الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العلوي في داره، فخاب الفاتنون، وظهرت براءة أَحمد، فَفَرحَ المتوكل.
*
المحنه الثالثة:
محنة الدنيا:
بعث المتوكل للإمام أَحمد: جائزة الظهور بالحجة على ابن أَبي دؤاد وهي عشرة آلَاف درهم، مع مندوبه، بكتاب رقيق العبارة واعتذار، وإجلال للِإمام أَحمد، وتأكيد عليه بقبول الجائزة، ودعوته للمجيء إِليه.
وقف أَحمد حيران، ثم فُتح له بقبولها، لكن ما طلع الفجر إِلا وقد وَزَّع الدراهم كُلَّها على أَولاد المهاجرين، والأَنصار، وفقراء عامة المسلمين.
*
المحنة الرابعة:
محنة الدنيا الثانية:
خرج الإمام أَحمد إلى المتوكل إِجابة لدعوته، وفي طريقه- لما علم المتوكل بخروجه- بعث بعشرة آلاف درهم لأَولاد الإمام أَحمد، ورغب إِليهم عدم إِخبار أَحمد بها.
استقبل قصر المتوكل الإمام أَحمد، بما فيه من حَشَمٍ، وخَدَمٍ، ووزراء، والعيون تنظر إِليه بالتقدير، والحب، والِإجلال، في قصص يطول ذكرها.
لكن الإمام أحمد يرى أَنه إن كان بالأمس- أيام محنة القول بخلق القرآن- في سجن البدن، فهو اليوم في سجن الروح، فهو يتمنى الخلاص، والإذن له بالعودة إلى داره في بغداد.
يرفض العطاء يرفض السكنى عند المتوكل. يرفض قبول شراء دار له في بغداد. يبعث بالكتاب بعد الكتاب لولده في بغداد بعدم قبول الجوائز والصلات. ويوصيه بالحرص على الزهد والقناعة. وأحمد- رحمه الله تعالى- يصبر ويحتسب، أمام هذه المواجهات والمِحَن، وما زال في رِفعة وعلو، وجلالة قَدْرٍ مَلأَت قلوب الناس، وصار لقلوبهم مثل العافية لأَبدانهم، وما أجود ما قاله الذهبي حينما امتحن الإمام مالك- رحمه الله تعالى- في مسألة إيمان البيعة (1) :" وهذا ثمرة المحنة المحمودة أنها ترفع العبد عند المؤمنين، وبكل حال فهي بما كسبت أيدينا، ويعفو الله عن كثير " ومن يُرد الله به خيرًا يُصب منه " - رواه البخاري- وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " كل قضاء المؤمن خير له ". وقال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ) [محمد /31] وأنزل في وقعة أحد قوله: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) [آل عمران/165] ، وقال: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) [الشورى/30] ، فالمؤمن إذا امتُحن، صبر واتَّعظ واستغفر ولم يتشاغل بذم من انتقم منه، فالله حَكم مقسط، ثم يحمد الله على سلامة دينه، ويعلم أن عقوبة الدنيا أهون وخير له " انتهى.
فهذه بعد: من عيون المعارف في ترجمة هذا الإمام، وحياته
(1) السير 8/73
ومواقفه فيها، لاسيما أَيام محنة القول بخلق القرآن بحاجة إلى من يستجلي العبر، والدروس منها. وقد قام العالم الفاضل الشيخ: أَحمد ابن عبد الجواد الدومي بجهد متميز في كتابه: " أَحمد بن حنبل بين محنة الدين، ومحنة الدنيا " فمن أَراد أَن يزداد يقينه، ويقوى إِيمانه فليقرأ هذا الكتاب. غفر الله لمؤلفه ورحمه، آمين.