الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالعتاقة في كسوف الشمس"، والله أعلم.
باب الأذكار في الاستسقاء
يستحبُّ الإكثار فيه من الدعاء والذكر، والاستغفار بخضوع وتذلل، والدعوات المذكورة فيه مشهورة، منها:
"اللَّهُمَّ اسْقِنا غَيْثًا مُغِيثًا
ــ
وكان عمر يفرض لها في ديوان العطاء ألفًا وكانت تعبر الرؤيا أخذت ذلك عن أبيها وأخذه عنها سعيد بن المسيب وكانت إذا مرضت تعتق أرقاءها وعن ابن الزبير ما رأيت امرأتين أجود من عائشة وأسماء وكان جودهما مختلفًا أما عائشة فكانت تجمع الشيء إلى الشيء حتى إذا اجتمع عندها وضعته مواضعه وكانت أسماء لا تدخر لغد، سميت بذات النطاقين لشقها نطاقها للنبي صلى الله عليه وسلم وأبيها في حديث الهجرة عاشت بعد موت ولدها عبد الله رضي الله عنهما ثلاث ليالٍ وقيل عشرًا وقيل عشرين روي لها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قيل ثمانية وأربعون حديثًا اتفقا منها على ثلاثة عشر وانفرد البخاري بخمسة ومسلم بأربع وخرج عنها أصحاب السنن وغيرهم روى عنها ابنها عبد الله وعروة ماتت سنة ثلاث أو أربع وسبعين عن مائة وكانت أسن من عائشة بعشر سنين وهي أكبر ولد أبي بكر رضي الله عنهما. قوله:(بالْعَتَاقة) وهو بفتح العين أي فك الرقاب من العبودية وذلك لأن العتاق وسائر الخيرات تدفع العذاب اهـ.، والله أَعْلمُ بالصواب.
باب الأذكار في صلاة الاستسقاء
الاستسقاء استفعال من السقيا فكأنه يقول باب الصلاة لطلب السقيا قوله: (يُسْتحَبُّ الإِكثار فِيهِ مِن الدُّعَاءِ) لأنه سبب الإجابة بمقتضى الوعد الذي لا يخلف. قوله: (والاسْتِغفارِ) قال تعالى فقلت {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} {يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} [نوح: 11، 10] ". قوله: (بخُضُوع) أي بالقلب وتذلل بالذال المعجمة أي في الظواهر من الجوارح وبعبر عنه بالخشوع وسبق في الفصول أول الكتاب الكلام على ذلك. قوله: (اسقِنَا) بهمزة وصل وبهمزة قطع. قوله: (مُغِيثًا) بضم الميم وبالغين المعجمة أي من الإغاثة بمعنى الإعانة وإسناد الإغاثة إليه مجاز عقلي إذ المغيث على الحقيقة هو
هَنِيئًا مَرِيئًا
ــ
الله تعالى وفي صحيح مسلم اللهم أغثنا قال القاضي عن بعضهم ما هنا من الإغاثة بمعنى المعونة وليس من طلب الغيث ويحتمل أنه من طلبه أي هيئ لنا غيثأ وفي الحرز اسقنا غيثا أي مطرا يغيثنا من الجدب فقوله مغيثًا تأكيدًا وتحديدًا وأريد به المنقذ من الشدة على ما في النهاية وهو
بضم الميم يقال غثت الأرض فهي مغيثة إذا أصابها المطر اهـ، وفيه كما قال الملا محمد حنفي إن ما ذكره من اللغة لا يلائم تقييده بالضم إنما يلائم الفتح فالظاهر ما قاله الطيبي أنه عقب الغيث أي المطر الذي يغيث الخلق من القحط بالمغيث على الإسناد المجازي وإلَّا فالمغيث في الحقيقة هو الله تعالى وفي القاموس غاث الله البلاد والغيث الأرض أصابها وغيثت الأرض تغاث فهي مغيثة ومغوثة اهـ. قوله:(هَنِيئًا) بالتحتية بعد النون ثم الهمزة أي لا ضرر فيه ولا وباء. قوله: (مَرِيئًا) بفتح الميم وبالمد وبالهمز قاله صاحب السلاح وهو المحمود العاقبة