الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب جوز إعلام أصحاب الميت وقرابته بموته وكراهة النعي
ــ
صلى الله عليه وسلم "على أنقاب المدينة ملائكة لَا يدخلها الطاعون ولا الدجال"، وفي البخاري عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "المدينة يأتيها الدجال فيجد الملائكة فلا يدخلها، ولا يدخلها الطاعون إن شاء الله".
قال بعضهم هذه معجزة له صلى الله عليه وسلم لأن الأطباء عن آخرهم عجزوا عن رفع الطاعون عن بلد بل عن قرية، وقد امتنع الطاعون من المدينة بدعائه وخبره هذه المدة المتطاولة ولا منافاة بين رفعه وبين كونه شهادة ورحمة لأنه وإن كان كذلك إلَّا إنه لما كان فاشيًا عن طعن الجن ناسب تطهير المدينة منه لتنزيهها عن دخول كفار الجن وشياطينهم إليها على أن سبب الرحمة لم ينحصر في الطاعون، وقد قال صلى الله عليه وسلم ولكن عافيتك أوسع لي.
قال ابن أبي حجلة مشيرًا إلى ذلك:
مدينة شاعت أحاديث فضلها
…
وصارت بها الركبان في كل بلدة
فما روع الدجال ساكن أرضها
…
ولا مات بالطاعون فيها بكبة
وجزم ابن قتيبة في المعارف بأن مكة مشاركة للمدينة في ذلك فلم يدخلها الطاعون ونقله جماعة من العلماء وأقروه آخرهم المصنف هنا لكنه دخلها في الطاعون العام سنة تسع وأربعين وسبعمائة قال الحافظ ابن حجر فإن ثبت فلعله لما انتهك من حرمتها بسكنى الكفار فيها قال الجلال السيوطي ويدل للمشاركة ما أخرجه أحمد بسند جيد عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ومكة محفوفتان بالملائكة على كل ثقب منها ملك لا يدخلها الدجال ولا الطاعون اهـ. قال جدي الشيخ علان الصديقي البكري سبي آل الحسن رحمه الله تعالى في كتابه مثير شوق الأنام وقوله فإن ثبت يدل على عدم ثبوته ففي شفاء الغرام أن في سنة تسع وأربعين وسبعمائة كان الوباء الكثير بمكة ويفهم من كلام ابن حجر في خاتمة كتابه الموضوع في الطاعون أن عده فيما ذكر قول بعض من وصف عظيم شأنه والظاهر إن هذا الوصف تجوز وأطلق الطاعون على الوباء لوقوع كثرة الموت بكل منهما وصاحب شفاء الغرام مؤرخ محقق أدرى بشأن الواقعات من غيره والوباء غير
ممتنع إنما الممتنع الطاعون الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم إنه وخز أعدائكم من الجن اهـ، وهو من الحسن بمكان اهـ، والله أعلم.
باب جواز إعلام أصحاب الميت وقرابته بموته للصلاة عليه ونحوها
روينا في كتاب الترمذي، وابن ماجه، عن حذيفة رضي الله عنه قال: إذا مِتُّ فلا تُؤذنوا بي أحدًا، إني أخاف أن يكون نعيًا، فإني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن النَّعي. قال الترمذي: حديث حسن.
وروينا في كتاب الترمذي، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إيَّاكُمْ وَالنَّعْيَ، فإن النَّعْيَ مِنْ عَمَلِ الجاهِلِيةِ". وفي رواية عن عبد الله ولم يرفعه. قال الترمذي: هذا أصح من المرفوع، وضعف الترمذي الروايتين.
ــ
والنعي بالنداء عليه بذكر مآثره والأول جائز لحديث النجاشي وغيره والأخير منهي عنه قال الجوهري النعي خبر الموت يقال نعاه ينعاه نعيا ونعيا بفتح النون وضمها وسكون العين ونعيا بفتح النون وكسر العين وتشديد التحتية ويطلق أيضًا على الناعي وهو الذي يأتي بخبر الميت وقال الهروي بسكون عين الفعل وبكسرها الميت ويجمع على نعايا كصفي وصفايا قوله: (إِذَا مِتُّ) يصح في فائه الكسر والضم وعلى الأول فيتعين كونه مبنيًّا للمجهول وعلى الثاني يحتمل أن يكون مبنيًّا للمجهول وجاء من باب بوع وأن يكون مبنيًّا للفاعل فإن القاعدة أن الفعل الأجوف إذا كانت عينه منقلبة عن واو وكان من فعل بفتح العين نقل منه إلى فعل بضمها ثم ينقل ضمة العين للفاء ثم تحذف العين لالتقاء الساكنين. قوله: (لَا تُؤذِنوا) من الإيذان وهو الإعلام. قوله: (فإِني أَخافُ أَنْ يكونَ نَعْيًا) وهذا مما يصلح مستندًا للقول لسد الذرائع. قوله: (إِياكُمْ والنَّعْيَ) هو بالنصب على التحذير وهو تنبيه المخاطب على محذور ليحترز منه كما قيل إياك والأسد وقوله إياكم مفعول بفعل مضمر وجوبًا تقديره اتقوا وتقدير الكلام اتقوا أنفسكم أن تنعوا. قوله: (وضَعفَّ الترمِذِيُّ الروايتَيْنِ) أي المرفوعة والموقوفة قال الحافظ مخرج الروايتين واحد فإن مدارها على أبي حمزة الأعور واسمه ميمون عن إبراهيم النخعي عن علقة عن ابن مسعود وأبي حمزة ضعيف عندهم والرواية المرفوعة عند الترمذي عن محمد بن حميد الرازي وهو من الحفاظ لكنهم ضعفوه والرواية الموقوفة من طريق سفيان الثوري عن أبي حمزة وقد رواه عبد الرزاق عن الثوري فوقفه على علقمة وكذا أخرجه مسدد في مسنده عن هشيم عن حصين بن عبد الرحمن عن إبراهيم وحصين من رجال الصحيح.
