الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الخامس: اصطلاح الأصحاب في حكاية الخلاف
مع الترجيح أو حكاية الترجيح
للأصحاب مصطلحات شتى في: نقلهم الخلاف المطلق في المذهب بلا ترجيح، أو حكايتهم الخلاف مع الترجيح، أو النص على الراجح دون ذكر الخلاف، ولهم مصطلحات في الترجيح، وفي بيان القول الضعيف في المذهب. ويمكن سياقها في قسمين:
- القسم الأول: مصطلحات في نقل الخلاف في المذهب بلا ترجيح:
وهذا كثير لدى عامة المؤلفين في المذهب وَلكُل غَرض يقصده.
* فالموفق في: " المقنع " يطلق الخلاف؛ لاختبار ذهن القارئ، وتمرينه على الاختيار والترجيح.
وقد جَلَاّه المرداوي في مقدمة الإنصاف، الذي أَلَّفه لتحرير ما أطلقه الموفق في المقنع من الخلاف، فقال في مقدمته:(1/ 4) : " فإنَّه - أي الموفق في المقنع - تارة يُطلق الروايتين، أو
الروايات، أو الوجهين، أو الوجه، أو الأَوجه، أو الاحتمالين، أو الاحتمالات بقوله: فهل الحكم كذا؟ على روايتين، أو على وجهين، أو فيه: روايتان، أو وجهان، أو احتُمِل كذا، واحتمل كذا، أو نحو ذلك، فهذا وشبهه، الخلاف فيه مطلق.
والذي يظهر أَنَّ إِطلاق المصنف وغالب الأصحاب، ليس هو لقوة الخلاف من الجانبين، وإنما مرادهم: حكاية الخلاف من حيث الجملة، بخلاف من صرح باصطلاح ذلك كصاحب الفروع، ومجمع البحرين، وغيرهما " انتهى.
* وابن مفلح في: " الفروع " قال:
" وأُقدم غالبًا الراجح في المذهب، فإِذا اختلف الترجيح أَطلقت الخلاف " أَي: فإِن اختلف الترجيح بين الأَصحاب أَطلقته؛ لعدم الوقوف على الصحيح منه.
وهذه أيضا طريقة الحجاوي في: " الِإقناع " فإِنَّه قال في مقدمته له: " وربما أَطلقت الخلاف لعدم مصحح " انتهى.
ثم إن المرداوي- رحمه الله تعالى- ساق في مقدمة تصحيح الفروع: (1/ 29- 36) وفي مقدمة الإنصاف: (1/ 4- 6) مجموعة من الاصطلاحات الدالة على إطلاق الخلاف عند الموفق في: " المقنع " وعند ابن مفلح في: " الفروع ". منها: إذا قالا: قيل كذا،
وقيل كذا، أَو: قيل وقيل.
أَو: الحكم كذا، أَو: وعنه كذا.
أَو قال فلان كذا، وقال فلان كذا.
وهكذا في صيغ كثيرة، متقاربة، جميعها تدل على الخلاف المطلق بلا ترجيح في كتابيهما، وهي لا تخفى على المتفقه- بحمد الله تعالى-
وقد عد من إِطلاق الخلاف في " الفروع "، وفي " المقنع ": قَول: الْحُكْمُ كَذَا في إِحدى الروايتين، أو الروايات، أو الوجهين، أو الأَوجه، أو الاحتمالين، أو الاحتمالات (1) .
فالخلاف بهذه الصيغة مطلق لا يدل على ترجيح بعض على بعض.
وهذا من عمل صاحب " الفروع " فيه، قاله المرداوي في مقدمة " تصحيحه " له، وقال:
" والخلاف بهذه الصيغه مطلق، وقد قيل في مثلها في كتاب المقنع ": إنَّه تقديم، ونقل عن الشيخ أَنه قال ذلك، وهو مصطلح جماعة من الأصحاب ".
" وَقَدْ عُدَّ من إطلاق الخلاف: " طي الخلاف في حكاية نهايته ".