الذي لا وباء فيه وقال ميرك الهمز هو المصحح في أصولنا من الأذكار والسلاح والحصن اهـ، وفي الحرز ويلائمه ما في النهاية من أنه مهموز مرأ الطعام وأمرأني إذا لم يثقل على المعدة وانحدر عنها طيبًا وقال التوربشتي في شرح المصابيح أي هنيئًا صالحًا كالطعام الذي يمرؤ ومعناه الخلو عن كل ما ينغصه كالهرم والفرق ونحوهما ويحتمل أن يكون بتشديد الياء من غير همز من قولهم ناقة مري أي كثيرة الدر ولا أحققه رواية وفي المرقاة إنه على هذا الاحتمال يكون بضم الميم وقال ابن الجزري إنه بفتح الميم وتشديد الياء أي كثير الخير والمرية الناقة الغزيرة الدر من المري وهو الحلب وزنه فعيل أو مفعول اهـ. فعليه هو ناقص أو مهموز أبدلت الهمزة ياءً أو واوا فأدغم كما في النبي وليس اختلاف الروايات في لفظ من الحديث من الاضطراب خلافًا لما وهمه الحنفي في شرح الحصن بل هو كاختلاف القراء في الآية ولكل وجه وجيه والله أعلم. قوله:(مَرِيعا) قال في السلاح بفتح الميم وكسر الراء من المراعة وهو الخصب وقال ابن الجزري بضم الميم وفتحها هو الخصب النافع يقال أمرع الوادي إذا خصب ومرع بضم الراء مراعة فهو مريع اهـ، وظاهر سياقه بأن ضم الميم بناء على أنه من أمرع وفتحها بناء على أنه من مرع والثاني مسلم والأول محل بحث لأنه لو كان من أمرع لقيل فيه ممرع لا مريع لأنه من أراع قال في السلاح وروي بضم الميم
غَدَقًا مُجَلِّلًا سَحًّا عامًّا طَبَقًا دَائمًا، اللَّهُمَّ على الظِّراب وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ، وبُطُونِ الأوْدِيَةِ، اللهُم
ــ
والباء الموحدة من قولهم ارتبع البعير وتربع إذا أكل الربيع اهـ، وفي الحرز هذا الضبط له معنى آخر هو العام أي بتشديد الميم فقال أي عاما يعني من الارتياع والنجعة أي طلب الكلام بل النّاس يرتعون حيث شاؤوا أي يقيمون ولا يحتاجون إلى الانتقال في طلب الكلام بل النّاس يرتعون حيث شاؤوا أي يقيمون ولا يحتاجون إلى الانتقال في طلب الكلام وأصل الكلام للطيبي قال في السلاح وروي أيضًا بضم الميم وبالمثناة الفوقية من قولهم ارتعت المشاية ترتع رتوعا إذا أكلت ما شاءت وارتع الغيث أثبت ما ترتفع فيه الماشية قال الطيبي عقب الغيث وهو المطر الذي يغيث الخلق من القحط بالمغيث على الإسناد المجازي والمغيث في الحقيقة هو الله تعالى وأكد مريعا بمرتعا بالتاء بمعنى ينبت الله به ما ترتفع به الإبل اعتناء بشأن الخلق واعتمادا على سعة رحمة الخلق. قوله:(غَدَقًا) بفتح الغين المعجمة والدال المهملة وبكسر الدال المهملة أيضًا قال الأزهري الغدق الكثير الماء والخير وقال ابن الجزري المطر الكبار القطر قال الجوهري غدقت العين بالكسر أي غزرت فالغدق بالفتح مصدر وبالكسر صفة. قوله: (مجلِّلا) بكسر السلام أي يجلل البلاد والعباد نفعه ويتغشاهم بخيره قال ابن الجزري ويروى بفتح اللام على المفعول قال في الحرز ولعل معناه
