الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب ما يقوله بعد نزول المطر
روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية في إثر سماء كانت
ــ
قال الحافظ وكذا وقع من حديث أبي أمامة موصولًا مرفوعًا قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تفتح أبواب السماء في أربع مواطن عند التقاء الصفوف وعند نزول الغيث وعند إقامة الصلاة وعند رؤية الكعبة قال الحافظ هذا حديث غريب فتساهل الحاكم فأخرجه في المستدرك وقال صحيح الإسناد ورده الذهبي في تلخيصه فقال فيه عفير أي بالعين المهملة والفاء مصغر وهو واهٍ جدًّا وقد تفرد اهـ. قال الحافظ فلعل مكحولًا أخذ حديثه هذا عن أبي أمامة فإنه معروف بالرواية عنه وقال في تخريجه أحاديث الشرح الكبير للرافعي روى البيهقي عن أبي أمامة الدعاء يستجاب وتفتح أبواب السماء في أربعة مواطن عند التقاء الصفوف ونزول الغيث وإقام الصلاة ورؤية الكعبة وإسناده ضعيف وروى الطبراني في الصغير من حديث ابن عمر فذكر نحوه وقال بدل رؤية الكعبة دعوة المظلوم وزاد في قراءة القرآن اهـ. قال ابن رسلان دعاء من هو تحت المطر لا يرد أو قلما يرد فإنه وقت نزول الرحمة للعباد لا سيما مطر أول السنة.
باب ما يقوله بعد نزول المطر
قوله: (رَوَيْنَا في صحيحي البُخارِي ومُسلم) قال الحافظ بعد تخريجه وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان وفي الباب عن أبي هريرةَ وابن عباس أخرجهما مسلم. قوله: (عَنْ زَيدِ بنِ خالدٍ الجُهني) هو صحابي سكن المدينة وشهد الحديبية وكان معه أبو جهينة يوم الفتح روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قيل أحد وثمانون حديثًا أخرج له في الصحيحين منها ثمانية أحاديث اتفقا منها على خمسة وانفرد مسلم بثلاثة روي عنه أبو سلمة وعطاء بن يسار توفي بالمدينة وقيل بمصر وقيل بالكوفة سنة ثمانٍ وسبعين وهو ابن خمس وثمانين سنة وقيل غير ذلك. قوله: (صلَّى بنَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الخ) كان ذلك والنبي -
صلى الله
من الليل، فلما انصرف أقبل على النّاس فقال:"هَلْ تَدْرُونَ ماذا قال رَبُّكُمْ؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: قال: "أصْبَحَ مِنْ عِبادِي مُؤْمِنٌ بي وكافِرٌ، فأمَّا مَنْ قال: مُطِرنا بفَضْلِ الله وَرَحْمَتِهِ، فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بي كافِرٌ بالكَوْكَبِ، وأمَّا مَنْ قال: مُطِرْنا بِنَوءِ كَذا وكَذَا، فذَلك كافِرٌ بي مُؤْمِنٌ بالكَوكَبِ".
قلت: الحديبية معروفة، وهي بئر قريبة من مكة دون مرحلة، ويجوز فيها تخفيف الياء الثانية وتشديدها، والتخفيف هو الصحيح المختار، وهو قول الشافعي وأهل اللغة، والتشديد قول ابن وهب وأكثر المحدثين.
ــ
عليه وسلم - يحرم بعمرة أحرم بها من ذي الحليفة وهم بدخول مكة من جانب الحديبية فصده المشركون عن البيت فصالحهم وشرط لهم وعليهم ولم يدخل مكة ذلك العام بل تحلل ورجع المدينة فلما كان العام المقبل دخلها بعمرة وتفصيل ذلك في كتب السير. قوله: (فلمَّا انصرَفَ) أي انصرف من صلاته وفرع منها. قوله: (فأمَّا مَنْ قَال مُطِرنَا بفَضْلِ الله ورحمتَهِ فذَلِكَ مؤمنٌ بِي) أي من قال ذلك بلسانه معتقدا له بجنانه مصدقًا بأن المظر خلقي لا خلق الكواكب أرحم به العباد وأتفضل به عليهم كما قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} [الشورى: 28]. قوله: (وهيَ بئْرٌ) وقيل موضع فيه ماء ولا منافاة لاحتمال أنه لأحدهما بالأصالة وبه سمي الآخر إما من إطلاق اسم الجزء على الكل أو بالعكس ثم رأيت في كتاب التهذيب الآتي إشارة لما ذكرته. قوله: (قريبَةٌ منْ مكّةَ) أقول بينها وبين مكة كما بين الجعرانة ومكة اثنا عشر ميلًا وقيل ثمانية عشر ميلًا وجزم به جمع ورد، وأصل الخلاف الاختلاف في مسافة الميل هل هي ثلاثة آلاف وخمسمائة ذراع كما قاله ابن عبد البر وآخرون أو ستة آلاف كما قالوه في باب صلاة المسافر وهذا هو الصحيح وإن اعترضه جمع بكلام ابن عبد البر فقد قال المحققون إن هذا قيل به عن تحقيق واختبار بخلاف ذاك والله أعلم. قوله:(والتخفيفُ هو الصحيحُ المختَارُ وهوَ قولُ الشَّافِعي وأَهلِ اللُّغةِ) زاد في شرح مسلم وبعض المحدثين وذكر القرطبي في المفهم أن ذلك لغة أهل العراق. قوله: (والتشدِيدُ قولُ ابْنِ وهْب وأَكثَرِ المحدِّثينَ)
