الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَسَعَةِ رِزْقِنا". ويدعو للمؤمنين والمؤمنات، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويقرأ آية أو آيتين، ويقول الإِمام: أستغفر الله لي ولكم. وينبغي أن يدعوَ بدعاء الكرب، وبالدعاء الآخر: اللهُم آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، وغير ذلك من الدعوات التي ذكرناها في الأحاديث الصحيحة.
قال الشافعي رحمه الله في "الأم": يخطب الإِمام في الاستسقاء خطبتين، كما يخطب في صلاة العيد يكثر الله تعالى فيهما ويحمَدُه، ويصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، ويكثر فيهما من الاستغفار حتى يكون أكثرَ كلامه، ويقول كثيرًا:{فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} (10){يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} [نوح: 10، 11] ثم روي عن عمر رضي الله عنه، أنه استسقى وكان أكثرُ دعائه الاستغفار.
قال الشافعي: ويكون أكثرُ دعائه الاستغفار، يبدأ به دعاءه ويفصل به بين كلامه، ويختم به، ويكون هو أكثر كلامه حتى ينقطعَ الكلام، ويحثُّ النّاس على التوبة والطاعة والتقرب إلى الله تعالى.
باب ما يقوله إذا هاجت الريح
روينا في "صحيح مسلم" عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا
ــ
ثم فاء أي خالطنا من الذنوب. قوله: (وسَعَةِ) بفتح السين المهملة. قوله: (اسْتغْفرُوا رَبَّكُمْ الخ) ظاهر عبارة بعض المحققين
أن يقرأ ذلك إلى قوله: {وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} [نوح: 12]. قوله: (ويَختمُ بالاسْتغفَار) أي فيقول استغفر الله لي ولكم وللمسلمين اهـ. والله أعلم.
باب ما يقول إذا هاجت الريح
في الصحاح هاج الشيء يهيج هيجًا وهياجًا وهيجانًا واهتاج وتهيج أي ثار وهاجه غيره من باب باع لا غير يتعدى وهيجه وهايجه بمعنى قوله: (رَوَيْنَا في صَحيح مُسْلمٍ الخ) وكذا رواها أبو داود والنسائي ووقع في المشكاة أن الحديث متفق عليه فنظر فيه في المرَقاة بأنه من إفراد مسلم كما يفهم من كلام ابن الجزري في التصحيح حيث قال رواه مسلم وأبو داود الخ، وقد عزاه السيوطي في الجامع الصغير إلى تخريج
عصفت الريح قال: "اللهُم إني أسألكَ خَيرَها وَخَيرَ ما فِيهَا، وَخَيرَ ما أُرْسَلِتْ بهِ، وأعوذُ بِكَ مِنْ شَرّها وشَرَ ما فيها وَشَر ما أُرْسِلَتْ بِهِ".
وروينا في "سنن أبي داود، وابن ماجه، بإسناد حسن، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الرِّيحُ مِنْ رَوْح الله تعالى، تأتي بالرَّحمةِ، وتَأتي بالعَذَابِ، فإذا رأيْتموها فلا تَسُبُّوها،
ــ
الترمذي أيضًا ولم يذكر أبا داود فيمن خرجه وراجعت باب ما يقول إذا هاجت الريح من سنن أبي داود فلم أره فيه فلعل ما نقله ابن الجزري عنه في بعض النسخ ثم رأيت ما يؤيد ما ذكره صاحب المشكاة وهو تيسير الوصول إلى جامع الأصول للديبع بعد ذكر الحديث باللفظ المذكور وقال أخرجه الشيخان هكذا والترمذي اهـ. قوله: (عَصفتِ الرِّيحُ) بفتح أوليه المهملين وبالفاء أي اشتد هبوبها. قوله: (خيْرهَا) أي خيرها الذاتي. قوله: (وخيْرَ مَا فِيهَا) أي الخير العارض منها من المنافع كلها وخير ما أرسلت به أي بخصوصها في وقتها وهو