الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يستحبُّ أن يكثر فيه من تلاوة القرآن وغيره من الأذكار.
كتاب أذكار الحج
اعلم أن أذكارَ الحج ودعواتِه كثيرة لا تنحصر، ولكن نشير إلى المهمَّ من مقاصدها، والأذكار التي فيها على ضربين: أذكار في سفره، وأذكار في نفس الحج. فأما التي في سفره، فنؤخِّرُها لنذكرَها في أذكار الأسفار إن شاء الله تعالى. وأما التي في نفس الحجِّ فنذكرها على ترتيب عمل الحج إن شاء الله تعالى، وأحذف الأدلة والأحاديث في أكثرها خوفًا من طول الكتاب،
ــ
الصلاة بشروط مقررة في الفقه وسكت المصنف عن النية هنا لأنه أشار إليها فيما سبق من أحكام داخل المسجد بقوله فينوي داخل المسجد وكان حقه ذكرها هنا أيضًا فينوي الاعتكاف بقلبه ويسن التلفظ بلسانه ويجدد النية كلما دخل ما لم يخرج عازمًا على العود لأن عزمه عليه حينئذٍ بمنزلة نيته إن عاد ولا يبطله تكلم بمحظور ولا عمل صنعة ولو محرمة بخلاف نحو الجماع، وهو من الشرائع القديمة ويسن كونه يومًا وليلة ومع الصوم خرجا من خلاف من لم يجوزه دونه ومن أوجب فيه الصوم وأن ينويه كلما دخل المسجد أي ولو مارًا تقليدًا للقائل بحصوله للمار إذا نواه وقد تقدم فيما سبق تحرير ذلك والله أعلم. قوله (يُستَحبُّ أَنْ يُكْثِرَ منْ تِلاوةِ القُرآنِ) لأنه أفضل الأذكار جاء به أفضل الملائكة إلى أشرف الرسل وكان يكثر الاشتغال به في أشرف زمان وهو شهر رمضان وأشرف بقعة وهي المسجد فطلب حال الاعتكاف ليزداد فضله ولنمو ثوابه والله أعلم.
كتاب أذكار الحج
أي وأذكار العمرة، فأما أن يكون اكتفى عنها أو أراد به ما يشملها من استعمال اللفظ المشترك في معنييه إذ هو لغة مطلق القصد أو من استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه باعتبار معناه الشرعي الآتي ثم الحج بفتح أوله وكسره مصدران قال ابن جماعة الأكثر الكسر والقياس الفتح وقيل هو بالفتح مصدر وبالكسر اسم وفي شرح مسلم للمصنف هو بالفتح مصدر وبالفتح والكسر جميعًا اسم منه وفي كونه بالفتح اسم مصدر نظر والحج
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لغة القصد وقيل كثرته إلى من يعظم وشرعا على ما في المجموع قصد الكعبة للأفعال الآتية وقال ابن الرفعة هو نفس تلك الأفعال أي لأنها إجراؤه فلا وجود له بدونها حتى يقال إنه قصد البيت لأجلها وقد يؤول الأول بأن اللام فيه بمعنى مع أو يقال قصد البيت لأجلها يستلزم قصدها وعلى كلٍّ فليس المراد بالقصد نية الدخول إلى النسك المعبر عنه بالإحرام بل ما هو أعم من ذلك وهو العزم كما هو ظاهر كذا قيل، واعترض بأنه إن أريد بالتأويل موافقة تفسير ابن الرفعة فممنوع إذ ابن الرفعة لم يعتبر القصد وتأويله لا يدخل الأفعال إلَّا على الوجه الأول منه على احتمال فتعين أن المراد بالتأويل مجرد دخول الأفعال الأعلى ما فيه لما علم، ويرد على تعريف ابن الرفعة أن المعنى الشرعي يجب اشتماله على المعنى اللغوي بزيادة وذلك غير مورد عليه إذ لم يعتبر القصد إلَّا أن يقال إن ذلك أغلى أو إن منها النية وهو من جزئيات المعنى