حينئذٍ واصلًا إلى جميع جوانب الأرض كالشيء المجلل اهـ، والظاهر موصلا بصيغة اسم المفعول إلى جميع جوانب الأرض. قوله:(سَحًّا) بفتح السين وتشديد الحاء المهملتين أي شديد الوقع على الأرض يقال سح الماء يسح إذا سأل من فوق إلى أسفل وساح الوادي يسيح إذا جرى على وجه الأرض والعام الشامل. قوله: (طبقًا) بفتح أوله المهمل وثانيه الموحدة والقاف آخره قال الأزهري يطبق الأرض مطره فيصير كالطبق عليها وفيه مبالغة اهـ. قال ابن الملقن في البدر المنير وقع في كلام المصنف يعني الرافعي تبعًا للشافعي والأصحاب عامًا طبقا قالوا بدأ بالعام ثم أتبعه بالطبق لأنّه صفة زائدة في العام اهـ. قوله: (دَائِمًا) أي بقدر الحاجة وإلَّا فدوامه مفسد وما أحسن الشاعر في قوله:
إنَّا نَسْتَغْفِرُكَ إنَّكَ كُنْتَ غَفَّارا، فأرسل السَّماءَ عَلَيْنا مِدْرارًا اللهم اسْقِنا الغَيْثَ ولا تَجْعَلْنا مِنَ القَانِطِينَ، اللهم أنْبِتْ لنَا الزَّرْعَ، وأَدِرَّ لنَا الضَّرْعَ، وَاسْقِنا مِنْ بَرَكاتِ السَّماءِ، وأنْبِتْ لَنا مِنْ بَرَكاتِ الأرْضِ، اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنَّا الجَهْدَ والجُوعَ والعُرْيَ، واكْشِفْ عَنَّا مِنَ البَلاءِ ما لَا يَكْشِفُهُ غَيْرُكَ". ويستحبُّ إذا كان فيهم رجل مشهور بالصلاح أن يستسقوا به فيقولوا:"اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَسْقِي وَنَتَشَفَّعُ إلَيْكَ بِعَبْدِكَ فُلانٍ".
وروينا في "صحيح البخاري" أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب،
ــ
فسقي ديارك غير مفسدها
…
صوب الربيع وهاطل ترب
قوله: (إِنا نَسْتَغفِرُكَ) أي نسألك غفران ذنوبنا. قوله: (إِنكَ كُنْتَ غَفارًا) أي ولم تزل على ذلك. قوله: (فأَرْسِل السَّماء) أي السحاب علينا مدرارًا أي كثير الدر والمطر. قوله: (وَأدِرَّ لنَا الضَّرْعَ) أي اجعله ذا در أي لبن قال الجوهري الضرع لكل ذات ظلف أو خف. قوله: (بَركَاتِ السماءِ الخ) بركات السماء كثرة مطرها مع الربيع والنماء، وبركات الأرض ما يخرج منها من زرع ومرعى والسماء هنا السحاب قال الزمخشري في تفسيره ويجوز أن يكون المراد هنا المطر والسحاب ويجوز أن يكون المراد بها الظلمة لأن المطر ينزل منها إلى السحاب. قوله:(الْجَهدَ) بفتح الجيم المشقة وبضمها وفتحها الطاقة قاله الجوهري وغيره وذكر المصنف في شرح مسلم إن الضم في الجهد بمعنى المشقة لغة قليلة والظاهر أن المراد من الجهد هنا المشقة. قوله: (والعُرْيَ) بضم العين وإسكان الراء المهملتين. قوله: (ويُسْتَحبَّ إِذَا كَانَ فِيهمْ رَجُل الخ) فإن كان من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أعلى وأولى. قوله: (رَوَيْنَا في صَحِيحِ البُخَارِي) هو من حديث أنس وعنه أخرجه البخاري هكذا قال الحافظ في تخريج الرافعي واستدركه الحاكم فوهم وأخرجه الحافظ من وجه آخر مطولًا بسند ضعيف. قوله: (قَحِطوا) أي احتبس عنهم المطر يقال قحط المطر بفتح حائه وكسرها إذا احتبس ويقال قحط بضم القاف وفتحها وكذا يقالان في قحطوا ذكره البعلي في المطلع. قوله: (اسْتَسْقى بالْعَبَّاس الخ) في أسد الغابة إن ذلك كان عام الرمادة فسقاهم الله به وأخصبت الأرض قوله فقال عمر
فقال: اللهُم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا صلى الله عليه وسلم فتسقِيَنا، وإنا نتوسَّلُ إليك بعمِّ نبينا صلى الله عليه وسلم فاسقنا، فيُسْقَوْنَ.
