الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمختار استحبابه مطلقًا إذا كان مجرد إعلام.
باب ما يقال في حال غسل الميت وتكفينه
يستحبُّ الإكثار من ذِكر الله تعالى، والدُّعاء للميت في حال غسله وتكفينه. قال أصحابنا: وإذا رأى الغاسلُ من الميت ما يعجبُه: من استنارةِ وجههِ، وطيبِ ريحهِ، ونحو ذلك، استحب له أن يحدّث النّاس بذلك، وإذا رأى ما يكره: من سواد وجه، ونتنِ رائحته، وتغيُّر عضو، وانقلابِ صورةٍ، ونحو ذلك، حرم عليه أن يحدِّث أحدًا به.
واحتجوا بما رويناه في سنن أبي داود والترمذي، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
ــ
وكان عادتهم إذا مات منهم شريف بعثوا راكبا إلى آخره قال الحافظ أخرج سعيد بت منصور وعبد الرزاق من طريق حماد بن سلمان عن إبراهيم قال لا بأس إذا مات الرجل إن يؤذن به صديقه وأصحابه إنما يكره أن يطاف في المجالس فيقال انعي فلانًا فعل أهل الجاهلية ومن طريق عبد الله بن عون قلت لإبراهيم
كانوا يكرهون النعي قال نعم قال ابن عون كان النعي إذا مات الرجل ركب رجل دابة فصاح في النّاس انعي فلانًا، وفي صحيح البخاري في قصة قتل أبي رافع اليهودي عن الذي قتله، وهو عبد الله بن عتيك لا أبرح حتى أعلم اني قتلته، قال فلما صاح الديك قام الناعي على السور أنعي أبا رافع تاجر أهل الحجاز ذكره قبل غزوة أحد اهـ. قوله:(والمختارُ اسْتِحبَابُهُ مُطلقا) أي للقريب وغيره. قوله: (إِذَا كان مجردَ إِعْلام) أي وقصد به كثرة المصلين كما في المجموع قال لما صح إنه صلى الله عليه وسلم فعله مرارًا اهـ.
باب ما يقال في حال غسل الميت وتكفينه
قوله: (وَإذَا رَأَى الغَاسلُ) مثله من يعينه في أحكامه الآتية من إظهار أو إخفاء ما سيأتي. قوله: (اسْتحبّ لهُ أَنْ يُحدِّثَ النَّاسَ بذَلِكَ) أي إن لم يكن ذا بدعة مشهورة وإلا فينبغي كتم المحاسن حينئذٍ لئلا تفتتن النّاس ببدعته، قال الأذرعي بل لا يبعد إيجاب الكتم عند ظن الاغترار بها والوقوع فيها بذلك وهو متجه. قوله:(حَرُمَ عَلَيْهِ أنْ يُحدِّثَ أَحَدًا بهِ) أي إلّا لمصلحة كما سيأتي عن صاحب البيان. قوله: (وَاحْتجُّوا بمَا رَوَيْنَاهُ في سُنن أَبِي دَاوُدَ الخ) في الجامع الصغير
"اذْكرُوا مَحَاسِنَ مَوْتاكُمْ وَكفوا عَنْ مَساويْهِمْ"
ــ
للسيوطي ورواه الحاكم في المستدرك والبيهقي عن ابن عمر وأخرجه الطبراني في الصغير، قال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث غريب لم يروه عن عطاء إلَّا عمران بن أنس ولا عن عمران إلَّا معاوية بن هشام تفرد به أبر كريم محمد بن العلاء قال الحافظ معاوية من رجال مسلم، وفيه لين وشيخه ضعفه البخاري وغفل الحاكم فأخرجه من رواية أبي كريب عن معاوية بن هشام عن عطاء بن عمر وقال صحيح الإسناد، قال الحافظ وللحديث شاهد عند النسائي من حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم لا تذكروا هلكاكم إلا بخير وفي النهي عن سب الأموات أحاديث غير هذا. قوله:(اذْكُروا مَحاسنَ مَوْتاكُمْ)، قال العلقمي سيأتي
في حرف لا لا تسبوا الأموات فتؤذوا الأحياء: معنى الحديث أن الميت إذا ذكرت مساويه إلى أولاده وأقاربه أو غيرهم ممن يتأذى بذلك أو يلحقه به عار ولا مصلحة في ذكره فإنه منهي عنه ومراعاته من محاسبن الأعمال ومكارم الأخلاق.
فإن قيل هذا الحديث عام وهو مصرح بالنهي عن سب الأموات وقد ورد سبهم في الآيات {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد: 1] وفي الأحاديث كالحديث الصحيح الذي أثنوا عليه شرًّا فقال وجبت ولم ينكر عليهم.