اللغوي ونظيره الصلاة الشرعية لاشتمالها على الدعاء، والحج من الشرائع القديمة روي أن آدم على نبينا وعليه الصلاة والسلام حج أربعين سنة من الهند ماشيًا وأن جبريل قال له إن الملائكة كانوا يطوفون قبلك بهذا البيت سبعة آلاف سنة وقال ابن إسحاق لم يبعث الله نبينا بعد إبراهيم إلَّا حج والذي صرح به غيره أنه ما من نبي إلَّا حج خلافًا لمن استثنى هودا وصالحا وفي وجوبه على من قبلنا وجهان الصحيح أنه لم يجب واستغرب قاله القاضي حسين، وهو أفضل العبادات لاشتماله على المال والبدن ولأنا دعينا إليه ونحن في الأصلاب كما أخذ العهد علينا بالإيمان حينئذٍ لكن الأصحاب على خلافه، وحج نبينا قبل النبوة وبعدها قبل الهجرة حججًا لا يدرى عددها وتسمية هذه حججًا إنما هو باعتبار الصورة إذ لم يكن على قوانين الحج الشرعي باعتبار ما كانوا يفعلوه من النسيء وغيره بل قيل في حجة أبي بكر الصديق رضي الله عنه في التاسعة ذلك ولكن الوجه خلافه لأنه صلى الله عليه وسلم لا يأمره إلَّا بحج شرعي وكذا يقال في الثامنة التي أمر فيها عتاب بن أسيد أمير مكة وبعدها حجة الوداع لا غير أشار إليه بعض المتأخرين، ونوزع فيما قاله من أن تسمية ما صدر منه صلى الله عليه وسلم حججًا إنما هو باعتبار الصورة الخ. بأنه قد ورد أن الله ألهمه صلى الله عليه وسلم فكان يقف في عرفة مع وقوف سائر قريش عند المزدلفة فكما ألهمه عز وجل بذلك فهو قادر على إلهامه وقوع حجة في زمنه من ذي الحجة على ما استقرت عليه شريعته والله أعلم، وفي
وقت وجوب الحج خلاف
وحصول السآمة على مطالعه، فإن هذا الباب طويل جدًّا، فلهذا أسلك فيه طريق الاختصار إن شاء الله تعالى.
فأول ذلك: إذا أراد الإحرام اغتسل وتوضأ ولبس إزاره ورداءه، وقد قدمنا ما يقوله المتوضئ والمغتسل، وما يقوله إذا لبس الثوب،
ــ
قبل الهجرة وقيل أول سنيها وقيل ثالثها وهكذا إلى العاشر، الأصح أنه في السادسة وفرضيته مجمع عليها معلومة من الدين بالضرورة يكفر جاحدها وفي وجوب العمرة خلاف فقال به الشافعي وخالفه الثلاثة قوله:(وحصُولِ السَّآمةِ) بالمهملة فالهمزة المدودة منها الملل والضجر يقال سئم يسأم وسآمة. قوله: (اغْتَسلَ وتوَضأ) وهذا الغسل سنة لكل واحد ممن أراد الإحرام ولو نحو حائض وإن إرادته قبل الميقات على الأوجه للاتباع أخرجه الترمذي عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تجرد لإحرامه واغتسل، وقال حسن غريب قال الحافظ حسنه لمجيئه من غير وجه واستغربه لتفرد عبد الرحمن صدوق فيه بعض مقال وعبد الله بن يعقوب المدني الراوي عنه لا يعرف حاله قال ابن القطان جهدت أن أعرف هل هو الذي أخرج له أبو داود أو غيره فلم أقدر "قلت" جزم المزي بأنه هو ورجح ابن المواز أنه غيره وهو الذي يظهر فإن طبقة الذي أخرج له أبو داود أعلى من هذا وقد أخرج الحديث ابن خزيمة في صحيحه من طريقه فكأنه عرف حاله ولم ينفرد به وقد أخرجه أيضًا في المختارة مع ذلك عن ابن أبي الزناد قد أخرجه الطبراني والدارقطني من طريق ابن غزية بفتح الغين المعجمة وكسر الزاي وتشديد التحتية اسمه محمد بن موسى عن أبي الزناد وله طرق أخرى عند الدارقطني والبيهقي فيها مقال وللحديث شاهد عن ابن عباس رواه الطبراني في الأوسط وآخر عن عائشة أخرجه الدارقطني وسند كل منهما ضعيف وله شاهد آخر صحيح عن عبد الله بن عمر قال من السنة أن يغتسل إذا أراد أن يحرم وإذا أراد أن يدخل مكة قال الحافظ
