الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في أذكار الطواف:
يستحبُّ أن يقول عند استلام الحجر الأسود وعند ابتداء الطواف أيضًا: بِسْم اللهِ واللهُ
أكْبرُ، اللهُم إيمانًا بِكَ وَتَصْدِيقًا بِكتابِكَ، وَوَفَاءً بِعَهْدِكَ واتباعا لِسُنةِ نَبِيِّكَ صلى الله عليه وسلم.
ــ
فصل
قوله: (يُسْتحَبُّ أَنْ يقولَ) أي سرًّا هنا وفيما يأتي لأنه أوفر للخشوع نعم يسن الجهر به لتعليم الغير حيث لا يتأذى به أحد. قوله: (استِلامِ الحَجرِ) افتعال قيل من السلام بفتح السين أي التحية وقيل من السلام بالكسر أي الحجارة واحدتها سلمة بكسر السلام قال الشاعر:
ذاك خليلي وذو يواصلني
…
يرمي ورائي بامسهم وامسلمه
والأسود وصف للحجر يجوز أن يكون من السودد أو السواد وتردد بعضهم في أن هذا الوصف
هل كان يطلق عليه قبل اسوداده أولًا وبفرض إطلاقه عليه حينئذٍ فيتعين كونه من السودد ثم محل الحجر قائم مقام الحجر لو فقد الحجر والعياذ باللهِ تعالى فيما يستحب من استلام وتقبيل وسجود وذكر يقال عنده، وسكت المصنف عن النية وهي فرض فيه إن لم يكن مندرجا في نسك وإلا كطواف الركن لا يجب فيه اكتفاء بنية النسك المستحبة عليه نعم يعتبر فقد الصارف، ومحل النية الواجبة آخر جزء من الحجر مما يلي الباب والسنة أن يقف بجانب الحجر مما يلي الركون اليماني ويكون خارجًا بجميع بدنه وينوي حينئذٍ ويستمر ذاكرًا لها حتى يجاوز ما اعتبر مقارنة النية له والله أعلم. قوله:(بسْمِ الله) أي أطوف (الله أَكبَرُ) أي من كل من هو بصورة معبود من حجر أو غيره ومن ثم ناسب ما بعده أي قوله: (اللهم إِيمَانًا بك) أؤمن أو أطوف فإيمانًا مفعول مطلق أو لأجله. قوله: (ووفاء بِعَهْدِكَ) أي المأخوذ يوم "ألست" لما قيل إنه كتب وأدرج في الحجر ويومئ إليه خبر أنه يشهد لمن استلمه بحق أي إسلام وقيل المراد به هو ما ألزمنا به نبينا صلى الله عليه وسلم من امتثال الأوامر واجتناب المناهي. قوله: (لِسُنَّةِ) أي طريقة ثم هذا الذكر ذكره البيهقي في المعرفة عن الحاكم إجازة عن الأصم عن الربيع عن الشافعي عن سعيد بن سالم عن ابن جريج قال أخبرت أن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال يا رسول الله ما نقول إذا استلمنا الركن قال قولوا بسم الله والله أكبر اللهم إيمانًا بك وتصديقًا بكتابك وما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وأخرجه عبد الرزاق بسند فيه عبد القدوس
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وهو ضعيف عن مكحول مرسلًا ونسب الشيخ في المهذب هذا الحديث إلى رواية جابر فقال الشارح حديث جابر أخرجه مسلم عنه بلفظ إن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم أتى الحجر فاستلمه الحديث وليس فيه شيء من هذا الذكر والظاهر أنه حديث آخر لجابر وذكر في المهذب حديث الحارث عن علي رضي الله عنه أنه كان إذا استلم الحجر قال اللهم إيمانًا بك وتصديقًا بكتابك واتباعًا لسنة نبيك قال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث موقوف غريب أخرجه البيهقي ثم ذكر عن الطبراني إنه تفرد بعض الرواة به فقال لم يروه عن أبي العميس بمهملتين مصغرًا إلَّا حفص بن غياث تفرد به إبراهيم بن محمد الشافعي ولا نعلم أسند أبو العميس عن أبي إسحاق إلَّا هذا الحديث قال الحافظ وقد وقع لي من وجه آخر فذكره عن يونس بن حبيب حدثنا سليمان بن داود الطيالسي حدثنا المسعودي عن أبي إسحاق عن الحارث فذكر نحوه وأوله كان إذا مر بالحجر الأسود فرأى عليه زحامًا استقبله وكبر قال الحافظ وكنت أظن أن المسعودي هو عبد الرحمن المشهور ثم ظهر لي أنه أبو العميس وهو مسعودي أيضًا واسمه عتبة بن عبد الله بن عتبة بن مسعود فترد رواية أبي داود على دعوى تفرد حفص وفي الحديث علتان ضعف الحارث وتدليس أبي إسحاق ثم قال الشيخ في المهذب وعن ابن عمر مثله وأشار به إلى ما رواه الطبراني في الدعاء عن نافع عن ابن عمر إنه كان إذا استلم الركن قال بسم الله والله أكبر هذا حديث موقوف صحيح أخرجه أحمد قال الحافظ وبالسند إلى عبد الرزاق حدثنا ابن جريج عن نافع فذكر مثله وأما بقيته فبالسند الماضي إلى الطبراني في الأوسط عن نافع قال كان ابن عمر إذا استلم الحجر قال اللهم إيمانًا بك وتصديقًا بكتابك واتباعًا لسنة نبيك قال الحافظ قال الطبراني لم يروه عن محمد بن مهاجر الراوي عن نافع إلَّا عون بن سلام وقول الرافعي إنه مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم رده الأذرعي وغيره بأنه لا يعرف له مخرج قال الحافظ وأصل التكبير
في ابتداء الطوفات في صحيح البخاري من حديث ابن عباس قال طاف النبي صلى الله عليه وسلم على بعير كلما أتى على الركن أشار إليه بشيء وكبر وأخرجه البيهقي من وجه آخر عن ابن عباس أتم منه اهـ.
قوله:
ويستحبُّ أن يكرر هذا الذِّكْر عند محاذاة الحجر الأسود في كل طوفة، ويقول في رَمَله في الأشواط الثلاثة:"اللهُم اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا، وَذَنْبًا مَغْفُورًا، وَسَعْيًا مَشْكُورًا".
