المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المدخل الثالث: في أصول المذهب - المدخل المفصل إلى فقه الإمام أحمد وتخريجات الأصحاب - جـ ١

[بكر أبو زيد]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الطبعة الأولى

- ‌المدخل الأول: معارف عامة عن التمذهب

- ‌المبحث الأَول: التعريف بلفظ: " المذهب

- ‌1- ماهية " المذهب " وحقيقته لغة

- ‌2- حقيقته العرفية:

- ‌3- ماهية " المذهب " وحقيقته اصطلاحًا

- ‌المبحث الثاني: التعريف بلفظ: " الفقه

- ‌1- ماهية: " الفقه " لغة

- ‌2- ماهية: " الفقه " شرعاً:

- ‌3- الفقه الأكبر

- ‌4- لقب: " القُرَّاء

- ‌5- ماهية: " الفقه " اصطلاحًا:

- ‌المبحث الثالث: أنواع الفقه المدوَّن في كل مذهب

- ‌النوع الأَول: أَحكام التوحيد

- ‌النوع الثالث: أَحكام فقهية اجتهادية

- ‌المبحث الرابع: تاريخ التمذهب، والحث على فقه الدليل

- ‌المبحث الخامس: الاجتهاد في الفقه الإسلامي وأثره في الثروة الفقهية في كل مذهب

- ‌1- من له حق الاجتهاد:

- ‌2- مجالاته:

- ‌3- أَسبابه:

- ‌4- أنواعه:

- ‌5- حُكْمُه:

- ‌6- حِكْمَته:

- ‌المبحث السادس: في شروط نقل المذهب، والتوقِّي من الغلط فيه وأسباب الغلط

- ‌ الأَمر الأول: شروط نقل المذهب

- ‌ الأَمر الثاني: في التوقي من الغلط في نقل المذهب وأسباب الغلط:

- ‌المدخل الثاني: في معارف عامة عن المذهب الحنبلي

- ‌الدور الأول: دور نشأته في حياة الإمام أَحمد

- ‌الدور الثاني: دور النقل والنمو:

- ‌الدور الثالث: دور تحرير المذهب وتنقيحه:

- ‌الدور الرابع: دور الاستقرار:

- ‌الدور الخامس: دور إِحياء التراث

- ‌المبحث الثاني: في مزايا الفقه الحنبلي

- ‌ فقه الدليل

- ‌ كثرة المسائل العلمية والعملية

- ‌ البعد عن الفقه التقديري في المذهب:

- ‌ البعد عن الِإغراق في الرأي:

- ‌ التيسير في الأحكام من العبادات والمعاملات والشروط والنكاح وغيرها:

- ‌المبحث الثالث: في معرفة ما كتب عن التعريف بالمذهب

- ‌ فائدة:

- ‌المذهب الحنفي:

- ‌المذهب المالكي:

- ‌المذهب الشافعي:

- ‌المدخل الثالث: في أصول المذهب

- ‌فصل:الأَصل الثالث من أصوله:

- ‌فصل:الأَصل الرابع: الأَخذ بالمرسَلِ والحديثِ الضعيف

- ‌المدخل الرابع: في معرفة مصطلحات المذهب وتفسيرها

- ‌ تمهيد:

- ‌الفصل الأول: في ألفاظ الإمام أحمد في أجوبته ومراتبها الحكمية

- ‌الفصل الثاني: في مصطلحات الأصحاب العامة

- ‌ القسم الأول

- ‌ القسم الثاني:

- ‌ القسم الثالث:

- ‌ القسم الرابع:

- ‌ القسم الخامس:

- ‌الفصل الثالث: في مصطلحات الأصحاب في نقل بعضهم عن بعض

- ‌المدخل الخامس: في التعريف بطرق معرفة المذهب ومسالك الترجيح فيه

- ‌التمهيد الأول: في ماهية المذهب

- ‌التمهيد الثاني: عناية الأصحاب في بيان هذه الطرق

- ‌التمهيد الثالث: مراتب الناس فيها

- ‌الفصل الأول: في طرق معرفة المذهب

- ‌الطريق الأول: القول:

- ‌أَولَا: أقسام أقواله من جهة القبول أو الرد:

- ‌ القسم الأول:

- ‌ القسم الثاني

- ‌ القسم الثالث:

- ‌ القسم الرابع:

- ‌ القسم الخامس:

- ‌ ثانياً: أَقسام أقواله من جهة إِفادتها مرتبة الحكم التكليفي في منطوقها:

- ‌ القسم الأول:

- ‌ القسم الثاني:

- ‌ القسم الثالث:

- ‌ القسم الرابع:

- ‌ الطريق الثالث: السكوت:

- ‌ الطريق الرابع: التوقف

- ‌ القسم الاول:

- ‌ القسم الثاني:

- ‌الفصل الثاني: في طرق معرفة المذهب، اصطلاحًا من تصرفات الأصحاب في التخريج على المذهب ولازمه

- ‌الطريق الأول

- ‌ الطريق الثاني:

- ‌ الطريق الثالث:

- ‌الفصل الثالث: في مسالك الترجيح عند الاختلاف في المذهب

- ‌المبحث الأول: أنواع الاختلاف في المذهب

- ‌المبحث الثاني: مسالك الترجيح عند الاختلاف

- ‌المبحث الثالث: المرجحات (1)

- ‌المبحث الرابع: من له حق الترجيح في المذهب

- ‌المبحث الخامس: اصطلاح الأصحاب في حكاية الخلاف

- ‌المدخل السادس: في التعريف بالإمام أحمد

- ‌المبحث الأول: عيون المعارف في ترجمته

- ‌نَسَبُهُ:

- ‌منازل بني شيبان في الإسلام:

- ‌تاريخ ولادته ووفاته:

- ‌ابن حنبل:

- ‌ كنيته

- ‌ آل الإمام أَحمد- رحمه الله تعالى

- ‌ صفته:

- ‌ فراسة العلماء عنه في صغره:

- ‌ أَحمد في صِغَرِهِ يرفض أَن يكون وَشَّاء:

- ‌ تواضعه (2) :

- ‌ إِجابته الدعوة:

- ‌ تعبده وزهده غير المتكلف:

- ‌ حبه للوحدة:

- ‌ بعده عن الشهرة:

- ‌ إِجلال علماء زمانه له وهيبته عندهم (2) :

- ‌ كرمه:

- ‌ مصدر نفقته:

- ‌تقوته من عمل يده:

- ‌ حوانيت كان يؤجرها:

- ‌رفضه أعطيات السلطان:

- ‌ تاريخ بدء طلبه للحديث:

- ‌ رحلاته:

- ‌كثرة شيوخه (1) :

- ‌ أَدب أَحمد مع شيوخه:

- ‌ رواية شيوخه عنه (2) :

- ‌ كثرة تلامذته:

- ‌ غرامه بالكتب (1) :

- ‌ إِمامته في علم الجرح والتعديل ومعرفة الرجال:

- ‌ روايته في الكتب الستة (1) :

- ‌ من نفائس أقواله:

- ‌ مؤلفاته:

- ‌ تاريخ تأليفه للمسند:

- ‌ سعة حفظه:

- ‌المبحث الثاني: إِمامته في الفقه (1)

- ‌ كائنة الحنابلة مع الطبري:

- ‌المبحث الثالث: مَدَى تأثر فقه أحمد ومذهبه بفقه الشافعي ومذهبه

- ‌المبحث الرابع: خَبَر القول بخلق القرآن: فِتْنَةٌ. ثم مِحْنةٌ. ثم نصْرةٌ

- ‌ دور فِتْنه القول بخلق القرآن:

- ‌دَوْرُ المحنهِ:

- ‌ المحنة في عهد المأمون: " دور نشأة الامتحان بها

- ‌ المحنة في عهد المعتصم: " دور استفحال المحنة " (2) :

- ‌ دَوْرُ النُّصْرَة:

- ‌ عفوه عمَّن آذاه إلَّا صاحب بدعة:

- ‌ المحنة في عهد الواثق: " دور استمرارها

- ‌ رفع الفتنة والمحنة في عهد المتوكل:

- ‌ المدَّعِي: أَحمد البدعة:

- ‌ المدَّعى عليه: أحمد السنة:

- ‌ الظرف العقدي لزمن الفتنة:

- ‌ محل الدعوى:

- ‌ موضوع الدعوى: " القرآن مخلوق

- ‌ مدة الدعوى:

- ‌ حجة المدعي:

- ‌ حجة المدعى عليه:

- ‌ ماذا لحق المدعى عليه من الأَذى:

- ‌ كسب الدعوى:

- ‌ شهداء الفتنة:

- ‌ الذين لاذوا بِالتَّقِيَّة:

- ‌ الثابت في المحنة:

- ‌ دور النصرة

- ‌ المحنة الثانية:

- ‌ المحنه الثالثة:

- ‌ المحنة الرابعة:

- ‌المبحث الخامس: في معرفة الخصال التي تَمَيَّز بها الإمام أَحمد

- ‌المدخل السابع: في التعريف بعلماء المذهب

- ‌الفصل الأول: في معرفة التآليف المفردة عن علماء المذهب

- ‌ تمهيد:

- ‌ النوع الأول: تسميه الكتب المفردة في ترجمة الإمام أَحمد

- ‌ النوع الثاني: كتب في تراجم تلاميذ الإمام وأَصحاب الرواية عنه:

- ‌ النوع الثالث: كتب في تراجم الأصحاب على اختلاف طبقاتهم وبلدانهم:

- ‌ النوع الرابع: كتب تختص بتراجم الأصحاب حسب بلدانهم:

- ‌ النوع الخامس: كتب تختص بترجمة واحد من علماء المذهب:

- ‌ النوع السادس: التراجم الذاتية:

- ‌ النوع السابع: مؤلفات في تفضيل المذهب، والدفاع عنه وعن أَتباعه:

- ‌الفصل الثاني: في طبقات الأصحاب

- ‌ تمهيد:

- ‌الفصل الثالث: في معارف عامة عن الأصحاب

- ‌المبحث الأول: نظرة تقريبية لعدد علماء الحنابلة من طبقاتهم المطبوعة

- ‌المبحث الثاني: آفاق الحنابلة وأَوطانهم (1)

- ‌ في بغداد:

- ‌ في الشام:

- ‌ وفي مصر:

- ‌ وفي بلاد العجم:

- ‌ وفي جزيرة العرب:

- ‌المبحث الثالث: في معرفة بيوت الحنابلة

- ‌ في: بغداد

- ‌ في بغداد والشام:

- ‌ في الشام:

- ‌ في مصر:

- ‌ الحنابلة في بلاد العجم:

- ‌ في جزيرة العرب:

- ‌المبحث الرابع: التحول المذهبي

- ‌ المبحث الأول: الذين تحولوا إلى مذهب الِإمام أَحمد:

- ‌ المبحث الثاني: الذين تحولوا عن المذهب الحنبلي: منهم:

- ‌ المبحث الثالث: الذين حصل تردد في نسبتهم إلى المذهب الحنبلي:

- ‌ المبحث الرابع: الذين تحولوا من التقليد للمذهب إلى الاجتهاد:

- ‌ المبحث الخامس: من كان متمذهبًا في الفروع حنبليًا في الأصول:

- ‌ المبحث السادس: أصحاب الإمام أحمد والآخذون عنه وهم من غير أهل مذهبه:

- ‌المبحث الخامس: في مشتبه الأسماء

- ‌المبحث السادس: في الكنى والألقاب، والمبهمات

- ‌المبحث السابع: في الأوائل الحنبلية

الفصل: ‌المدخل الثالث: في أصول المذهب

‌المدخل الثالث: في أصول المذهب

البحث في: " أصول مذهب ما " تجده في مواضع من كُتب ذلك المذهب، لاسيما شروحه، وبعض مقدماتها، والمبحث في:" أصول المذاهب الأربعة " هو اللباب في كتب " أصول الفقه " وكلما كان المؤلف في الأصول من أهل المذهب، كان أَلصق بتحقيق أصول مذهبه.

وللحنابلة في هذا القِدح المعلى، فلهم في:" أصول الفقه " نحو ستين كتاباً، بدءاً من مجتهد المذهب شيخ الحنابلة في زمانه الحسن ابن حامد. ت سنة (403 هـ) فله:" كتاب أصول الفقه " ثم لأَحمد القطان. ت سنة (424 هـ) ثم للقاضي أَبي يعلى. ت سنة (458 هـ) وله أربعة كتب في أصول الفقه.