وجاء الاستسقاء بأهل الصلاح عن معاوية وغيره. والمستحبُّ أن يقرأ في صلاة الاستسقاء ما يقرأ في صلاة العيد، وقد بَيَّناه، ويكبِّر في افتتاح الأولى سبع تكبيرات، وفي الثانية خمس تكبيرات كصلاة العيد، وكل الفروع والمسائل التي ذكرتُها في تكبيرات العيد السبع والخمس يجيء مثلها هنا،
ــ
هذا والله الوسيلة إلى الله والمكان منه وقال حسان بن ثابت:
سأل الإِمام وقد تتابع جدبنا
…
فسقي الغمام بغرة العباس
عم النبي وصفو والده الذي
…
ورث النبي بذاك دون النّاس
أحيي الإله به البلاد فأصبحت
…
مخضرة الأجناب بعد اليأس
ولما سقي النّاس طفقوا يتمسحون بالعباس ويقولون له هنيئًا لك ساقي الحرمين اهـ. قوله: (فَقَال) أي عمر أما العباس فإنه قال اللهم إنه لم ينزل بلاءً إلّا بذنب ولم يكشف إلّا بتوبة وقد توجه بي القوم لمكاني من نبيك صلى الله عليه وسلم وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا إليك بالتوبة فاسقنا الغيث قاله الزبير بن بكار وقال أرخت السماء مثل الجبال حتى أخصبت الأرض أورده السيوطي في التوشيح. قوله: (وجاءَ الاسْتِسقْاءُ بأَهْلِ الصَّلاحَ عَنْ معَاويةَ الخ) استسقى معاوية بيزيد بن الأسود فقال اللهم أنا نستسقي بيزيد بن الأسود يا يزيد ارفع يديك إلى الله تعالى فرفع يديه ورفع النّاس أيديهم فثارت سحابة من المغرب كأنها ترس وهب بها ريح فسقوا حتى كاد النّاس لا يبلغون منازلهم واستسقى عمر بالعباس كما سبق وكذا فعله كثير من السلف وفي تخريج أحاديث الرافعي للحافظ حديث أن معاوية استسقى بيزيد بن الأسود أخرجه أبو زرعة الدمشقي في تاريخه بسند صحيح ورواه أبو القاسم اللالكائي في السنة في كرامات الأولياء منه وروى ابن بشكوال من طريق حمزة عن ابن أبي حملة قال أصاب النّاس قحط بدمشق فخرج الضحاك بن قيس يستسقي فقال ابن يزيد بن الأسود فقام وعليه برنس ثم حمد الله وأثنى عليه ثم قال أي رب إن عبادك
ثم يخطب خطبتين يكثر فيهما من الاستغفار والدعاء.
وروينا في سنن أبي داود، بإسناد صحيح على شرط مسلم، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: أتت النبي صلى الله عليه وسلم بَوَاكٍ، فقال: "اللهُمَّ اسقِنا غَيثًا مُغِيثًا مَرِيئًا مَرِيعًا نافِعًا غَيرَ
ضَارٍّ، عَاجِلًا غَيرَ آجِلٍ،
ــ
تقربوا بي إليك فاسقهم قال فما انصرفوا إلَّا وهم يخوضون في الماء وروى أحمد في الزهد أن نحو ذلك وقع لمعاوية مع أبي مسلم الخولاني اهـ. قوله: (ثُم يَخطبُ خطْبتَينِ الخ) ما ذكره من تأخير الخطبتين عن الصلاة هو الأفضل وإلَّا فلو قدمهما عليها جاز كما سيأتي فقد رواه أبو داود وغيره بأسانيد صحيحة لكن الخطبة بعدها بالنسبة إلينا أفضل لأنه أكثر رواة ومتعضد بالقياس على خطبة العيد والكسوف. قوله: (يكْثرُ فيهِمَا الخ) أي ويبدل التكبير في أول الخطبة بالاستغفار تسعا في الأولى وسبعا في الثانية فيقول استغفر الله العظيم الذي لا إله إلَّا هو الحي القيوم وأتوب إليه ويبدل ما يتعلق بالفطرة والأضحية منها بما يتعلق بالاستغفار ويدعو في الأولى جهرًا وينبغي أن يكون بالمشروع وبعد مضي نحو ثلث الثانية ويستقبل القبلة الدعاء إن لم يستقبل للدعاء في الأولى ويبالغ في الدعاء سرًّا وجهرا. قوله: (أَتَتِ التَبي صلى الله عليه وسلم بَواكٍ) وفي نسخة بواكي وهو بالباء الموحدة أوله جمع باكية وكذا في غير نسخة من السنن وقال الخطابي قال يعني جابر رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يواكي بضم التحتية قال ومعناه يتحامل على يديه أي رفعهما ومدهما في الدعاء ومنه
