المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثالث: المرجحات (1) - المدخل المفصل إلى فقه الإمام أحمد وتخريجات الأصحاب - جـ ١

[بكر أبو زيد]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الطبعة الأولى

- ‌المدخل الأول: معارف عامة عن التمذهب

- ‌المبحث الأَول: التعريف بلفظ: " المذهب

- ‌1- ماهية " المذهب " وحقيقته لغة

- ‌2- حقيقته العرفية:

- ‌3- ماهية " المذهب " وحقيقته اصطلاحًا

- ‌المبحث الثاني: التعريف بلفظ: " الفقه

- ‌1- ماهية: " الفقه " لغة

- ‌2- ماهية: " الفقه " شرعاً:

- ‌3- الفقه الأكبر

- ‌4- لقب: " القُرَّاء

- ‌5- ماهية: " الفقه " اصطلاحًا:

- ‌المبحث الثالث: أنواع الفقه المدوَّن في كل مذهب

- ‌النوع الأَول: أَحكام التوحيد

- ‌النوع الثالث: أَحكام فقهية اجتهادية

- ‌المبحث الرابع: تاريخ التمذهب، والحث على فقه الدليل

- ‌المبحث الخامس: الاجتهاد في الفقه الإسلامي وأثره في الثروة الفقهية في كل مذهب

- ‌1- من له حق الاجتهاد:

- ‌2- مجالاته:

- ‌3- أَسبابه:

- ‌4- أنواعه:

- ‌5- حُكْمُه:

- ‌6- حِكْمَته:

- ‌المبحث السادس: في شروط نقل المذهب، والتوقِّي من الغلط فيه وأسباب الغلط

- ‌ الأَمر الأول: شروط نقل المذهب

- ‌ الأَمر الثاني: في التوقي من الغلط في نقل المذهب وأسباب الغلط:

- ‌المدخل الثاني: في معارف عامة عن المذهب الحنبلي

- ‌الدور الأول: دور نشأته في حياة الإمام أَحمد

- ‌الدور الثاني: دور النقل والنمو:

- ‌الدور الثالث: دور تحرير المذهب وتنقيحه:

- ‌الدور الرابع: دور الاستقرار:

- ‌الدور الخامس: دور إِحياء التراث

- ‌المبحث الثاني: في مزايا الفقه الحنبلي

- ‌ فقه الدليل

- ‌ كثرة المسائل العلمية والعملية

- ‌ البعد عن الفقه التقديري في المذهب:

- ‌ البعد عن الِإغراق في الرأي:

- ‌ التيسير في الأحكام من العبادات والمعاملات والشروط والنكاح وغيرها:

- ‌المبحث الثالث: في معرفة ما كتب عن التعريف بالمذهب

- ‌ فائدة:

- ‌المذهب الحنفي:

- ‌المذهب المالكي:

- ‌المذهب الشافعي:

- ‌المدخل الثالث: في أصول المذهب

- ‌فصل:الأَصل الثالث من أصوله:

- ‌فصل:الأَصل الرابع: الأَخذ بالمرسَلِ والحديثِ الضعيف

- ‌المدخل الرابع: في معرفة مصطلحات المذهب وتفسيرها

- ‌ تمهيد:

- ‌الفصل الأول: في ألفاظ الإمام أحمد في أجوبته ومراتبها الحكمية

- ‌الفصل الثاني: في مصطلحات الأصحاب العامة

- ‌ القسم الأول

- ‌ القسم الثاني:

- ‌ القسم الثالث:

- ‌ القسم الرابع:

- ‌ القسم الخامس:

- ‌الفصل الثالث: في مصطلحات الأصحاب في نقل بعضهم عن بعض

- ‌المدخل الخامس: في التعريف بطرق معرفة المذهب ومسالك الترجيح فيه

- ‌التمهيد الأول: في ماهية المذهب

- ‌التمهيد الثاني: عناية الأصحاب في بيان هذه الطرق

- ‌التمهيد الثالث: مراتب الناس فيها

- ‌الفصل الأول: في طرق معرفة المذهب

- ‌الطريق الأول: القول:

- ‌أَولَا: أقسام أقواله من جهة القبول أو الرد:

- ‌ القسم الأول:

- ‌ القسم الثاني

- ‌ القسم الثالث:

- ‌ القسم الرابع:

- ‌ القسم الخامس:

- ‌ ثانياً: أَقسام أقواله من جهة إِفادتها مرتبة الحكم التكليفي في منطوقها:

- ‌ القسم الأول:

- ‌ القسم الثاني:

- ‌ القسم الثالث:

- ‌ القسم الرابع:

- ‌ الطريق الثالث: السكوت:

- ‌ الطريق الرابع: التوقف

- ‌ القسم الاول:

- ‌ القسم الثاني:

- ‌الفصل الثاني: في طرق معرفة المذهب، اصطلاحًا من تصرفات الأصحاب في التخريج على المذهب ولازمه

- ‌الطريق الأول

- ‌ الطريق الثاني:

- ‌ الطريق الثالث:

- ‌الفصل الثالث: في مسالك الترجيح عند الاختلاف في المذهب

- ‌المبحث الأول: أنواع الاختلاف في المذهب

- ‌المبحث الثاني: مسالك الترجيح عند الاختلاف

- ‌المبحث الثالث: المرجحات (1)

- ‌المبحث الرابع: من له حق الترجيح في المذهب

- ‌المبحث الخامس: اصطلاح الأصحاب في حكاية الخلاف

- ‌المدخل السادس: في التعريف بالإمام أحمد

- ‌المبحث الأول: عيون المعارف في ترجمته

- ‌نَسَبُهُ:

- ‌منازل بني شيبان في الإسلام:

- ‌تاريخ ولادته ووفاته:

- ‌ابن حنبل:

- ‌ كنيته

- ‌ آل الإمام أَحمد- رحمه الله تعالى

- ‌ صفته:

- ‌ فراسة العلماء عنه في صغره:

- ‌ أَحمد في صِغَرِهِ يرفض أَن يكون وَشَّاء:

- ‌ تواضعه (2) :

- ‌ إِجابته الدعوة:

- ‌ تعبده وزهده غير المتكلف:

- ‌ حبه للوحدة:

- ‌ بعده عن الشهرة:

- ‌ إِجلال علماء زمانه له وهيبته عندهم (2) :

- ‌ كرمه:

- ‌ مصدر نفقته:

- ‌تقوته من عمل يده:

- ‌ حوانيت كان يؤجرها:

- ‌رفضه أعطيات السلطان:

- ‌ تاريخ بدء طلبه للحديث:

- ‌ رحلاته:

- ‌كثرة شيوخه (1) :

- ‌ أَدب أَحمد مع شيوخه:

- ‌ رواية شيوخه عنه (2) :

- ‌ كثرة تلامذته:

- ‌ غرامه بالكتب (1) :

- ‌ إِمامته في علم الجرح والتعديل ومعرفة الرجال:

- ‌ روايته في الكتب الستة (1) :

- ‌ من نفائس أقواله:

- ‌ مؤلفاته:

- ‌ تاريخ تأليفه للمسند:

- ‌ سعة حفظه:

- ‌المبحث الثاني: إِمامته في الفقه (1)

- ‌ كائنة الحنابلة مع الطبري:

- ‌المبحث الثالث: مَدَى تأثر فقه أحمد ومذهبه بفقه الشافعي ومذهبه

- ‌المبحث الرابع: خَبَر القول بخلق القرآن: فِتْنَةٌ. ثم مِحْنةٌ. ثم نصْرةٌ

- ‌ دور فِتْنه القول بخلق القرآن:

- ‌دَوْرُ المحنهِ:

- ‌ المحنة في عهد المأمون: " دور نشأة الامتحان بها

- ‌ المحنة في عهد المعتصم: " دور استفحال المحنة " (2) :

- ‌ دَوْرُ النُّصْرَة:

- ‌ عفوه عمَّن آذاه إلَّا صاحب بدعة:

- ‌ المحنة في عهد الواثق: " دور استمرارها

- ‌ رفع الفتنة والمحنة في عهد المتوكل:

- ‌ المدَّعِي: أَحمد البدعة:

- ‌ المدَّعى عليه: أحمد السنة:

- ‌ الظرف العقدي لزمن الفتنة:

- ‌ محل الدعوى:

- ‌ موضوع الدعوى: " القرآن مخلوق

- ‌ مدة الدعوى:

- ‌ حجة المدعي:

- ‌ حجة المدعى عليه:

- ‌ ماذا لحق المدعى عليه من الأَذى:

- ‌ كسب الدعوى:

- ‌ شهداء الفتنة:

- ‌ الذين لاذوا بِالتَّقِيَّة:

- ‌ الثابت في المحنة:

- ‌ دور النصرة

- ‌ المحنة الثانية:

- ‌ المحنه الثالثة:

- ‌ المحنة الرابعة:

- ‌المبحث الخامس: في معرفة الخصال التي تَمَيَّز بها الإمام أَحمد

- ‌المدخل السابع: في التعريف بعلماء المذهب

- ‌الفصل الأول: في معرفة التآليف المفردة عن علماء المذهب

- ‌ تمهيد:

- ‌ النوع الأول: تسميه الكتب المفردة في ترجمة الإمام أَحمد

- ‌ النوع الثاني: كتب في تراجم تلاميذ الإمام وأَصحاب الرواية عنه:

- ‌ النوع الثالث: كتب في تراجم الأصحاب على اختلاف طبقاتهم وبلدانهم:

- ‌ النوع الرابع: كتب تختص بتراجم الأصحاب حسب بلدانهم:

- ‌ النوع الخامس: كتب تختص بترجمة واحد من علماء المذهب:

- ‌ النوع السادس: التراجم الذاتية:

- ‌ النوع السابع: مؤلفات في تفضيل المذهب، والدفاع عنه وعن أَتباعه:

- ‌الفصل الثاني: في طبقات الأصحاب

- ‌ تمهيد:

- ‌الفصل الثالث: في معارف عامة عن الأصحاب

- ‌المبحث الأول: نظرة تقريبية لعدد علماء الحنابلة من طبقاتهم المطبوعة

- ‌المبحث الثاني: آفاق الحنابلة وأَوطانهم (1)

- ‌ في بغداد:

- ‌ في الشام:

- ‌ وفي مصر:

- ‌ وفي بلاد العجم:

- ‌ وفي جزيرة العرب:

- ‌المبحث الثالث: في معرفة بيوت الحنابلة

- ‌ في: بغداد

- ‌ في بغداد والشام:

- ‌ في الشام:

- ‌ في مصر:

- ‌ الحنابلة في بلاد العجم:

- ‌ في جزيرة العرب:

- ‌المبحث الرابع: التحول المذهبي

- ‌ المبحث الأول: الذين تحولوا إلى مذهب الِإمام أَحمد:

- ‌ المبحث الثاني: الذين تحولوا عن المذهب الحنبلي: منهم:

- ‌ المبحث الثالث: الذين حصل تردد في نسبتهم إلى المذهب الحنبلي:

- ‌ المبحث الرابع: الذين تحولوا من التقليد للمذهب إلى الاجتهاد:

- ‌ المبحث الخامس: من كان متمذهبًا في الفروع حنبليًا في الأصول:

- ‌ المبحث السادس: أصحاب الإمام أحمد والآخذون عنه وهم من غير أهل مذهبه:

- ‌المبحث الخامس: في مشتبه الأسماء

- ‌المبحث السادس: في الكنى والألقاب، والمبهمات

- ‌المبحث السابع: في الأوائل الحنبلية

الفصل: ‌المبحث الثالث: المرجحات (1)

‌المبحث الثالث: المرجحات (1)

التراجيح هنا فيما إذ وقع الخلاف في المذهب عند تعدد الرواية عن الإمام، نَصّا، أو تنبيهًا؛ فَيُعْمَلُ طَلَب المرجحات لِإحدى الروايتين، أو الروايات، ومنها:

أولَا: الترجيح من جهة الرواة عن الإمام أحمد:

أ- الراجح رواة، كتقديم ما رواه السبعة، ويقال: الجماعة، على ما رواه غيرهم، ثم ما كان في:" جامع المسائل " للخلال، ثم ما كان فيه رواية أحد السبعة على ما لم تكن فيه رواية أحد منهم.