بصيغة المجهول وفي نسخة بالبناء للفاعل قال الخطابي يحتمل الفتح على الخطاب وقوله وشر ما أرسلت على الباء للمفعول ليكون من قبيل أنعمت عليهم غير المغضوب وقوله صلى الله عليه وسلم "الخير بيدك والضر ليس إليك" قال ابن حجر وهذا تكليف بعيد لا حاجة إليه وأرسلت مبني للمجهول فيهما كما هو المحفوظ أو للفاعل اهـ، وتعقبه في المرقاة بأنه لا مانع من احتمال ما قاله مع أنه موجود في بعض النسخ على ذلك المنوال فيكون متضمنًا لنكتة شريفة يفهمها أهل الأذواق والأحوال اهـ، وفيه نظر لأن ابن حجر لم يمنع منه إنما أشار لتكلفه. قوله:(وشر مَا أُرْسِلَتْ بهِ) على صيغة المجهول وهو كذلك في جميع نسخ المشكاة وكتب فوقه ميرك صح إشارة لعدم الخلاف. قوله: (وَرَوَيْنَا في سُنَنِ أَبي دَاوُدَ الخ) زاد في المشكاة ورواه الشافعي والبيهقي في الدعوات الكبرى قال ميرك ورواه النسائي أَيضًا في اليوم والليلة وهو حديث حسن الإسناد وقال الحافظ بعد تخريجه للحديث هذا حديث حسن صحيح أخرجه أحمد
وأبو عوانة في صحيحه ورجاله رجال الصحيح إلَّا ثابت بن قيس اهـ، وفي الجامع الصغير رواه البخاري في الأدب يعني الأدب المفرد والحاكم في المستدرك اهـ، وأخرجه الطبراني في كتاب الدعاء له من حديث ابن عباس. قوله:(منْ رَوْح الله) بفتح الراء أي من رحمته تعالى يريح بها عباده ومنها قوله تعالى:
وَسَلُوا اللهَ خَيرَها، وَاستَعِيذُوا بالله مِنْ شَرّها".
قلت: قوله صلى الله عليه وسلم: "مِنْ رَوْحِ الله"، هو بفتح الراء، قال العلماء: أي: من رحمة الله بعباده.
وروينا في سنن أبي داود، والنسائي، وابن ماجه، عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى ناشئًا
ــ
{فَرَوحٌ وَرَيحَان} [الواقعة: 89] وإتيانها بالعذاب للكافر رحمة للأبرار حيث يخلصوا من أيدي الفجار وقال أبو عبيد من روح الله لأنها تنفس الكروب وتسير بالغيث وتنشئ السحاب وتذهب الحزن فهي مما يروح الله بها على المكروبين قال الراغب الروح التنفس وقد راح الإنسان إذا تنفس ومنها قوله تعالى: {وَلَا تيأسوا مِن روح الله} [يوسف: 87] أي من فرجه ورحمته وذلك بعض الروح مع أنها تجيء بالعذاب فجوابه من وجهين الأول أنه عذاب لقوم ظالمين رحمة لقوم مؤمنين قال الطيبي ويؤيده فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين الكشاف فيه إيذان بوجوب الحمد عند إهلاك الظلمة وهو من أجل النعم وأجزل القسم، الثاني إن الروح مصدر بمعنى الفاعل أي الرايح فالمعنى إن الريح من روايح الله أي من الأشياء التي تجيء من حضرته بأمره فتارة تجيء بالرحمة وأخرى بالعذاب ولا يجوز بها لأنها مأمورة مقهورة بل تجب التوبة عند التضرر بها وهو تأديب من الله سبحانه وتأديبه رحمة للعباد اهـ. قوله:(وسَلُوا الله مِنْ خَيْرهَا الخ) قال ابن الجوزي في المنتخب قال ابن عباس الرياح ثمان أربع للرحمة المبشرات والمثيرات والمرسلات والرخاء قلت وفي المرقاة بدل المبشرات والرخاء الذاريات والناشرات وأربع للعذاب العاصف والقاصف وهما في البحر والصرصر والعقيم وهما في البر وقال عبيد بن عمر يبعث الله تعالى ريحا فتقم الأرض ثم يبعث المثيرة فتثير السحاب ثم يبعث المؤلفة فتؤلفه ثم يبعث اللواقح فتلقح الشجر اهـ. كلام المنتخب.
