الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-
الأَمر الثاني: في التوقي من الغلط في نقل المذهب وأسباب الغلط:
القول بلا علم من أَعظم الظلم، وأَعظمه القول على الله - تعالى-، ومنه القول على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويلي ذلك القول على أهل الفقه والفتيا من الصحابة- رضي الله عنهم بل على جميع الصحابة، ثم القول على إِمام في الفقه والدِّين من علماء التابعين، وهكذا من مراتب القول بلا علم على العلماء وغيرم، حسبما يحصل من آثار وأَضرار.
ومنه: " التجاوز في نقل المذاهب " والتقول " والمجازفة، فتجد من السهولة بمكان أن يرى الناظر فرعاً في كتب المذهب المغلوطة، فيقول: " مذهب أَحمد كذا وعليه الأصحاب " لاسيما في مقامات الانتصار وتكثير الجمع، ومواجهة الخصم، وهو قول أَجنبي عن المذهب، محكوم بغلطه، أو مخرج في المذهب لَمْ يَفُهْ به الإمام.
ويكثر هذا في حق المشاهير من أهل العلم، لاسيما إذا كان من الفقهاء المتبوعين.
وكل هذا لا يعنينا هُنا؛ لأَنه مما تَعَمَّدُهُ القلوب، فهو من مواطن الإثم. لكن الذي يعنينا هنا:
هو أن تعلم: كما أن الأصل في " الفطرة " هو السلامة، والانحراف طارئ عليها، وأَن الأصل في:" البدن " هو الصحة، والمرض عارض له، فكذلك الأصل في " العلوم ": الصحة، وفي
" الكتب ": الثبوت، والسلامة من الغلط، والوهم، والخطأ، والسهو، والسقط، وعبور النظر، وغيرها من الأمور العارضة، لكنها في البشر فاشية، مع رفع الِإثم والحرج لعدم العمدية والقصد.
وهذه الأمور العارضة، داخلت صفوف العلماء من علماء الشريعة والآلة، وأَصحاب الحرف، والصنائع الأُخرى، من الطب، والهندسة، والمساحة، وغيرها، بل الغلط عند غير علماء الشريعة من المتكلمين والمتفلسفة، أَكثر مما هو عند الفقهاء، كما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله تعالى- في:" الفتاوى 9/ 21 "، وهو عند أَرباب العلوم العددية، كالمساحة، والهندسة، والفرائض، أَقل من غيرهم، كَمَا نبه عليه ابن قتيبة في:" اختلاف الحديث ".
وهذا فَنّ طريف ومهم دقيق من فنون العلم، وقد تَمَنَّئ ابن القيم- رحمه الله تعالى- أَن يفرد فيه كتاباً، كما في:" مدارج السالكين: 2/ 431 "
وقد يَسَّرَ الله للعبد الفقير إِفراده في كتاب، شَخَّصْتُ فيه أَسباب الغلط، وأَمثلته، في عدد من العلوم، وبخاصة في فقه الأَئمة الأربعة، وبينت أَسباب الوقاية منه، وجمعت ذلك في كتيب باسم:" كشف الجُلَّة عن الغلط على الأَئمة " ثم أَدرجته في كتاب: " المدخل لفقه النوازل/ القضايا المعاصرة "، لكثرة من يُخَرِّجُ النوازل على فِقْهٍ غَلِطَ الناس فيه على إِمَامٍ ما.
وهنا أَقتصر فيما يتعلق بالغلط على مذهب الإمام أحمد، على ما يأتي:
1-
لا تغلط فتجعل الأَصل في كتاب من كتب المذهب هو الغلط، بل الأَصل هو الصحة والسلامة من جهة نسبته إلى مؤلفه، وسلامة مسائله وقضاياه من التحريف والتصحيف، وصحة نسبة ما فيه إلى المذهب رواية أو تخريجاً.
