الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المدخل الثالث: في أصول المذهب
البحث في: " أصول مذهب ما " تجده في مواضع من كُتب ذلك المذهب، لاسيما شروحه، وبعض مقدماتها، والمبحث في:" أصول المذاهب الأربعة " هو اللباب في كتب " أصول الفقه " وكلما كان المؤلف في الأصول من أهل المذهب، كان أَلصق بتحقيق أصول مذهبه.
وللحنابلة في هذا القِدح المعلى، فلهم في:" أصول الفقه " نحو ستين كتاباً، بدءاً من مجتهد المذهب شيخ الحنابلة في زمانه الحسن ابن حامد. ت سنة (403 هـ) فله:" كتاب أصول الفقه " ثم لأَحمد القطان. ت سنة (424 هـ) ثم للقاضي أَبي يعلى. ت سنة (458 هـ) وله أربعة كتب في أصول الفقه.
وهكذا استمر التأليف فى أصول الفقه، شاملة لأصول المذاهب الأربعة.
وأول من كتب في أصول مذهبنا: الحسن بن حامد ت سنة
(403 هـ) في كتابه: " تهذيب الأَجوبة " أي: أجوبة أَحمد، على المسائل، وأصوله في أَجوبته.
ثم أَبو محمد رزق الله بن عبد الوهاب التميمي البغدادي. ت سنة (488 هـ) في مُقَدَّمَةٍ كَتَبهَا في اعتقاد أَحمد، وأصول مذهبه ومشربه، وهي من مكنونات:" الكواكب الدراري " لابن عروة الدمشقي. ت سنة (837 هـ) .
وقد طُبِعَت في خاتمة طبع " طبقات ابن أَبي يعلى (2/265- 290) وما يختص بالأصول منها يبدأ من (ص/ 281- إلى ص/ 290)
وقد جمع شمل أصول المذهب: ابن بدران الدمشقي. ت سنة (1346 هـ) رحمه الله تعالى- في كتابه. " المدخل إلى مذهب الإمام أَحمد بن حنبل " في العقود: الثالث، والرابع، والخامس (ص/49- 202) أي ثلثي الكتاب، وهو مغنٍ عما سواه؛ لما فيه من التحقيق، والتدقيق، وجودة التفصيل، والترتيب، وهو في جملته شرح وبيان لكلمة ابن القيم الجامعة في بيان أصول مذهب أَحمد، وأكتفي بسياقها، قال- رحمه الله تعالى (1) :
" وكان بمدينة السلام من المفتين خلق كثير ولما بناها المنصور أقْدَمَ إليها من الأَئمة والفقهاء والمحدِّثين بشَراً كثيراً، فكان من أعيان
(1) إعلام الموقعين: 1/ 28- 33
المفتين بها أبو عُبَيْد القاسمُ بن سَلَاّم، وكان جَبَلاً نفخ فيه الروح علماً، وجَلَالة، ونبلاً، وأَدبأ، وكان منهم: أَبو ثَوْر إبراهيم بن خالد الكلبي، صاحب الشافعي، وكان قد جالس الشافعي وأَخذ عنه، وكان أَحمد يُعَظِّمه ويقول: هو في مسلاخ الثوري.
