الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرجل من صبره، فأجمعوا على أنه إذا ترك شيئًا كان يصنعه فقد جزع.
قلت: والآثار في هذا الباب كثيرة، وإنما ذكرتُ هذه الأحرف لئلا يخلوَ هذا الكتاب من الإشارة إلى طرف من ذلك، والله أعلم.
فصل في الإشارة إلى بعض ما جرى من الطواعين في الإسلام:
والمقصود بذِكْره هنا التصبُّر والتَّأسِّي بغيره، وأن مصيبة الإنسان قليلة بالنسبة إلى ما جرى على غيره. قال أبو الحسن المدائني: "كانت الطواعين المشهورة العظام
ــ
له دواء إلَّا السام يعني الموت قوله: (إِذَا تَرَكَ شيئًا الخ) بني ترك للفاعل إعلامًا بأن علامة الجزع إنما هو ترك شيء من عوائده على سبيل الاختيار أما إذا غلب عليه ولم يتمكن من فعل ذلك فلا يؤاخذ به لعدم تكليفه.
فائدة
قال الحافظ من ألفاظ التعزية ما ورد أن معاذ بن جبل مات ابن له فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يعزيه من محمد رسول الله إلى معاذ بن جبل سلام عليك فإني أحمد إليك الله لا إله إلَّا هو أما بعد فأعظم الله لك الأجر وألهمك الصبر ورزقنا وإياك الشكر، فإن أنفسنا وأهلنا وأولادنا من مواهب الله الهنية وعواريه المستودعة وإن ابنك متعك الله به في غبطة وسرور وقبضه منك إلى أجر كثير الصلاة والرحمة والهدى إذا احتسبت فاصبر ولا يحبط أجرك جزعك فتندم واعلم أن الجزع لا يرد ميتًا ولا يدفع حزنًا وما يأتيك فكأن قد والسلام قال سليمان بن أحمد في رواية خليل لا يروى عن معاذ إلَّا
بهذا الإسناد كذا قال وأخرجه الحاكم في المستدرك في ترجمة معاذ بن جبل وقال حسن غريب ومجاشع بن عمر وليس من شرط هذا الكتاب قال الحافظ قلت ذكره العقيلي في الضعفاء وجاء عن يحيى بن معين عدة أحاديث استنكرها وأخرج الحافظ القصة من وجه آخر بنحو ذلك وقال بعد تخريجه أخرجه أبو نعيم في ترجمة معاذ من الحلية وتكلم في محمد بن سعيد الشامي المشهور بالمصلوب بأنه قتل على الزندقة وصلب وقد أخرج له ابن ماجة والترمذي لكن صرح جماعة من الأئمة بتكذيبه.
فصل في الإشارة إلى بعض ما جرى من الطاعون في الإسلام
قال الجوهري الطاعون وزنه فاعول من الطعن عدلوا به عن أصله ووضعوه دالًا على الموت العام كالوباء ويقال طعن فهو مطعون وطعين إذا أصابه الطاعون
في الإسلام خمسة: طاعون شِيرُوَية بالمدائن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة ستٍّ من الهجرة، ثم طاعون عَمَواس في
زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان بالشام،
ــ
وكذا إذا أصابه الطعن بالرمح قال ابن عبد البر الطاعون غدة كغدة البعير تخرج في المراق والآباط قال غير واحد من أهل العلم وقد تخرج في الأيدي والأصابع وحيث شاء الله من البدن وهو وخز أعدائنا من الجن كما ثبت في الأحاديث الكثيرة وما قيل إنه لو كان من الجن كيف يقع في رمضان مع تصفيد الشياطين فيه وتسلسلهم يجاب عنه كالجواب عن وقوع المعاصي فيه وإن المراد تعطيلها عن معظم العمل فلا يصلون