ثم يصلي ركعتين، وتقدَّمت أذكار الصلاة، ويستحبُّ أن يقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة (قلْ يا أيُّها الكافِرُونَ) ووفي الثانية (وقُلْ هُوَ اللهُ أحَدٌ) فإذا فرغ من الصلاة استحبَّ أن يدعوَ بما شاء، وتقدَّم ذِكْرُ جُمَل من الدَّعوات والأذكار خلف الصلاة،
ــ
بعد تخريجه هذا حديث صحيح أخرجه الحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط الشيخين وقول الصحابي من السنة كذا مرفوع عندهم وروى الشافعي من طريق جعفر بن محمد عن أبيه أن عليًّا رضي الله عنه كان يغتسل إذا أراد أن يحرم اهـ. ملخصًا ويكره ترك هذا الاغتسال وإحرام الجنب وتنوي الحائض هنا وفي سائر الاغتسالات المطلوبة منها في النسك الغسل المسنون كغيرها، ويكفي تقدمه عليه إن نسب له عرفًا فيما يظهر وكذا يسن التنظيف لغير نحو مريد التضحية بإزالة شيء من ظفره وقص شاربه ونتف إبطه وحلق عانته فإن عجز عن استعمال الماء ولو شرعًا تيمم لأن الغسل يراد به القربة والنظافة فإذا فات أحدهما بقي الآخر ولأنه ينوب عن الغسل الواجب فالمندوب أولى والوضوء يحتمل أن يكون الوضوء المفروض بسبب الحدث ونحوه وحينئذٍ فمعنى عده من السنن أنه ينبغي تقديمه على الإحرام ليكون في حال الكمال ويحتمل أن يكون الوضوء المنسوب للغسل بناء على استحبابه للغسل المندوب وهو المعتمد كما أفتى به الشيخ زكريا وغيره والله أعلم. قوله:(ولَبسَ إِزاره ورِدَاءه) أي لصحة ذلك عنه صلى الله عليه وسلم فعلًا، روى الشيخان أنه صلى الله عليه وسلم أحرم في إزار ورداء، وقولا، رواه أبو عوانة في صحيحه ولفظه ليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين وصححه ابن المنذر ولم يتعرض لتخريج مستنده
ذلك الحفاظ والسنة كون الإزار والرداء أبيضين ويسن كونهما جديدين نظيفين وإلا فنظيفين ويكره المتنجس الجاف والمصبوغ كله أو بعضه ولو قبل النسج على الأوجه أما المعصفر والمزعفر فيتعين اجتنابهما. قوله: (ثم يصلي ركْعتيْنِ) أي ينوي بهما سنة الإحرام للاتباع متفق عليه يقرأ سرًّا ليلًا أو نهارًا بعد الفاتحة (قُل يأيها الكافِرُونَ)[الكافرون 10] في الأولى (قُل هُوَ اللهُ أَحَدٌ)[الإخلاص: 1] في الثانية ويغني عنهما غيرهما كسنة تحية المسجد لأن
فإذا أراد الإحرام نواه بقلبه. ويستحبُّ أن يساعد بلسانه قلبه، فيقول: نوبت الحج وأحرمت به الله عز وجل، لبيك اللهم لبيك
…
إلى آخر التلبية. والواجب نية القلب، واللفظ سُنَّة، فلو اقتصر على القلب أجزأه، ولو اقتصر على اللسان لم يجزئه. قال الإِمام أبو الفتح سُلَيم بن أيوب الرازي: لو قال يعني بعد هذا: اللهُم لك أحرم نَفسي وشعري وبشري ولحمي ودمي، كان حسنًا. وقال غيره: يقول أيضًا: اللَّهُمَّ إني نويت الحج فأعني عليه وتقبله مني، ويلبِّي فيقول:
ــ
القصد وقوع الإحرام أثر صلاة كما أفاده البويطي أي بحيث لا يطول بينهما الزمن عرفا ويحرمان وقت الكراهة في غير الحرم لتأخر سببهما. فصل له: (وإذَا أَرادَ الإِحرَامَ نَواهُ بِقَلْبهِ الخ) استدل في شرح المهذب لأصل النية بعموم حديث عمر المرفوع إنما الأعمال بالنيات ويستدل لخصوصية الإحرام باللسان بما أخرجه الشافعي عن سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه قال قالت عائشة يا بن أخي هل تستثني إذا حججت قلت ماذا أقول قالت اللهم الحج أردت وإليه عمدت فإن يسرته لي فهو الحج. قوله: (وقَال الإِمَام أَبو الفَتح سُليم الخ) هو بضم السين المهملة على صيغة التصغير قال الحافظ وما ذكره الشيخ عن سليم بن أيوب وغيره لم أر له فيه سلفًا اهـ. قوله: (وشعري) وما بعده معطوف على نفسي من باب عطف الخاص على العام اهتمامًا به والمقام للأطناب. قوله: (وقَال غيْرُهُ يقُولُ الخ) ظاهر سياقه ذكر قول سليم وهذا القول الذي بعده بعد النية أنه يقوله بعدها وهو ما في الإحياء للغزالي لكن في الوسيط للأذرعي قال صاحب الخصال ويصلي ركعتين ويقول اللهم إني أريد الحج الخ. ثم ذكر أنه يلبي بعده اهـ، وما أفهمه كلام صاحب الخصال من تقديم ذلك على الإحرام لذكره عقب الركعتين لعله الأرجح وأظن أنه مربي ما يصرح به والمعنى في كل منهما صحيح وليس في كتب الشيخين تعرض لذلك إلَّا أن كتاب الأذكار قال بعد ذكر النية قال سليم الرازي الخ اهـ. نقله السيد السمهودي
لبيكَ اللَّهُمَّ لبيك، لبيكَ
ــ
في كتابه المسمى بالمجموع الحاوي لما وقع من الفتاوى. قوله: (لَبيكَ اللَهُمَّ لَبيَّكَ) لبيك مثنى مضاف منصوب بعامل لا يظهر قصد به التكثير إجابة لدعوة سيدنا إبراهيم على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام ومعناه أقمنا على طاعتك إجابة بعد إجابة هذا مذهب سيبويه وعليه أكثر النّاس ويؤيده قلب الألف ياء مع المظهر قيل وأصله البابين فحذفت النون للإضافة وحذف الزوائد وأدغم الياء الأولى في الثانية وحركت اللام بالفتح لتعذر
الابتداء بالساكن وقال يونس بن حبيب البصري لبيك اسم مفرد لا مثنى قال وألفه إنما قلبت ياء لاتصالها بالضمير كلدي وعلي وأصل الفعل منهما لبب بتشديد الأولى فاستثقلوا ثلاث باآت فأبدلوا الثالثة ياء عند اتصال الضمير كما قالوا تظنيت من الظن والأصل تظننت وأصل الألف ياء قلب مع الضمير لأصله ياء كما في عليك ولديك، ورد سيبويه قول يونس بأنه لو كان مفردًا لما قلبت ألفه ياء مع الاسم الظاهر وأنشد قول الشاعر:
دعوت لما نابني مسورًا
…
فلبى قلبي يدي مسور