وهذا من الاختصار في حكاية الخلاف، كقول ابن مفلح في " باب
(1) الحكم كذا في إحدى الروايتين: الفروع وتصحيحه:/ 26
الهبة " من " الفروع " كما نبه عليه المرداوي في " تصحيحه " فقال (1) :
" وهل يفعل: ثالثها الفرق كما ذكره في باب الهبة، وهذه العبارة في غاية الاختصار أو يقول: في كذا روايات - الثالثة كذا، كما ذكره في باب الاستطابة، وغيره
…
" إِلخ.
إلى آخر كلامه المنتهي بأَنه من إِطلاق الخلاف
* وَقَدْ عُدَّ من إِطلاق الخلاف مع الِإشارة إلى قوة الرواية الأخرى: أَن يُقال في إِحدى الروايتين أو الروايات: اختارها الأصحاب، ففي هذا إِشارة إلى قوة الرواية الأخرى. وهذه طريقة لابن مفلح في الفروع، نبه عليها المرداوي في " تصحيح الفروع ":(1/ 52 - 53) وذكر أَنها مثل قوله: " فعنه كذا، والمذهب، أو الأَشهر كذا ".
" وَقَدْ عُدَّ من إِطلاق الخلاف: حكاية القولين فأكثر ثم يقال: والأَشهر كذا، أو المشهور كذا، ونحوه.
فهو إِشارة إلى إطلاق الخلاف، واختلاف الأصحاب في الترجيح، لكن بعضه أَشهر.
وهذه طريقة لابن مفلح في: " الفروع " نبَّهَ عليها المرداوي في: " تصحيحه ": (1/53-54) .
وقد عُدَّ من إطلاق الخلاف: إتباعه بقوله: والترجيح مختلف.
(1) مقدمة تصحيح الفروع: 1/ 26-27
أَي: لا فضل لِأَحد الترجيحين على الآخر.
ولهذا ذِكْرٌ في " الفروع " لابن مفلح، نبه عليه المرداوي في:" تصحيحه "(1/54) .
وَقَدْ عُدَّ مِن إِطلاق الخلاف: حكايته مَعْزُوًّا إلى فلان، أو كتابه، وأَن هذا لا دخل له في الترجيح.
وهذه طريقة لابن مفلح في: " الفروع " كما نبه عليها المرداوي في: " تصحيحه ": (1/55-56)
وقال البهوتي في مقدمة " كشاف القناع ": (1/10) : شرحًا لقول الحجاوي في مقدمة الِإقناع: (وعزوت حكمًا إلى قائله) :
" وربما عزوت أي نسبت حكمًا إلى قائله من العلماء خروجًا من تبعته
…
وقد يكون عزو القول لقائله ارتضاءً له، وموافقة، كما هو شأن أَئمة المذهب، وصرَّح به ابن قندس في حاشية الفروع " انتهى.
* وقد عُدَّ من الخلاف المطلق مع نوع إِشارة إلى ترجيح الأول: ما استقرأه المرداوي في مقدمة: " الِإنصاف "(1/ 4) من عمل الموفق في المقنع، فقال:" وتارة يطلق الخلاف بقوله مثلًا: " جاز "، أَو: لم يجز أَو صح، في إِحدى الروايتين، أو الروايات، أو الوجهين، أو الوجوه " أو بقوله: " ذلك على إِحدى الروايتين، أو الوجهين " والخلاف في هذا أيضا مطلق، لكن فيه إشارة مّا إلى ترجيح الأول
وقد قيل: إِنَّ المصنف قال: " إِذا قلت ذلك، فهو الصحيح. وهو ظاهر مصطلح الحارثي في شرحه " وفيه نظر. فإِن في كتابه مسائل كثيرة يطلق فيها الخلاف بهذه العبارة، وليست المذهب، ولا عزاها أَحد إلى اختياره، كما يمر بك ذلك إِن شاء الله تعالى، ففي صحته عنه بعد، وربما تكون الرواية، أو الوجه المسكوت عنه مقيدًا بقيد، فأَذكره، وهو في كلامه كثير.