فائدة أخرى
ذكر شيخ الإسلام زكريا وغيره إن الرياح أربع التي تجيء من تجاه الكعبة الصبا ومن ورائها الدبور ومن جهة يمينها الجنوب ومن جهة شمالها الشمال ولكل منها طبع فالصبا حارة رطبة والدبور باردة رطبة والجنوب حارة رطبة والشمال باردة يابسة وهي من ريح الجمعة التي تهب عليهم كما في مسلم اهـ. قوله: (وَرَوَيْنَا في سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ الخ) وكذا رواه الشافعي بمعناه أشار إليه في المشكاة وقال الحافظ بعد تخريج الحديث هذا حديث صحيح أخرجه أبو داود وابن ماجة النسائي وأبو
في أُفق السماء، ترك العمل وإن كان في صلاة، ثم يقول:"اللهم إني أعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّها"، فإن مطر قال:"اللهُم صَيِّبًا هَنِيئا".
قلت: ناشئًا، بهمز آخره، أي: سحابا لم يتكامل اجتماعه. والصيب بكسر الياء المثناة تحت المشددة: وهو المطر الكثير، وقيل: المطر الذي يجري ماؤه، وهو منصوب بفعل محذوف: أي: أسألك صَيِّبًا، أو اجعله صَيِّبًا.
ــ
عوانة في صحيحه. قوله: (في أُفُق السماءِ) الأفق بضمتين يجوز أن يكون واحدًا وجمعًا كما في النهاية كالفلك وهو هنا يحتملهما. قوله: (تَرَكَ العَملَ) أي ترك صلى الله عليه وسلم ما هو مشتغل به من العمل المباح في ذاته وإن
كان فعله صلى الله عليه وسلم لا يكون إلَّا مطلوبًا واجبًا أو مندوبًا للتشريع. قوله: (فإِنْ مَطرَ الخ) زاد في رواية الشافعي فإن كشفه الله أي السحاب حمد الله. قوله: (ناشِئًا بهَمْز آخرَهُ الخ) قال في المرقاة سمي السحاب ناشئًا لأنه ينشأ من الأفق يقال نشأ أي خرج أو ينشأ في الهوى أي يظهر أو لأنه ينشأ من الأبخرة المتصاعدة من البحار والأراضي البحرة ونحو ذلك اهـ. قوله: (صيبًا بكَسْر اليَاءِ المثناةِ الخ) سكت عن ضبط أوله أي بالصاد المهملة وهو بالفتح كما قاله ابن الجزري وغيره وأصله الواو كما في النهاية لأنه من صاب يصوب إذا نزل فأصاب الأرض وبناؤه صيوب على وزن فيعل فأبدلت الواو ياء وأدعمت كسيد اهـ. في المطالع أصله صيوب في مذهب البصريين وعند غيرهم صويب وقال صيبًا مخففا في رواية أبي الحسن ومشددا في رواية أبي ذر على وزن فيعل أصله صيوب ومن أصلهم قلب الواو ياء إذا اجتمعت مع الياء سواء تقدمت على الياء أو تأخرت عنها وإدعام الأولى في الثانية اهـ. قوله: (وهُو المطرُ الكِثيرُ الخ) وقال بعضهم الصيب السحاب ذو الصوب أي المطر قال القاضي البيضاوي في قوله تعالى: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ} [البقرة: 19]، فيعل من الصوب وهو النزول يقال للمطر والسحاب وتنكيره لأنه أريد به نوع من المطر الشديد اهـ، وقال ميرك تفسير الصيب بالمطر روي عن ابن عباس وهو قول الجمهور وقال بعضهم هو السحاب ولعله أطلق مجازًا. قوله:(منْصُوبٌ بفعل محذُوفٍ) أي على أنه مفعول به ويصح كونه مفعولًا مطلقًا أي اسقنا سقيًا صيبًا وقيل على الحال أي أنزل علينا الغيث حال
وروينا في كتاب الترمذي وغيره، عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تسُبُّوا الرِّيحَ، فإنْ رأيْتُمْ ما تَكْرَهُونَ فَقُولُوا: اللهُم إنَّا نَسْألُكَ مِنْ خَيرِ هَذِهِ الريح، وخَيرِ ما فِيها، وخَيرِ ما أُمِرَتْ بِه، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّ هَذِهِ الريح وشر ما فِيها وشر ما أُمِرَتْ بِه" قال الترمذي: حديث حسن صحيح. قال: وفي الباب عن عائشة، وأبي هريرة، وعثمان بن أبي العاص، وأنس، وابن عباس، وجابر.
