الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عنها: وارأساه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "بَلْ أنا وارَأساهُ
…
" وذكر الحديث بهذا اللفظ مرسل.
باب كراهية تمني الموت لضر نزل بالإنسان وجوازه إذا خاف فتنة في دينه
روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أنس رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:
ــ
البقيع وأنا أجد صداعًا في رأسي وأنا أقول وارأساه فقال بل أنا وارأساه فقال ما ضرك لو من قبلي فذكر الحديث قلت هو قوله فغسلتك وكفنتك وصليت عليك ودفنتك قال الدميري في الديباجة رواه أحمد وابن حبان والدارمي والدارقطني والبيهقي كلهم بإسناد فيه محمد بن إسحاق عن يعقوب بن عيينة والأكثرون أن حديثه حسن إذا قال حدثني وإذا عنعن لا يحتج به لكن مال ابن الجوزي إلى صحته وكان هذا الخروج إلى البقيع آخر يوم من صفر آخر أو أول يوم من ربيع اهـ. قوله: (بَل أَنَا وَارَأْسَاهُ) اضراب أي دعي ما تجدينه من وجع رأسك واشتغلي بي فإنك لا تموتين في هذا المرض وتعيشين بعدي. قوله: (وَارَأْسَاهُ) فيه رد لقول جمع من أئمتنا بكراهة تأوه المريض نعم إن أرادوا إنه خلاف الأولى اتجه لأنه لا يدل على ضعف اليقين ويشعر بالسخط ويورث شماتة الأعداء ولا بأس اتفاقًا بإخبار صديق وطبيب إذ لا نظر لعمل اللسان فكم من ساكت ساخط وشاك راضٍ.
باب كراهة تمني الموت لضر ينزل بالإنسان وجوازه
أي إباحته (إِذَا خَافَ فِتْنَةً في دِيِنِهِ) قال بعضهم لا يتمنى الموت إلا ثلاثة رجل جاهل بما بعد الموت ورجل لا يصبر على المصائب فهو هارب من قضاء الله ورجل أحب لقاء الله تعالى. قوله: (رَوَيْنَا في صَحِيحي الْبُخَارِي وَمُسْلمٍ الخ) أخرجاه وأحمد بهذا اللفظ وأخرج الحافظ من طريق أخرى عن شعبة عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس فذكر مثله وقال أخرجه أبو عوانة في صحيحه وأخرجه الحافظ من طريق أبي نعيم إلى إسماعيل بن إبراهيم ثنا عبد العزيز بن صهيب لكن قال متمنيًا بدل قوله فاعلًا أخرجه مسلم وأخرجه أبو داود والترمذي
"لا يَتَمَنَّيَنَّ أحَدُكُمُ المَوْتَ مِنْ ضُرٍّ
ــ
وابن ماجة من طريق عبد الوارث بن سعيد عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس بلفظ لا يدعون أحدكم بالموت لضر نزل به في الدنيا قلت ورواه ابن السني أيضًا قال الحافظ وأصل النهي عن تمني الموت مطلقًا ورد في عدة أحاديث في الصحيحين عن خباب بمعجمة وبموحدتين الأولى ثقيلة، لولا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهانا أن ندعو بالموت لدعوت به وفي بعض طرقه إنه كان ابتلي في جسده وفي البخاري من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يتمنين أحد الموت إما محسنًا فلعله يزداد وإما مسيئًا فلعله يستعتب عن مسلم من وجه آخر عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتمنين أحدكم الموت ولا يدع به من قبل أن يأتيه إنه إذا مات انقطع عمله ولا يزيد المؤمن عمره إلَّا خيرًا وعند البزار من حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تمنوا الموت فإن هول المطلع شديد وإن من السعادة أن يطول عمر العبد حتى يرزقه الله الإنابة وورد الدعاء المذكور