قلنا الجواب أن عمومه مخصوص بحديث أنس حيث قال صلى الله عليه وسلم عند ثنائهم بالخير والشر وجبت وأنتم شهداء الله في الأرض ولم ينكر عليهم، قال شيخ مشايخنا وأصح ما قيل في ذلك إن أموات الكفار والفساق يجوز ذكر مساويهم والتنفير عنهم، وقد اجمع العلماء على جواز جرح المجروحين من الرواة أحياء وأمواتًا اهـ. قلت قوله والفساق هو محمول على من يرتكب بدعة بفسق يعزر عليها ويموت، أما الفاسق بغير ذلك فإن علمنا إنه مات وهو مصر على فسقه والمصلحة في ذكر مساويه جاز وإلَّا فلا هذا تحقيق الكلام فيه اهـ. لكن في فتح الإله النهي عن سب الأموات مخصوص بغير الكافر والمنافق والفاسق المتجاهر بفسقه فهؤلاء ينبغي سبهم إظهارًا لقبح ما كانوا عليه وتحذيرا من الاقتداء بهم في قول أو عمل ففي سبهم بهذا القصد فائدة أي فائدة لأن فيه نفع المسلمين وتنبيه الغافلين، وقد أخذ من هذا الحديث أئمتنا قولهم يحرم بلا غرض شرعي ذكر شيء من مساوي الميت بخلافه لغرض شرعي، وهو ما يبيح
ضعفه الترمذي.
وروينا في "السنن الكبير" للبيهقي، عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"مَنْ غَسَّلَ ميَّتًا فَكَتَمَ عَلَيهِ غَفَرَ اللهُ لَهُ أرْبَعِينَ مَرَّة". ورواه الحاكم أبو
عبد الله في "المستدرك" على "الصحيحين"، وقال: حديث صحيح على شرط مسلم، ثم إن جماهير أصحابنا أطلقوا المسألة كما ذكرتُه. وقال أبر الخير اليمنى صاحب "البيان" منهم: لو كان الميت مبتدِعًا مظهِرًا للبدعة، ورأى
ــ
غيبة الحي كتجاهرة بفسق أو بدعة حيث كان في الذكر مصلحة اهـ، وصريحه إنه لا يجوز ذكر مساوي فاسق غير مظهر فسقه لغير من يعلم حاله لأن المصلحة من الانزجار عن ذلك العمل أو الاعتقاد يحصل بذكر سب الأموات يجري مجرى الغيبة فإن كان أغلب أحوال المرء الخير وقد يكون منه الفلتة فالاغتياب له ممنوع وإن كان فاسقًا معلنًا فلا غيبة له، ويحتمل أن يكون النهي عن سب الأموات على عمومه فيما بعد الدفن، والمباح ذكر الرجل بما فيه قبل الدفن ليتعظ بذلك فساق الأحياء فإذا صار إلى قبره أمسك عنه لإفضائه إلى ما قدم نقله العلقمي والأول أظهر كما علم مما تقدم والله أعلم. قوله:(ضَعَّفهُ الترْمذِيُّ) عبارة المصنف للخلاصة رواه أبو داود والترمذي بإسناد ضعيف. قوله: (وَرَوَيْنَا في السُّنن الكبيرِ للْبيهقي الخ) قال الحافظ بعد هذا حديث حسن غريب وأخرجه الحاكم من وجهين ينتهيان إلى أبي عبد الرحمن المقري قال حدثنا سعيد بن أبي أيوب حدثني شرحبيل بن شريك عن علي بن رباح اللخمي قال سمعت أبا رافع قال هو مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من غسل ميتا فكتم عليه مرة غفر الله له أربعين مرة ومن حفر له فأجنه أجرى عليه كأجر مسكن أسكنه إلى يوم القيامة، ومن كفنه كساه الله يوم القيامة من سندس وإستبرق الجنة وسند البيهقي والنهي إلى المقرئ بهذا السند. قوله:(أَرْبَعِينَ مَرَّة) أي غفر له بعدد هذه المرات ما يقع في تلك المرة من الزلة.
قال بعضهم أربعين أي أربعين ذنبًا، وفي رواية للجوزي غفر له سبعين كبيرة، وفي حديث عند الطبراني عن أبي أمامة مرفوعًا من غسل ميتًا فستره، ستره الله من الذنوب أورده في الجامع. قوله:(مُظهرًا للْبدْعةِ) أي وقصد بذكرها انزجار النّاس عن مثل ذلك الاعتقاد وإلّا فيحرم لما فيه من استباحة عرض المسلم من