التوكئ على العصا أي التحامل عليها قال ابن الأثير في النهاية الصحيح أن ما قاله الخطابي لم تأت به الرواية ولا انحصر الصواب فيه بل ليس هو واضح المعنى وفي رواية البيهقي أتت النبي صلى الله عليه وسلم هوازن بدل بواكي اهـ. ما نقله عن المصنف ذكره في كتاب الخلاصة ثم قوله إن رواية البيهقي أتت النبي صلى الله عليه وسلم هوازن فيه سقط إنما هي كما رأيته بخط ابن رسلان في شرحه لسنن أبي داود أتت النبي صلى الله عليه وسلم بواكي هوازن قال ورواه أبو عوانة في صحيحه بلفظ أتت النبي صلى الله عليه وسلم هوازن قال ابن رسلان وهذه الروايات ترد بظاهرها على ما قاله الخطابي اهـ. قوله: (مَرِيئًا) قال في المرقاة في رواية هنيئًا قبله. قوله: (غيْرَ ضَارٍّ) تأكيد وكذا قوله غير آجل قال الطيبي الغيث هو المطر الذي يغيث الخلق من القحط نعته بالمغيث
فأطْبَقَتَ عَلَيهِمُ السَّماءُ".
وروينا فيه بإسناد صحيح عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استسقى قال: "اللهم اسْقِ عِبَادَكَ وَبَهائِمَكَ، وَانْشُرْ رحْمَتتَكَ، وأحْيِ بَلَدَكَ المَيتَ".
وروينا فيه بإسناد صحيح قال أبو داود في آخره: هذا إسناد جيد عن عائشة رضي الله عنها قالت: "شكا النّاس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط
ــ
على الإسناد المجازي وإلَّا فالمغيث حقيقة هو الله سبحانه وأكد مريئًا بمرتعا بالتاء بمعنى ينبت الله به ما ترتع الإبل وأكد النافع بغير ضار وعاجلًا بغير آجل اعتناء بشأن الخلق واعتمادًا على سعة رحمة الحق فكما دعا صلى الله عليه وسلم بهذا الدعاء كانت الإجابة طبقًا حيث أطبقت عليهم السماء فإن في إسناد الأطباق إلى السماء والسحاب هو المطبق أيضًا مبالغ اهـ. قوله: (فأَطْبقَتْ عَلَيهِمُ السماء) بالبناء للفاعل وقيل للمفعول يقال أطبق على كذا إذا جعل الطبق على رأس شيء وغطاه به أي جعلت السحاب كطبق قيل أي ظهر السحاب في ذلك الوقت وغطاهم كطبق فوق رؤوسهم بحيث لا يرون السماء من تراكم السحاب وعمومه الجوانب وقيل أطبقت بالمطر الدائم يقال أطبقت عليه الحمى أي دامت وفي شرح السنة أي ملأت والغيث المطبق هو العام الواسع. قوله: (اللَّهمَّ اسْقِ) بوصل الهمزة وقطعها كما سبق تحقيقه لغة ورواية فلا وجه لحصر الحنفي في شرح الحصن بقوله أمر من السقي من باب ضرب. قوله: (عبَادكَ) أي ذوي العقول قال ابن رسلان وذكر العباد هنا كالسبب للسقي أي اسقهم لأنهم عبيدك المتذللون الخاضعون لك وبهائمك أي الحيوانات والحشرات وانشر بضم الشين رحمتك أي ابسطها على جميع الخلق أي جميع الموجودات من الحيوانات والنباتات والجمادات وفيه إيماء إلى قوله: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ} [الشورى: 28] أي في كل شيء من السهل والجبل والنبات والحيوان ذكره البيضاوي. قوله: (وأَحي) هو بفتح الهمزة به بلدك الميت، قال ابن رسلان روى الطبراني في الأوسط اللهم أنزل علينا من السماء ماءً طهورًا وأحي به بلدة ميتًا وأسق مما خلقت أنعاما وأناسي كثيرًا. قوله:(شَكَى النَّاسُ) يقال شكيت شكاء بالألف وقيل بالياء. قوله: (قُحوطَ