وتارة يذكر حكم المسألة مفصلا فيها، ثم يطلق روايتين فيها، ويقول:" في الجملة " بصيغة التمريض، كما ذكره في آخر الغصب، أو يحكى بعد ذكر الحكم إِطلاق الروايتين عن الأصحاب، كما ذكره في باب الموصَى له. ويكون في ذلك أيضا تفصيل، فنبينه إِن شاء الله تعالى " انتهى.
- القسم الثاني: اصطلاحات في مقام الترجيح، والاختيار والتصحيح، والتضعيف.
واختص بهذا النوع من قَوِيَ عليه من فقهاء المذهب، منهم:
ابن مفلح في: " الفروع " والمرداوي في: " تصحيح الفروع " ولقد حقق فيها ودقق، كأَنما استظهر الفروع، فأَتى بالعجائب
والزركشي في: " شرح الخِرَقي " وأَبو بكر الجراعي في " غاية المطلب " والمرداوي في: " الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف " وفي ملخصه: " التنقيح المشبع في تحرير أحكام المقنع " والشويكي
في " التوضيح في الجمع بين المقنع والتنقيح " والفتوحي ابن النجار في: " شرح المنتهى "، والبهوتي في:" كشاف القناع " في آخرين. وللحواشي، وكتب التصحيح، والزوائد في هذا: نصيب وافر.
ولهم في هذا جملة أَلفاظ في الترجيح بين الروايات عن الإمام، وفي الترجيح بين الأَوجه، والتخاريج، والاحتمالات عن الأصحاب.
ومن هذه الأَلفاظ: رواية واحدة. وجهًا واحدًا بلا خلاف في المذهب. بلا نزاع. نصًّا. نص عليه. نص عليه وهو اختيار الأصحاب. المنصوص كذا. هذا هو المذهب المنصوص. الأَصح. في الأصح. على اللأصح. الصحيح كذا. في الصحيح من المذهب. في الصحيح عنه. في أَصح القولين، أو الأقوال، أو الوجهين، أو الأَوجه. والأول أَصح. هي أَصح. الأول أَقيس وأَصح. هذا صحيح عندي
* المشهور. الأَشهر. في المشهور عنه. الأَظهر كذا. على الأَظهر. على أَظهرهما. أو أَظهرهما. في الأَظهر. في أَظهر الوجهين، أو الأَوجه.
* أولاهما كذا. الأولى كذا. هو أولى.
* الأقوى كذا. الأقوى عندي كذا. يُقَوَّى.
* الأول أَحسن.
* وعندي كذا.
* متجه. ويتوجه.
* نَصبها فلان.
* اختاره شيوخناه اختاره عامة الأصحاب
* المذهب كذا المذهب الأول
* القياس كذا. في قياس المذهب. قياس المذهب كذا.
* الأول أَقيس
* ومن أَلفاظهم الاصطلاحية في التضعيف:
* لا عمل عليه. وهو بعيد. هذا قول قديم رجع عنه.
* غريب. قول غريب. هو قول غريب. وُجيه. ولنا وجيه. في وُجيه آخر. قويل. هو قُويل. ولنا قُويل آخر
* المقدم خلافه
وقد أَلف ابن فيروز الأَحسائي. ت سنة (1205 هـ) كتابًا باسم: " إِبداء المجهود في جواب سؤال ابن داود " وابن داود هو تلميذه عبد الله بن داود الزبيري. ت سنة (1225 هـ) فإنه سأله عن القول المرجوح، وعن المُقَلِّدِ المذهبي، وعن الناقل المجرد، فأجاب بهذا المؤلف
وهذه الأَلفاظ بقدر مما تفيده في مقام التصحيح والترجيح، أو التضعيف، فجلها يشير إلى وجود خلاف في المذهب، لكنه خلاف الراجح عند المرجح. والله أعلم
ثم إِن الأصحاب قد يختلفون في الترجيح، كما يكون لدى غيرهم من علماء الفنون الأخرى.
