الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب ما يقوله من مات له ميت
روينا في "صحيح مسلم" عن أمِّ سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما مِنْ عَبْدٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ:
ــ
على خيثمة يعني ابن عبد الرحمن وهو مريض فقلت إني أراك اليوم صالحًا قال نعم قرئ عندي القرآن وكان يقول إذا قرئ عند مريض القرآن وجد بذلك خفة، هذا أثر صحيح وخيثمة تابعي كبير وطلحة تابعي صغير أخرجه ابن أبي داود وأخرج ابن أبي داود أيضًا من طريق خالد بن معدان وهو من ثقات التابعين إنه كان يقرأ عند الميت إذا كان في النزع آخر الصافات وقد تقدم عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم شيء من هذا قلت ذكرناه في الكلام على حديث أبي سعيد لقنوا موتاكم قال الحافظ ووجدت لحديث معقل شاهدًا عن صفوان بن عمر وعن المشيخة أنهم حضروا غضيف بن الحارث حين اشتد سوقه فقال هل فيكم أحد يقرأ يس قال فقرأها صالح بن شريح السكوني فلما بلغ أربعين آية منها قبض فكان المشيخة يقولون إذا قرأت عند الميت خفف عنه بها هذا موقوف حسن الإسناد وغضيف بمعجمتين وفاء مصغر صحابي عند الجمهور، والمشيخة الذين نقل عنهم لم يسموا لكنهم ما بين صحابي وتابعي كبير ومثله لا يقال بالرأي فله حكم الرفع وأخرج ابن أبي شيبة من طريق أبي الشعثاء جابر بن زيد وهو من ثقات التابعين إنه يقرأ عند الميت سورة الرعد وسنده صحيح اهـ. كلام الحافظ.
باب ما يقوله من مات له ميت
قوله: (رَوَيْنَا في صَحيحِ مُسلم الخ) قال في السلاح انفرد به مسلم أي عن باقي الستة وإلا فقد أخرجه أبو عوانة كما قال الحافظ. قوله: (مُصيبةٌ) أي سواء كانت عظيمة أو صغيرة كما يؤذن به
وقوع النكرة في سياق النفي المؤذن بالعموم وفي المصباح الشدة النازلة وجمعها على المشهور مصائب قالوا والأصل مصاوب قال الأصمعي قد جمعت على لفظها بالألف والتاء فقيل مصيبات قال وأرى أن جمعها على مصائب من كلام أهل الامصار وقال بعضهم المصيبة هي التي تصيب الإنسان من نكبة ونحوها قال الواحدي ولا يقال فيما يصيب بخير مصيبة وسبق بعض
إنا لِلهِ وإنَّا إلَيهِ رَاجِعُونَ، اللهم أجُرْني في مُصِيبَتي، وأخْلِفْ لي خَيْرًا مِنْهَا، إلا آجَرَهُ اللهُ تَعَالى في مُصِيبَتِهِ وأخْلَفَ لَهُ خَيْرا مِنْها"، قالت: فلما توفي أبو سلمة، قلت كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخلف الله تعالى لي خيرًا منه:
ــ
الفوائد المتعلقة بالآية في باب ما يقول إذا أصابته نكبة. قوله: (إنَّا لله) أي نحن وأهلونا وأموالنا عبيد لله يصنع فينا ما يشاء أي ومن ظن نفسه على هذا المعنى سهل عليه ما فقده وأصابه قال الطيبي أما التلفظ بذلك مع الجزع قبيح وسخط للقضاء اهـ، وتعقبه في المرقاة بأن ذلك من خلط العمل الصالح بالعمل السوء كالاستغفار مع الإصرار اهـ، وما قاله الطيبي طيب. قوله:(وإِنَّا إِليهِ) أي إلى انفراده بالحكم كما كان أول مرة راجعون وهو إقرار بالبعث والنشور وقال أبو بكرٍ الوراق إنَّا لله إقرار له بالملك وإنّا إليه راجعون إقرار على نفسه بالهلكة نقله العلقمي. قوله: (اللَّهمَّ أجُرْني) بسكون الهمزة وضم الجيم ونقل القاضي عياض عن أهل اللغة إنه مقصور لا يمد وبمد الهمزة وكسر الجيم قال الطيبي أجره يأجره إذا أثابه وأعطاه الأجر كآجره اهـ. قال ابن حجر بضم الجيم وكسرها يعني مقصورة بالوجهين وهو كذلك في القاموس قال في المرقاة لكن الكسر مع القصر غير موجود في النسخ اهـ، ومعنى أجره الله أي أعطاه أجره وجزاء