ــ
(ويُسْتَحَبُّ أَنْ يُكرر الخ) قال الحافظ ذكره الشافعي عقب رواية ابن جريج وزاد مع التكبير التهليل قال وأما إن ذكر الله وصلى على نبيه فحسن اهـ، وسبق أن لمحل الحجر لو رفع والعياذ بالله حكمه قوله:(في رَمَلهِ) هو بفتح أوليه عبارة عن إسراع مشيه مع مقاربة خطاه وظاهر كلامه أنه يكرر هذا الذكر في جميع أجزاء الأشواط التي يرمل فيها وظاهر كلام التنبيه إنه يأتي به مع التكبير أوله حذاء الحجر وفيما عداه يدعو بما أحب وأقره عليه المصنف في التصحيح واعتمده الأسنوي لكن اعترض عليه بأن ظاهر كلام الشيخين والأم أن ذلك لا يختص به بل لمحاذاة الحجر ذكر يخصها عند كل طوفة كما مر وعليه فيقوله في الأماكن التي ليس لها ذكر مخصوص وظاهر كلامه أن المعتمر يعبر بالحج أيضًا وهو ظاهر مراعاة للخبر ولأنها تسمى حجًّا لغة بل قال الصيدلاني أنها تسمى حجًّا شرعًا لقوله صلى الله عليه وسلم العمرة هي الحج الأصغر، وقوله في رمله يفهم أن دعاء الرمل المذكور لا يندب إلَّا في طواف حج أو عمرة وهو كذلك، وفي تعبيره بالأشواط إيماء إلى عدم كراهة التعبير به لأنها تتوقف على النهي ولم يثبت وفي مختصر التفقيه إن السائب بن يزيد روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك في أشواط رمله. قوله:(اجعلُه) أي ما أنا متلبس به من العمل المصحوب بالذنب والتقصير غالبًا بل دائمًا إذ الذنب مقول بالتشكيك على غير الكمال كالمغفرة. قوله: (حجًّا مبْرُورًا) أي سليمًا من مصاحبة الإثم من البر وهو الإحسان أو الطاعة. قوله: (وذَنبًا) أي واجعل ذنبي ذنبًا مغفورًا، قيل ودليل هذا الذكر الاتباع على ما ذكر الرافعي وقال الحافظ ذكره الشافعي وأسنده إليه البيهقي في الكبير وفي المعرفة ولم يذكر سند الشافعي به وسيأتي في القول في الرمل بين الصفا
ويقول في الأربعة الباقية من أشواط الطواف: "اللهم اغْفِر وارْحَمْ، واعْفُ عما تَعْلَمْ وأنْتَ الأعَزُّ الأكْرَم، اللهُم رَبنا آتِنا في الذنيا حَسَنَةً وفي الآخِرَةِ حَسَنَة
ــ
والمروة نحو اهـ. قوله: (ويقُول في الأَربعَةِ الباقِيةِ) أي في المحال التي لا يخصها ذكر كما سبق بما فيه .. قوله: (رَب اغْفرْ) أي سائر الذنوب. قوله: (وارْحَمْ) أي تفضل بأنواع الإحسان من محض الفضل والامتنان. قوله: (واعفُ) أي تجاوز كما ورد كذلك في رواية ذكرها في مختصر التفقيه. قوله: (وأَنْتَ الأَعزُّ الأَكرَم) قال في مختصر التفقيه وروي وأنت العلي الأعظم. قوله: (اللهُم رَبنَا) هذا ما ورد في رواية وعبر به الشافعي وهو أفضل من غيرها وعبر في المنهاج والروضة والمناسك وبعض نسخ الأذكار بقوله اللهم آتنا واعترضه الأسنوي بأنه سهو لأنه في المجموع عبر كالرافعي بقوله ربنا الموافق للفظ الآية ولرواية أبي داود وغيره وأجيب بأنه رواية أيضًا خلافًا لمن زعم أنها كعبارة الشافعي لم ترد وقد يشير إلى ذلك قوله في الإيضاح بعد ذكره كذلك فقد ثبت ذلك الخ. ففيه دليل إن ما عبر به ليس بسهو والله أعلم. أشار إليه ابن حجر الهيتمي ولم يذكر الحافظ سوى رواية ربنا الخ. في الأحاديث المرفوعة والموقوفة ولم يبين الشيخ ابن حجر الهيتمي من خرجه باللفظين المذكورين ثم رأيت في
الجامع الصغير عزوه بلفظ اللهم ربنا إلى ابن ماجة لكن من غير تقييد كونه في الطواف وأخرجه بلفظ اللهم آتنا أبو ذر من حديث ابن عباس كما في مثير شوق الأنام. قوله: (آتنَا في الدُّنيَا حَسَنَةً) الخ) تقدم الكلام على هذا الدعاء في باب أدعية الكرب ونريد هنا في ذلك فنقول. قوله: (فيِ الدُّنيَا) متعلق بآتنا أبو بمحذوف على أنه حال من (حَسَنَة) لأنه كان في الأصل صفة لها فلما قدم عليها انتصب حالًا والواو في. قوله: (وَفِي الآخِرَةِ) عاطفة شيئين على شيئين متقدمين ففي الآخرة عطف على في الدنيا بإعادة العامل و (حَسَنَة) عطف على حسنة والواو تعطف شيئين فأكثر على شيئين فأكثر تقول أعلم زيد عمرًا بكرًا فضالًا وبكرًا خالدًا صالحًا قال الحافظ ابن حجر اختلفت عبارات السلف في تفسير الحسنة فقيل هي العلم والعبادة في الدنيا وقيل الرزق الطيب والعلم النافع وفي الآخرة الجنة وقيل هي العافية في