والغلط عارض، يعرفه البصير ويقف عليه الخبير بالرجوع إلى الأصول، وكتب تصحيح المذهب، لا سيما الحواشي (1) ،
2-
التزم التوقي من الغلط، ومنه المسارعة إلى تغليط دون برهان، ومنه قولك:" هذا مذهب الإمام وبه قال الأصحاب " والحق خلافه. ومنه: قولك: " خَرَّجه الأصحاب " وهو رواية، أو بعكسه. قال ابن الوزير- رحمه الله تعالى- في: " العواصم والقواصم:
" وإذا نقلت مذاهبهم فاتق الله في الغلط عليهم، ونسبة ما لم يقولوه إِليهم، واستحضر- عند كتابتك ما يبقى بعدك- قولَهُ- عز وجل:(إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ) انتهى.
فاجتهد- رحمك الله- أَن تكون في المذهب ممن نَقَّح، وحقق، وصَحَّحَ، ودقق، وكشف ما تتابع عليه بعض الأصحاب من غلط، أو تعاقب عليه النساخ من عيوب النظر وسبق القلم.
3-
اجتهد في معرفة الطرق التي بها يعرف المذهب والتخريج
(1) انظر إضاءة الراموس لابن الشرقي: 1/ 117 من أنه لا يفتح باب ضبط النص بمجرد الرأي
…
فيه، فإِنك إذا أَتقنت هذه الطرق كنت بمنْأىً عن الوقوع في الغلط.
وهي مبينة مفصلة في: " المدخل الخامس ".
4-
في تَشْخِيْصِ أَسباب الغلط في المذهب منها:
- إِطلاق قول عن الإمام لم يقله، وحقيقته عن الأصحاب.
- عكسه.
- التصرف في لفظ الإمام بما يصرفه عن مراده.
- فهمه على غير مراده. وقد اشتهر بهذا أبو بكر عبد العزيز غلام الخلال، في كتابه:" التنبيه " وغيره، كما أشار إلى بعض غلطه في ذلك: الحافظُ ابن رجب في: " القواعد/ 169 " فقال: " وأبو بكر كثيرا ما ينقل كلام أحمد بالمعنى الذي يفهمه منه، فيقع فيه تغيير شديد، ووقع له مثل هذا في كتاب: زاد المسافر كثيرا " انتهى والزركشي في: " شرح الخرقي: 6 /478 "(1) .
- الغفلة عما في أقواله من الِإطلاق والتقييد، وما إلى ذلك
- إِغفال بساط الحال لروايات الإمام
- الاعتماد في مذهبه على قول رجع عنه.
- الجمع بين روايتين مع واجب التفريق بينهما
- عكسه
- التصحيف والتحريف والتطبيع ومن التصحيف- في رأي ابن رجب- أن حرباً الكرماني روى عن الإمام أحمد: الاستنثار باليسار،
(1) وانظر أسباب تعدد الرواية في المذهب الحنبلي: ص/ 26-27
فتصحفت على بعضهم إلى " الاستنان " أي السواك باليسار وهذا في مبحث: هل يستاك للوضوء بيمينه أم بيساره؟ (1)
- المتابعة عليه. والتتابع إنما يكون عند فشو الجهل، وتقليد الأَوراق.
- الغلط في الأَسماء والحدود (2) .
- عدم الربط بين ما في الكتاب وشرط المؤلف في مقدمته.
- عدم الربط بين المسألة والباب الذي عقد لها.
- ومن أَسباب الغلط أَن يقول الإمام قولا فيزيد بعض الأصحاب في قدره أو نوعه؛ للِإيضاح، فينسبُ الناقلُ الكُلَّ إلى الإمام أَحمد.
- ومن أسباب الغلط: نصرة القول عن الإمام على خلاف الدليل.
- ومن أَسباب الغلط: اعتماد الكتب المنتقدة في المذهب، دون المعتمدة. ويأتي بيانهما في:" المبحث الرابع من: " المدخل الثامن ".
كما أن الكتب المحررة مظنة- أيضا- للغلط في بعض الروايات بأي من أسباب الغلط.