المطر، فمر بمنبر فوضع له في المصلى، ووعد النّاس يومًا يخرجون فيه، فخرج رسول الله صلى الله عليه واله وسلم حين بدا حاجب الشمس، فقعد على المنبر صلى الله عليه وسلم، فكبر وحَمِد الله عز وجل، ثم قال: "إنَّكُمْ شَكَوْتُم جَدْبَ دِيارِكمْ، وَاسْتِئْخَارَ المَطَرِ عَنْ إبَّان زَمانِهِ عَنْكُمْ، وَقَدْ أمَرَكُمُ الله سُبْحانَهُ أنْ تَدْعُوهُ، وَوَعَدَكُمْ أنْ يَسْتَجِيبَ لَكُمْ، ثم قال: الحَمْدُ لِلَهِ رَب العَالمِينَ، الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، مالِكِ يَوْم الدينِ، لا إلهَ إلَّا الله
ــ
المَطرِ) بضم القاف أي فقده قال الطيبي القحوط مصدر بمعنى القحط أو جمع وأضيف إلى المطر يشير إلى عمومه في بلدان شتى. قوله: (حِينَ بَدا حَاجبُ
الشمس) بدا بالألف اللينة لا بالهمزة أي ظهر وحاجب الشمس أولها أو بعضها قال الطيبي أي أول طلوع شعاع من الأفق قال ميرك الظاهر إن المراد بالحاجب ما طلع أولًا من جرم الشمس مستدقا مشبهًا بالحاجب قال في المرقاة ويؤيده ما في المغرب حاجب الشمس أول ما يبدو من الشمس مستعار من حاجب الوجه اهـ، ويؤيده ما قاله ابن رسلان أيضًا قال أي حرفها الأعلى من قرصها سمي بذلك لأنه أول ما يبدو منها كحاجب الإنسان قال وعلى هذا يختص الحاجب بالحرف الأعلى البادي أولًا ولا يسمى جميع نواحيها حواجب اهـ. قوله:(واسْتِئْخَار المَطرِ) قال ابن رسلان بهمزة ساكنة بعد المثناة أي تأخره قال الطيبي السين للمبالغة يقال استأخر إذا تأخر تأخرا بعيدًا قلت ولا يخالفه قول ابن رسلان يقال أخر وتأخر واستأخر بمعنى لأن كلام الطيبي لبيان موقع اللفظ. قوله: (عَنْ إِبَّانِ زَمَانِه) سيأتي ضبط الإبان ومعناه في الأصل وإنه الوقت وإضافته إلى الزمان من إضافة الخاص إلى العام أي من أول زمان المطر والإبان أول الشيء كذا في المرقاة. قوله: (أَمرَكُمْ أَن تَدْعُوهُ الخ) أي بقوله: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] أي ووعد الله لا خلف فيه. قوله: (ثُمَّ قَال الحْمدُ لله رَبِّ الْعَالمِينَ) أي في هذا الحال وفي كل حال الرحمن الرحيم أي المفيض على عباده في الدنيا والآخرة بالنعم الجليلة والدقيقة تارة بصورة النعماء وأخرى في صورة البلوي وفي ذلكم بلاءً من ربكم عظيم. قوله: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4] وفي نسخة ملك وهما قراءتان متواترتان الأكثرون على الأول
يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ، اللهُم أنْتَ اللهُ، لا إلهَ إلَّا أنْتَ الغَنِيُّ وَنَحْنُ الفُقَراءُ، أنزِلْ عَلَينا الغَيثَ، وَاجْعَلْ ما أَنْزَلْتَ لنَا قوَّة وَبَلاغًا إلى حِينٍ"، ثم رفع يديه فلم يزل في الرفع حتى بدا بياض إبْطيه،
ــ