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الدنيا وفي الآخرة وقيل الزوجة الصالحة وقيل حسنة الدنيا الرزق الحلال الواسع والعمل الصالح وحسنة الآخرة المغفرة والثواب وقيل حسنة الدنيا العلم والعمل به وحسنة الآخرة تيسير الحساب ودخول الجنة وقيل من آتاه الله الإسلام والقرآن والأهل والمال والولد فقد آتاه في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ونقل الثعلبي عن سلف الصوفية أقوالًا أخرى متغايرة اللفظ متوافقة المعنى حاصلها السلامة في الدنيا والآخرة واقتصر في الكشاف على ما نقله الثعلبي عن علي أنها في الدنيا المرأة الصالحة وفي الآخرة الحوراء وعذاب النار المرأة السوء وقال الشيخ عماد الدين بن كثير الحسنة في الدنيا تشمل كل مطلوب دنيوي من عافية ودار رحبة وزوجة حسنة وولد بار ورزق واسع وعلم نافع وعمل صالح ومركب هنيء وثناء جميل إلى غير ذلك مما شملته عبارتهم فإنها كلها مندرجة في الحسنة في الدنيا وأما الحسنة في الآخرة فأعلاها دخول الجنة وتوابعه من الأمن من الفزع أكبر في العرصات وتيسبير الحساب وغير ذلك من أمور الآخرة وأما الوقاية من عذاب النار فهو يقتضي تيسير أسبابه في الدنيا من اجتناب المحارم وترك الشبهات اهـ. من الفتح ملخصًا قال العلقمي قال شيخنا الشهاب القسطلاني منشأ الخلاف كما قال الإِمام فخر الدين الرازي إنه لو قال (آتِنَا في الدنيا حَسَنَة وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَة) لكان ذلك متناولًا لكل الحسنات لكنه نكرة في محل الإثبات فلا يتناول إلَّا حسنة واحدة فلذلك اختلف المفسرون فكل واحد منهم حمل اللفظ على ما رآه أحسن أنواع الحسنة وهذا منه بناءً على أن المفرد المعرف باللام يعم وقد اختار في المحصول خلافه ثم قال فإن قيل أليس لو قيل الحسنة في الآخرة لكان متناولًا لكل الأقسام فلم ترك ذلك وذكره منكرًا فأجاب بأن قال إنه ليس للداعي أن يقول اللهم أعطني كذا وكذا مصلحة لي وموافقة لقضائك وقدرك فأعطني ذلك فلو قال اللهم أعطني الحسنة في الدنيا لكان ذلك جزمًا وقد بينا أن ذلك غير جائز فلما ذكره على سبيل التنكير كان المراد منه حسنة واحدة وهي التي توافق قضاءه وقدره فكان ذلك أقرب إلى رعاية الأدب قال العلقمي وفي كلام الإِمام نظر فقد قال تعالى
وقنا عذَابَ النَّارِ".
قال الشافعي رحمه الله: أحَبُّ ما يقال في الطواف: اللهُم رَبنا آتِنا في الدُّنْيا حَسَنَة
…
إلى آخره، قال: وأُحَبُّ أن يقال في كُلِّه،
ــ
حكاية عن زكريا (هَبْ لي مِن لِدُنكَ ذُريةً طَيِّبَةً) وقال هب لي من لدنك وليًّا وقال صلى الله عليه وسلم لخادمه أنس اللهم أكثر ماله وولده إلى غير ذلك من الأحاديث أي المشتملة على سؤال حسنة معينة والله أعلم. قوله: (وَقِنَا عَذَابَ النّارِ) أصله أوقنا فحذفت الواو تبعًا لحذفها في المضارع
وحذفها فيه لوقوعها بين حرف مضارعة مفتوح وحرف مكسور ثم الألف لأنها أتي بها ليتوصل بها إلى النطق بالساكن أعني الواو وقد حذفت والله أعلم. قال الحافظ ورد هذا الذكر مطلقًا ومقيدا بكل من الركنين وبما بين الركنين المشهور من ذلك هو الأخير وهو الذي اقتصر الشافعي على تخريجه أخرج الحافظ من طرق متعددة عن عبد الله بن السائب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيما بين ركن في جمح الركن الأسود {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} قال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث حسن أخرجه الشافعي وأحمد وأبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم ووقع في رواية القطان وغيره عند أحمد وغيره بلفظ بين الركن اليماني والحجر قال الحافظ ولم يطلع الشيخ على تخريج من صححه فقال في شرح المهذب فيه رجلان لم يتكلم العلماء فيها بجرح ولا تعديل ولكن لم يضعفه أبو داود فيكون حسنًا قلت الرجلان هما يحيى بن عبيد مولى السائب وأبوه فأما يحيى فقال النسائي ثقة وأما أبوه فذكره ابن نافع وابن مسنده وأبو نعيم ونسبوه جهنيًّا وذكره ابن حبان في ثقات التابعين ولو لم يوثقا كان تصحيح من صحح حديثهما يقتضي توثيقهما قال الحافظ وإنما لم أقلد من صححه لشدة غرابته والله المستعان وورد مطلقًا غير مقيد بذلك في خبر عن عطاء قال طاف عبد الرحمن بن عوف فأتبعه رجل ليسمع ما يقول فإنما يقول {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً} الآية فقال له الرجل تبعتك فلم أسمعك تزيد على هذه الآية قال أوليس ذلك كله الخير قال الحافظ بعد تخريجه هذا موقوف رجاله ثقات لكنه منقطع بين عطاء وعبد الرحمن فإن كان عطاء سمعه من الرجل فهو متصل وقد أخرج الحافظ هذا الحديث من
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