ب- الترجيح بالكثرة.

ج- الترجيح بالشهرة

د- الترجيح برواية الأعلم

هـ- الترجيح برواية الأوْرَع

و أن يكون المذهب المختار في المسألة ظاهرا مشهورًا.

ز- أن يرجح الرواية أحد أئمة المذهب في عصر الرواية، مثل

(1) خاتمة الإنصاف: 12/ 241

ص: 293

الخرقي، والخلال، وغلامه، والشيخ ابن حامد، والترجيح بالرواة هو طريق معرفة المذهب عند المتقدمين.

ثانيًا: الترجيح من جهة شيوخ المذهب (1) :

وظهور هذا المرجح برَزَ في طبقة المتوسطين من تلاميذ الحسن ابن حامد، المتوفى سنة (403 هـ) وتلامذتهم، وكافة طبقتهم، والترجيح من جهتهم بما يلي:

أ- الترجيح باختيار جمهور الأصحاب، وجعلهم له منصوراً.

ب- ويكون الترجيح بما اختاره: القاضي أبو يعلى، والشريفان، والسرَّاج، وأبو الخطاب، وأبو الوفاء ابن عقيل، وكبار أقرانهم، وتلامذتهم ممن اشتهروا بتنقيح المذهب وتحقيقه.

ج- الترجيح بما اختاره الموفق، والمجد، والشمس ابن أبي عمر، والشمس ابن مفلح، وابن رجب، والدجيلي، وابن حمدان، وابن عبد القوي، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن عبدوس في تذكرته.

د- والترجيح إن اختلف هؤلاء، فيما قدمه صاحب الفروع الشمس ابن مفلح، فإن لم يرجح فما اتفق عليه الشيخان: الموفق، والمجد، فإن اختلف الشيخان، فالراجح ما وافق فيه ابن رجب، أو شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية، أو الموفق في كتابه:" الكافي "،

(1) مقدمة الإنصاف: 1/ 16-17 ذيل الطبقات: 1/ 360

ص: 294

أو المجد.

ثالثاَ: الترجيح من جهة كتب المذهب:

والترجيح بالكتب، لأَهل كل طبقة باعتبار كتب المذهب المؤلفة إلى زمانهم، وهي في أواخر طبقة المتوسطين والمتأخرين، أظهر ومنها:

أ- إذا اختلف المحرر والمقنع، فالمذهب مما قاله ابن قدامة في: الكافي

ب- ما رجحه أبو الخطاب في: " رؤوس المسائل ".

ب- ما رجحه الموفق في: " المغني ".

د- ما رجحه المجد في: " شرح الهداية ".

هـ- وفي طبقة المتأخرين: اختيار ما في: " الِإقناع " و " المنتهى، وإن إختلفا فالراجح ما في: " غاية المنتهى ".

واعلم أن الترجيح باعتبار الشيوخ المعتمدين فيه والكتب المعتمدة في المذهب:

قد قال كل في هذا الباب قولا فَسمَّى شيخًا، أو شيوخًا، وعَين كتابًا، أو كتُبًا، وهي تكتسب الانتقال من شيخ إلى آخر ومن كتاب إلى آخر وذلك بالنسبة للزمان من فترة إلى أخرى، في طباق الأصحاب

ص: 295

وهذا التعيين لأَعيان العلماء المعتمد ترجيحهم في المذهب، ولأَسماء الكتب المعتمدة فيه، هو معتمد من حيث الجملة، وفي الغالب، لكنه غير مطرد؛ بل قد يكون ما صححه الشيخ المسمَّى غير صحيح في المسألة، والمسألتين، والصحيح ما صححه غيره، وإن كان دونه، وهكذا في الكتب.