قال المصنف واختلفوا في معنى لبيك واشتقاقها فقيل معناه إتجاهي وقصدي إليك مأخوذ من قولهم داري تلب دارك أي تواجهها. وقيل معناه محبتي لك من قولهم إمرأة لبة إذا كانت محبة ولدها عاطفة. وقيل معناه إخلاص لك مأخوذ من قولهم حسب لباب إذا كان خالصًا مخلصًا ومن ذلك الطعام ولبابه، وقيل معناه أنا مقيم على طاعتك وإجابتك مأخوذ من قولهم لب الرجل بالمكان وألب إذا أقام فيه ولزمه قال ابن الأنباري وبهذا قال الخليل والأخفش، قال القاضي قيل هذه الإجابة لقوله تعالى لإبراهيم عليه السلام:(وَأذِّن في النَّاسِ بِالحْجِّ)[الحج: 27]، وقال إبراهيم الحربي في معنى لبيك أي قربًا منك وطاعة والألباب القرب وقال أبو نصر معناه أنا ملب بين يديك أي خاضع هذا آخر كلام القاضي اهـ. قال السيوطي في حواشي سنن أبي داود وإذا كان المعنى في التلبية أنا مقيم على عبادتك وطاعتك فهل المراد كل عبادة الله تعالى أي عبادة كانت أو المراد العبادة التي هو فيها من الحج، الأحسن عند المعتبرين الثاني للاهتمام بالمقصود اهـ. قوله:(لَا شَرِيكَ لكَ) لا في الكلام لاستغراق
لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك
لك، هذه تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم،
ــ
نفي الجنس فهي لنفي كل شريك له في وصف من أوصافه أو فعل من أفعاله وفيه إيماء إلى الرد على المشركين فإنهم كانوا يقولون في تلبيتهم لا شريك لك، إلَّا شريكا هو لك، تملكه وما ملك، فكان صلى الله عليه وسلم إذا سمعهم يقولون ذلك يقول: قد قد أي حسبكم واقتصروا على قول لا شريك لك ولا تزيدوا قول إلَّا شريكًا هو لك الخ. قوله: (إِنَّ الحَمدَ) بكسر الهمزة من إن وفتحها وجهان مشهوران لأهل الحديث واللغة قال الجمهور والكسر أجود وقال الخطابي الفتح رواية العامة وقال ثعلب الاختيار الكسر وهو أجود في المعنى لأن من كسر جعل معناه إن الحمد لك على كل حال ومن فتح قال معنى لبيك بهذا السبب وما نقله الزمخشري عن الشافعي من اختيار الفتح وارتضاه الأسنوي رده الأذرعي بأن اختيارات الشافعي لا تؤخذ من الزمخشري لأن أصحابه أدرى باختياراته من غيرهم ولم ينقلوه عنه لا يقال كما إن الفتح يوهم التعليل والتخصيص أي إن الإجابة معلولة ومختصة بحال شهود الأنعام فالمكسورة تدل على التعليل أيضًا فيؤدي إلى إيهام ما ذكره لأنا نقول هو ممنوع وعلى التنزل فليس مقصودًا منه وعلى التنزل فهو في المفتوحة أظهر وأشهر. قوله: (والنَّعمةَ) بكسر النون الإحسان والعطاء والمشهور نصبها قال القاضي ويجوز رفعها على الابتداء ويكون الخبر محذوفًا وقال ابن الأنباري إن شئت جعلت خبر إن محذوفًا تقديره إن الحمد لك والنعمة مستقرة. قوله (لكَ) ومعناه في الحمد إنك تستحقه دون غيرك وفي الأنعام أنك الموصوف به في الحقيقة أو الموجد لأثره دون غيرك وقيل اللام بمعنى من أي منك ويستحب أن يقف وقفة لطيفة عند. قوله:
(والمُلكَ) ثم يقول. قوله: (لَا شريكَ) لك والأفضل الاقتصار عليها فيكررها ثلائا ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وفي الصحيحين وغيرهما ذكر عن نافع مولى ابن عمر قال وكان ابن عمر يزيد فيها لبيك وسعديك والخير بيديك لبيك والرغباء إليك والعمل، والرغباء بفتح الراء وإسكان الغين المعجمة والموحدة والمد وبضم الراء وسكون
ويستحبُّ أن يقول في أوَّل تلبية يلبيها: لبيك اللَّهُمَّ بحجة، إن كان أحرم بحجة، أو لبيك بعمرة، إن كان أحرم بها ولا يعيد ذِكْر الحج والعمرة فيما يأتي بعد ذلك من التلبية على المذهب الصحيح المختار.