وهكذا استمر التأليف فى أصول الفقه، شاملة لأصول المذاهب الأربعة.

وأول من كتب في أصول مذهبنا: الحسن بن حامد ت سنة

ص: 149

(403 هـ) في كتابه: " تهذيب الأَجوبة " أي: أجوبة أَحمد، على المسائل، وأصوله في أَجوبته.

ثم أَبو محمد رزق الله بن عبد الوهاب التميمي البغدادي. ت سنة (488 هـ) في مُقَدَّمَةٍ كَتَبهَا في اعتقاد أَحمد، وأصول مذهبه ومشربه، وهي من مكنونات:" الكواكب الدراري " لابن عروة الدمشقي. ت سنة (837 هـ) .

وقد طُبِعَت في خاتمة طبع " طبقات ابن أَبي يعلى (2/265- 290) وما يختص بالأصول منها يبدأ من (ص/ 281- إلى ص/ 290)

وقد جمع شمل أصول المذهب: ابن بدران الدمشقي. ت سنة (1346 هـ) رحمه الله تعالى- في كتابه. " المدخل إلى مذهب الإمام أَحمد بن حنبل " في العقود: الثالث، والرابع، والخامس (ص/49- 202) أي ثلثي الكتاب، وهو مغنٍ عما سواه؛ لما فيه من التحقيق، والتدقيق، وجودة التفصيل، والترتيب، وهو في جملته شرح وبيان لكلمة ابن القيم الجامعة في بيان أصول مذهب أَحمد، وأكتفي بسياقها، قال- رحمه الله تعالى (1) :

" وكان بمدينة السلام من المفتين خلق كثير ولما بناها المنصور أقْدَمَ إليها من الأَئمة والفقهاء والمحدِّثين بشَراً كثيراً، فكان من أعيان

(1) إعلام الموقعين: 1/ 28- 33

ص: 150

المفتين بها أبو عُبَيْد القاسمُ بن سَلَاّم، وكان جَبَلاً نفخ فيه الروح علماً، وجَلَالة، ونبلاً، وأَدبأ، وكان منهم: أَبو ثَوْر إبراهيم بن خالد الكلبي، صاحب الشافعي، وكان قد جالس الشافعي وأَخذ عنه، وكان أَحمد يُعَظِّمه ويقول: هو في مسلاخ الثوري.

وكان بها إِمام أهل السنة على الِإطلاق: أَحمد بن حنبل الذي ملأ الأَرض علماً وحديثاً وسنة، حتى إِن أَئمة الحديث والسنة بعده هم أَتباعُه إلى يوم القيامة، وكان رضي الله عنه شديدَ الكراهة لتصنيف الكُتب، وكان يحب تجريد الحديث، ويكره أَن يكتب كلامه، ويشتد عليه جداً، فعلم الله حُسْنَ نيته وقَصْده فكُتِبَ من كلامه وفَتْوَاه أَكثر من ثلاثين سفراً، ومَنَّ الله سبحانه علينا بأَكثرها فلم يَفُتْنَا منها إلَّا القليل، وجمع الخَلَاّلُ نصوصه في " الجامع الكبير " فبلغ نحو عشرين سِفْراً، أو أكثر ورويت فتاويه، ومسائله، وَحُدِّثَ بها قرنا بعد قرن فصارت إِماماً وقدوة لأَهل السنة على اختلاف طبقاتهم، حتى إِن المخالفين لمذهبه بالاجتهاد والمقلدين لغيره معَظِّمونَ نصوصَه وفتاواه، ويعرفون لها حقها وقربها من النصوص وفتاوى الصحابة، ومن تأمَّل فتاواه، وفتاوى الصحابة رأى مُطابقة كل منهما على الأخرى، ورأى الجميع كأنّها تخرج من مِشْكاة واحدة، حتى إن الصحابة إذا اختلفوا على قولين جاء عنه في المسألة روايتان، وكان تَحَرِّيه لفتاوى الصحابة كتحري أصحابه لفتاويه ونصوصه، بل أَعظم، حتى إنه لَيقدِّمُ فتاواهم على الحديث المرسل، قال إسحاق ابن