من الإنس إلى مثل ما يصلون إليه في غير رمضان وليس المراد إبطال عملها فيها بالكلية وأجيب بأجوبة أخرى أودعها الحافظ السيوطي مؤلفه في الطاعون قال الحافظ ابن حجر وغيره والطاعون أخص من الوباء فإن الوباء هو المرض العام فقد يكون بطاعون وقد لا يكون فكل طاعون وباء وليس كل وباء طاعونًا وقد ثبت في الحديث إن المدينة لا يدخلها الطاعون وقد دخلها الوباء ففي الصحيحين عن عائشة قدمنا المدينة وهي أوبأ أرض الله وأحاديث أخر بمعناه قوله: (شيْرُوْيَهْ) بكسر الشين المعجمة وإسكان التحتية وضم الراء بعدها واو ساكنة ثم ياء تحتية مفتوحة ثم هاء ويجوز فيه فتح الراء والواو وإسكان الياء وكسر الهاء وسبق جواز الوجهين وعلى الأول أكثر المحدثين فرارًا من لفظ وبه قال ابن حجلة في تأليفه في الطاعون وهذا أول طاعون وقع في الإسلام قال ولم أعلم كم مات فيه فأحكيه قال السيوطي ولم يمت فيه أحد من المسلمين. قوله: (ثم طاعونُ عَمَواس) هو بفتح العين المهملة والميم وقد تسكن وتخفيف الواو آخره سين مهملة قال المصنف اسم قرية بين الرملة وبيت المقدس نسب إليها لأنه بدا منها وقال سمي بذلك لأنه عم النّاس وتواسوا فيه حكاهما الحافظ عبد الغني المقدسي في ترجمة أبي عبيدة بن الجراح اهـ، وقيل لأنه عم وآسى وذكر سيف بن عمر عن شيوخه
قالوا لما كان طاعون عمواس وقع مرتين لم ير مثلهما وطال مكثه وذلك إنه وقع بالشام في المحرم وصفر ثم ارتفع ثم عاد وفني فيه خلق كثير من النّاس وكان ذلك في زمن خلافة عمر رضي الله عنه سنة سبع عشراة وقيل سنة ثمان عشرة وفي هذه السنة أعني ثمان عشرة أجدبت الأرض فكانت الريح تسفي ترابًا كالرماد ويسمى عام الرماد وجعلت الوحوش تأوي إلى النّاس واستسقى فيها عمر
مات فيه خمسة وعشرون ألفًا، ثم طاعون في زمن ابن الزبير في شوَّال سنة تسع وستين مات في ثلاثة أيام في كلِّ يوم سبعون ألفًا، مات فيه لأنس بن مالك رضي الله عنه ثلاثة وثمانون ابنًا، وقيل: ثلاثةٌ وسبعون ابنًا، ومات لعبد
ــ
بالعباس رضي الله عنهما فسقوا. قوله: (ومَاتَ فيهِ خمسة وعشرونَ أَلفًا) قال السيوطي وقيل ثلاثون ألفًا. قوله: (ثم طَاعون في زمنِ ابنِ الزُّبيرِ الخ) هذا الطاعون وقع بالبصرة ويسمى طاعون الجارف وسمي بذلك لأنه جرف النّاس كما يجرف السيل الأرض فيأخذ معظمها. قوله: (في شوالِ سنةَ الخ) قال ابن كثير هذا هو المشهور الذي ذكر شيخنا الذهبي وغيره وقيل إنه وقع في سنة أربع وستين وبه جزم ابن الجوزي في المنتظم وقيل سنة سبعين، وقيل سنة ست وسبعين وقيل سنة ثمانين قال ابن كثير حكاه ابن جرير عن الواقدي وفي شرح مسلم للمصنف قال الحافظ ابن عبد البر في أول التمهيد مات أيوب السختياني في سنة اثنين وثلاثين ومائة في طاعون الجارف ونقل ابن قتيبة في المعارف عن الأصمعي إن طاعون الجارف كان في زمن ابن الزبير سنة سبع وستين وكذا قال أبوالحسين محمد بن علي بن أبي يوسف المدائني في كتاب المغازي إنه كان في سنة سبع وستين في شوال وكذا