وروينا في "الصحيحين" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي إلى أصحابه.
ــ
قوله: (وَرَوَيْنَا في الصَحيحيْن الخ) روياه من حديث أبي هريرة وأخرجه أيضًا مالك وأحمد
وأصحاب السنن الأربعة وابن الجارود وابن خزيمة وابن حبان والإسماعيلي وأبو عوانة والدارقطني والبرقاني وأبو نعيم والبيهقي والبغوي وغيرهم كذا في شرح العمدة للقلقشندي وقال شيخه الحافظ ابن حجر والمذكرر هنا طرف الحديث وهو عن أبي هريرة إن النبي صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه وخرج بهم إلى المصلى فصف بهم وكبر أربعًا قال الحافظ بعد تخريجه الحديث هذا حديث أخرجه البخاري وعند مسلم نعى لنا وعند البخاري من طريق آخر نعى النبي صلى الله عليه وسلم النجاشي لأصحابه. قوله: (نَعَى النَّجَاشِيُّ) هو بفتح النون واختار ثعلب كسرها ومشى عليه ابن دحية وابن السيد وتخفيف الجيم والشين المعجمة آخره تحتية فيها التخفيف والتشديد وقال صاحب مجمع البحرين التخفيف أعلى وأفصح وهو ملك الحبشة وورد في بعض طرق الحديث في الصحيحين النجاشي صاحب الحبشة والمشهور إن اسمه أصحمة بفتح وسكون المهملة ثم حاء مهملة مفتوحة وسمي كذلك في بعض طرق حديث جابر في الصحيحين وقيل أصمحة بتقديم الميم على الحاء حكاه الرافعي في شرح المسند وقيل حاؤه معجمة وكذا ينطق به الحبشة وحكاه الإسماعيلي وقال هو غلط وقيل صحمة بفتح الصاد وسكون الحاء وفتح المهملتين من غير همز حكاه عياض وقيل صمحة بتقديم الميم على الحاء قاله ابن أبي شيبة في مسنده نقلًا عن شيخه يزيد بن هارون وضعفه وقال المصنف إنه شاذ وكذا ما قبله وقيل أصحبة بالموحدة بل الميم ونقل الحاكم في المستدرك عن ابن إسحاق إن اسمه بصحمة بموحدة في أوله بدل الهمزة والذي حكاه الفاضي عياض وغيره عنه إن أصحمة ومعناه بالعربية عطية واسم أبيه بحري بفتح الموحدة وسكون الحاء وكسر الراء المهملتين وتشديد التحتية آخر الحروف وذكر مقاتل في نوادر التفسير أن اسم النجاشي مكحول بن صصه بصادين مهملتين وهو من سادات التابعين أسلم ولم يهاجر وعده ابن منده من الصحابة توسعا وذكره العسكري في كتاب الصحابة فيمن وجد في أيام النبي صلى الله عليه وسلم ولم يرو عنه شيئًا يقال إنه أول ملك أسلم وهاجر المسلمون إليه إلى الحبشة مرتين وهو يحسن إليهم ويتغالى في إكرامهم وفي تعظيم
وروينا في "الصحيحين" أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في ميت دفنوه بالليل
ــ
النبي صلى الله عليه وسلم أرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري بكتابين أحدهما يدعوه فيه إلى الإسلام والثاني يطلب منه تزويجه بأم حبيبة بنت أبي سفيان أخت معاوية وكانت مهاجرة عنده فأخذ كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعه على عينيه ونزل عن سريره وجلس على الأرض وأسلم وحسن إسلامه وكتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم جواب كتابه وزوجه أم حبيبة وأصدقها عنه من ماله أربعمائة دينار وقال لو كنت أستطيع أن آتيه لأتيته وقيل إن الذي كتب إليه صلى الله عليه وسلم نجاشي آخر وأسلم على يده عمرو بن العاص قبل أن يهاجر ويصحب النبي صلى الله عليه وسلم فكان يلغز به ويقال صحابي كثير الحديث أسلم على يد تابعي ومات النجاشي في رجب سنة تسع بالحبشة وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بموته وقال مات اليوم رجل صالح وصلى عليه، وكان بينهما مسيرة شهر وصلى عليه وهو والصحابة ويلغز بهذا أيضًا فيقال تابعي صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وفي أبي داود عن عائشة لما مات النجاشي كانوا يتحدثون أنهم لا يزالون يرون النور على قبره رحمه الله.
