الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فمعناها كما قال مجاهد، والشافعي:" فَثَم قبلة الله " وصفة الوجه ثابتة لله- سبحانه- في آيات، وأَحاديث أُخر (1) والله أَعلم.
النوع الثاني: أَحكام فقهية (2) قطعية، بِنَصّ من كتاب، أَو سنة، أَو إجماع سالم من معارض مثل وجوب أَركان الإسلام، وتحريم الربا، والزنا، والخمر، والسرقة. وهكذا.
فهذه أَحكام شرعية عامة لجميع الأمة، معلومة من الدين بالضرورة، فلا يختص بها مذهب دون آخر، ولا فقيه دون فقيه، ولا يوصف الحكم فيها بأَنه مذهب فلان، ولا أَن الآخذ بها مقلد له فيها.
ألا ترى أَنه لو قال قائل: مذهب فلان وجوب الصلاة، أو الزكاة، ونحو ذلك، لكان قولاً يمجه السمع، وينفر منه الطبع، ويأباه الله، ورسوله، والمؤمنون؛ لأَنه حكم شرعي عام، معلوم من دين الله بالضرورة.
النوع الثالث: أَحكام فقهية اجتهادية
عن إمام المذهب، بطريق:" الروايات المطلقة " أَو " التنبيهات " وما في ذلك من تقاسيم باعتبارات مبينة في
(1) الفتاوى: 6/ 15- 23، 3/ 229 - 230
(2)
بينت في: " معجم المناهي اللفظية الغلط في تقسيم الأحكام إلى أصول وفروع، وأن هذه نفثة اعتزالية، وأنه ليس هناك حد فاصل لدى من قال بالتقسيم، فليراجع.
" الفصل الأول " من " المدخل الخامس ".
فهذه الأَحكام التي توصل إِليها هذا الإمام مستنبطاً لها من نصوص الوحيين الشريفين، باذلاً وسعه، موظفاَ ما منحه الله من مدارك الاجتهاد والنظر هي:" مذهبه " وهي " اختياره " وهي: " قوله ورأيه ".
وهذا هو النوع الأم الذي يُوصف بأَنه المذهب، من غير تجوز، فصح إطلاقنا عليه:" المذهب حقيقة " وقد حوى مذهب الإمام أَحمد من فقهه هذا عددا غير قليل من كتب المسائل والرواية المسندة عنه التي حوت نحو ستين أَلف مسألة.
وله في المسألة رواية واحدة، وقد يكون له روايتان، وقد يكون له ثلاث روايات فأكثر.
وعند التعدد، يكون نظر الأصحاب في مسالك الترجيح والاختيار، كما ستراه- إِن شاء الله- في:" الفصل الثالث " من " المدخل السابع "
النوع الرابع: أَحكام فقهية اجتهادية، من عمل الأصحاب تخريجاً على المذهب، وهي:" التخريجات ". وهي ما صح أن نطلق عليه: " المذهب اصطلاحًا". وهذه: " التخاريج " وقع فيها الاختلاف بين الأصحاب، فهذا
يخرج الحكم بالجواز وآخر يخرجه بالكراهة، أَو التحريم، وهكذا، ثم اختلفوا: هل اجتهادات الأَصحاب هذه، الجارية على أصول وقواعد مذهب الإمام، تلحق بمذهبه، فتنسب إِليه، أَو لا؟
هذا النوع بمسائله مبين في: " الفصل الثاني " من " المدخل السابع "
النوع الخامس: أَحكام فقهية اجتهادية من عمل الأَصحاب من باب اجتهاداتهم في استنباط الأَحكام دون الارتباط بالتخريج على المذهب.
وهذه موجودة في كل مذهب، يدرجها الفقيه في كتاب المذهب بحكم ما يرد في عصره من واقعات، قد لا يجد لها تخريجاً في المذهب، فيجتهد في استنباط الحكم من أصول الشريعة، أو مقايسته بما هو أشبه به من فروع الشريعة، فيدرجه في مؤلفه من كتب ذلك المذهب ومنه ما يكون غلطا مضاعفاَ؛ إِذ يغلط المستفيد فيلحقه بالمذهب رواية، أو تخريجاً، ويغلط المستنبط فلا يصح له ما استنبطه.
ولذا عقد الشيخ ابن قاسم- رحمه الله تعالى- في مقدمة حاشيته على: " الروض المربع " فائدةً هذا نصها:
" كتب المتأخرين: " وقال مجدد الدعوة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: أكثر ما في الإقناع والمنتهى مخالف لمذهب أحمد ونصه، فضلاً عن نص رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعرف ذلك من- عرفه،
وقال نحو ذلك في كتب المتأخرين من أهل المذاهب. ولشيخ الإسلام عن أهل عصره نحو ذلك. فكيف بكتب عصرنا "
" وقال ابن القيم: المتأخرون يتصرفون في نصوص الأئمة، ويبنونها على ما لم يكن لأَصحابها ببال، ولا جرى لهم في مقال، ويتناقله بعضهم عن بعض، ثم يلزمهم من طرد لوازم لا يقول بها الأَئمة، فمنهم من يطردها ويلزم القول بها، ويضيف ذلك إلى الأَئمة، وهم لا يقولون به؛ فيروج بين الناس بجاه الأَئمة، ويفتى به، ويحكم به والإمام لم يقله قط بل يكون نص على خلافه.