وروينا بالإسناد الصحيح في كتاب ابن السني، عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه. قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتدَّت الريح يقول: "اللهُم
ــ
كونه صيبًا أي مطرًا نافعًا. قوله: (وَرَوَيْنَا في كِتَاب الترْمذِي وغيْرِه) كأحمد والبخاري فإنه أخرجه في كتاب الأدب المفرد والنسائي فإنه رواه في اليوم والليلة عن أبي والطبراني في الدعاء ورواه من حديث عثمان بن أبي العاص وأخرجه البزار كذلك. قوله: (لا تسُبُّوا الرّيحَ) أي فإنها مأمورة والمأمور معذور. قوله: (فإذَا رَأَيتُمْ مَا تَكْرهُونَ) أي من حرها أو قرها أو تأذيتم بشدة هبوبها. قوله: (فقُولُوا) أي فردوا الأمر إلَى الخالق والآمر وقولوا اللهم الخ. قوله: (أُمِرَتْ بهِ) هو بالبناء للمجهول. قوله: (في البَاب عَن عائِشَة الخ) قال الحافظ أما أحاديث أنس وجابر وابن عباس فقد ذكرها المصنف في هذا الباب وحديث عثمان بن أبي العاص أخرجه الطبراني في كتاب الدعاء ولفظه كانت الريح إذا اشتدت قال صلى الله عليه وسلم اللهم إني أعوذ بك من شر ما أرسلت له ورواه الخرائطي من ما أرسلت فيها قال الحافظ بعد تخريجه هذا
غريب ورواه البزار وأخرجه ابن السني وفي سنده عبد الرحمن بن إسحاق أبو شيبة الواسطي ضعيف لكنه يتقوى بشواهده وذكر حديث أبي هريرة وتكلم على حاله قال الحافظ وفي الباب أيضًا عن سلمة بن الأكوع قلت وقد أورده المصنف في الباب وأبي الدرداء وعقبة بن عامر اهـ. قوله: (وَرَوَيْنَا بالإسنَادِ الصَّحيح عَنْ سَلَمَةَ الخ) قال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث صحيح أخرجه البخاري في الأدب المفرد هكذا وأَخرجه ابن حبان في صحيحه وابن السني معًا عن أبي يعلى وأخرجه الطبراني أيضًا في المعجم الأوسط وقال لم ويره عن يزيد يعني ابن أبي عبيد إلَّا مغيرة تفرد به أحمد بن عبدة وتعقبه الحافظ برواية
لَقْحا لا عَقِيما".
قلت: لَقْحا: أي: حاملا للماء كاللَّقْحة من الإبل. والعقيم: التي لا ماء فيها كالعقيم من الحيوان: لا ولد فيها.
وروينا فيه عن أنس بن مالك، وجابر بن عبد الله، رضي الله عنهم، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا وقعت كبيرة، أو هاجت ريح
ــ
أبي مصعب الزهري عن يزيد وأخرجه الحاكم في المستدرك عن المغيرة قال وهي واردة على دعوة التفرد اهـ. قوله: (لقْحًا) قال في السلاح بفتح اللام مع فتح القاف وسكونها وبالحاء المهملة الحاملة للسحاب والعقيم بعكسه اهـ، وفي الصحاح ألقى الفحل الناقة والريح السحاب ورياح لواقح اهـ. قال ابن الجزري يقال القحت الريح السحاب فيه في نفسها لاقحة قال الجوهري كأن الريح لقحت بخير فإذا أنشأت السحاب وفيها خير وصل ذلك إلينا اهـ. قوله:(لَا عَقِيمًا) هو تأكيد لما قبله. قوله: (كاللقْحَةِ) أي بكسر اللام وفتحها الناقة القريبة العهد بالنتاج والجمع لقح وقد لقحت الناقة لقحا ولقاحا وناقة لقوح إذا كانت غزيرة وناقة لاقح إذا كانت حاملا ونوق لواقح واللقاح ذوات الألبان الواحدة لقوح كذا في النهاية. قوله: (وَرَوَيْنَا فيهِ عَنْ أَنسٍ وجابرٍ الخ) وقال الحافظ هذا توهم إنما هما قرنا في الرواية وليس كذلك إنما وقع عنده اختلاف على بعض رواته في الصحابي فأخرجه ابن السني عن أبي يعلى عن داود بن رشيد عن الوليد بن مسلم عن عنبسة عن محمد بن زادان عن جابر الحديث قال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث غريب وسنده ضعيف جدًّا فيه محمد بن زادان ضعيف وشيخه عنبسة متروك وأخرجه ابن السني أيضًا من طريق عمرو بن عثمان عن الوليد بهذا السند لكن قال عن أنس بدل جابر وكذا أخرجه ابن عدي في ترجمة عنبسة فقال أيضًا عن أنس وجابر عن أنس حديث آخر يدخل في هذا الباب عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا هبت الريح الشديدة قال اللهم إنا نسألك من خير ما أمرت به ونعوذ بك من شر ما أمرت به هذا حديث صحيح أخرجه البخاري في الأدب المفرد ورجاله رجال الصحيح إلَّا أن فيه انقطاعا بين الأعمش وانس اهـ. قوله: (وقَعتْ كَبيرَةٌ) الله أعلم أن التقدير مصيبة كبيرة أي من موت أو حريق فالتكبير يدفع حر النار وإذا استحضر العبد مضمون التكبير هان عليه ما لاقاه من مصيبة. قوله: (هَاجتْ ريحٌ) أي ثارت في النهاية هاج الشيء يهيج هيجا واهتاج
عظيمة، فعليكم بالتكبير، فإنه يجلو العجاج الأسود".