فائدة
ذكر المحب الطبري في أحكامه إن النجاشي مأخوذ من النجش وهو الآثارة، وقيل لمن يزيد
في السلعة ناجش ونجاش، والنجاشي لقب لكل من ملك الحبش، ويقال لكل من ملك على المسلمين أمير المؤمنين ولمن ملك على الروم قيصر ولملك الترك خاقان ولملك الفرس كسرى ولملك مصر العزيز والمقوقس ولملك القبط فرعون ولملك اليمن تبع ولملك حمير القيل بفتح القاف وسكون التحتية، وقيل القيل وزير الملك ولملك الصابئة النمرود ولملك الهند دهمي ويعثور ولملك الزنج غابر ولملك اليهود القطيمون وصالح ولملك البربر جالوت ولملك اليونان بطليوس، ولمن ملك العرب من قبل العجم النعمان، ولملك فرغانة الاخشيد كذا نقل من شرح العمدة للقلقشندي. قوله:(وَرَوَيْنَا في الصحيحين) أي من حديث أبي قال إن أسود أو سوداء كان يقم المسجد فمات فدفن ليلًا فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما فعل ذلك الإنسان قالوا يا رسول الله مات فدفناه ليلًا قال أفلا آذنتموني به فدلوه على قبره فصلى عليه، ثم قال إن هذه القبور مظلمة على أهلها وإن لله ينورها بصلاتي، هذا لفظ حماد بن زيد، وفي رواية حماد بن سلمة بعد قوله به فدلوه على قبره فذهب فصلى عليه ثم قال إن هذه القبور مملوءة ظلمة الخ، والحمادان يرويان الحديث عن ثابت البناني
ولم يعلم به: "أفَلا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي بِهِ؟ ".
قال العلماء المحققون والأكثرون من أصحابنا وغيرهم: يستحب إعلام أهل الميت وقرابته وأصدقائه لهذين الحديثين قالوا: النعي المنهي عنه إنما هو نعي الجاهلية، وكان من
عادتهم إذا مات منهم شريف بعثوا راكبا إلى القبائل يقول: نعايا فلان، أو يا نعايا العرب: أي: هلكت العرب بمهلك فلان، ويكون مع النعي ضجيج وبكاء.
وذكر صاحب "الحاوي" وجهين لأصحابنا في استحباب الإيذان بالميت وإشاعة موته بالنداء والإعلام، فاستحبَّ ذلك بعضهم للميت الغريب والقريب، لما فيه من كثرة المصلين عليه والدَّاعين له. وقال بعضهم: يستحبُّ ذلك للغريب، ولا يستحبُّ لغيره. قلت:
ــ
عن أبي رافع الصانع واسمه نفيع، قال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث صحيح أخرجه الشيخان وأبو داود وابن حبان. قوله:(ولمْ يُعلَمُ بهِ) بالبناء للمجهول أي لم يعلمه أحد بوفاته. قوله: (أَفلا كنتم آذَنْتُمُونِي) بمد الهمزة أي أعلمتموني فيؤخذ منه ندب الإعلام بالموت للصلاة عليه ونحوها. قوله: (والنَّعْيُ المَنهِي عَنْهُ هُوَ نَعْيُ الجَاهِليةِ) أي كالنداء بموت الشخص مع ذكر مفاخرة نحو واكهفاه واجبلاه واكريماه، وقيل عدها مع البكاء عليه كما حكاه المصنف فيما تقدم في باب تحريم النياحة وجزم به في المجموع قال وليس منه وإن أشبهه قول فاطمة رضي الله عنها بعد موته صلى الله عليه وسلم يا أبتاه جنة الفردوس مأواه إلى جبريل ننعاه، ويكره مرثية الميت وهو الشعر فيه وعد محاسنه إن كانت بغير نحو الصيغة السابقة وإلَّا كانت ندبًا وذلك للنهي عنها لكنه حمل على ما يظهر فيه تبرم أو على فعله مع الاجتماع له أو على الإكثار منه أو على ما يجدد الحزن دون ما عدا ذلك لأن كثيرًا من الصحابة وغيرهم من العلماء ما زالوا يفعلونه، وقد قالت فاطمة رضي الله عنها:
ماذا على من شم تربة أحمد
…
أن لا يشم مدى الزمان غواليا
صبت على مصائب لو أنها
…
صبت على الأيام صرن لياليا
وفي قواعد القرافي الفرق المائة كلام فيه الفرق بين النوح المحرم والرثاء المباح