طريق الطبراني في الدعاء وأخرج الحافظ من طريق عبد الرزاق عن معمر قال أخبرني من أثق به عن رجل لعمر بن الخطاب هجيرا يقول حول البيت {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً} الآية وأخرجه سعيد بن منصور ومسدد في مسنده الكبير من وجه آخر موصول إلى حبيب بن صهبان بضم الصاد المهملة وسكون الهاء وبالموحدة قال رأيت عمر بن الخطاب وهو يطوف بالبيت وما له هجير إلَّا أن يقول فذكره وسنده حسن والهجيرا بكسر الهاء والجيم المشددة نجعدها مثناة تحتية ساكنة ثم راء بعدها ألف وقد تحذف وهو ملازمة كلام متتابع أو فعل وأخرجه الحافظ من طريق آخر عن حبيب بن صهبان أنه رأى عمر وهو يطوف بالبيت يقول {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} ما له هجيرا غيرها وأما قولها عند الحجر الأسود فورد موقوفًا عن ابن عمر أنه قال لما حاذى الركن اليماني لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير فلما حاذى الحجر الأسود قال {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً} الخ. فقيل له في ذلك فقال هو ذاك أثنيت على ربي وشهدت شهادة الحق وسألت من خير الدنيا وخير الآخرة قال الحافظ موقوف غريب السند في سنده راويان لم يسميا وله طرق أخرى بعضها أقوى من هذا الطريق فمنها من طريق عبد الرزاق إلى أبي شعبة البكري قال سمعت من عمر وهو يطوف بالبيت قال لا إله إلَّا الله إلى آخرها ثم قال {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً} الخ. قال الحافظ رجال هذا السند رجال الصحيح إلّا البكري فذكره أبو أحمد الحاكم في الكنى فيمن لا يعرف اسمه وأخرج حديثه هذا ووصفه في طريق بأنه من أهل البصرة ولفظه صحبت
ابن عمر في الطواف فكان إذا انتهى إلى الركن اليماني قال لا إله إلَّا الله إلى آخرها ولا يزال كذلك حتى يبلغ الحجر الأسود هذا آخرها ولم أقف في أبي شعبة على جرح ولا تعديل اهـ، وقد ذكر الرافعي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك في ابتداء الطواف قال الحافظ ولم أره مرفوعًا نعم جاء في خبر مرفوع قول ذلك بين الركن والمقام فأخرجه الحافظ عن عبد الله بن السائب فذكر مثل رواية عبد الرزاق الماضية قريبًا لكنه قال بين الركن والمقام وأخرجه ابن خزيمة ولم يسق لفظه ولكنه أحال به على عبد الرزاق اهـ، وأما قولها عند الركن اليماني فذكره في المهذب من حديث
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ابن عباس قال إن الله وكل بالركن اليماني ملكًا يقول آمين آمين فقولوا إذا انتهيتم إليه {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً} الآية قال الشيخ يعني المصنف في شرحه غريب ويغني عنه حديث عبد الله بن السائب قال الحافظ هو أخص وحديث عبد الله بن السائب مختلف في لفظه ومشهور أن قول ذلك بين الركنين، وحديث ابن عباس موقوف أخرجه الفاكهي وهو من مرسل عطاء عند الأزرقي لكن مثله لا يقال بالرأي فيقوي رفعه ثم أخرج الحافظ عن جميل بن أبي سويد قال سمعت رجلًا يسأل عطاء بن أبي رباح وهو يطوف بالبيت عن الركن اليماني فقال حدثني أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وكل به سبعون ملكًا فمن قال اللهم إني أسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدنيا والآخرة {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} قالوا آمين وقال الحافظ هذا حديث غريب وأخرجه ابن ماجة وذكر الحافظ ما يقتضي ضعف سند الحديث ونقل كلام المنذري وتوجيهه الآتيين في كلام مثير شوق الأنام وأخرج الحافظ عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استلم الركن اليماني قبله ووضع خده عليه قال ابن عباس عند الركن اليماني ملك منذ خلق الله السموات والأرض إلى يوم القيامة بقول آمين آمين فقولوا أنتم {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} وقال الحافظ هذا حديث غريب أخرجه ابن مردويه في التفسير وفي سنده عبد الله بن مسلم بن هرمز وهو ضعيف عندهم اهـ. قال جدي في مثير شوق الأنام بعد إيراد حديث ابن عباس مرفوعًا صريحًا رواه الخطيب في التاريخ والبيهقي وابن الجوزي وأخرجه من حديثه أبو ذر كذلك لكن في أوله اللهم آتنا والباقي نحوه وأورد قبل ذلك أحاديث في بعضها إن عند الركن ملكين وفي بعضها إن عنده سبعين ملكًا رواه ابن ماجة بسند ضعيف وأما قول المنذري حسنة بعض مشايخنا فلعله تسامح فيه لكونه من الفضائل ولأن له شاهدًا من حديث ابن عباس ومن حديث علي أخرجه الفاكهي ثم قال ولا تضاد بين هذه الأحاديث فإن حديث إن ثم ملكين عام لكل دعاء وحديث السبعين خاص لمن دعا بقوله اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
حَسَنَةً} الخ، وحديث الملك لمن يقول ربنا آتنا ورواية الخطيب تفسير لرواية أبي ذر فتقديرها ملك يقول آمين إذا قلتم ربنا آتنا الخ، وهو المناسب لأن التأمين إنما يكون على دعاء، فالظاهر أن من أتى بدعاء أبي هريرة أي اللهم اني أسألك العفو الخ. أمنت عليه جميع الملائكة لأنه حصل كل الوظائف، ويحتمل أن يختص كل بما ورد فيه، وجمع ابن جماعة بأن السبعين الموكلين به لم يكلفوا قول آمين دائمًا إنما يؤمنون عند سماع الدعاء والملكان كلفا أن يقولا آمين دائمًا وملك في الرواية الأخيرة محمول على الجنس اهـ. وذكر المحب الطبري جمعًا قريبًا من جمع ابن جماعة.
