الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأَمر والتوقف دليل سعة العلم بالأدلة، ومدارك الأَحكام، والخلاف، ومآخذه.
والمتوقف وإن كان لا رأي له، لكن إذا سئلنا عن مسألة توقف فيها الإمام، قلنا: مذهبه فيها الوقف.
والمجتهد قد يتوقف ابتداء عندما تعرض له النازلة، ثم لا يبت فيها، أو يبت فيها ويقطع بحكم لها بعد استكمال تصورها عنده في واقعها وفقهها، وقد يبت ثم يُبدي التوقف وهكذا.
ومذهبه: آخر الأمرين، من توقف أو بتّ بالحكم.
وقد سلك هذا الطريق الأَئمة الكبار، في عدد مما يعرض لهم من النوازل، والواقعات، والمسائل، والأقضيات؛ حتى صار من المقرر في " أَحكام القضاء " أَن القاضي إذا توقف ولم يتضح له وجه الحكم، دفعها إلى غيره لنظرها والبت فيها.
وقد ذكرت في كتاب: " التعالم " أَمثلة كثيرة استقرائية لدى بعضهم، ولضرب المثال لدى آخرين، منهم: الحافظ ابن أَبي حاتم، والحافظ ابن حجر الشافعي، وغيرهما. كل هذا للتدليل على بالغ الورع مع ما بلغوه من سامي المكانة في العلم.
وفي المذهب هنا حصل بالتتبع أن التوقف فيه على قسمين:
قسم في توقف الإمام، وقسم في توقف الأصحاب، وهذا بيانها:
-
القسم الاول:
توقف الإمام أحمد في الجواب؛ لتعارض
الأَدلة وتعادلها عنده، وهذا هو المراد عند الِإطلاق، وهو على أَنواع:
- النوع الأول (1) : جوابه باختلاف الأَدلة، أو الصحابة، أو التابعين، أو الناس، مع عدم القطع والبت، فهذا توقف منه في المسألة، ما لم توجد قرينة تدل على البت فهو مذهبه، أو سُئِلَ ثانية فأَفتى، فالذي أَفتى به هو مذهبه.
ولهذا النوع زيادة بيان مضى في أخريات " الطريق الأول ".
- النوع الثاني (1) : جوابه بقوله: دعه، دعها الساعة، لا أَعرف، لا أَدري، ما أَدري، ما سمعت. فجوابه بواحد من هذه الأَلفاظ إيذان بتوقفه في الحال، ما لم توجد قرينة تدل على حكم له بين في المسألة. وقال عبد العزيز غلام الخلال: إن هذا مؤذن بالحكم، وقوله: لا أَدري- مثلاً- إنكار على السائل: كيف يسأل وحكمه بيِّن؟ وقد يحكي الإمام أقوال الصحابة، ثم يقول: لا أَدري. أي يتوقف عن اختيار واحد منها.
- النوع الثالث (2) : جوابه بلفظ يشعر بالتوقف، ما لم يحف به قرينة تفيد صرفه إلى البت والقطع. ومن أَلفاظ هذا النوع: أَجبن عنه. أَتَفَزَّعُه، أَتَفَزَّع عنه. أَتهيبه. لا أَجترئ عليه. أَتَوقى. أَتوَقاه. أَستوحش منه.
- النوع الرابع: جوابه بلفظ اختلف الأصحاب فيه: هل يفيد
(1) تهذيب الأجوبة: ص/ 502-504، 521- 555
(2)
المرجع السابق