قيل وهو أبلغ عند الأكثر أي مالك كل شيء وقت وحين والتخصيص لعظمة يوم الدين وفيه إيماء إلى أن هذا البلاء مجازاة في الدنيا لما صدر من العباد من التقصير في العبودية كما أشار إليه في هذا الخبر وقال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30]. قوله: (يفْعلُ مَا يُريدُ) لا راد لحكمه ولا معقب لأمره وفيه إشارة إلى مقام التفويض والتسليم دائمًا لأنه لا يجب عليه سبحانه شيء كما ورد يا عبدي تريد وأريد ولا يكون ما أريد فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط وقد عقد هذا المعنى أبو الدرداء رضي الله عنه فقال:
تريد النفس أن تبلغ مناها
…
ويأبى الله إلَّا ما أرادا
يقول العبد فائدتي ومالي
…
وتقوى الله أولى ما استفادا
قوله: (لَا إِلَه إلا أَنْتَ) تأكيد لما قبله. قوله: (الْغني) أي بالذات عن العبد وعمله وبالعرض إن كل من في السموات والأرض إلَّا آتي الرحمن عبدا. قوله: (ونَحنُ الْفقرَاءُ) أي الملازمون للافتقار المحتاجون إليك في الإيجاد والإمداد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ والله هو الغني
الحَمِيدُ} [فاطر: 15] وفيه المحسنات البديعية أي مقابلة الجمع بين الغني والفقير. قوله: (فأَنْزلْ عَليْنا الْغَيثَ) هو بفتح همزة أنزل وفي نسخة من المشكاة غيثا أي أنزل غيثا يغيثنا ويعيننا فقد عرفنا قدر النعم عند فقد بعضها. قوله: (قُوتَ عيشِنَا) أي يحصل به القوت المقوي على العبادة والمعنى اجعله نفعًا لنا لا مضرة علينا. قوله: (وبَلاغًا) أي زادا يبلغنا وقال الطيبي البلاغ ما يتبلغ به إلى المطلوب. قوله: (إِلى حِين) أي إلى آجالنا والمراد اجعل الخير الذي أنزل علينا سببًا لقوتنا على الطاعة ومددًا لنا مددًا طوَالًا. قوله: (حَتى بدَا بَيَاضُ إبطَيْه) وفي رواية عفرة إبطيه ولا تخالف لأنها عفرة نسبية لا سيما مع وجود الشعر في ذلك المحل ودعوى إنه صلى الله عليه وسلم لم يكن له شعر فيه لم تثبت بل ثبت نتفه صلى الله عليه وسلم للشعر من ثمة وفيه المبالغة في الرفع وهو المراد بما ورد ولم يرفع يديه صلى الله عليه وسلم إلّا في الاستسقاء أي رفعا تامًّا وإلَّا
ثم حوَّل إلى النّاس ظهره، وقلب أو حوَّل رداءه وهو رافع يديه، ثم أقبل على النّاس ونزل فصلى ركعتين، فأنشأ الله عز وجل سحابة، فرعدت وبرقت، ثم أمطرت بإذن الله تعالى، فلم يأت مسجدَه حتى سالت السيول، فلما رأى سرعتهم إلى الكِن ضحك صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، فقال:"أشْهَدُ أن الله على كُل شيءٍ قَدِيرٌ، وأنِّي عَبْدُ الله وَرَسُولُهُ".
قلت:
ــ
فاصل الرفع إلى تلك المرتبة ورد عنه صلى الله عليه وسلم في مواطن كثيرة أفردها الجلال السيوطي بجزء ولذا كان ذلك من سنن الدعاء خارج الصلاة ومن الطواف فيسن رفع اليدين لدعائه كما في شرح المنهاج لابن حجر الهيتمي خلافا لما في الحرز من عدم طلبه. قوله: (ثُم حَوّل إِلى النَّاس ظهْرهُ) أي واستقبل القبلة إشارة إلى التبتل إلى الله والانقطاع عما سواه. قوله: (وقَلب) بتشديد اللام وفي المرقاة وفي نسخة بتخفيفها وكذا ضبطه ابن رسلان في شرح أبي داود "أو تحول" هو شك من الراوي وتحويل الرداء للتفاؤل بتحويل الحال من الشدة إلى الخصب وفي المرقاة قد جاء بهذا التعليل مصرحًا به في الخبر المرفوع ففي المستدرك من حديث جابر وصححه قال حول رداءه لتحول القحط وفي طوالات الطبراني من حديث أنس وقلب رداءه لكي ينقلب القحط إلى الخصب قلت وكون التعليل