ولهذا فإن شيخ المذهب في زمانه العلاء المرداوي المتوفى سنة (885 هـ) لما سَمَّى طَرَفًا من ذلك في مقدمة " تصحيح الفروع: 1/ 50- 51 " قال:

" وهذا الذي قلته من حيث الجملة، وفي الغالب، وإلا فهذا لا يطرد البتة، بل قد يكون المذهب ما قاله أحدهم في مسألة، ويكون الصحيح من المذهب ما قاله الآخر، أو غيره في أخرى، وإن كان أدنى منه منزلة باعتبار النصوص، والأَدلة، والعلل، والمآخذ، والاطلاع عليها، والموافق من الأَصحاب، وربما كان الصحيح مخالفا لما قاله الشيخان، وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك، إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم هذا ما ظهر لي من كلامهم، ويؤيده كلام المصنف في إِطلاق الخلاف ويظهر ذلك بالتأمل لمن تتبع كلامهم، وعرفه " انتهى.

ومحصل كلامهم أن معرفة المعتمد في المذهب تحقيقا وتصحيحًا، وتدقيقا وترجيحاَ، تُعرف من جهتين: الشيوخ المعتمدين، والكتب المعتمدة

ص: 296

وهذا بيانها:

أولا: معرفة شيوخ المذهب المعتمدين في التصحيح.

مضى في ذكر علماء المذهب وطبقاتهم تسمية المجتهد المطلق، ومجتهدي المذهب وأهل التخريج، لذا فإن من وصف بذلك فقوله مقدم، وتصحيحه معتمد، وهكذا من توفرت منه صفاتهم الموجبة لزيادة الثقة بآرائهم؛ من العدالة، والِإحاطة بأدلة الشريعة، ولمذهب إمامه تأصيلًا وتفريعاً.

ويأتي في تعيين طبقات علماء المذهب من: " المدخل السابع " معرفة مجتهدي المذهب والمجتهدين بإِطلاق.

ثانيًا: معرفة الكتب المعتمدة في المذهب.

وانظر تسميتها في: " المبحث الثاني " أواخر " المدخل الثامن "

ويمكن أن نشير هنا إلى جُمل من كلامهم في معرفة المعتمد من جهة الشيوخ، ومن جهة الكتب، وهي على ما يأتي:

جاء في: " مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ": (20/227 - 230) ما نصه:

" وسُئل رحمه الله: أن يشرح ما ذكره نجم الدين ابن حمدان في آخر " كتاب الرعاية " وهو قوله: " من التزم مذهبًا أنكر عليه مخالفته بغير دليل أو تقليد أو عذر آخر " ويبين لنا ما أشكل علينا من كون بعض المسائل يذكر فيها في " الكافي " و " المحرر " و " المقنع و " الرعاية " و " الخلاصة " و " الهداية " روايتان، أو وجهان؛ ولم يذكر الأصح والأرجح، فلا ندري بأيهما نأخذ؟ وإن سألونا عنه أشكل علينا؟ فاجاب: الحمد لله. أما هذه الكتب التي يذكر فيها روايتان أو وجهان

ص: 297

ولا يذكر فيها الصحيح: فطالب العلم يمكنه معرفة ذلك من كتب أخرى؛ مثل كتاب " التعليق " للقاضي أبي يعلى، و " الانتصار " لأبي الخطاب، و " عمد الأدلة " لابن عقيل. وتعليق القاضي يعقوب البرزبيني، وأبي الحسن ابن الزاغوني، وغير ذلك من الكتب الكبار التي يذكر فيها مسائل الخلاف، ويذكر فيها الراجح.

وقد اختصرت رؤوس مسائل هذه الكتب في كتب مختصرة، مثل: رؤوس المسائل للقاضي أبي الحسين، وقد نقل عن الشيخ أبي البركات صاحب المحرر أنه كان يقول لمن يسأله عن ظاهر مذهب أحمد: أنه ما رجحه أبو الخطاب في رؤوس مسائله.