خاتمة
سكت المصنف عن باقي أذكار الطواف: منها ما يقال عند الباب اللهم إن البيت بيتك، والحرم حرمك، والأمن أمنك، وهذا مقام العائذ بك من النار وهذا أورده الجويني. وما يقال عند الركن العراقي وهو: اللهم إني أعوذ بك من الشك والشرك والشقاق والنفاق وسوء الأخلاق وسوء المنظر في المال والأهل والولد وعند الانتهاء إلى تحت الميزاب: اللهم أظلني تحت ظل عرشك يوم لا ظل إلّا ظلك واسقني بكأس محمد صلى الله عليه وسلم شرابًا هنيئًا لا أظمأ بعده يا ذا الجلال والإكرام وما يقال بين الشامي واليماني. أي اللهم اجعله حجًّا مبرورًا وسعيًا مشكورًا وذنبًا مغفورًا وعملًا مقبولًا وتجارة لن تبور يا عزيز يا غفور، وحذفها المصنف هنا وفي الروضة وايضاح المناسك لقول إمام الحرمين لم أرها ذكرًا ومن ثم صوب عدم استحبابها، ونقل الرافعي عن الشيخ أبي محمد الجويني أنه يشير عند قوله وهذا مقام العائذ بك من النار إلى مقام إبراهيم عليه السلام وأقره لكن نقل الأذرعي عن غيره أنه يشير إلى نفسه واستحسنه بل قال ابن الصلاح أن الأول غلط فاحش اهـ، وفيه نظر لأنه إذا استحضر استعاذة خليل الله تعالى حمله ذلك على غاية من الخوف والإجلال والسكينة والوقار وذلك هو المطلوب في هذا المقام فكان أبلغ وأولى وأيضًا فتخصيص هذا الدعاء بمقام يدل على أنه يشير إليه وأخرج الأزرقي ما يقال عند الميزاب من حديث جعفر بن محمد عن أبيه بلفظ اللهم إني أسألك الراحة عند الموت والعفو عند الحساب، وفي بعض الأخبار إسناده
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وأخرج البيهقي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو بما يقال عند العراقي، وهو اللهم إني أعوذ بك من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق لكن لم يقيده بحالة الطواف قال الحافظ وذكر العراقي فيما يقال عند الركن العراقي اللهم إني أعوذ بك من الشرك والشك والنفاق وسوء الأخلاق ولم أجد له مستندا لكن ذكر عبد الملك بن حبيب من كبار المالكية ممن أخذ عن أصحاب مالك في المناسك من مصنفه بسنده عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه وكان من ثقات التابعين أنه كان يقول نحو ذلك في الطواف وزاد في آخره وكل أمر لا يطاف، وعبد الرحمن ضعيف، ولهذا الحديث شاهد صحيح عن أبي هريرة لكنه غير مقيد بالطواف وسيأتي في جامع الدعوات من هذا الكتاب ولفظه أعوذ بك من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق، وجاء نحو هذا عن أنس في حديث طويل، ولفظه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اللهم إني أعوذ بك من الفسوق والشقاق والنفاق الحديث هذا حديث صحيح غريب أخرجه الحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه اهـ، ومن المأثور ما في المستدرك بسند صحيح عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول بين الركنين وقال ابن حجر في حاشية الإيضاح بين اليمانين اللهم قنعني بما رزقتني وبارك لي فيه واخلف على كل غائبة لي منك بخير وصح عن ابن عباس إنه كان يدعو به بين اليمانين ويرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفي رواية الأزرقي احفظني في كل غائبة لي بخير انك على كل شيء قدير قيل رواية الحاكم ليس فيها التقييد بزمان ولا مكان ويرد بأن الأئمة نقلوا عنها التقييد ببين اليمانين كما تقرر، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ.
قلت ولعل ذلك في بعض النسخ دون بعض وبه يرتفع التعارض والنقض وحديث ابن عباس
المذكور أخرجه الحافظ عنه أنه كان يقول احفظوا هذا الحديث وكان يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو به بين الركنين يقول: اللهم قنعني بما رزقتني وبارك لي فيه واختلف على كل غائبة لي بخير، وقال عقب تخريجه هذا حديث غريب أخرجه الحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه لأنهما لم يحتجا بسعيد بن زيد قال الحافظ قلت هو أخو حماد بن زيد وهو صدوق وقال أبو داود ليس بذلك ووثقه قوم لصدقه وضعفه قوم من جهة ضبطه وأخرج له مسلم متابعة والبخاري تعليقًا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ومقرونًا وهو ممن اختلط وسماع سعيد منه متأخر لكنه لم ينفرد به فقد أخرجه سعيد بن منصور عن خلف بن خليفة وخالد بن عبد الله كلاهما عن عطاء أي وهو شيخ سعيد بن زيد فيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس موقوفًا عليه وهما أحفظ من سعيد يرفعه من هذا الوجه، وقد تابعه على رفعه من هو أوثق منه لكن زاد في السند رجلًا وأطلق في المتن ثم أخرجه الحافظ من طريق عن عمرو بن أبي قيس عن عطاء بن السائب عن يحيى بن عمارة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم اللهم قنعني بما رزقتني فذكر باقيه سواء قال الحافظ هذا حديث حسن وعمرو قديم السماع من عطاء ويحيى بن عمارة أخرج له أحمد والترمذي والنسائي حديث غير هذا، وأخرج الحاكم أنه صلى الله عليه وسلم قال "ما انتهيت إلى الركن اليماني قط إلّا وجدت جبريل عنده فقال قل يا محمد قلت وما أقول؟ قال قل: اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفاقة ومواقف الخزي في الدنيا والآخرة، ثم قال جبريل إن بينهما سبعون ألف ملك فإذا قال العبد هذا قالوا آمين" وقوله سبعون كذا رأيته فإن صح فهو على حذف ضمير الشأن أو على إلغاء إن ونظيره حديث أن في أمتي ملهمون. وأخرج الأزرقي عن علي كرم الله وجهه أنه كان إذا مر باليماني قال باسم الله والله أكبر السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ورحمة الله وبركاته: اللهم إني أعوذ بك من الكفر والذل ومواقف الخزي في الدنيا والآخرة {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً} الخ، وعن ابن المسيب بإسناد ضعيف أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا مر به قال كذلك زاد ابن خليل المالكي فقال رجل يا رسول الله أقول هذا وإن كنت مسرعًا قال نعم وإن كنت لأسرع من برق الخلب، والخلب سحاب لا مطر فيه. وروى ابن ماجة وابن عدي والفاكهي عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من طاف بالبيت سبعًا لا يتكلم فيه إلَّا سبحان الله والحمد الله ولا إله إلّا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلَّا بالله محيت عنه عشرة سيئات وكتبت له عشر حسنات ورفعت له عشر درجات" وأخرج الحافظ عن محمد بن المنكدر عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من طاف بالبيت سبعًا يذكر الله فيه كان كعدل رقبة" وزاد في رواية يعتقها وفيها بدل يذكر الله لا يلغو
