الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل:
الأَصل الرابع: الأَخذ بالمرسَلِ والحديثِ الضعيف
، إذا لم يكن في الباب شيء يدفعه، وهو الذي رجَّحَه على القياس، وليس المرادُ بالضعيف عنده: الباطلَ ولا المنكَرَ ولا ما في روايته مُتَّهم، بحيث لا يَسُوغ الذهابُ إِليه فالعمل به؛ بل الحديث الضعيف عنده قسيم الصحيح وقسم من أَقسام الحَسَن،- ولم يكن يقسم الحديث إلى صحيح، وحسن وضعيف، بل إلى صحيح وضعيف، وللضعيف عنده مراتب، فإِذا لم يجد في الباب أَثراً يدفعه ولا قولَ صاحب، ولا إجماعاً على خلافه؛ كان العمل به عنده أَولى من القياس.
وليس أَحَد من الأَئمة إلَّا وهو موافِقُه على هذا الأَصل من حيث الجملة، فإِنَّه ما منهم أَحد إلَّا وقد قَدَّم الحديثَ الضعيف على القياس.
فَقَدَّمَ أَبو حنيفه حديثَ القهْقَهَة في الصلاة على مَحض القياس، وأَجمع أهل الحديث على ضعفه، وقدم حديثَ الوضوء بنبيذ التمر على القياس، وأَكثرُ أهل الحديث يضعفه، وقدَّم حديثَ " أكثر الحيضِ عشرةُ أَيام " وهو ضعيف باتفاقهم على محض القياس؛ فإن الذي تراه في اليوم الثالث عشر مُسَاو في الحدِّ والحقيقة والصفة لدم اليوم العاشر وقَدَّم حديثَ " لا مهر أقلّ من عشرة دراهم " وأجمعوا على ضعفه، بل بطلانه على مَحْض القياس، فإنَّ بَذْلَ
الصداق مُعَاوضة في مقابلة بذل البُضْع، فما تراضَيا عليه جاز قليلاً كان أو كثيراً.
وَقَدَّمَ الشافعي خبر تحريم صَيْد وَجٍّ مع ضعفه على القياس، وَقَدَّمَ خبر جواز الصلاة بمكة في وقت النهي مع ضعفه ومخالفته لقياس غيرها من البلاد، وقدَّم في أَحد قَوْلَيه حديث " من قَاء أو رُعفَ فليتوضأ ولْيَبْنِ على صلاته " على القياس مع ضعف الخبر وإرساله.
وأَما مالك فإنه يقدم الحديثَ المرسل والمنقطع والبلاغات وقولَ الصحابي على القياس.
الأصل الخامس:
فإِذا لم يكن عند الإمام أَحمد في المسألة نصّ ولا قول للصحابة، أو واحدِ منهم، ولا أَثر مرسل، أو ضعيف، عَدَل إلى الأَصل الخامس: وهو القياس، فاستعمله للضرورة، وقد قال في كتاب الخلَاّل: سألت الشافعي عن القياس، فقال: إِنما يُصَار إِليه عند الضرورة، أو ما هذا معناه.
فهذه الأصول الخمسة من أصول فتاويه، وعليها مَدَارها، وقد يتوقف في الفتوى؛ لتعارض الأَدلة عنده، أو لاختلاف الصحابة فيها، أو لعدَم اطلاعه فيها على أَثر أو قول أَحد من الصحابة والتابعين. وكان شديد الكراهة والمنع للِإفتاء بمسألة ليس فيها أثر عن السلف، كما قال لبعض أَصحابه: إيَّاك أَن تتكلم في مسألة ليس لك
فيها إِمام.
وكان يُسَوغِّ استفتاء فقهاء الحديث وأَصحاب مالك، ويَدُلّ عليهم، ويمنع من استفتاء مَنْ يُعْرِض عن الحديث، ولا يبني مذهبه عليه، ولا يسوغ العمل بفتواه.
قال ابن هانئ: سألت أَبا عبد الله عن الذي جاء في الحديث: " أجْرؤكم على الفُتْيا أَجرؤكم على النار " قال أَبو عبد الله- رحمه الله: يفتي بما لم يسمع، قال: وسألته عمن أفتى بفتْيَا يعي فيها، قال: فإِثمها على من أَفتاها، قلت: على أي وجه يفتي حتى يعلم ما فيها؟ قال: يفتي بالبحث، لايدري أَيش أصلها.
وقال أَبو داود في مسائله: ما أحْصِي ما سمعت أَحمد سُئِل عن كثير مما فيه الاختلاف في العلم فيقول: لا أَدري، قال: وسمعته يقول: ما رأيت مثل ابن عُيَيْنة في الفتوى أَحسن فتيا منه، كان أهون عليه أن يقول: لا أَدري.
وقال عبد الله بن أحمد في مسائله: سمعت أبي يقول: وقال عبد الرحمن بن مهدي: سأل رجل من أهل الغرب مالك بن أَنس عن مسألة فقال: لا أدري، فقال: يا أَبا عبد الله تقول: لا أَدري؟ قال: نعم، فأبلغ مَنْ وراءكَ أني لا أدري.
وقال عبد الله: كنت أسمع أبي كثيراَ يُسْألَ عن المسائل يقول: لا أدري، ويقف إذا كانت مسألة فيها اختلاف، وكثيراً ما كان يقول:
سَلْ غيري، فإِن قيل له: مَنْ نسأل؟ قال: سَلوا العلماء، ولا يكاد يسمي رجلاً بعينه قال: وسمعت أَبي يقول: كان ابن عُيَيْنة لا يفتي في الطلاق، ويقول: مَنْ يُحْسِن هذا؟! " انتهى كلام ابن القيم - رحمه الله تعالى-.
وَقَدْ أُفْرِدَتْ " أصول مذهب الإمام أَحمد " بكتاب بهذا العنوان للشيخ عبد الله بن عبد المحسن التركي. وهو مطبوع.
وللشيخ عثمان بن إبراهيم المرشد كتاب باسم: " الرأي عند الإمام أَحمد بن حنبل " رسالة مُعدة في جامعة أم القرى للعالمية: " ماجستير " عام (1394 هـ) ولم يُطبع بعد.
ومن نظر في: " التقريب لعلوم ابن القيم " لراقمه؛ رأى في أصول أَحمد مباحث عزيزة، ولشيخه ابن تيمية كذلك كما في:" فهرس الأصول " من " فهارس مجموع الفتاوى، والله أعلم.