ومما يعرف منه ذلك كتاب المغني للشيخ أبي محمد وكتاب " شرح الهداية " لجدنا أبي البركات، وقد شرح " الهداية " غير واحد، كأبي حليم النهرواني، وأبي عبد الله ابن تيمية، صاحب التفسير الخطيب عم أبي البركات، وأبي المعالي بن المنجا، وأبي البقاء النحوي لكن لم يكمل ذلك.

وقد اختلف الأصحاب فيما يصححونه، فمنهم من يصحح رواية ويصحح آخر رواية فمن عرف ذلك نقله، ومن ترجح عنده قول واحد على قول آخر اتبع القول الراجح، ومن كان مقصوده نقل مذهب أحمد نقل ما ذكروه من اختلاف الروايات والوجوه والطرق، كما ينقل أصحاب الشافعي وأبي حنيفة ومالك مذاهب الأئمة؛ فإنه في كل مذهب من اختلاف الأقوال عن الأئمة، واختلاف أصحابهم في معرفة مذهبهم، ومعرفة الراجح شرعًا: ما هو معروف.

ومن كان خبيرًا بأصول أحمد ونصوصه عرف الراجح في مذهبه في

ص: 298

عامة المسائل، وإن كان له بصر بالأدلة الشرعية عرف الراجح في الشرع؛ وأحمد كان أعلم من غيره بالكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين لهم بإحسان؛ ولهذا لاي كاد يوجد له قول يخالف نصًا كما يوجد لغيره، ولا يوجد له قول ضعيف في الغالب إلا وفي مذهبه قول يوافق القول الأقوى، وأكثر مفاريده التي لم يختلف فيها مذهبه يكون قوله فيها راجحاً، كقوله بجواز فسخ الِإفراد والقران إلى التمتع، وقبوله شهادة أهل الذمة على المسلمين عند الحاجة، كالوصية في السفر وقوله بتحريم نكاح الزانية حتى تتوب، وقوله بجواز شهادة العبد، وقوله بأن السنة للمتيمم أن يمسح الكوعين بضربة واحدة.

وقوله في المستحاضة بأنها تارة ترجع إلى العادة، وتارة ترجع إلى التمييز؛ وتارة ترجع إلى غالب عادات النساء؛ فإنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها ثلاث سنن؛ عمل بالثلاثة أحمد دون غيره.

وقوله بجواز المساقاة والمزارعة على الأرض البيضاء والتي فيها شجر وسواء كان البذر منهما أو من أحدهما، وجواز ما يشبه ذلك وإن كان من باب المشاركة ليس من باب الِإجارة ولا هو على خلاف القياس، ونظير هذا كثير.

وأما ما يسميه بعض الناس مفردة لكونه انفرد بها عن أبي حنيفة والشافعي، مع أن قول مالك فيها موافق لقول أحمد أو قريب منه، وهي التي صنف لها الهراسي ردًا عليها، وانتصر لها جماعة كابن عقيل والقاضي أبي يعلى الصغير وأبي الفرج ابن الجوزي، وأبي محمد بن المثنى: فهذه غالبها يكون قول مالك وأحمد أرجح من القول الأخر وما يترجح فيها القول الآخر يكون مما اختلف فيه قول أحمد، وهذا: كإبطال الحيل

ص: 299

المسقطة للزكاة والشفعة، ونحو ذلك الحيل المبيحة للربا والفواحش، ونحو ذلك، وكاعتبار المقاصد والنيات في العقود، والرجوع في الأيمان إلى سبب اليمين وما هيجها مع نية الحالف؛ وكإقامة الحدود على أهل الجنايات، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون يقيمونها، كما كانوا يقيمون الحد على الشارب بالرائحة والقيء ونحو ذلك، وكاعتبار العرف في الشروط، وجعل الشرط العرفي كالشرط اللفظي، والاكتفاء في العقود المطلقة بما يعرفه الناس، وإن ما عده الناس بيعًا فهو بيع، وما عدوه وقفًا فهو وقف، لايعتبر في ذلك لفظ معين، ومثل هذا كثير " انتهى.