ويستحب أن يدعوَ فيما بين طوافه بما أحب من دين ودنيا، ولو دعا واحد وأمَّن جماعةٌ فحسن. وحكي عن الحسن رحمه الله
ــ
فيه. قال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث حسن أخرجه الطبراني وابن شاهين في معجم الصحابة ونقل عن أبي بكر بن أبي داود قال لا يصح سماع المنكدر من النبي صلى الله عليه وسلم وذكر أبو عمر في الاستيعاب أنه ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولهذا الحديث شاهد عن عبد الله بن عمرو بن العاص من طاف بالبيت سبع طوفات لا يتكلم إلَّا بذكر الله كان كعدل رقبة أخرجه سعيد بن منصور وأصله عند الترمذي وابن ماجة من حديث ابن عمر لكنه غير مقيد بالذكر وأخرج الحافظ عن أبي سعيد الخدري قال من طاف بهذا البيت سبعًا لا يتكلم فيه إلّا بتكبير أو تهليل كان كعدل رقبة قال الحافظ بعد تخريجه هذا موقوف رجاله ثقات لكن في سماع محمد بن يحيى بن حبان
ابن منقذ من أبي سعيد نظر وأخرج الحافظ أن خديجة رضي الله عنها قالت يا رسول الله ما أقول وأنا أطوف قال قولي اللهم اغفر لي ذنوبي وخطئي وعمدي وإسرافي في أمري إنك إلا تغفر لي تهلكني قال الحافظ سنده معضل في سنده عبد الأعلى التيمي ذكره البخاري ولم يذكر له شيخًا ولا وصفًا وذكره ابن حبان في أتباع التابعين وأخرج الحافظ عن عبد الرزاق بن عبد الأعلى عن معمر عمن سمع الحسن أنه كان يقول إذا استلم الركن اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر ومواقف الذل وأخرجه الفاكهي من مرسل عطاء قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مر بالركن اليماني فذكر مثله لكن قال والذل ومواقف الخزي في الدنيا والآخرة وأخرجه الأزرقي بسند منقطع عن علي من قوله وهذه طرق يشد بعضها بعضًا اهـ. قيل ولم يصح في هذه الأحاديث المرفوعة إلَّا {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً} الخ، واللهم قنعني الخ. قال الحافظ الذكر المأثور يعني في الطواف يشمل المرفوع وكذا الموقوف على الصحابة والتابعين ومجموع ما جاء من ذلك قويًا وغيره لا يسعه جميع الأسبوع فهل الأولى أن يكرره أو يقرأ إلَّا شبه الأول وهو مقتضى صنيع عمر حيث كان هجيراه في طوافه ربنا آتنا الخ. أخرجه سعيد بن منصور وغيره اهـ. قوله:(ويُستحَبُّ أَنْ يدْعوَ في طَوافه بما أَحَبَّ) محل الاستحباب إن كان الدعاء بديني فإن بدنيوي فمباح. قوله: (وحُكيَ عن الحَسَنِ البصري الخ)
أن الدعاء يستجاب هنالك في خمسة عشر موضعا:
ــ
ينبغي تحري هذه المواضع للدعاء رعاية لما ذكره لأنه تابعي جليل لا يقوله إلا عن توقيف وإن قلنا إن مثل هذا لا يعتد به إلَّا إذا قاله صحابي دون غيره قاله ابن حجر في حواشي الإيضاح وقد ذكر جدي في مثير شوق الأنام نقلًا عن والده المحدث الرحلة أبي الوقت عبد الملك بن علي بن مبارك شاه الصديقي في كتابه "الحبل المتين في الأذكار والأدعية الواردة عن سيد المرسلين" أن الحسن البصري رفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسيأتي في نظم شيخنا مثله ويحتمل أن يكون شيخنا أخذه من ذلك أو غيره. قوله: (إن الدُّعاءَ يُستجابُ. في خمسَةَ عشَرَ موْضِعًا الخ) وقد كنت نظمتها وزدت عليها مواضع أخرى فقلت:
الحمد لله وصلى الله
…
على نبيه الذي اجتباه
محمد والآل والصحابه
…
وهذه مواضع الإجابه
وذلك الحجر الطواف والصفا
…
والمروة المسعى لدى من عرفا
ملتزم والمستجار ومنى
…
وعرفات ثم جمع فاتقنا
كذا لدى الثلاث من جمرات
…
وزمزم أتى عن الثقات
خلف المقام وبوسط الكعبه
…
وغير ذا مواضع بمكه
مثل حرا ومسجد التنعيم
…
والمجتبى ومولد الكريم
ومهبط الوحي وعند المتكا
…
وغار ثور فادع تعطى سؤلكا
وغيرها مواضع مأثوره
…
وهي لدى أربابها مشهوره
ونظمها شيخنا العلامة العمدة الفهامة عبد الملك العصامي على وفق ما قال الحسن لكن قيد كل موضع بزمن تبعًا للنقاش المفسر فقال:
قد ذكر النقاش في المناسك
…
وهو لعمري عمدة للناسك
إن الدعا بخمسة وعشره
…
في مكة يقبل ممن ذكره
وهي المطاف مطلقًا والملتزم
…
بنصف ليل فهو شرط ملتزم
وداخل البيت بوقت العصر
…
بين يدي جزعته فاستقر
وتحت ميزاب له وقت السحر
…
وهكذا خلف المقام المفتخر
في الطواف، وعند الملتزم، وتحت الميزاب، وفي البيت، وعند زمزم، وعلى الصفا والمروة،
ــ
وعند بئر زمزم شرب الفحول
…
إذا دنت شمس النهار للأفول
ثم الصفا ومروة والمسعى
…
بنصف ليل فهو شرط يرعى
كذا منى في ليلة لبدر إذا
…
تنصف الليل فخذ ما يحتذا
ثم لدى الجمار والمزدلفه
…
عند طلوع الشمس يوم عرفه
بموقف عند مغيب الشمس
…
قل ثم لدى السدرة ظهرا وكمل
وقد روي هذا الذي قد قرأ
…
من غير تقييد بما قد مرا
بحر العلوم الحسن البصري عن
…
خير الورى وصفا وذاتًا وسنن
صلى عليه الله ثم سلما
…
وآله والصحب ما غيث هما
قوله: (في الطوَافِ) قلت هو والمعطوفات عليه بدل مما قبله بإعادة العامل والمراد في محل الطواف أي المحل المعهود له في زمنه صلى الله عليه وسلم وإلَّا فجميع المسجد يجوز فيه الطواف عندنا وكلما قرب إلى البيت كان أفضل لكن بشرط ألا يكون بدنه في شيء من الشاذروان ثم هل المراد دعاء الطواف المأثور فيه أو أي دعاء كان الثاني أظهر والله أعلم. قوله: (وعِندَ المُلتَزَم) أي ما بين الركن والباب المسمى بالحطيم وذكره بعد ما قبله من عطف الخاص على العام للاهتمام ومن دعائه يا واحد يا ماجد لا تزل عني نعمة أنعمت بها على. قوله: (وتحْت المِيزَابِ) الظاهر من لفظة تحت أن ذلك في داخل الحجر ويحتمل أن يراد ما يحاذيه ولو من الطواف وقد صرح الكازروني في مناسكه بأن ما يحاذي محل الميزاب من خارج الحجر من محال استجابة الدعاء. قوله: (وفي البَيْتِ) أي داخله ويقول حينئذٍ يا رب البيت العتيق أعتق رقابنا ورقاب آبائنا وأمهاتنا من النار اللهم كما أدخلتني بيتك فأدخلني جنتك اللهم يا خفي الألطاف آمنا مما نخاف، وستة أذرع أو نحوها من الحجر من البيت كما جاء ذلك في الحديث المرفوع عن عائشة وغيرها. قوله:(وعِندَ زَمزَم) أي عند قرب بئرها أو مع
شرب مائها والأول أقرب لأنه في تعداد الأماكن وإن كان ماؤها لما شرب له. قوله: (وعَلَى الصَّفا والمَرْوةِ) يحتمل نظير ما تقدم في الطواف أن يكون
وفي المسعى، وخلف المقام، وفي عرفات، وفي
المزدلفة، وفي منى، وعند الجمرات الثلاث، فمحروم من لا يجتهد في الدعاء فيها. ومذهب الشافعي وجماهير أصحابه أنه يستحب قراءة القرآن في الطواف لأنه موضع ذكْر. وأفضل الذكْر قراءة القرآن.
