الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في وسطهم.
وفي رواية المروذي: سئِلَ عن العُراة؟ قال: فيه اختلاف، إلَّا أَن إِمامهم يقوم وسطهم، وعاب على من قال: يقعد الإمام.
فلو لم تكن رواية ابن هانئ المذكورة؛ لاستدل المستدل من قول أَحمد: " إِمامهم يقوم وسطهم ": على صلاتهم قياماً، لكن هذا استدلال ضعيف؛ للنص عنه في رواية أخرى:" يصلون جلوساً ".
-
الطريق الثاني:
تخريج الفروع على الفروع:
وَيَشْمَلُ استخراج مذهب المجتهد، بواحد من قسمين:
القسم الأول: لازم المذهب بالتخريج عليه:
وفيه ستة أَنواع هي:
1-
قياس المذهب
2-
الوجه.
3-
الاحتمال.
4-
التخريج
5-
النقل والتخريج.
6-
الاتجاه.
النوع الأول: تخريج الفروع على الفروع بطريق القياس (1) :
ويُعبر عنه بلفظ: " القياس على المذهب ".
وبلفظ: " التخريج بطريق القياس ".
والقياس في المذهب: هو إِثبات حكم شرعي لمسألة لا نص فيها للإمام على مسألة له فيها نص؛ لاشتراكهما في العلة عند القائس، وحكم نسبته إلى ذلك الإمام، سَوَاء قُطِعَ فيه بنفي الفارق، وهو ما يسمى عندهم باسم:" القياس بنفي الفارق " أَو: " القياس في معنى الأَصل ".
أَو نُصَّ على علته، وهو " قياس العلة ويقال له مع سابقه:" القياس الجلي "
وهما أيضا من تحقيق المناط، لإثبات علة حكم الأصل في الفرع.
أَو عُرِفَتْ عِلَّتُهُ عن طريق الاستنباط، كعلة الربا، ويقال له:" القياس الخفي " وهو من باب تخريج المناط.
(1) تهذيب الأَجوبة: 262-277 العدة لأبي يعلى: 5/1627 - 1635، روضة الناظر: صفة الفتوى: 88 شرح مختصر الروضة للطوفي: 3/ 638- 641 إعلام الموقعين 3/51 الفروع مع تصحيحه: 1/ 64، 66- 67 مهم. الإنصاف: 12/ 243- 244، 256 تحريرالمنقول:
2/ 268 شرح الكوكب المنير: 4/ 497-499 المدخل: 54- 55 التخريج: 247- 266 تحرير المقال: 44- 71 وانظر: المجموع للنووي: 1/ 44
وحاصله أن: قياس المذهب هو: تخريج فرع غير منصوص عن الإمام على فرع منصوص عنه؛ لعلة جامعة. وهو بخلاف: " التخريج " فهو قياس فرع غير منصوص عن الإمام على أصل أو قاعدة للِإمام لا على فرع له. ويأتي.
واعلم أَن قول الإمام أَحمد- رحمه الله تعالى (1) :
" يجتنب المتكلم في الفقه هذين الأَصلين: المجمل، والقياس ": محمول منه على إِنكار قياس خالف نصًّا، وإلَاّ فمن أصول مذهبه:" حجية القياس " كما تقدم في: " المدخل الخامس: في أصول المذهب "
ومعلوم أَن " القياس " بمعناه الأصولي العام هو (1) : " حمل فرع على أَصل في حكم بجامع بينهما "
وقيل:
" إِثبات مثل حكم معلوم في معلوم آخر لاشتراكهما في علة الحكم عند المثبت "
أَما حقيقة: " القياس في المذهب " أي مذهبِ ما، فهو كذلك، لكن يقتصر حكمه على المنتسب لذلك المذهب، سواء اعتبرنا
(1) شرح مختصر الروضة للطوفي: 3/218- 220، 245 المعدول به عن القياس، للشيخ عمر ابن عبد العزيز الشيلخاني: 8-14
المقيس قولاً لإمام المذهب كمنصوصه، أَم اعتبرنا الفرع المقيس وجهاً لمن خرجه في ذلك المذهب.
إِذا تقرر ذلك فاعلم أَن هذا طريق بدأ الأخذ به مبكراً في حياة الإمام، وكان الآخذ به من أَصحابه:" الأثرم ": أَبو بكر أَحمد ابن محمد بن هانئ الطائي الحافظ الفقيه، المتوفَّى سنة (273 هـ) ؛ إذ كان صاحبه محمد بن أَبي عتاب طريف البغدادي المشهور بأَبي بكر الأَعين، المتوفَى سنة (240 هـ) ، أَخذ بعض المسائل التي كان يدونها الأثرم عن أَبي عبد الله أَحمد بن حنبل، فدفعها إلى ابنه صالح فعرضها على- والده- أَبي عبد الله، وكان فيها مسائل في الحيض، فقال: إِيْ هذا من كلامي، وهذا ليس من كلامي، فقيل للأَثرم، فقال: إنَّما أَقيسه على قوله " (1) .