وقال المرداوي- رحمه الله تعالى- في مقدمة: " الِإنصاف: 1/16 - 18 ":

" واعلم أن من أعظم هذه الكتب نفعًا، وأكثرها علمًا وتحريرًا وتحقيقًا وتصحيحا للمذهب: كتاب الفروع، فإنه قصد بتصنيفه: تصحيح المذهب وتحريره وجمعه، وذكر فيه: أنه يقدم غالبًا المذهب، وإن اختلف الترجيح أطلق الخلاف إلا أنه- رحمه الله تعالى- لم يبيضه كله، ولم يقرأ عليه، وكذلك الوجيز فإنه بناه على الراجح من الروايات المنصوصة عنه، وذكر أنه عرضه على الشيخ العلامة أبي بكر عبد الله بن الزريراني فهذبه له، إلا أن فيه مسائل كثيرة ليست المذهب، وفيه مسائل كثيرة تابع فيها المصنف على اختياره، وتابع في بعض المسائل صاحب المحرر والرعاية، وليست المذهب. وسيمر بك ذلك إن شاء الله.

وكذلك التذكرة لابن عبدوس، فإنه بناها على الصحيح من الدليل. وكذلك ابن عبد القوي في " مجمع البحرين " فإنه قال فيه: " أبتدئ بالأصح في المذهب نقلًا أو الأقوى دليلاً. وإلا قلت مثلًا: روايتان، أو وجهان وكذا

ص: 300

قال في نظمه:

" ومهما تأتَّى الابتداء براجح

فإني به عند الحكاية أبتدي "

وكذلك ناظم المفردات، فإنه بناها على الصحيح الأشهر وفيها مسائل ليست كذلك. وكذلك الخلاصة لابن منجا، فإنه قال فيها:

" أبين الصحيح من الرواية والوجه وقد هذب فيها كلام أبي الخطاب في الهداية. وكذلك الإفادات بأحكام العبادات لابن حمدان، فإنه قال فيها: " أذكر هنا غالبًا صحيح المذهب ومشهوره، وصريحه ومشكوره، والمعمول عندنا عليه، والمرجوع غالبًا إليه ".

تنبيه: اعلم- وفقك الله تعالى وإيانا- أن طريقتي في هذا الكتاب: النقل عن الإمام أحمد والأصحاب، أعزو إلى كل كتابا ما نقلت منه، وأضيف إلى كل عالم ما أروي عنه، فإن كان المذهب ظاهرا أو مشهورًا، أو قد اختاره جمهور الأصحاب وجعلوه منصورًا، فهذا لا إشكال فيه، وإن كان بعض الأصحاب يدعي أن المذهب خلافه.

وإن كان الترجيح مختلفا بين الأصحاب في مسائل متجاذبة المأخذ؛ فالاعتماد في معرفة المذهب من ذلك على ما قاله المصنف، والمجد، والشارح، وصاحب الفروع، والقواعد الفقهية، والوجيز والرعايتين، والنظم، والخلاصة، والشيخ تقي الدين، وابن عبدوس في تذكرته، فإنهم هذبوا كلام المتقدمين، ومهدوا قواعد المذهب بيقين.

فإن اختلفوا؛ فالمذهب: ما قدمه صاحب الفروع فيه في معظم مسائله، فإن أطلق الخلاف، أو كان من غير المعظم الذي قدمه؛

فالمذهب: ما اتفق عليه الشيخان- أعني المصنف، والمجد- أو وافق أحدهما الآخر في أحد اختياريه، وهذا ليس على إطلاقه، وإنما هو في

ص: 301

الغالب، فإن اختلفا، فالمذهب مع من وافقه صاحب القواعد الفقهية، أو الشيخ تقي الدين وإلا فالمصنف، لاسيما إن كان في الكافي، ثم المجد وقد قال العلامة ابن رجب في طبقاته في ترجمة ابن المنّي:" وأهل زماننا ومن قبلهم إنما يرجعون في الفقه من جهة الشيوخ والكتب إلى الشيخين: الموفق والمجد " انتهى.