وكان بها إِمام أهل السنة على الِإطلاق: أَحمد بن حنبل الذي ملأ الأَرض علماً وحديثاً وسنة، حتى إِن أَئمة الحديث والسنة بعده هم أَتباعُه إلى يوم القيامة، وكان رضي الله عنه شديدَ الكراهة لتصنيف الكُتب، وكان يحب تجريد الحديث، ويكره أَن يكتب كلامه، ويشتد عليه جداً، فعلم الله حُسْنَ نيته وقَصْده فكُتِبَ من كلامه وفَتْوَاه أَكثر من ثلاثين سفراً، ومَنَّ الله سبحانه علينا بأَكثرها فلم يَفُتْنَا منها إلَّا القليل، وجمع الخَلَاّلُ نصوصه في " الجامع الكبير " فبلغ نحو عشرين سِفْراً، أو أكثر ورويت فتاويه، ومسائله، وَحُدِّثَ بها قرنا بعد قرن فصارت إِماماً وقدوة لأَهل السنة على اختلاف طبقاتهم، حتى إِن المخالفين لمذهبه بالاجتهاد والمقلدين لغيره معَظِّمونَ نصوصَه وفتاواه، ويعرفون لها حقها وقربها من النصوص وفتاوى الصحابة، ومن تأمَّل فتاواه، وفتاوى الصحابة رأى مُطابقة كل منهما على الأخرى، ورأى الجميع كأنّها تخرج من مِشْكاة واحدة، حتى إن الصحابة إذا اختلفوا على قولين جاء عنه في المسألة روايتان، وكان تَحَرِّيه لفتاوى الصحابة كتحري أصحابه لفتاويه ونصوصه، بل أَعظم، حتى إنه لَيقدِّمُ فتاواهم على الحديث المرسل، قال إسحاق ابن
إبراهيم بن هانئ في مسائله: قلت لأَبي عبد الله: حديثٌ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مُرْسَل برجال ثبت أَحَبُّ إِليك، أو حديث عن الصحابة والتابعين متصل برجال ثبت؟ قال أَبو عبد الله رحمه الله: عن الصحابة أَعْجَبُ إِليّ
وكانت فتاويه مبنية على خمسة أصول:
أَحدها: النصوص، فإِذا وجد النص (1) أَفتى بموجبه، ولم يلتفت إلى ما خالفه ولا مَنْ خالفه كائناً من كان، ولهذا لم يلتفت إلى خلاف عمر في المَبْتُوتة؛ لحديث فاطمة بنت قَيْس، ولا إلى خلافه في التيمم للجُنُب لحديث عمار بن ياسر ولا خلافه في استدامة المحرم الطيبَ الذي تطيب به قبل إِحرامه، لصحة حديث عائشة في ذلك، ولا خلافه في منع المفرد والقارن من الفَسخ إلى التمتع، لصحة أَحاديث الفسخ وكذلك لم يلتفت إلى قول علي وعثمان وطلحة وأَبي أَيوب وأبي بن كعب في: ترك الغُسْل من الِإكسال؛ لصحة حديث عائشة أَنها فَعَلَتْه هي ورسول الله صلى الله عليه وسلم فاغتسلا، ولم يلتفت إلى قول ابن عباس وإحدى الروايتين عن علي: أَن عِدَّةَ المتوفى عنها الحامل أَقصى الأَجلين لصحة حديث سبيعة الأَسلمية، ولم يلتفت إلى قول مُعَاذ ومعاوية في توريث المسلم عن الكافر لصحة الحديث المانع من التوارث بينهما، ولم يلتفت إلى قول ابن
(1) لفظ: " النص " يُراد به تارة ألفاظ الكتاب والسنة، سواء كانت دلالة اللفظ قطعية أم ظنية. انظر الفتاوى: 19/ 288
عباس في الصَّرْفِ؛ لصحة الحديث بخلافه، ولا إِلى قوله بإِباحة لحوم الحُمْرِ كذلك، وهذا كثير جداً، ولم يكن يُقَدِّمُ على الحديث الصحيح عملا ولا رأياً ولا قياساً، ولا قولَ صاحب، ولا عدمَ علمه بالمخالف الذي يسميه كثير من الناس: إجماعا، ويقدمونه على الحديث الصحيح، وقد كَذَّبَ أَحمدُ من ادَّعى هذا الإجماع، ولم يُسِغْ تقديمَه على الحديث الثابت، وكذلك الشافعي أيضا نصَّ في رسالته الجديدة على: أَن ما لا يُعْلَم فيه بخلافٍ لا يقال له: إجماع، ولفظهُ:" ما لا يعلم فيه خلاف فليس إجماعاً "، وقال عبد الله ابن أَحمد بن حنبل: سمعت أَبي يقول: ما يَدَّعي فيه الرجلُ الإجماع فهو كذب، من ادَّعى الإجماع فهو كاذب، لعَلَّ الناس اختلفوا، ما يُدْرِيه، ولم يَنته إِليه؟ فليقل: لا نعلم الناسَ اختلفوا، هذه دعوى بشر المريسي، والأَصم، ولكنه يقول: لا نعلم الناس اختلفوا، أو لم يبلغني ذلك، هذا لفظه.
ونصوصُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أَجلُّ عند الِإمام وسائرِ أَئمة الحديث من أَن يُقَدِّموا عليها توهُّمَ إجماع مضمونه: عدم العلم بالمخالف، ولو ساغ؛ لتعطَّلت النصوصُ، وساغ لكل من لم يعلم مخالفاً في حكم مسألة أَن يُقَدِّمَ جهله بالمخالف على النصوص؛ فهذا هو الذي أَنكره الإمام أحمد، والشافعي، من دَعْوى الإجماع، لا ما يظنه بعضُ الناس أنه استبعاد لوجوده