وقد ختم المرداوي - رحمه الله تعالى- مقدمة الِإنصاف: (1/18) وعنه البهوتي في خاتمة مقدمته لكتابه: " كشاف القناع "(1/12) بفائدة في ذلك هذا نصها:
" فائدة: واعلم- رحمك الله- أن الترجيح إذا اختلف بين الأصحاب، إنما يحكون ذلك لقوة الدليل بين الجانبين، وكل واحد ممن قال بتلك المقالة إمام يُقتدى به فيجوز تقليده، والعمل بقوله، ويكون ذلك في الغالب مذهبًا لِإمامه؛ لأن الخلاف إن كان للِإمام أحمد فواضح، وإن كان بين الأصحاب، فهو مقيس على قواعده، وأصوله، ونصوصه، وقد تقدَّم أن: الوجه مجزوم بجواز الفُتيا به، والله سبحانه وتعالى أعلم " انتهى.
وهذه الأَلفاظ واضحة في المراد، وقد نص من تقدم ذكرهم على بيان اصطلاحهم فيها في مقدمات كتبهم المذكورة، لكن بعضها يحتاج إلى بيان، وهي:
بلا نزاع. في وجه. قُويل. المنصوص كذا. نصُّا. وُجيه. ونصبها
فلان. ويتوجه. يقوى.
فإلى بيانها:
- بلا نزاع (1) :
قال العلَاّمة ابن جبرين: " عاشرًا: قولهم بعد المسألة: " بلا نزاع " أي بين فقهاء المذهب، ولايلزم عدم النزاع بينهم وبين أهل المذاهب الأخرى، والنزاع: هو الاختلاف المطلق وإن لم يحصل معه مناظرات أو محاجة أو تعصب ".
- في وجه:
قال ابن النجار الفتوحي في مقدمة: " الكوكب المنير في اختصار التحرير ":
" ومتى قلت: في وجه؛ فالمقدم غيره، أو في قول، أو على قول؛ كان إذا قوي الخلاف أو اختلف الترجيح مع إِطلاق القولين أو الأقوال، إذا لم أطلع على مصرح بالتصحيح " انتهى.
- قُويل (2) : و: هو قويل. أَو: لنا قويل آخر:
تصغير قول. هذا من مصطلحات الزركشي في كتابه المسمى:
(1) مقدمة تحقيق شرح الزركشي: 1/ 68.
(2)
شرح الزركشي 63-66
" شرح الزركشي على مختصرالخِرَقي " وهو تصغير يفيد ضعفه.
وهو بمنزلة قول غيره من الفقهاء: قول غريب، أَو هو قول غريب.
- المنصوص كذا:
إِذا قاله ابن مفلح في: " الفروع " فهو إِشارة إلى أَن ثَمَّ قول آخر.
- نصا. نص عليه. هذا هو المذهب المنصوص (1) :
قولهم في كتب المذهب: " نصًّا " معناه: نسبته إلى الِإمام أَحمد - رحمه الله تعالى-.
وأَما قول ابن مفلح في: " الفروع ": " المنصوص " فهو اصطلاح له للِإشارة إلى أَن ثم قول آخر
وانظر في حرف الميم: المنصوص.
- وُجيه: و: لنا وُجيه. و: هو وُجيه آخر (2)
تصغير وَجْه، وهو من اصطلاح الزركشي في شرحه على الخِرَقي.
قال محققه: إِن تصغيره يفيد ضعفه فهو بمنزلة قول غيره من الفقهاء: هو وجه ضعيف.
- ونصبها فلان (3) :
أَي بدأ فلان بهذه الرواية وقدمها.
