضين الشرقى منهما، قال سديف بن ميمون يصف جلوسه عندهما [من الطويل]:
كأنى لم أقطن بمكة ساعة
…
ولم يلهنى فيها ربيب منعم
ولم أجلس الحوضين شرقى زمزم
…
وهيهات أينا منك لا أين زمزم
(5) انظر القصيدة فى الأغانى 4/ 339.
(6)
فى الأغانى:
أصبح الملك ثابت الأساس
يحن فؤادى إن سهيل بدا له
…
وأقسم أن الشوق منى لمنهم
وذكر صاحب العقد شيئا من خبر سديف، لأنه قال: الرياشى عن الأصمعى قال: لما خرج محمد بن عبد الله بن الحسن بالمدينة، فبايعه أهل المدينة وأهل مكة، وخرج إبراهيم أخوه بالبصرة، فتغلب على البصرة والأهواز وواسط، قال سديف بن ميمون فى ذلك [من البسيط]:
إن الحمامة يوم الشعب من حسن
…
هاجت فؤاد محب دائم الحزن
إنا لنأمل أن ترتد ألفتنا
…
بعد التباعد والشحناء والإحن
وتنقضى دولة أحكام قادتنا
…
فيها كأحكام قوم عابدى وثن
فانهض ببيعتكم ننهض بطاعتنا
…
إن الخلافة فيكم يا بنى حسن
لا عد ركنا يزيد عند نائبة
…
إن أسلموك ولا ركنا ذوى يمن
ألست أكرمهم قوما إذا نسبوا
…
عودا وأنقاهم ثوبا من الدرن
وأعظم الناس عند الناس منزلة
…
وأبعد الناس من عجز ومن أفن
فلما سمع أبو جعفر هذه الأبيات، استطير لها، فكتب إلى عبد الصمد بن علىّ، بأن يأخذ سديفا فيدفنه حيّا، ففعل. قال أبو الفضل الرياشى: فذكرت هذه الأبيات لأبى جعفر، شيخ من أهل بغداد، فقال: هذا باطل، الأبيات لعبد الله بن مصعب، وإنما كان سبب قتل سديف، أنه كتب أبياتا مبهمة، فكتب بها أبى جعفر، وهى:
أسرفت فى قتل الرعية ظالما
…
فاكفف يديك إخالها مهديها
فلتأتينك راية حسنية
…
جرارة يقتادها حسنيها
فقال أبو جعفر لخازم بن خزيمة: تهيأ للسفر مبكرا، حتى إذا لم يبق إلا أن تضع رجلك فى الغرز، ائتنى، ففعل. فقال: انطلق إلى المدينة، فادخل مسجد النبىصلى الله عليه وسلم، فدع سارية وثانية، فإنك تنظر عند الثالثة، إلى شيخ آدم اللون طوال، يكثر التعتب، فأجلس إليه، فتوجع لآل أبى طالب، واذكر شدة الزمان عليهم ثلاثة أيام، ثم قل له فى اليوم الرابع: من يقول هذه الأبيات:
أسرفت فى قتل الرعية ظالما
قال: ففعل، فقال له الشيخ: إن شئت أنبأتك من أنت. أنت خازم بن خزيمة، بعثك إلىّ أمير المؤمنين لتعرف من قال هذا الشعر، فقل له: جعلت فداك، والله ما قلته، وما قاله إلا سديف بن ميمون، وإنى أنا القائل، وقد دعونى للخروج مع محمد بن عبد الله ابن الحسن [من الطويل]:
دعونى وقد شالت لإبليس راية
…
وأوقد للغاوين نار الحباحب