ذكر الكلاباذي في رجال البخاري معنى هذا فإنه قال ولد أيوب السختياني سنة ست وستين وفي قول إنه ولد قبل الجارف بسنة، قال القاضي عياض في هذا الموضع كان الجارف سنة تسع عشرة ومائة، وذكر الحافظ عبد الغني المقدسي في ترجمة عبد الله بن مطرف عن يحيى بن القطان قال مات مطرف بعد طاعون الجارف سنة اثنين وثمانين، وذكر في ترجمة يونس بن عبيد إنه رأى أنس بن مالك وإنه ولد بعد الجارف، ومات سنة سبع وثلاثين ومائة فهذه أقوال متعارضة فيجوز أن يجمع بينها أن كل طاعون من هذه يسمى جارفًا لأن معنى الجرف موجود فيها جميعها اهـ، ثم الذي وقفت عليه في شرح مسلم فيما نقله إنه على قول المدائني سنة سبع وستين بتقديم السين على الموحد، والذي وقفت عليه في نسخة الأذكار المصححة تسع وستين بتقديم المثناة على السين، ولعل. عنه قولين في ذلك أو أحدهما من تحريف الكتاب للكتاب. قوله:(في كلِّ يوم سبعونَ أَلفًا) أي على سبيل التقريب وإلغاء الكسر
الرحمن بن أبي بكرة أربعون ابنًا، ثم طاعون الفتيات في شوَّال سنة سبع وثمانين، ثم طاعون سنة إحدى وثلاثين ومائة في رجب، واشتدَّ في رمضان، وكان يحصى في سكة المرْبَدِ في كل يوم ألف جنازة، ثم خفَّ في شوَّال. وكان بالكوفة طاعون سنة خمسين، وفيه توفي
المغيرة بن شعبة". هذا آخر كلام المدائني. وذكر ابن قتيبة في كتابه "المعارف" عن الأصمعي في عدد الطَّواعين نحو هذا، وفيه زيادة ونقص. قال: وسمي طاعونَ الفتيات، لأنه بدأ في العذارى بالبصرة، وواسط، والشام، والكوفة، ويقال له: طاعون الأشراف، لما مات فيه من الأشراف. قال: ولم يقع بالمدينة ولا مكة طاعونٌ قط.
وهذا الباب واسع، وفيما ذكرتُه تنبيه على ما تركتُه، وقد ذكرتُ هذا الفصل أبسط من هذا في أول "شرح صحيح مسلم" رحمه الله، وبالله التوفيق.
ــ
الزائد على العقد، وإلا فقد قال كثير إنه توفي أول يوم منه من أهل البصرة سبعون ألفًا، وفي الثاني منه أحد وسبعون ألفًا، وفي الثالث منه ثلاثة وسبعون ألفًا. قوله:(ثم طاعونٌ سنةَ إِحدى وثلاثين ومَائةً) وقع ذلك بالبصرة يقال له طاعون مسلم بن قتيبة. قوله: (وكان بالكوفة طاعونٌ سنة خمسين الخ) كان وقوعه بالكوفة سنة تسع وأربعين فخرج عنها المغيرة بن شعبة فارًا، فلما ارتفع الطاعون
رجع إليها فأصابه الطاعون فمات في سنة خمسين ذكره ابن كثير في تاريخه، قال ابن كثير في سنة ثلاث وخمسين مات زياد بن أبي سفيان مطعونًا. قوله:(المرْبَدِ) في الصحاح المربد الموضع الذي يحبس فيه الإبل وغيرها، ومنه سمي مربد المقبرة اهـ. قوله:(لأنه بَدَأ بالعذارَى)، وقال السيوطي سمي طاعون الفتيات لكثرة من مات فيه من النساء الشواب والعذارى. قوله:(ويقَالُ لهُ طَاعونُ الأشرَافِ الخ) قضية كلام السيوطي إن طاعون الفتيان غير طاعون الأشراف لأنه ذكر طاعون الفتيات وما يتعلق به، ثم قال طاعون الأشراف وقع والحجاج بواسط اهـ. قوله:(ولم يقعْ بالمدينةِ ولا بمكةَ) وأخرج الشيخان عن أبي هريرة قال قال رسول الله