ففي مقدمة تحقيق الزركشي ما نصه: " تاسعًا: يتكرر قولهم في
(1) كشاف القناع: 1/ 19، المدخل: ص 204
(2)
مقدمة تحقيق شرح الزركشي: 1/ 63، 68
(3)
مقدمة العلامة ابن جبرين لكتاب: شرح الخِرقي: 1/ 67
بعض المسائل: ونصبها القاضي في كذا، أو أَبو الخطاب في " الهداية " ونحوه، أَي: بدأ بهذه الرواية وقدمها، أو اقتصر عليها مما يفيد أَرجحيتها عنده.
وقد يقولون أَحيانًا: وَنَصَّها، أَي: صَرَّح بها ".
- ويتوجه:
من اصطلاح ابن مفلح في: " الفروع " أَي: يتوجه عنده.
- يقوى:
من اصطلاح ابن مفلح في " الفروع " أَي: يقوى عند ابن مفلح.
ثم اصطلاحهم في هذا القسم على أَربعة أَنواع هى:
- النوع الأول: تقديم الراجح:
ولهم في ذلك مسلكان:
1-
الاقتصار على الراجح دون ذكر الخلاف.
وهذه طريقة أَصحاب المتون التي تُساق على رواية واحدة، وبخاصة المختصرات منها، مثل: العمدة، والإقناع، وزاد المستقنع، وكافي المبتدي، وأَخصر المختصرات، وغيرها.
وعلى هذه الطريقة جرى البهوتي في شرحه للإقناع: كشاف القناع.
2-
ذكر الخلاف في المذهب مع تقديم الراجح، وإن اختلف
الترجيح أطلق الخلاف. وهذه طريقة ابن مفلح في: " الفروع " وشرطه في كتابه كما في مقدمته: 1/63.
- النوع الثاني: تقرير الراجح بعد تقديم المرجوح:
وهذا من عمل ابن مفلح في: " الفروع " فقد علمت أَن شرطه تقديم الراجح، لكن قد يقدم غيره ثم يقول: والمذهب، والمشهور، أو: والأَشهر أو: والأصح، أو: والصحيح: كذا. وهذا في كتابه كثير كما نبه عليه المرداوي في " تصحيحه " له: (1/23) .
- النوع الثالث: تعيين الراجح مع الإشارة إلى قوة المرجوح:
سلك ابن مفلح هذا الطريق في: " الفروع " كما وضحه المرداوي في: " تصحيحه ": (1/ 27- 28) فإنه يسوق الخلاف بلفظ: فعنه كذا، وعنه كذا، ثم يقول بعدها: والمذهب، أو: والمشهور، أَو: والأَشهر أو والأَصح كذا، ونحوه.
فهذا يفيد أَمرين: تعيين الراجح عنده " والِإشارة إلى قوة في القول الآخر.
- النوع الرابع: الِإشارة إلى منزلة الخلاف قوة وضعفًا، بواحد من " حروف الخلاف في المذهب " وهي ثَلَاثَة (1) :
" ولو ": ويُشار به إلى الخلاف القوي
(1) ومضى حرف رابع هو " أو " وفي آخر حرف الألف من الفصل الثالث في: " المدخل السادس ".
" حَتَّى " يُشار به إلى الخلاف المتوسط.
" وإن " يُشار به إلى الخلاف الضعيف.
وهذا النوع يحتاج إلى بحث وتحرير، فأَقول:
أَول من رأيته أَفاد عنها العلَاّمة ابن بدران- رحمه الله تعالى- في " المدخل ": (ص: 213) مبينا أَنها تشير إلى وجود الخلاف فقال: " متى قال فقهاؤنا: " ولو كان كذا " ونحوه كان إشارة إلى الخلاف وذلك كقول صاحب الِإقناع، وغيره، في باب الأذان: " ويكرهان - يعني: الأذان والِإقامة - للنساء، ولو بلا رفع صوت " فإِنَّهم أَشاروا بلو إلى الخلاف في المسألة، ففي " الفروع ": وفي كراهتهما يعني: - الأذان والِإقامة للنساء - بلا رفع صوت، وقيل: مطلقا، روايتان وعَنه: يُسن لهن الِإقامة وفاقا للشافعي، إلَّا الأذان خلافًا لمالك " انتهى.