وروى الإِمام الشافعي رحمه الله في كتابه "الأم" بإسناده، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: ما هبَّت الريح إلا جثا النبي صلى الله عليه وسلم على ركبتيه وقال: "اللهُم اجْعَلْها
ــ
أي ثار وهاجه غيره اهـ، وتقدم عن الصحاح فيه مزيد أول الباب. قوله:(العَجَاجَ) قال المصنف في التهذيب نقلًا عن أبي عبيد العجاج غبار تثور به
الريح الواحدة عجاجة فعله التعجيج أي إن التكبير يجلو أي يذهب عن مرآة الجو العجاج الأسود من الظلمة والقتام الله أعلم. ثم يحتمل أن يكون ذلك على حقيقته بما خص الله به التكبير من رفع ذلك ويحتمل أن يكون المراد يجلو عن القلب التعب الحاصل من القتام الأسود أي لرده الأمر حينئذٍ إلى فاعله وعلمه بالفاعل المختار الذي لا يخلو فعل من أفعاله عن حكمة والله أعلم. قوله: (وَرَوى الإمامُ الشافعي الخ) قال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث حسن أخرجه البيهقي في المعرفة قال وشيخ الشَّافعي ما عرفته وكنت أظنه ابن يحيى لكن لم يذكروه في الرواة عن العلاء بن راشد والعلاء موثق قال الحافظ ابن عباس حديث آخر ثم أخرج من طريق الطبراني في كتاب الدعاء أيضًا عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا هاجت الريح استقبلها وجثى على ركبتيه وقال اللهم اجعلها فذكر الحديث مثله إلى قوله ريحا وزاد اللهم إني أسألك من خير هذه الريح وخير ما ترسل به وأعوذ بك من شرها وشر ما ترسل به قال الحافظ أخرجه مسدد في مسنده الكبير وفي سنده جبر بن عبد الله وهو ضعيف وجده عبيد الله بالتصغير ابن العباس وفي نسخة من المسند حسين بن قيس أبو علي المرجي وهو ضعيف أيضًا وقد اعتضد بالمتابعة. قوله: (جثَى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى ركَبتَيْهِ) بصيغة التثنية وفي نسخة أصل الدين من المشكاة ركبته بالإفراد وفيه تجريد الجثو على بعض معناه أي المراد به هنا مطلق الجلوس لا بقيد كونه على الركبتين فجرد عن ذلك لئلا يقع قول الراوي على ركبتيه مستدركًا أو مؤكدًا لما تضمنه جثى والتأسيس خير من التأكيد وفي النهاية الجاثي هو الذي يجلس على ركبتيه اهـ، ونقل السيوطي عن ابن الأثير جثى يجثو إذا قعد على ركبتيه وعطف ساقيه إلى تحته فهو قعود المستوفز الخائف الذي إن احتاج إلى
رَحْمَةً ولا تَجْعَلْها عَذَابًا، اللهُم اجْعَلْها رِياحًا ولا تَجْعَلها ريحًا".
قال ابن عباس: في كتاب الله تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا} [فصلت: 16] و {إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ} [الذاريات: 41]، وقال تعالى:{وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ} [الحجر: 22]، وقال سبحانه:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ} [الروم: 46].