ــ
بالدعاء المأثور فيهما ويحتمل أن يراد أعم من ذلك وهل يختص ذلك بحال مباشرة السعي أو يعمها وغيرها من مطلق الوقوف فيهما قال في الحرز والأول مجزوم به وغيره في محل الاحتمال والله الكريم ذو الفضل العظيم وفي كون الإجابة مجزومًا بها فيهما في السعي وفيهما في غيره احتمال فيه نظر وظاهر الأثر استواؤهما لأن الفضيلة للمحل لا لخصوص ذلك العمل والله أعلم، وقد تكلمت على تحقيق لفظي الصفا والمروة وما يتعلق بهما في أول كتابي "درر القلائد فيما يتعلق بزمزم والسقاية من الفوائد". قوله:(وفي المَسْعَى) أي ما بين المروة والصفا. قوله: (وخلْفَ المَقَام) أي ما يقال إنه خلف عرفا وينبغي أن يدعو فيه بدعاء آدم على ما ورد به الحديث الشريف اللهم إنك تعلم سري وعلانيتي فأقبل معذرتي وتعلم سؤلي فأعطني حاجتي وتعلم ما في نفسي فاغفر لي ذنوبي اللهم إني أسألك إيمانا يباشر قلبي ويقينا صادقًا حتى أعلم أنه لا يصيبني إلَّا ما كتبت لي ورضني بما قسمت لي. قوله: (وفي عرَفاتٍ) أي في يوم عرفة في حالة تلبسه بالإحرام. قوله: (وفي المُزدَلِفة) أي من غروب الشمس إلى طلوع الفجر من ليلة النحر. قوله: (وفي مِنًى) بالقصر وفي نسخة بالتنوين فتكتب بالألف وظاهر كلامه أن جملة مني محل إجابة الدعاء لأنها منازل الحاج ودعوتهم مستجابة لا سيما في أثناء العبادة ووقع عند المحب الطبري وفي منى عند الجمرات الثلاث بحذف الواو من عند فاعترض بأنه قال إنها خمسة عشر وهي في العدد أربعة عشر ولعل الخامس عشر سقط من بعض الكتاب ولعله التنعيم أو المستجار أو غيرهما. قوله: (وعِندَ الْجَمَراتِ الثلاث) في المغرب للمطرزي الجمرات هي الصغار من الأحجار بها سميت المواضع التي ترمى جمارًا لما بينهما من الملابسة اهـ، والظاهر تقييدها بأوقاتها ثم استشكل أن الجمرة الأخيرة أي جمرة العقبة لا يستحب الوقوف عندها للدعاء فكيف تعد من مواضع الإجابة وأجيب بأجوبة من أحسنها أن الدعاء لا يتوقف على
واختار أبو عبد الله الحليمي من كبار أصحاب الشافعي أنه لا يستحب قراءة القرآن فيه، والصحيح هو الأول. قال أصحابنا: والقراءة أفضل من الدعوات غير المأثورة،
ــ
وقوف بل يمكن حال رجوعه منها وهو سائر فيها بدعاء جامع فيكون مقبولًا والله أعلم. قوله: (واختْارَ أَبُو عبد الله الحُلَيمي الخ) قال الحافظ حجة الحليمي ذكرها في الشعب ونقل عن سفيان بن عيينة أنه سئل عن القراءة في الطواف فقال سبح الله واذكره فإذا فرغت فاقرأ ما شئت قال الحليمي لو كانت القراءة أفضل من الذكر لما عدل النبي صلى الله عليه وسلم عنها ولو فعل لنقل كما نقل الذكر قال والأصل إن كل حال من أحوال الصلاة لا يشرع فيه التوجه إلى القبلة لا قراءة فيه كالركوع والسجود اهـ. واختار الأذرعي ما قال الحليمي وقال الأحاديث والآثار تشهد له اهـ. قال الحافظ والمسألة مختلف فيها بين السلف قد عقد لها ابن أبي شيبة بابًا وكذا سعيد بن منصور وكذا فيه عن ابن عمر إنه زجر عن القراءة في الطواف بالقول والفعل وعن عطاء والحسن قالا هي بدعة ونحو عن جماعة نحوه وعن بعضهم الجواز والله أعلم. قوله: (والقراءةُ أَفْضَلُ من الدَّعَوَاتِ غير المأثورَةِ)
المراد بالمأثورة كما سبق ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم -أو عن أحد من الصحابة وبحث بعضهم في اشتراط صحة سنده وفيه نظر فقد نصوا على استحباب أذكار وردت من طرق ضعيفة وكأنهم نظروا إلى أن فضائل الأعمال يعمل فيها بالأحاديث الضعيفة قال في المجموع اتفاقًا. هذا، وتفضيل ما ورد عن الصحابة على القراءة وفي الطواف مشكل لأن القاعدة أنها أفضل من سائر الأذكار إلَّا التي وردت عنه صلى الله عليه وسلم في مجالس مخصوصة وأن ما ورد عن صحابي مما للرأي فيه مدخل لا يكون له حكم المرفوع ولا يحتج به عندنا وهذه الأدعية الواردة عنهم كذلك فكيف تفضل القراءة فالذي ينبغي تفضيل القراءة على كل ما لم يرد عنه وكأن عذر الأصحاب في ذلك إن القراءة لما كثر الاختلاف فيها في الطواف وقال كثيرون بكراهتها ضعف
وأما المأثورة فهي أفضل من القراءة على الصحيح. وقيل: القراءة أفضل منها.