من المرفوع سبق قلم إذ هو موقوف والله أعلم وتحويل الرداء أن يأخذ بيده اليمنى الطرف الأسفل من جهة يساره وبيده اليسرى الطرف المقبوض بيده اليمنى على كتفه الأعلى من جانب اليمين والمقبوض بيده اليسرى على كتفه الأعلى من جانب اليسار فإذا فعل ذلك فقد إنقلب اليمين يسارًا وبالعكس والأسفل أعلى وبالعكس قال السهيلي وطول ردائه صلى الله عليه وسلم أربعة أذرع وعرضه ذراعان وشبر اهـ. قوله: (وهُوَ رَافِع يَديْهِ) يعني إن هذه الحالة موجودة منه صلى الله عليه وسلم في حال تحويل ظهره وردائه أيضًا. قوله: (وبَرقَتْ) بفتح الراء ونسبة الرعد والبرق إلى السحاب مجاز أي ظهر فيه ذلك وفي النهاية برقت بالكسر بمعنى الحيرة وبالفتح من البريق اللمعان. قوله: (الْكِنِّ) هو بكسر الكاف وتشديد النون وهو ما يرد به الحر والبرد من المساكن وقوله ضحك جواب لما وكان ضحكه تعجبًا من طلبهم المطر اضطرارا ثم طلبهم الكن عنه فرارا. قوله: (حَتي بدَتْ نَواجذُه) بالذال المعجمة وهي الضواحك التي تبدو عند الضحك وقيل هي الأضراس والأنياب
إبَّان الشيء: وقتُه، وهو بكسر الهمزة وتشديد الباء الموحدة. وقحوط المطر، بضم القاف والحاء: احتباسه. والجَدْبُ، بإسكان الدال المهملة: ضد الخصب. وقوله: ثم أمطرت، هكذا هو بالألف، وهما لغتان: مطرت، وأمطرت، ولا التفات إلى من قال: لا يقال: أمطرت بالألف إلا في العذاب. وقوله: بدت نواجده: أي ظهرت أنيابه، وهي بالذال المعجمة.
واعلم أن في هذا الحديث التصريح بأن الخطبة قبل الصلاة، وكذلك هو مصرح به في "صحيحي البخاري ومسلم"، وهذا محمول على الجواز. والمشهور في كتب الفقه لأصحابنا وغيرهم: أنه يستحب تقديم الصلاة على الخطبة لأحاديث أخر:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم الصلاة على الخطبة، والله أعلم.
ويستحبُّ الجمع في الدعاء بين الجهر والإسرار، ورفع الأيدي فيه رفعا بليغًا. قال الشافعي رحمه الله: وليكن من دعائهم: "اللهم أمَرْتَنا بِدُعائِك، ووَعَدْتَنا إجابَتَكَ، وَقَدْ دَعَوْنَاكَ كما أمَرْتَنا، فأجِبْنا كما وَعَدْتَنا، اللهُم امْنُنْ عَلَيْنا بِمَغْفِرَةِ ما قارَفْنا، وإجَابَتِكَ في سُقْيانا
ــ
والمشهور أنها أقصى الأسنان
والمراد هنا الأول لأنه ما كان يضحك حتى يبلغ به الضحك إلى أن تبدو أضراسه كيف وقد جاء في صفة ضحكه التبسم قاله ابن رسلان. قوله: (إبانُ الشَّيْءِ الخ) قال في النهاية قيل نونه أصلية فيكون فعالا وقيل زائدة فيكون فعلانا من آب الشيء يؤوب إذا تهيأ للذهاب وفي القاموس إبان الشيء بالكسر حينه وأوانه. قوله: (والجَدْبُ بإِسكَان الذالِ الخ) أي والجيم المفتوحة. قوله: (الخِصب) هو بكسر أوله المعجم وسكون ثانيه المهمل آخره باء موحدة. قوله: (وهُمَا لغتَانِ) قال المصنف في شرح مسلم جاء في البخاري ومسلم أمطرت بالألف وهو دليل للمذهب المختار الذي عليه الأكثرون والمحققون من أهل اللغة أن أمطرت ومطرت لغتان في المطر وقال بعض أهل اللغة لا يقال أمطرت بالألف إلَّا في العذاب لقوله تعالى: (وَأَمطَرْنَا عَلَيهم حِجَارَة)[الحجر: 74] والمشهور الأول قال تعالى عارض ممطرنا وهو في الخير لأنهم يحسبونه خيرًا اهـ. قوله: (ما قارَفْنا) بقاف ثم ألف ثم راء