ص: 151

إبراهيم بن هانئ في مسائله: قلت لأَبي عبد الله: حديثٌ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مُرْسَل برجال ثبت أَحَبُّ إِليك، أو حديث عن الصحابة والتابعين متصل برجال ثبت؟ قال أَبو عبد الله رحمه الله: عن الصحابة أَعْجَبُ إِليّ

وكانت فتاويه مبنية على خمسة أصول:

أَحدها: النصوص، فإِذا وجد النص (1) أَفتى بموجبه، ولم يلتفت إلى ما خالفه ولا مَنْ خالفه كائناً من كان، ولهذا لم يلتفت إلى خلاف عمر في المَبْتُوتة؛ لحديث فاطمة بنت قَيْس، ولا إلى خلافه في التيمم للجُنُب لحديث عمار بن ياسر ولا خلافه في استدامة المحرم الطيبَ الذي تطيب به قبل إِحرامه، لصحة حديث عائشة في ذلك، ولا خلافه في منع المفرد والقارن من الفَسخ إلى التمتع، لصحة أَحاديث الفسخ وكذلك لم يلتفت إلى قول علي وعثمان وطلحة وأَبي أَيوب وأبي بن كعب في: ترك الغُسْل من الِإكسال؛ لصحة حديث عائشة أَنها فَعَلَتْه هي ورسول الله صلى الله عليه وسلم فاغتسلا، ولم يلتفت إلى قول ابن عباس وإحدى الروايتين عن علي: أَن عِدَّةَ المتوفى عنها الحامل أَقصى الأَجلين لصحة حديث سبيعة الأَسلمية، ولم يلتفت إلى قول مُعَاذ ومعاوية في توريث المسلم عن الكافر لصحة الحديث المانع من التوارث بينهما، ولم يلتفت إلى قول ابن

(1) لفظ: " النص " يُراد به تارة ألفاظ الكتاب والسنة، سواء كانت دلالة اللفظ قطعية أم ظنية. انظر الفتاوى: 19/ 288

ص: 152

عباس في الصَّرْفِ؛ لصحة الحديث بخلافه، ولا إِلى قوله بإِباحة لحوم الحُمْرِ كذلك، وهذا كثير جداً، ولم يكن يُقَدِّمُ على الحديث الصحيح عملا ولا رأياً ولا قياساً، ولا قولَ صاحب، ولا عدمَ علمه بالمخالف الذي يسميه كثير من الناس: إجماعا، ويقدمونه على الحديث الصحيح، وقد كَذَّبَ أَحمدُ من ادَّعى هذا الإجماع، ولم يُسِغْ تقديمَه على الحديث الثابت، وكذلك الشافعي أيضا نصَّ في رسالته الجديدة على: أَن ما لا يُعْلَم فيه بخلافٍ لا يقال له: إجماع، ولفظهُ:" ما لا يعلم فيه خلاف فليس إجماعاً "، وقال عبد الله ابن أَحمد بن حنبل: سمعت أَبي يقول: ما يَدَّعي فيه الرجلُ الإجماع فهو كذب، من ادَّعى الإجماع فهو كاذب، لعَلَّ الناس اختلفوا، ما يُدْرِيه، ولم يَنته إِليه؟ فليقل: لا نعلم الناسَ اختلفوا، هذه دعوى بشر المريسي، والأَصم، ولكنه يقول: لا نعلم الناس اختلفوا، أو لم يبلغني ذلك، هذا لفظه.

ونصوصُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أَجلُّ عند الِإمام وسائرِ أَئمة الحديث من أَن يُقَدِّموا عليها توهُّمَ إجماع مضمونه: عدم العلم بالمخالف، ولو ساغ؛ لتعطَّلت النصوصُ، وساغ لكل من لم يعلم مخالفاً في حكم مسألة أَن يُقَدِّمَ جهله بالمخالف على النصوص؛ فهذا هو الذي أَنكره الإمام أحمد، والشافعي، من دَعْوى الإجماع، لا ما يظنه بعضُ الناس أنه استبعاد لوجوده

ص: 153