وكذلك صنع الخرقي في: " المختصر "، فإِنَه قاس على قول الإمام أحمد (2) .
وقرر هذا ابن حامد، ثم قال: " والمأخوذ به أن نُفَصِّل، فما كان من جواب له في أَصل يحتوي مسائل خُرِّج جوابه على بعضها؛ فإنَّه جائز أن يُنسب إليه
(1) تهذيب الأجوبة: ص/ 264- 265
(2)
تهذيب الأجوبة: 262
بقية مسائل ذلك الأَصل من حيث القياس " (1) .
قال النووي الشافعي- رحمه الله تعالى - (2) : " وله - أي مجتهد المذهب - أن يفتي فيما لا نص فيه لِإمامه، بما يخرجه على أصوله، وهذا الصحيح الذي عليه العمل، وإليه مفزع المفتين من مدد طويلة " انتهى.
فالخلاف الحاصل إذا هو خلاف نظري، أَمَّا في نفس الأَمر فقد تتابع على العمل به جماعة من الأصحاب، كالموفق، وغيره، كما قرره ابن مفلح- رحمه الله تعالى (3) .
ورأيت أَبا القاسم محمد بن الخضر بن تيمية- رحمه الله تعالى - كثير الاستعمال له تصريحا في كتابه: " بلغة الساغب
…
" فيبقى الخلاف في دائرة نسبة القول المخرج إلى إِمام المذهب أو إلى من خَرَّجه، وهذا الأَخير هو الذي لا ينبغي تجاوزه والله أعلم.
وفي حُكم هذ الطريق: إِلحاقا ما سكت عنه إِمام المذهب المجتهد بما نص عليه، اختلف العلماء فيه على أقوال ثلاثة (4) :
1-
الصحة والجواز، وهو قول جمهور الأصحاب في المذاهب
(1) تهذيب الأَجوبة: 263
(2)
المجموع: 1/ 44، كما نقله محقق: تهذيب الأجوبة: 263
(3)
تصحيح الفروع: 1/66-67
(4)
تهذيب الأجوبة: ص/ 262 -363 صفة الفتوى: ص/ 88 الفروع: 1/ 65 الإنصاف: 12/243
الأربعة، وعملهم في مصنفاتهم جارٍ على إثبات المذهب بالقياس مطلقاً وفي: المذهب المالكي: ألف العتبي كتابه: " المستخرجة على
المدونة ".
2-
عكسه: أي عدم الجواز إلأَ أن ينص المخرِّج على عدم الفرق بينه وبين الفرع المنصوص عليه.
3-
يجوز بشرط أن ينص إمام المذهب على علة المسألة التي أَفتى فيها.
وما دام سبق تقرير أَنَّ على من خرَّج فرعاً في مذهبه على منصوص إِمامه أن ينسبه إلى نفسه لا إِلى إِمامه؛ يبقى الخلاف نظرياً واستمرار التخريج منسوباً إلى من خرَّجه. والله أعلم.
مثاله: الترتيب والموالاة في الوضوء، من فرائض الوضوء في إحدى الروايات في المذهب، وعليه جمهور الأصحاب، فهل الترتيب والموالاة من فرائض التيمم؟
ليس فيهما نص عن الإمام، فهل تكونُ فرضيتهما في التيمم قياساً على المذهب في فرضيتهما في الوضوء؟
قيل: نعم، وعليه جمهور الأصحاب، وهو الصحيح من المذهب.
وقال المجد ابن تيمية: قياس المذهب عندي: أن الترتيب لا يجب في التيمم، وإن وجب في الوضوء؛ لأَنَّ بطون الأصابع لا يجب مسحها بعد الوجه في التيمم بالضربة الواحدة، بل يعتد
بمسحها معه.
وقال ابن عقيل: رأيت المتيمم بضربة واحدة قد أسقط ترتيباً مستحقاً في الوضوء، وهو أنه يعتد بمسح باطن يديه قبل مسح وجهه (1) .
وما اختاره المجد، وقرر أنه قياس المذهب، هو اختيار حفيده شيخ الإسلام ابن تيمية، والسنة تشهد له كما في حديث عمار في الصحيحين. والله أعلم
- النوع الثانى: " الوجه ":
الحكم المنقول في مسألة من بعض الأصحاب المجتهدين في المذهب ممن رأى الإمام فمن بعدهم جارياً على قواعد الإمام، وربما كان مخالفاً لقواعده إذا عضده الدليل (2) .