فقوله: ولو بلا رفع صوت، إِشارة إلى الرواية الثانية.
وقالوا أيضا: ولا يُكره ماء الحمام، ولو سخن بنجس.
وفي هذه المسألة خلاف أيضا، فقد قال في:" الفروع ": وعنه:
يكره ماء الحمام؛ لعدم تحري من يدخله، فاحفظ هذه القاعدة فإِنَّها مهمة جدّا " انتهى.
فأفاد كلامه إفادة هذا الحرف: " ولو " للخلاف، ولم يشر إلى أنه للقوي أو دونه.
وقد تناقل بعض طلبة العلم في عصرنا أَن " حتى " للخلاف القوي، " ولو " للخلاف الضعيف، وقيل بالعكس فيهما، و " وإن " للخلاف المتوسط. وهذا لا يُعَوَّل عليه.
ولم أَرَ قيد ذلك في كتاب سوى إِشارات لبعض علماء عصرنا، منهم الشيخ محمد بن إبراهيم- رحمه الله تعالى- في تقرير له كما في:" فتاويه ": (2/ 260) إذ قال: " حتى: للخلاف المتوسط " انتهى. والشيخ علي الهندي- أَثابه الله- في رسالته " مقدمة في بيان مصطلحات الفقه الحنبلي ": (ص/ 42) وفي طبعتها الثانية باسم: " التحفة السنية ": ص/ 92 حكاها على أن: " حتى " للخلاف القوي " وإن " للمتوسط " ولو " للضعيف، وتابعه على غلطه من نقل عنه.
وفي: " الشرح الممتع لزاد المستقنع " للشيخ محمد بن صالح ابن عثيمين: (4/ 181) قال ما نصه:
" وقد ذكر بعض المتأخرين: أنهم إذا قالوا: " ولو كذا " فالخلاف قوي، وإذا قالوا: " وإن كذا " فالخلاف أقل، وإذا قالوا: " حتى " فالخلاف ضعيف " انتهى.
وأنت ترى اضطرابهم في منزلتها الحكمية في الخلاف؟
والذي أراه أن هذا حكم ينبني على الاستقراء التام، ولا أراه يطرد، وإنما هي:" حروف للخلاف في المذهب " فقط، بل منهم من يستعمل
بعضها في غير خلاف وإنما لدفع الإيهام، أي: إِيهام الخلاف، كقول صاحب " زاد المستقنع " في:" باب الرجعة،: " فله رجعتها في عدتها ولو كرهت " يعني لا اعتبار لكراهتها، وهذا بإجماع المسلمين؛ لنص القرآن الكريم. وقال صاحب " زاد المستقنع " أيضا في: " باب صوم التطوع ": " ويحرم صوم العيدين ولو في فرض " والتحريم لا خلاف فيه في المذهب.
وقال أيضا في " باب الآنية ": " يُباح استعماله
…
ولو على أنثى ".
وهذا لا خلاف فيه في المذهب.
والخلاصة:
أَن هذه الحروف الثلاثة: " حتى، ولو وإن " يستعملها الأَصحاب للإشارة إلى الخلاف في المذهب، وقد تأتي لتحقيق الحكم، ونفي الاشتباه والإيهام، وما سوى ذلك مما ذكر تحكم. والله أعلم
ولِإشارة هذه الحروف إلى مطلق الخلاف تجد لدى المالكية منها حرفين: " ولو "، " وإِن " كما في " شرح الخرشي: 1/48 " و " جواهر الِإكليل للأُبي: 1/ 5 " و " مواهب الجليل للحطاب: 1/39 " (1) .
(1) وانظر نصوصهم في كتاب: المذهب المالكي، للمامي الشنقيطي ص/ 427