قال الشيخ أبو محمد الجويني رحمه الله: يستحب أن يقرأ في أيام الموسم ختمة في طوافه فيعظُم أجرها، والله أعلم.
ويستحب إذا فرغ من الطواف ومن صلاة ركعتي الطواف أن يدعوَ بما أحب،
ــ
أمرها في هذا المحل بخصوصه فقدموا غيرها عليها واختار ابن جماعة وغيره خلاف ما ذهب إليه الأصحاب وخالفهم فقال تفضيل الدعاء المسنون مسلم لكن لم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم كما قال ابن المنذر دعاء مسنون إلّا ربنا اتنا الخ، بين اليمانيين وهو قرآن فيكون أفضل ما يقال بينهما ويكون هو وغيره من القرآن أفضل في باقي الطواف إلَّا التكبير عند استلام الحجر اهـ، ويؤيده قول الزركشي إن ظاهر نص الشافعي إن القراءة هنا أفضل مطلقًا واختاره ابن المنذر لكن حصره السابق ممنوع بما مر عن المستدرك وغيره ولا ينافي خبر مسلم وغيره أحب الكلام إلى الله سبحان الله والحمد الله ولا إله إلَّا الله والله أكبر لا يضرك بأيهن بدأت لما سبق إنه محمول على كلام الآدميين أو لأن مفرداتها في القرآن كذا في منح الفتاح. قوله:(وأَمَّا المأْثورةُ فهيَ أَفْضلُ منَ القرَاءَةِ) المراد من التفضيل إن الاشتغال بالأدعية المأثورة أفضل من الاشتغال به لكونه أثر في خصوص هذا المكان وإلَّا فذات القرآن أفضل قطعًا مطلقًا قال ابن عبد السلام في القواعد لا يشغل عن معنى ذكر من الأذكار بمعنى غيره من الأذكار وإن كان أفضل منه لأنه سوء أدب ولكل مقام مقال يليق به ولا يتعداه اهـ، ونقل القمولي في الجواهر الإجماع على أن نحو آية الكرسي مما اشتمل، على الثناء على الله تعالى وذكر صفاته هنا أفضل من سائر الأدعية هنا مطلقًا قال ابن الحجر الهيتمي وهو واضح فيما لم يصح سنده. قوله:(قَال الشيخُ أَبُو مُحمدٍ الْجُوَيْنيّ الخ) اعترض بأنه لا سند له في ذلك ويرد بأن الشيخ إنما قصد بذلك التحريض على هذا الخير الكثير فإن في ختم القرآن بمكة فضلًا عن الطواف سيما في شهر الحجة ومع اشتغاله بأسباب الحج ومتاعبه ومتاعب السفر من الخير والثواب ما يعجز الإنسان عن حصره فكان في قول الشيخ ويستحب الخ. من الدلالة على هذا
ومن الدعاء المنقول فيه: اللهُم أنا عَبْدُكَ وَابنُ عَبْدِكَ أتَيْتُكَ بِذُنُوبٍ كَثِيرَةٍ وأعمالٍ سَيِّئَةٍ وَهَذَا مَقامُ العائِذِ بِكَ مِنَ النَّارِ فاغْفِرْ لي إنَّكَ أنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
ــ
الخير العظيم تنبيه للناس على الاعتناء بذلك والحرص عليه فالاعتراض عليه بما ذكر لي في محله ومن ثم أقره المصنف وغيره عليه ثم رأيت ابن الجوزي قال قال إبراهيم النخعي كان يعجبهم إذا قدموا مكة ألا يخرجوا حتى يختموا القرآن وفيه تأييد لكلام الشيخ والله أعلم. قوله: (ومنَ الدُّعاءِ المَنقولِ فيهِ الخ) أورده
المصنف في شرح المهذب مطولًا ونقل عن صاحب الحاوي أنه قال يستحب أن يدعو بما روي عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف وصلى خلف المقام ركعتين ثم قال اللهم هذا بلدك وبيتك الحرام والمسجد الحرام وأنا عبدك وابن عبدك وابن أمتك أتيتك بذنوب كثيرة وخطايا جمة وأعمال سيئة وهذا مقام العائذ بك من النار فاغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم اللهم انك دعوت عبادك إلى بيتك وقد جئت طالبا رحمتك ومبتغيًا رضوانك وأنت مننت عليّ بذلك فاغفر لي انك على كل شيء قدير قال الحافظ ولم أظفر بسنده إلى الآن والله المستعان قال الحافظ ثم وجدت الدعاء المذكور في كتاب المناسك لإبراهيم بن إسحاق الحربي ثم ساق الحافظ سنده في الكتاب المذكور وقال فذكر ما في الكتاب من أثر مسند وذكر أن هذا الدعاء سبق سنده وزاد في آخره اللهم إنك ترى مكاني وتسمع دعائي وندائي ولا يخفى عليك شيء من أمري هذا مقام العائذ البائس الفقير المستغيث المقر بخطيئته المعترف بذنبه التائب إلى ربه فلا تقطع رجائي ولا تخيب أملي يا أرحم الراحمين.
فائدة
أخرج ابن الجوزي كالأزرقي خبر أن آدم لما هبط طاف بالبيت سبعًا وصلى خلف المقام ركعتين ثم قال اللهم إنك تعلم سري وعلانيتي فأقبل معذرتي وتعلم حاجتي فأعطني سؤلي وتعلم ما عندي فاغفر لي ذنوبي اللهم إني أسألك إيمانًا يباشر قلبي ويقينًا صادقًا حتى أعلم أنه لا يصيبني إلا ما كتبت لي والرضا بما قضيت علي فأوحى الله إليه قد دعوتني دعاء استجبت لك به ولن يدعوني به أحد من ذريتك من بعدك إلَّا استجبت له وغفرت ذنوبه