والسماء هنا: المطر. وإثر بكسر الهمزة وإسكان الثاء، ويقال: بفتحهما لغتان. قال العلماء: إن قال مسلم: مطرنا بنوء كذا،
ــ
زاد في شرح مسلم والكسائي ثم
قال والخلاف في الجعرانة كذلك في تشديد الراء وتخفيفها المختار فيها أيضًا التخفيف وقال في التهذيب بعد نقل التخفيف والتشديد عمن ذكر في الحديبية هما وجهان مشهوران قال صاحب مطالع الأنوار ضبطناها بالتخفيف عن المتقنين وأما عامة الفقهاء والمحدثين فيشددونها وهي قرية ليست بالكبيرة سميت ببئر هناك عند مسجد الشجرة قال وهي على نحو مرحلة من مكة كان الصحابة الذين بايعوا تحت الشجرة بيعة الرضوان يوم الحديبية ألفا وأربعمائة وقيل وخمسمائة وقيل وثمانمائة روى الشيخان هذه الروايات الثلاث في صحيحيهما في باب غزوة الحديبية وأولها أشهرها كما قال البيهقي وغيره. قوله: (والسماءُ هنَا المَطرُ) قال في النهاية وسمي المطر سماء لأنه ينزل من السماء يقال ما زلنا نطاء السماء حتى أتيناكم ومنهم من يؤنثه وإن كان بمعنى المطر كما يذكر السماء وإن كان مؤنثا كما قال تعالى: (السَّمَاءُ مُنفَطِرٌ بِه)، وقيل حديث هاجر تلك أمكم يا في ماء السماء يريد العرب لأنهم يعيشون بماء المطر ويتبعدن مساقط الغيث اهـ، وسكت المصنف عن ضبط النوء في أصله قال في شرح مسلم فيه كلام طويل لخصه الشيخ أبو عمرو بن الصلاح فقال النوء في أصله ليس هو نفس الكواكب فإنه مصدر ناء النجم ينوء نوءا أي سقط وغاب وقيل نهض وطلع ويؤيد ذلك أنه ثمانية وعشرون معروفة المطالع في أزمنة السنة كلها وهي المعروفة بمنازل القمر الثمانية والعشرين يسقط في كل ثلاث عشرة ليلة منها نجم في المغرب مع طلوع الفجر ويطلع آخر مقابله في المشرق من ساعته فكان أهل الجاهلية إذا كان عند ذلك مطر ينسبونه إلى الساقط والغارب منهما وقال الأصمعي إلى الطالع منهما قال أبو عبيدة ولم أسمع أن النوء السقوط إلَّا في هذا الموضع ثم إن النجم نفسه قد يسمى نوأ تسمية للفاعل بالمصدر قال أبو إسحاق الزجاج في بعض أماليه الساقطة في المغرب الأنواء الطالعة في المشرق هي البوارح والله أعلم اهـ. هذا وقد ضبط المنازل ونظم أسماءها عمي وشيخي الإِمام العارف بالله تعالى شهاب الدين أحمد بن إبراهيم بن علان الصديقي الشافعي النقشبندي فقال:
مريدًا أن النوءَ هو الموجِد والفاعِل المحدِث للمطر، صار كافرًا مرتدًا بلا شك، وإن قاله مريدًا أنه علامة لنزول المطر، فينزل المطر عند هذه العلامة، ونزوله بفعل الله تعالى وخلقه سبحانه، لم يكفر. واختلفوا في كراهته، والمختار أنه مكروه،
ــ
من أراد المنازل القمريات
…
مسامع تهنئ الآذان
شريطين أتى بها بطين
…
والثريا كذاك مع دبران
هقعة الهنعة الذراع أتانا
…
نثره الطرف جهة الإنسان
دبرة الصرفة الصحيب لعوا
…
وسماك بغفره وزبان
وثم إكليل قلبه مع شول
…
ونعائم وبلدة بعيان
سعد ذبح كذاك سعد بلوع
…
وسعود ومخبر بمكان
والرشا هو عندهم قد سمي
…
بطن حوت فعدها بتوان
قوله: (ويريدَ أَنَّ النوءَ هُو المُوجِدُ) أي كما كان بعض أهل الجاهلية يزعم. قوله: (صَارَ كافرًا
مرتدًّا) أي وعليه عمل أهل الحديث إن أريد بالكفر الكفر السالب لأصل الإيمان المخرج عن ملة الإسلام وهذا التأويل ذهب إليه جماهير العلماء والشافعي وهو ظاهر الحديث أما إذا أريد بالكفر في الخبر كفران النعم فلا يختص بما أول عليه الخبر على الوجه الأول بل يعم من قال ذلك واعتقاده أن الله هو الفاعل المختار وأن هذا النوء وقته لذلك معتادًا لا دخل له في الإيجاد ووجه دخوله اقتصاره على إضافة الغيث إلى الكواكب في اللفظ وترك الموجد في الحقيقة فقد ستر نعمة الله في مقاله وظلم بنسبته الفعل لغير المنعم بها قاله المصنف في شرح مسلم ويؤيد هذا الوجه رواية أصبح من النّاس شاكر وكافر، ورواية ما أنعمت على عبادي من نعمة إلَّا أصبح فريق منهم بها كافرين فقوله بها على أنه كفر بالنعمة والله أعلم اهـ. قوله:(والمختَارُ أَنهُ مكرُوه) الذي جرى عليه القرطبي أن ذلك حرام قال لأنه تشبه بأهل الكفر في قولهم وذلك لا يجوز لأنا قد أمرنا بمخالفتهم ومنعنا تعالى من التشبه بهم في النطق بقوله لا تقولوا راعنا لما كان اليهود يقولون تلك الكلمة للنبي صلى الله عليه وسلم يقصدون بها رعونته منعنا من إطلاقها وقولها وإن قصدنا بها الخير سدًّا للذريعة ومنعًا