وقال: لا يحل أن ينسب إلى إمامه القول، ويطلق عليه أنه قول، بمجرد ما يراه في بعض الكتب التي حفظها، أو طالعها من كلام المنتسبين إليه، فإنه قد اختلطت أقوال الأَئمة وفتاويهم، بأقوال المنتسبين إليهم واختياراتهم، فليس كل ما في كتبهم منصوصاً عن الأَئمة، بل كثير منه يخالف نصوصهم، وكثير منه لا نص لهم فيه، وكثير منهم يخرج على فتاويهم، وكثير منهم أفتوا به بلفظه، أو بمعناه، فلا يحل لأَحد أن يقول: هذا قول فلان ومذهبه، إلا أن يعلم يقيناَ أنه قوله ومذهبه. ا. هـ
وإذا تتبع المنصف تلك الكتب، واستقرأ حال تلك الأتباع، وعرضها على الكتاب والسنة، وعلى أصول الأَئمة، وما صح عنهم، وجدها كما قالوا رحمهم الله. وقد يؤصِّل أتباعهم ويفصِّلون على ما هو عن مذاهب أئمتهم الصحيحة بمعزل، يعرف ذلك من كان خبيراً
بأصولهم ونصوصهم، ومع ذلك، عند بعضهم: كل إمام في أتباعه بمنزلة النبي في أمته، لا يلتفت إلى ما سواه، ولو جاءته الحجة كالشمس في رابعة النهار " انتهى.
ومن أَمثلته في كتب الحنابلة: تقرير بعض الحنابلة للتأذين الجماعي في المسجد الواحد، كما في:" الِإنصاف " ولا سلف له في الرواية عن الإمام.
وتقرير كثير من الحنابلة: للذِّكْر عند كل عضو من أعضاء الوضوء، مع أنه لا يصح فيه حديث، ولا يثبت عن أحد من الأَئمة الأَربعة. كما في:" الِإنصاف: 1/ 137- 138 ".
وفيه تقرير بعض الأصحاب مسح العنق في الوضوء، ولا يصح فيه حديث، ولم تثبت به الرواية عن الإمام أحمد.
وفيه: 1/413 استحباب بعض الأَصحاب أَن يقول في آخر القنوت: " وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا
…
" الآية. ولا دليل عليه. ولم يكن في الرواية عن أحمد.
وتقرير بعض الأَصحاب مشروعية شد الرحال إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم في أواخر " كتاب الحج " فلا رواية في هذا عن الإمام أحمد، ولا يخرج على مذهبه، وإنما هو تفقه الصاحب، وهو غلط، يرده حديث النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تشد الرحال إِلا إلى ثلاثة مساجده
…
" الحديث
ومنه قولهم في: " كتاب الوقف " بنفوذ الوقف على بعض الأمور المبتدعة، مثل الوقف على بناء القباب وتشييد المشاهد عليها وهذا
لا رواية فيه عن أحمد، ولا يُخَرَّجُ على شيء من مذهبه، وهو ترك للسنة الصحيحة في النهي عن البناء على القبور وتشريفها ولابن القيم- رحمه الله تعالى- في:" إِعلام الموقعين " بحث نفيس مطول في إبطال شروط الواقفين غير الشرعية، وأَنها تصرف في الأَقرب لمقصد الواقف من المصارف الشرعية.
ومن أمثلته: تلك المسألة التي عُدَّت من مفردات الحنابلة، وطالت فيها مطارحات العلماء، وبلغت المؤلفات فيها مبلغاً، كما تراها في:" كتب الصيام " من: " المدخل الثامن " هي مسألة: " وجوب صيام يوم الشك " فليس الوجوب رواية عن أحمد، ولا هو قياس مذهبه وإنما هو من فقه بعض متقدمي الأَصحاب، ومع كثرة القائلين به منهم، وشهرتهم، وتطاول الزمن، عُدَّ مذهباً لأَحمد، وصوابه: أنه من فقه بعض الأَصحاب، كما نبَه عليه شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله تعالى- وغيره.
ولهذا فعليك أيها الفقيه: التثبت والتورع عند نِسْبةِ الأقوال في المذاهب المتبوعة، فتأمل متى تقول في مَسْألة ما: هي مذهب أحمد، أو الرواية عن أحمد، أو رواية في مذهبه، أو تخريج عليه، أو من تخريج فلان وفلان على مذهبه، أو قياس المذهب، أو مذهب الحنابلة، وهكذا من الأَلفاظ المصطلح عليها، مراداً بها ما تعنيه من عزو وتخريج. والله أعلم.