واعلم أن التلبية سُنَّة لو تركها صح حجه وعمرته ولا شيء عليه، لكن فاتته الفضيلة العظيمة والاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا هو الصحيح من مذهبنا ومذهب جماهير العلماء، وقد أوجبها بعض أصحابنا، واشترطها لصحة الحج بعضهم، والصواب الأول، لكن تستحبُّ المحافظة عليها للاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم،
ــ
الغين المعجمة والقصر الطلب، والعمل وسيأتي زيادة في هذا المعنى آخر الفصل الآتي وما ذكره من التلبية إلى قوله والملك لا شريك لك هي تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحرامه كما ثبت ذلك في الحديث المتفق على صحته من حديث ابن عمر قال نافع كان ابن عمر يزيد فيها لبيك وسعديك والخير بيديك والرغباء إليك والعمل قال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث صحيح متفق عليه أخرجه الشافعي عن مالك وأخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والنسائي كلهم من رواية مالك وابن حبان وأخرج الحافظ بسنده إلى الدرامي عن ابن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لبى يقول فذكر مثله قال نافع وكان ابن عمر يزيد هؤلاء الكلمات لبيك والرغباء إليك واعلم لبيك لبيك. قوله:(ويُستَحبُّ أَنْ يقولَ في أَوَّلِ تَلبيةِ يُلَبيها الخ) أي لما أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن أنس أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لبيك بعمرة وحجة ويسن الإسرار بهذه التلبية لأنه لما سن فيها ذكرها أحرم به طلب منه الإسرار بها لأنه أوفق بالإخلاص. قوله: (واعْلم أَنَّ التَّلبيَة سُنَّة الخ) قال المصنف في شرح مسلم أجمع المسلمون على مشروعيتها ثم اختلفوا في إيجابها فقال الشافعي وآخرون هي سنة ليست بشرط لصحة الحج ولا واجبة فلو تركها صح حجه ولا دم عليه لكن فاتته الفضيلة وقال بعض أصحابنا هي واجبة تجبر بالدم ويصح بدونها وقال بعض أصحابنا هي شرط لصحة الإحرام قال فلا يصح الإحرام ولا الحج إلَّا بها والصحيح من مذهبنا ما قدمناه عن الشافعي وقال مالك ليست بواجبة لكن
وللخروج من الخلاف، والله أعلم.
وإذا أحرم عن غيره قال:
ــ
لو تركها لزمه دم وصح حجه وقال الشافعي ومالك ينعقد الحج بالنية بالقلب من غير لفظ كما ينعقد الصوم بالنية فقط وقال أبو حنيفة لا ينعقد إلَّا بإضمام التلبية أو سوق الهدي إليه قال أبو حنيفة ويجزئ عن التلبية ما في معناها من التسبيح والتهليل وسائر الأذكار كما قال هو إن التسبيح وغيره يجزئ في الإحرام بالصلاة عن التكبير والله أعلم. قوله: (وللْخرُوجِ منَ الخِلافِ) أي فإنه سنة ما لم يصادم أصح منه وما لم يشتد ضعف مستدركه أو يوقع في خلاف آخر. قوله: (وإذَا أَحرَم عَنْ غيْرهِ) قال الحافظ أما الإحرام عن الغير ففي الصحيحين عن ابن عباس وأما تعيين الإحرام عن فلان عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا
يلبي عن شبرمة فقال أيها الملبي عن شبرمة من شبرمة قال أخي قال هل حججت عن نفسك قال لا قال فاحجج عن نفسك ثم احجج عن شبرمة وفي رواية اجعل هذه عن نفسك وحج عن شبرمة قال الحافظ بعد تخريجه هذا حديث صحيح أخرجه أبو داود وذكر في مسائله أنه سأل أحمد عن هذا الحديث فصححه وقال عبدة يعني ابن أبي سليمان قديم السماع من سعيد يعني ابن أبي عروبة قال الحافظ يشير بذلك إلى اختلاط سعيد قال فذكرت ذلك لأبي زرعة قال الحديث صحيح وأخرجه ابن خزيمة والدارقطني من رواية عبدة أيضًا وأخرجه الدارقطني من وجه آخر وأخرج الطبراني في المعجم الصغير عن عطاء عن ابن عباس قال سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا يقول لبيك عن شبرمة فقال حججت قال لا قال حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة قال الحافظ وبالسند إلى الطبراني قال لم يروه عن عمر بن دينار إلا حماد بن سلمة ولا عن حماد إلَّا يزيد بن هارون تفرد عنه عبد الرحمن بن خالد الرقي قال الحافظ قلت وهو ثقة من شيوخ أبي داود والنسائي ومن فوقه من رجال الصحيح وشيخ الطبراني وهو عبد الله بن سندة بفتح السين المهملة وسكون النون ذكره أبو نعيم في تاريخه يقال هو عبد الله بن سعيد بن الوليد بن معدان الضبي وسندة لقب سعيد وكان كثير الحديث روى عنه جماعة ثم أخرج حديثه عن الطبراني به وأخرجه الشافعي عن مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء مرسلًا قال البيهقي وكذا رواه الثوري عن ابن جريج مرسلًا ووصله محمد بن عبد الرحمن