فإن لم يكن لهما ولا لأَحدهما في ذلك تصحيح؛ فصاحب القواعد الفقهية، ثم صاحب الوجيز، ثم صاحب الرعايتين، فإن اختلفا فالكبرى، ثم الناظم، ثم صاحب الخلاصة، ثم تذكرة ابن عبدوس، ثم من بعدهم، أذكر من قدم، أوصحح، أو اختار إذا ظفرت به، وهذا قليل جدًا.

وهذا الذي قلنا من حيث الجملة، وفي الغالب، وإلا فهذا لا يطرد البتة، بل قد يكون المذهب ما قاله أحدهم في مسألة، ويكون المذهب ما قاله الآخر في أخرى، وكذا غيرهم باعتبارالنصوص والأَدلة والموافق له من الأصحاب.

هذا ما ظهر لي من كلامهم، ويظهر ذلك لمن تتبع كلامهم وعرفه، وسننبه على بعض ذلك في أماكنه.

وقد قيل: إن المذهب - فيما إذا اختلف الترجيح - ما قاله الشيخان، ثم المصنف، ثم المجد، ثم الوجيز، ثم الرعايتان.

وقال بعضهم: إذا اختلفا في المحرر والمقنع، فالمذهب ما قاله في الكافي.

وقد سئل الشيخ تقي الدين عن معرفة المذهب في مسائل الخلافُ فيها مطلق في الكافي والمحرر والمقنع والرعاية والخلاصة والهداية وغيرها؟ فقال: " طالب العلم يمكنه معرفة ذلك من كتب أُخر مثل كتاب

ص: 302

التعليق للقاضي، والانتصار لأَبي الخطاب، وعُمُد الأَدلة لابن عقيل، وتعليق القاضي يعقوب، وابن الزاغوني. وغير ذلك من الكتب الكبار التي يذكر فيها مسائل الخلاف، ويذكر فيها الراجح، وقد اختُصِرت هذه الكتب في كتب مختصرة، مثل رؤوس المسائل للقاضي أبي يعلى، والشريف أبي جعفر، ولأَبي الخطاب، وللقاضي أبي الحسين، وقد نقل عن أبي البركات - جدنا - أنه كان يقول لمن يسأله عن ظاهر المذهب: إنه ما رجحه أبو الخطاب في رؤوس مسائله. قال: ومما يعرف منه ذلك: المغني لأَبي محمد، وشرح الهداية لجدنا. ومن كان خبيرا بأصول أحمد ونصوصه عرف الراجح من مذهبه في عامة المسائل ". انتهى كلام الشيخ تقي الدين، وهو موافق لما قلناه أولا، ويأتي بعض ذلك في أواخر كتاب القضاء، واعلم - رحمك الله - أن الترجيح إذا اختلف بين الأصحاب إنما يكون ذلك لقوة الدليل من الجانبين، وكل واحد ممن قال بتلك المقالة إمام يقتدى به، فيجوز تقليده والعمل بقوله، ويكون ذلك في الغالب مذهَبًا لِإمامه؛ لأَن الخلاف إن كان للإمام أحمد فواضح، وإن كان بين الأصحاب، فهو مقيس على قواعده وأصوله ونصوصه وقد تقدم أن " الوجه " مجزوم بجواز الفتيا به. والله سبحانه وتعالى أعلم " انتهى.

تنبيه: قول المصنف. " واعلم - رحمك الله - أن الترجيح

إلخ " نقله البهوتي ت سنة (1051 هـ) - رحمه الله تعالى- في مقدمة: " كشاف القناع: 1/ 12 " بنصه بعنوان: " فائدة ".

وقال السفاريني. ت سنة (1188 هـ) - رحمه الله تعالى-: " عليك بما في: " الإقناع " و " المنتهى " فإذا اختلفا فانظر ما يُرجحه صاحب: " غاية المنتهى " انتهى.

ص: 303