ــ
النهوض نهض سريعا وهذا أيضًا قعود الصغير بين يدي الكبير وفيه نوع أدب مع الله تعالى اهـ. فكان هذا منه صلى الله عليه وسلم تواضعًا لله وخوفًا على أمته وتعليما لهم في تبعيته وجثا قيل يكتب بالألف لأنه من الجثو وقيل بالياء من الجثي وعلى كل فمعناه واحد. قوله: (رحمةً) أي لنا. ولا تجعلها عذابًا أي علينا. قوله: (قال ابْنُ عباس الخ) هذا الكلام أورده المؤلف عن ابن عباس شاهدا لما أشار إليه صلى الله عليه وسلم من الفرق بين الريح والرياح وأن الأول في الخير بخلاف الثاني غالبًا فيهما وقوله في كتاب الله تعالى خبر مقدم وقوله: (إِنَّا أرسلنا)[هود: 70] الخ. مبتدأ بتقدير هذه الآيات الدالة على أن الرياح في الخير والريح بالإفراد في الشر في كتاب الله والجملة مقول القول وسيأتي في آخر الحديث في ذلك كلام. قوله: (رِيحًا صَرْصَرًا) أي شديد البرد. قوله: (وأَرسلْنا عليهمُ) بكسر الهاء وضم الميم وبكسرهما وضمهما وصلًا. قوله: (الريحَ العقِيمَ) أي ما ليس فيه خير وقال الراغب ريح عقيم يصح أن يكون بمعنى الفاعل وهي التي لا تلفح سحابًا ولا شجرا ويصح
أن يكون بمعنى المفعول كالعجوز التي لا تقبل أثر الخير وإذا لم تقبل ولم تؤثر لم تعط ولم تؤثر اهـ، وتذكيره لأن هذا اللفظ مما يستوي فيه المذكر والمؤنث وقال الله تعالى:{وَقَالتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ} [الذاريات: 29] ويقال رجل عقيم ومعقوم كما في النهاية ثم هو كذلك في أصل مصحح وأرسلنا بالواو وكذا هو في المشكاة ثم راجعت كتاب الأم المسند فوجدته فيهما كذلك ولكن في نسخة أخرى وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم والتلاوة هكذا. قوله: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ} [الحجر: 22] انفرد حمزة بتوحيده ولواقح جمع لاقحة أي تلقح الأشجار وتجعلها حاملة بالثمار. قوله: (ومن آياتِهِ أَن يرْسلَ الرياحَ) هكذا في أصل مصحح وكذا في أصل من المشكاة فقال في المرقاة هذا أصل مصحح موافق لما في القرآن ومطابق لما في بعض النسخ وأما ما في بعض الأصول وأرسلنا الرياح مبشرات فهو خطأ لأنه لم يرد به القرآن وهذا هو في أصل المسند اهـ، وكذا وجد في بعض نسخ الأذكار وكذلك هو في نسخة قديمة من كتاب
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الأم وأصل معتمد من كتاب المسند له وبه يعلم إنه ليس بخطأ أي من حيث الرواية وإن كان التلاوة بخلافه، قال المصنف في التقريب إذا وقع في روايته لحن أو تحريف فقال ابن سيرين وابن سخبرة يرويه كما سمعه والصواب وقول الأكثرين روايته على الصواب وأما إصلاحه في الكتاب فجوزه بعضهم والصواب تقريره في الأصل على حاله مع التضبيب وبيان الصواب في الحاشية وفي الإرشاد للمصنف أيضًا قال القاضي عياض الذي استقر عليه عمل أكثر المشايخ أن ينقلوا الرواية كما وصلت إليهم ولا يغيروها في كتبهم حتى في أحرف من القرآن استمرت الرواية فيها في الكتب المشهورة كالصحيحين والموطأ وغيرها على خلاف التلاوة المجمع عليها أو بعضها على خلاف الشواذ أيضًا لكن أهل المعرفة ينبهون على خطابهما عند السماع وفي حواشي الكتب ومنه من جسر على تغيير الكتب وإصلاحها لكمال معرفته فغلطوا في أشياء مما غيروه والصواب ما تقدم من سد باب التغيير خوفًا من جسارة من لا يكمل ويحصل المقصود بالبيان فيقرأ عند السماع ما في الأصل ثم يذكر الصواب أو يذكر الصواب ثم يقول وفي