- ومنه الاعتماد في النقر على نسخة سقيمه غير مقابلة ولا مصححة. مثاله: ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله تعالى- في: " المناسك " إذ قال: " قال حرب: سألت أحمد، قلت: فإن رمى جمرة العقبة من فوقها؟ قال: لا ولكن يرميها من بطن
(1) الإنصاف للمرداوي: 1/ 128
(2)
انظر فهرس الفتاوى: 36/ 157
الوادي
…
وذكر القاضي عن حرب عن أحمد: لا يرمي الجمرة من بطن الواد ولا يرمي من فوق الجمرة
…
ثم قال- رحمه الله تعالى-: " وهذا غلط على المذهب منشأه الغلط في نقل الرواية، وقد ذكر القاضي- في موضع آخر- المذهب كما حكيناه، ولعل سببه أن النسخة التي نقل منها رواية حرب كان فيها غلط، فإني نقلت رواية حرب من أصل متقن قديم من أصح الأصول، وكذلك ذكرها أبو بكر في: الشافي " انتهى (1) .
إلى غير ذلك من أَسباب بسطتها- ولله الحمد- في الكتاب السابق ذكره.
5-
أَمثلة الأَغاليط على الإمام أَحمد- رحمه الله تعالى-:
منها: ما حكاه بعضهم عن الإمام- رحمه الله تعالى - من أَنه يُجَوِّز للقادر على الاستدلال: تقليد الأَعلم وهذا غلط عليه، بل لا يُجوز له التقليد، وعليه الاجتهاد، كما هو المنصوص عن أَحمده وبيَّن هذا في:" الفتاوى: 25/ 225 ".
ومنها: ما حُكي عنه من جواز تقليد العالم للعالم.
وهذا غلط عليه، وإنما هو محكي عن شيخه محمد بن الحسن الشيباني تلميذ الإمام أَبي حنيفة- رحم الله الجميع- قيل عن محمد ابن الحسن: يجوز تقليد الأَعلم. وقيل: العالم.
(1) شرح العمدة: 2/ 530- 531 بواسطة: أسباب تعدد الرواية في المذهب الحنبلي، لمعدها: فايز أحمد حابس: ص/ 27- 28
نَبَّه على ذلك شيخ الإسلام في: " منهاج السنة: 2/244 ".
ومنها: غلط الحافظ ابن عبد البر- رحمه الله تعالى- من أَن التكبير في كل خفض ورفع في الصلاة لا يجب عند الإمام أَحمد؛ وقد رده شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله تعالى- في بحث مطول من: " الفتاوى: 22/588- 591 ".
ومنها: الغلط عليه في القول بوجوب صيام يوم الغيم، فإِنَّه لا أَصل للوجوب في كلام الإمام أَحمد، ولا أَحد من أَصحابه، وإنما هو القول بالاستحباب كما بينه شيخ الإسلام ابن تيمية في:" الفتاوى: 25/ 99 ".
ومنها: تتابع جماعة من فقهاء المذهب: أَبو الخطاب في: " الهداية " وابن قدامة في: " المقنع " والجد المجد ابن تيمية في: " المحرر " وغيرهم: أَنه يصح تراخي القبول مطلقا عن الإيجاب في النكاح ولو بعد المجلس، وقد نفاه شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله تعالى- في:" الفتاوى: 21/ 140 ".
والأَمثلة على هذا كثيرة، وما زال علماء المذهب يصححون، وينقحون المذهب على الصحيح منه، ثم على الصحيح حسب الدليل، فَإلى قَفْوِهِم في طلب الصحة، والسنة، والأثر.
وإن أَردت الديوان الجامع للتصحيح والتضعيف في المذهب وكشف الغلط؛ فعليك بكتاب خاتمة المذهب المرداوي: الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف ". والله أعلم.
6-
معرفة الكتب التي اشتهرت بالأغاليط.
تأتي في: " المدخل الثامن " تسمية الكتب المنتقدة في المذهب وأنها موطن الغلط فيه، لكن أَوسعها في الغلط كتاب:" مفردات الإمام أَحمد " للكيا الشافعي
وإذا نظرت في سياقات كتب المذهب المتقدمة، تبيَّن لك ملتقطات مهمة في بعضها مع شهرتها، ومنها:" زاد المستقنع " فإِنه مع شهرته واعتماد علماء المذهب عليه، قد حرر بعض الأصحاب ما فيه من مسائل تخالف المذهب، وأخرى تخالف الراجح فيه. والله أعلم