مجردًا عن التمني في حديث عمار أخرجه النسائي عن قيس بن عباد بضم المهملة وتخفيف الموحدة قال صلى بنا عمار بن ياسر ثم قال لقد دعوت فيها بما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو به اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي وتوفني إذا علمت أن الوفاة خير إليّ وأما ما ذكره الشيخ من الاستثناء ففي الموطأ عن عمر لما قفل من الحج قال اللهم ضعفت قوتي وكبرت سنين وكثرت رعيتي فاقبضني إليك غير مضيع ولا مقصر فما انسلخ الشهر حتى قتل فهذا أصل في جواز تمني الموت كمن خشي نقصًا في دينه اهـ. قلت وقد أخرج الحافظ حديث عمر المذكور من طريق آخر عن سعيد بن المسيب أن عمر لما نفر من مني أناخ بالبطحاء ثم كوم كومة فألقى عليها طرفًا من ردائه ثم استلقى ورفع يديه إلى السماء فقال اللهم كبرت سني وضعفت قوتي وانتشرت رعيتي فاقبضني إليك غير مفرط ولا مضيع فما انسلخ ذو الحجة حتى طعن وقال الحافظ أخرجه ابن سعد في الطبقات ويدل لما قاله المصنف قوله صلى الله عليه وسلم وإذا أردت بقوم فتنة فاقبضني إليك غير مفتون. قوله: (مِنْ ضر) هو بضم الضاد المعجمة أي من أجل ضرر مالي أو بدني أصابه فإن تمني الموت لذلك يدل على الجزع من البلاء وعدم الرضا بالقضاء فقد يكون له في ذلك الضرر الدنيوي نفع أخروي من
أصَابَهُ، فإنْ كانَ لَا بُد فاعِلًا فَلْيَقُلْ: اللهُم أحْيِنِي ما كانَتِ الحَيَاةُ خَيرًا لي، وتَوَفني إذا كانَتِ الوَفَاةُ خَيرًا لي".
قال العلماء من أصحابنا وغيرهم: هذا إذا تمنى لضرٍّ ونحوه، فإن تمنَّى الموت خوفًا على دينِه، لفساد الزمان ونحو ذلك، لم يكره.
ــ
غفر السيئات وإعلاء الدرجات وقد يكون له في المرض نفع من جهة إنه يمتنع به من العصيان. قوله: (لَا بُدَّ) أي البتة ولا محالة ولا فراق. قوله (فاعلًا) أي لتمني الممات. قوله: (فَلْيقُلِ الخ) فلا يتمناه مطلقًا بل يقيده تسليمًا وتفويضًا فليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي بأن يغلب فيها الطاعة على العصيان والحضور على الغفلة وتوفني أي امتني إذا كانت الوفاة خيرًا لي أي من الحياة بأن انعكس الأمر السابق. قوله: (فإِنْ كَانَ خَوفًا عَلَى دِينِهِ الخ) أي بل يندب ونقله المصنف عن الشافعي وعمر بن عبد العزيز وكذا يسن تمني الشهادة في سبيل الله لأنه صح عن عمر وغيره بل صح عن معاذ إنه تمناه في طاعون عمواس قال في المرقاة ومنه يؤخذ ندب تمني الشهادة ولو بنحو طاعون وفي مسلم من طلب الشهادة صادقًا أعطيها ولو لم تصبه اهـ، وروى مسلم وأصحاب السنن الأربعة من حديث سهيل بن حنيف مرفوعًا من سأل الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه قلت وهذا الحديث سيأتي في كتاب الجهاد، وفي الحرز واختلف الصوفية في أنه هل الأفضل طلب الحياة لما ورد طوبى لمن طال عمره وحسن عمله ولرجاء أن يتوب الله عليه في آخر عمره ويحسن عمله ويحصل أمله، أو طلب الموت نظرًا إلى الشوق إلى الله تعالى وحصول لقائه لما ورد من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه وخوفًا من التغيير ولحوق المحن والوقوع في الفتن والمختار التفويض والتسليم لما يدل عليه الحديث الشريف اهـ، وفي شرح المنهاج لابن حجر ما ينافي مفهومه في مجرد تمنيه والذي يتجه إنه لا كراهة لأن عليها إنه مع الضر يشعر بالتبرم بالقضاء بخلافه مع عدمه لأنه حينئذٍ دليل على الرضا لأن من شأن النفوس النفرة عن الموت فتمنيه لا لضر دليل على محبته الآخرة بل أحب لقاء الله
فيدل على تمنيه محبة للقاء الله كهو ببلد شريف بل أولى اهـ. وقد يعارض ما استدل به للاستحباب حديث أبي هريرة مرفوعًا لا يتمنى أحدكم الموت إما محسنًا فلعله يزداد وإما مسيئًا فلعله يستعتب فلذا كان الراجح إن التفويض والتسليم أسلم.