صبره ووقع لابن ملك في شرح المشارق إنه قال هو بهمزة وصل وهذا منه كما في المرقاة سهو لأن الهمزة الموجودة فاء الفعل وهمزة الوصل سقطت في الدرج. قوله:(وأَخْلِفْ لي خيرًا منْهَا) أي اجعل لي خلفًا مما فات عني في هذه المصيبة وأخلف بهمزة قطع وكسر اللام يقال لمن ذهب له ما لا يتوقع حصول مثله بأن ذهب له والد خلف الله عليك منه بغير ألف أي كان الله خليفة منه عليك ويقال لمن ذهب له مال أو ولد أو ما يتوقع حصول مثله أخلف الله عليك أي رد الله عليك مثله. قوله: (فلمَا تُوُفِّي أَبو سَلَمَةَ) هو زوجها عبد الله بن عبد الأسد المخزومي سبق عام وفاته قال أبو نعيم إنه أول من هاجر إلى المدينة وذكره أصحاب المغازي ثم هاجر إلى الحبشة فهو أول من هاجر بالظعينة إلى أرض الحبشة ثم إلى المدينة وكان أخا النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاع وابن عمته توفي شهيدًا عام أحد كما تقدم في باب ما يقول إذا خرج من بيته في ترجمة
رسولَ الله صلى الله عليه وسلم.
وروينا في سنن أبي داود، عن أمِّ سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا أصَابَ أحَدَكُمْ مُصِيبَةٌ فَلْيَقُلْ: إنَّا لِلهِ وَإنَّا إلَيهِ رَاجِعُونَ،
ــ
أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها. قوله: (رسولَ الله صلى الله عليه وسلم) هو في نسخة مصححة مضبوط بالرفع على إنه خبر لمحذوف والنصب وجهه ظاهر أي بدلًا من خيرًا لا عطف بيان لما في المعنى من شرط توافق المعطوف والمعطوف عليه عطف بيان في التعريف والتنكير ويؤيد الثاني أنها جاء عنها في رواية لمسلم وهي عند أبي داود والنسائي فأخلف الله لي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: (وَرَوَينَا في سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ الخ) قال الحافظ أخرجه أحمد وأبو داود وابن حبان وأخرج النسائي وابن خزيمة والطحاوي والحاكم من طرق أخرى وأخرجه ابن حبان عن ابن خزيمة وإنما لم يخرج مسلم هذه الطريق مع إخراجه الحديث الأول والقصد واحد لاختلاف وقع في هذه الطريق
على بعض رجالها ثم إن النسائي وقع عنده الحديث في طريق أم سمة عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير واسطة وهي رواية الشيخ عنها في الكتاب فقال عنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قال الحافظ يمكن الجمع بأن تكون أم سلمة سمعته من أبي سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم لما مات أبو سلمة وأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تقوله لما سألته تذكرت ما كان أبو سلمة حدثها به فكانت تحدث به على الوجهين ويؤيد هذا الحمل أن في سياق الحديثين اختلافًا لفظًا وزيادة ونقصًا ثم أيده برواية أخرى أخرجها هو عن ابن أبي سلمة أن أبا سلمة جاء إلى أم سلمة فقال لقد سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثًا هو أحب إليّ من كذا وكذا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنه لا يصيب أحدًا مصيبة فيسترجع ثم يقول فذكر الحديث قال الحافظ بعد إخراجه من طريق أبي يعلى وغيره وأخرجه ابن منده في المعرفة من طريق آخر عن ابن أبي سلمة قال قالت أم سلمة جاء أبو سلمة فقال فذكر الحديث بنحوه وقال فيه أحب إليّ من الدنيا جميعًا وأخرجه أبو داود عن أم سلمة فذكره مختصرًا وللحديث شاهد عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من استرجع عند المصيبة
اللَّهُمَّ عِندَكَ أحْتَسِبُ مُصِيبَتي فأجُرْنِي فِيها، وأَبْدِلني بِها خَيرًا مِنها".