الأصل كذا وهذا أولى لئلا يتقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل اهـ. ثم لا خلاف في جمع الرياح في هذه الآية قال في المرقاة ووهم البيضاوي في تفسيره حيث ذكر فيه الخلاف وإنما الخلاف في ثانية أي كما سبقت الإشارة إليه قال الطيبي في شرح المشكاة معظم الشارحين على أن تأويل ابن عباس غير موافق للحديث نقله الشيخ التوربشتي عن أبي جعفر الطحاوي إنه ضعف هذا الحديث جدًّا وأبى أن يكون له أصل في السنن وأنكر على أبي عبيدة تفسيره كما فسر ابن عباس ثم استشهد أي الطحاوي بقوله تعالى:{وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ} [يونس: 22]، الآية وبالأحاديث الواردة في هذا الباب فإن جل استعمال الريح المفردة في الباب في الخير والشر ثم قال الشيخ التوربشتي والذي قاله أبو جعفر وإن كان قولًا شيئًا فإنا نرى أن لا نتسارع إلى رد هذا الحديث وقد تيسر علينا تأويله وتخريج المعنى على وجه لا يكون مخالفًا للنصوص المذكورة وهو أن نقول التضاد الذي جد أبو جعفر في الهرب منه إنما نشأ من التأويل الذي نقل عن ابن عباس وأما الحديث نفسه فإنه
مع كونه يحتمل التأويل يمكن معه التوفيق بينه وبين النصوص
وذكر الشافعي رحمه الله حديثًا منقطعا، عن رجل، أنه شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم الفقر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
ــ
التي عارضه بها الأب جعفر وذلك أن نذهب بالحديث إلى أنه سأل النجاة من التدمير بتلك الريح فإنها إن لم تكن مهلكة لم تعقبها أخرى وإن كانت غير ذلك فإنها توجد كرة بعد كرة وتستنشق مرة بعد مرة فكأنه قال لا تدمرنا بها فلا يمر علينا بعدها ولا تهب دوننا جنوب ولا شمال بل أفسح في المدة حتى تهب علينا أرواح كثيرة بعد هذه الريح قال الخطابي الرياح إن كثرت جلبت السحاب وكثرة الأمطار فزكت الزرع والثمار وإذا لم تكثر وكانت ريحًا واحدة فإنها تكون عقيمة والعرب تقول لا تلقح السحاب إلَّا من الرياح قال الطيبي معنى كلام ابن عباس أن هذا الحديث مطابق لما في كتاب الله تعالى فإن استعمال التنزيل دون أصحاب اللغة إذا حكم على الريح والرياح مطلقين كان إطلاق الريح غالبًا في العذاب والرياح في الرحمة فعلى هذا لا ترد تلك الآية على ابن عباس لأنها مقيدة بالوصف ولا تلك الأحاديث لأنها ليست من كتاب الله تعالى لا يقال الآيتان في كلام ابن عباس مقيدتان أيضًا الأولى بالصرصر والثانية بالعقيم فكيف استدل بهما ابن عباس على ما ذكر لأنا نقول الوصف بالصرصر والعقيم ليس كالوصف بالطيبة والعاصفة لأن هذا نص في الخير والشر ولذلك قيدت الآية بالوصف ووحدت لأنها في حديث الفلك وجريانها في البحر فلو جمعت لأوهمت اختلاف الرياح وهو موجب للعطب أو الاحتباس ولو أفردت ولم تقيد بالوصف لآذنت بالعذاب والدمار ولأنها أفردت وكررت ليقال لها مرة طيبة وأخرى عاصفة ولو جمعت لم يستقم التعليق اهـ. كلام المرقاة. قوله: (وذكَر الشافعيُّ الخ) ذكره في كتاب الأم. قوله: (حدِيثا منقطِعًا) رواه فيه عن عمه محمد بن عباس قال شكى رجل الخ. ومحمد بن عباس هو عم الإِمام الشافعي صدوق من العاشرة من كبار الآخذين عن تبع التابعين كذا في التقريب للحافظ، ومنه يعلم أن المصنف أراد بالانقطاع عدم الاتصال الشامل للأعضال أي حذف راويين فأكثر، ثم رأيت الحافظ قال سند الحديث معضل لأنه سقط منه اثنان فصاعدًا وقول الشيخ عن رجل يوهم أن محمدًا