الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التمهيد الثالث: مراتب الناس فيها
يُلاحظ في هذا المدخل أَنَّ معرفة ما يُعد طريقاً لمعرفة مذهب المجتهد، وما لايُعد، تطرق إليها بعض التغالي والِإفراط، من جهة مَنْحِ بعض الأتباع للأئمة المتبوعين ما بلغ حد التجاوز، بإعطاء غير المعصوم، خصائص النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم حتى جعلوا قول الإمام، وفعله، وتقريره، وإقراره، وسكوته، كتصرفات النبي صلى الله عليه وسلم. وقد أَفضى هذا الِإفراط: إلى الدعوة إلى سَدِّ باب الاجتهاد.
ومن هنا دخل الداخل في تحميل مذاهب الأَئمة ما لا تحتمله، وتطرق إليها من جهة التفريط: دعوة بعضهم نبذ فقههم بالكلية، و" الأخذ ابتداء من حيث أَخذ القوم " و " هم رجال ونحن رجال " وهي عبارات حق، وكلمات صدق؛ إذا صدرت من عالم فقيه متأهل، توفرت فيه شرائط الاجتهاد، وتحلى بالورع، والزهادة، والبعد عن مخاتلة الدنيا بالدين، والتعلق بأذيال المفسدين. لكن تسمع لها في عصرنا ضجيجا من المتعالمين، وصغار الطلبة الناشئين، ومَنْ شَابَ في الطلب، لكنه ما زال حلس الجهل المطبق، فَنَقَلتْهُم هذه الدعوى- وليسوا من أهلها- إلى ضمور واضمحلال في الفقه، ودعتهم " طفرة الأخذ بالدليل " وهم غير متأهلين، إلى أن شاطوا
وبعدوا عن الدليل، وحرموا فقه السلف الصالحين.
لذا بانت منهم بوائن، وظهرت منهم بوادر، يأباها الله ورسوله، والمؤمنون، فتولَّدت عنهم الدعوة المنكودة: إلى هجر الكتب الصفراء - كتب الفقه!! - وَزَجْر الطلَاب عن حفظ المتون، بَلْ فَاهَ بعض المخذولين بحرق كتب الفقه عَلَناً في مَحضر مِنَ العلماء، في بيت من بيوت الله، فخذل الله مقالته وأَطفأ الله ناره، وتسلل من بينهم مستخفياً مخذولاً.
إن الوقيعة الظالمة في أَئمة العلم والدين، هي- لعمر الله- نَفْثَة رافضية، وَدَخِيْلَة سَلُوْلية، تدعو إلى القدح في المحمول بالقدح في الحامل، وغايتها:" زندقة مكشوفة ".
وخلاصة القول: أَن الحق الصواب، والعدل الوسط: الأَخذ بالدليل، وعدم التقديم عليه لِأَيِّ كَائِنٍ مَنْ كَان، مع احترام أَئمة العلم والدِّين في القديم والحديث، والاستفادة من فقههم، ودقيق فهمهم، ومن حرِمَ النظر فيها فقد حُرِمَ خيراً كثيراً.
وما زال- ولله الحمد- في كل مذهب أَئمة هداة، وعلماء دعاة، إلى ما كان عليه إِمام المذهب من الأَخذ بالدليل، والتنائي عن التعصب الذميم للرأي المضاد للدليل.
وفي كتاب: " التعالم " أثارة من علم في: " المبحث الخامس " منه، ومضى ما فيه الكفاية- إن شاء الله تعالى- في:" المبحث الثالث " من المدخل الأول " والله أعلم.