وروينا في كتاب الترمذي وغيره، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذَا ماتَ وَلَدُ العَبْدِ قال اللهُ تعالى لمَلائكتِه: قبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي؟ فَيَقُولُونَ نَعَمْ، فَيَقُولُ: قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: فَمَاذَا قال عَبْدِي؟ فيَقُولُون: حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ، فَيَقُولُ اللهُ تَعَالى: ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتًا فِي الجَنَّةِ وَسَمُّوهُ بَيْتَ الحَمْدِ" قال الترمذي: حديث حسن.
وفي معنى هذا، ما رويناه في "صحيح البخاري" عن أبي هريرة رضي الله عنه،
ــ
جبر الله مصيبته وأحسن معونته وجعل له خلفًا صالحًا يرضاه قال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث حسن أخرجه ابن أبي حاتم ورجاله موثقون إلّا علي بن أبي طلحة لم يلق ابن عباس اهـ، وفي الجامع الصغير ورواه الحاكم أيضًا عن أم سلمة ورواه الترمذي وابن ماجة عن أبي سلمة. قوله:(اللَّهمَّ عِنْدَكَ أَحتَسبُ مُصيبَتي) أي أدخر ثواب مصيبتي في صحائف حسناتي قال الحسن الحمد لله الذي أجرنا على ما لا بد لنا منه. قوله: (فأْجُرني) قال العلقمي بسكون الهمزة وضم الجيم وكسرها أي ائتني بالأجر والثواب فيها وقال شيخنا فأجرني بالمد والقصر فالأول من آجر والثاني من أجر اهـ. قلت وسبق لهذا مزيد في الحديث قبله. قوله: (وغَيرِهِ) قال في السلاح ورواه ابن حبان في صحيحه زاد في الحصين وابن السني كلهم عن أبي موسى ولفظ الكتاب للترمذي وسبق الكلام على تخريجه في كتاب حمد الله تعالى. قوله: (ولَدُ العبدِ) أي من ولد أو بنت أو حفيد أو سبط. قوله: (لِملائِكَتِهِ) أي الموكلين بقبض الأرواح. قولط: (قَبَضتُم ولَدَ عَبدِي) أي زوجه والاستفهام مقدر في الكلام. قوله: (ثَمَرَة فؤَادِه) بالمثلثة أي نهاية نتيجة توجه قلبه وقطعة كبده وحب لبه. قوله: (حَمِدَكَ) بكسر الميم أي قال الحمد لله. قوله: (وَاسترْجع) أي قال: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 156] قوله: (فَيقولُ ابنُوا) بهمزة وصل وسكون الموحدة وضم النون أمر للجماعة من البناء. قوله: (بيتًا) قال في الحرز أي قصرًا عظيمًا وكأن التعظيم استفيد من سياق الكلام واقتضاء المقام. قوله: (بَيتَ الحمد) بالإضافة وهي بمعنى اللام واللام في الحمد للعهد الذهني أي بيتًا لحمده على فقده ولده.
قوله: (وفي مَعنى هَذَا مَا روينَاهُ الخ) قال الحافظ يريد الاحتساب