ويؤخذ غالباً من نص لفظ الإمام، ومسائله المتشابهة وإيمائه، وتعليله (3) .
والمسألة قد يكون فيها نص برواية عن الإمام، ورواية مخرجة من الأصحاب، وقد لا يكون فيها نص عن الإمام فتجدهم يقولون:
(1) انظر الإنصاف: 1/ 287،
(2)
مقدمة شرح المنتهى: 1/ 7 مقدمة الإنصاف ا/ 6. وخاتمته 12/ 256 شرح المنتهى لابن النجار 1/ 41
(3)
خاتمة الإنصاف 12/ 266
فيها وجه أو وجهان، مريدا بذلك عدم وجود رواية عن الإمام.
- النوع الثالث: " الاحتمال ":
في معنى الوجه، إلَّا أَن الوجه مجزوم بالفتيا به، والاحتمال: تبيين أَن ذلك صالح لكونه وجها (1) .
والاحتمال أَن يكون: إِما لدليل مرجوح بالنسبة إلى ما خالفه، أَو لدليل مساوٍ له.
ولا يكون التخريج والاحتمال إلَّا إذا فهم المعنى.
- النوع الرابع: " التخريج ":
نقل حكم إِحدى المسألتين المتشابهتين الى الأُخرى ما لم يفرق بينهما، أَو يقرب الزمن، وهو في معنى الاحتمال (2) .
والتخريج يكون من القواعد الكلية للِإمام، أو الشرع، أو العقل. وحاصله: بناء فرع على أَصل لجامع مشترك، فهو أَعَمُّ من، " النقل والتخريج "، إذ النقل والتخريج بناء فرع له فيه نص على فرع آخر ليخرج للِإمام فيه حكمان: حكم بالنص، وحكم بطريق النقل والتخريج، ويأتي.
(1) شرح المنتهى: 1/ 7، مقدمة الإنصاف 1/ 6، وخاتمته 12/ 253
(2)
شرح المتتهى: 1/ 7 وخاتمة الأنصاف 12/ 257
وينتظم هذه المصطلحات الثلاثة للأصحاب كلام المرداوي في مقدمة الِإنصاف: (1/ 6) وهذا نصه:
" وتارة يذكر- أي الموفق في المقنع - حكم المسألة، ثم يقول: " وعنه كذا. أَو قيل، أَو: قال فلان. أَو: ويتخرج. أو: ويحتمل كذا ". والأول هو المقدم عند المصنف وغيره، وقلَّ أَن يوجد ذلك التخريج أو الاحتمال إِلَاّ وهو قول لبعض الأصحاب، بل غالب الاحتمالات للقاضي أَبي يعلى في " المجرد " وغيره. وبعضها لأَبي الخطاب ولغيره، وقد تكون للمصنف، وسنبين ذلك إِن شاء الله تعالى.
فـ " التخريج " في معنى الاحتمال، و " الاحتمال " في معنى " الوجه " إلَّا أَنَّ الوجه مجزوم بالفتيا به، قاله في " المطلع " يعني من حيث الجملة، وهذا على إِطلاقه فيه نظر، على ما يأتي في أَواخر كتاب القضاء، وفي القاعدة آخر الكتاب.
و" الاحتمال ": تبيين أَن ذلك صالح لكونه وجها.
و" التخريج ": نقل حكم مسألة إلى ما يشبهها، والتسوية بينهما فيه.
و" الاحتمال " يكون: إِما لدليل مرجوح بالنسبة إلى ما خالفه، أو لدليل مساوٍ له، ولا يكون التخريج أو الاحتمال إلَّا إذا فهم المعنى " انتهى.
النوع الخامس: تخريج الفروع على الفروع بطريق " النقل والتخريج " قياسًا (1) :
وحقيقة هذا النوع: هو أَن يصدر من المجتهد حكم على مسألة، ثم يصدر منه حكم يخالفه على مسألة أخرى تشبهها، ولم يظهر ما يصلح موجبًا للتفريق بينهما في الحكم، فيأتي الأصحاب بسلطة هذا المصطلح:" النقل والتخريج " فينقلون حكم كل مسألة إلى الأخرى، فيصبح في كل مسألة قولان: منصوص، ومخرج.
* مثاله:
النص عن الإمام أَحمد - رحمه الله تعالى- أَن من لم يجد إِلَاّ ثوبًا نجسًا صلى فيه وأَعاد.
والنص عن الإمام أَحمد - رحمه الله تعالى- أَن من صلى في موضع نجس لا يستطيع الخروج منه، فإِنَّه يصلي فيه ولا إِعادة عليه.
نظر الأصحاب إلى هذين الحكمين المختلفين، فوجدوهما في مسألتين متشابهتين، فنقلوا حكم الإمام في مسألة الثياب إلى مسألة المكان، والعكس، فصار في المذهب لكل مسألة حكمان، ويُقال: قولان: منصوص، ومخرج بالقياس.
(1) تهذيب الأجوبة. روضة الناظر 380 شرح مختصر الروضة: 3/ 641 صفة الفتوى: 88- 89 المسودة: 468-469 إعلام الموقعين: 4/ 209 المحرر 1/ 44- 45 المقنع: 1/ 17-118 الإنصاف: 1/460 تحرير المقال: 62- 71 التخريج 267-279
والفقهاء في حكم هذا النوع على قولين: المنع، والجواز؛ والجمهور على المنع، ومن المانعين، الذين منعوا " النوع الأول: التخريج بطريق القياس لفرع على آخر في المذهب " كما تقدم. والله أعلم
وَقَدْ جَلَّى المرداوي- رحمه الله تعالى- هذا في: " الِإنصاف: 1/ 460- 462 " فقال عند قول الموفق في: " المقنع ": " ويتخرج أن لا يعيد " ما نصه: " ويتخرج أن لايعيد ": بناء على الأَصل
…
- القسم الثاني: تخريج الفروع من الفروع بطريق لازم المذهب (1) :
ويعبر عنه لدى الأصوليين وغيرهم بلفظ:
- " لازم المذهب هل هو مذهب أم لا؟ ".
وبلفظ:
- لازم المذهب هل يكون مذهبًا لصاحبه أم لا؟ ".
وبلفظ:
- " لازم قول المجتهد: هل يكون مذهبًا وقولًا له، أم لا؟ ". ومشهور لدى الفقهاء بلفظ:
(1) التخريج عند الفقهاء، والأصوليين: ص/ 280- 294
* " ثمرة الخلاف في تكييف الأَحكام الفقهية، هل تكون مذهبًا للمجتهد أَم لا؟ ".
وبلفظ:
" فائدة الخلاف: هل تكون مذهبًا للمجتهد، أَم لا؟ ".
وبلفظ:
" أَثر قول المجتهد في الخلافيات: هل يعتبر قولًا له، أَم لا؟)
وبلفظ:
" ما ينبني على الخلاف من أَحكام فقهية: هل تكون مذهبًا للمجتهد، أم لا؟ .
وبلفظ:
" أَثر الخلاف في تكييف الأَحكام الفقهية ".
ومؤدَّى هذه التراجم والتعريفات واحد؛ إذ هو من باب اختلاف العبارات؛ لاختلاف الاعتبارات
معناه: إذا قال المجتهد قولًا في مسألة خلافية، فهل يلزمه ما تولد عن هذا الخلاف من لازم قوله، وثمرة خلافه، فيكون له حُكمان في مسألتين:
حُكمٌ قاله، وحُكم يلزمه على إثر قوله، فيكون بمثابة ما قاله؟
مثاله:
القصر في السفر هل هو رخصة أَم عزيمة؟ من قال: رخصة؛ لزمه جواز الإتمام، ومن قال: عزيمة؛ لزمه عدم جواز الإتمام.
ومثاله:
الخلع هل هو طلاق أم فسخ؟
وقد عقد ابن رجب- رحمه الله تعالى- في آخر كتابه: " القواعد " فصلًا حافلًا جلب فيه مجموعة من الأمثلة لثمرة الخلاف هذه.
وابن قدامة- رحمه الله تعالى- في: " المغني " كثيرا التعرض لها كأَثر من آثار الخلاف العالي.
ولابن الساعاتي في مختصره في أصول الفقه؛ بيان ما ينبني على قضاياه المختلف فيها من الأَثر الفقهي كما أشار إلى ذلك ابن خلدون في: " المقدمة: 2/ 140 " وهكذا عند علماء كل مذهب، رغم اختلافهم في ملزوميته لصاحب المذهب على أقوال ثلاثة: الاعتبار وعدمه، والثالث ما نزع إِليه شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله تعالى- بقوله (1) :
" وعلى هذا فلازم قول الإنسان نوعان:
أحدهما: لازم قول الحق: فهذا مما يجب عليه أن يلتزمه، فإن لازم الحق حق، ويجوز أن يُضاف إليه؛ إذا علم من حاله أنه لا
(1) الفتاوى: 29/ 41- 42.