الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول (1) : طبقات الأصحاب الزمانية في نقل المذهب
-
تمهيد:
اصطلح متأخرو الأصحاب على تقسيم علماء المذهب الذين اشتهروا بالتأليف فيه، فاعتنوا بالرواية، وجمعها، وترتيبها، وانتخاب المذهب المعتمد منها، وقلبوا التأليف في ذلك على وجوه تُقَرِّبُهُ، متنًا، وشرحًا، ونظمًا، واختصاراَ، وتحشية، وتحريرًا للمسائل بالاختيار والترجيح، والتحقيق والتنقيح، وماهو المعتمد في المذهب، ونشر أصوله، وقواعده، وضوابطه، وهم نحو " 500 " خمسمائة عالم فقيه، كل منهم له يد في التأليف في شيء من ذلك، حتى بلغ مجموع مؤلفاتهم فيه نحو " 1400 " كتاب.
اصطلحوا على تقسيمهم إلى ثلاث طبقات زمانية (2) هي:
(1) انظر المدخل: ص/204، حاشية ابن قاسم: 1/ 93، التحفة السنية للهندي: ص/ 94- 128، مقدمة في بيان مصطلحات المذهب الحنبلي له أيضاَ: ص/ 15-33، وعنه: اللآلئ البهية لابن إسماعيل: ص/ 78- 80.
(2)
وتقسيم الأصحاب إلى طبقات زمانية، مصطلح لدى أرباب المذاهب، ومنه لدى المالكية: المتقدمون: يعني من تلاميذ الإمام مالك إلى ابن أبي زيد القيرواني، المتوفى سنة (386 هـ) والمتأخرون من ابن أبي زيد إلى الآخر انظر " المذهب المالكي للمامي: ص/ 419 ".
1-
طبقة التقدمين.
2-
طبقة المتوسطين.
3-
طبقة المتأخرين.
وبيانهم كالآتي:
* فالمتقدمون: " 241 هـ - 403 هـ ":
يبدأون من تلامذة إِمام المذهب: الإمام أحمد بن حنبل، المتوفى في شهر ربيع الأول سنة (241 هـ)، وينتهون بوفاة شيخ المذهب في زمانه: الحسن بن حامد، المتوفى سنة (403 هـ)، وهو في طريقه راجعا من مكة في منزلة " واقصة " قرب: القرعاء، وهي على طريق حاج الكوفة، لا تزال معروفة بآبارها داخل الحدود العراقية، وبينها وبين:" تيماء " نحو " 150 " كيلَا (1) وكان ذلك ضحية عصابة لصوص من الأعراب، ساق خبرهم ابن كثير في: تاريخه (11/ 371) .
وتنتظم طبقة المتقدمين هذه: علماء المذهب في الطبقات الثلاث الأولى من طبقات الحنابلة، وهم:
(أ) أَصحاب الإمام، وخاصته، وتلامذته، وقد حوى جُملتَهم
(1) انظر عن واقصة وطريق حاج الكوفة: المناسك للحربي ص/ 284، 547، معجم البلدان لياقوت: 5/354 المعجم الجغرافي لشمال المملكة: 3/ 1344. ولا يشتبه عليك الأمر بمنزلة (واقصة) التي قرب القرعاء من عمل القصيم، كما كنت أظنه من قبل؛ حتى تحقق لي أنها منزلة واقصة العراقية والله أعلم.
ابن أَبي يعلى في طبقاته، فترجم لسبعة وسبعين وخمسمائة نفس -577- وأصحاب المسائل منهم يبلغون واحدًا وثلاثين ومائة نفس - 131- كَمَا عَدَّهم المرداوي في خاتمة الِإنصاف، وَأَضَفْتُ إليهم آخرين.
ففيها آل أَحمد بن حنبل الإمام: ولداه صالح وعبد الله، وحفيداه: أَحمد، وزهير ابنا صالح، وحفيد صالح: محمد بن أحمد ابن صالح، وآخرون منهم، أدركوا طبقة المتوسطين.
(ب) وأَصحاب أَصحابه فمن بعدهم إلى وفاة الحسن ابن حامد سنة (403 هـ) . وفي مقدمتهم المؤلفون في المذهب وأصوله، منهم:
الخلال ت سنة (311 هـ) وله: " جامع الرواية عن أحمد " يقدر في عشرين مجلدًا، والخِرَقي ت سنة (334 هـ) له:" المختصر " وهو مطبوع. والآجري ت سنة (360 هـ) له: " النصيحة ". وغلام الخلال ت سنة (363 هـ) له: الشافي " و " المقنع " والتنبيه و " الخلاف مع الشافعي و " كتاب القولين و " زاد المسافر " وفي مقدمته سَمى الرواة عن أحمد أَصحاب المسائل كما في النقل عنه في: " شرح مختصر الروضة " للطوفي: (3/627) ، و " اختياراته التي خالف فيها الخرقي مطبوعة ". وابن بطة ت سنة (387 هـ) وله: " المناسك " و " النهي عن صلاة النافلة بعد العصر وبعد الفجر " و " منع الخروج بعد الأذان والإقامة لغير حاجة "
و " إيجاب الصداق بالخلوة " و " الرد على من قال: الطلاق الثلاث لا يقع " و " إبطال الحيل " مطبوع. وأَبو حفص البرمكي عمر بن أَحمد ت سنة (387 هـ) له: " المجموع " و " شرح بعض مسائل الكوسج " وابن المسلم عمر بن إبراهيم ت سنة (387 هـ)، له:" المقنع " و " شرح الخِرَقي " و " الخلاف بين أَحمد ومالك " والحسن بن حامد ت سنة (403 هـ) له: " الجامع في المذهب " نحو أَربعمائة جزء في عشرين مجلدًا، و " شرح الخرقي " و " أصول الفقه "، و " تهذيب الأَجوبة " مطبوع.
وفي هذه الطبقة، كان التأليف على ضروب:
1-
كتب مسائل الرواية عن أَحمد، وهذه لأصحابه وتلامذته خاصة.
2-
جمع كتب المسائل هذه، وفحص رواياتها، وترتيبها على أبواب العلم.
وكان لأَبي بكر الخلال ت سنة (311 هـ) شرف السبق في هذا، فهو أَول جامع لها في- كتابه المَعْلَمِي الكبير " جامع الروايات عن أَحمد ".
وهذه النِّسْبة: " الخلال " لعلها نسبة إلى بيع الخل، ويشاركه في هذه النسبة آخرون من أصحاب أحمد وغيره، لكن عند الإطلاق في اصطلاح الحنابلة لا تنصرف إلى غير أبي بكر أحمد بن محمد بن
هارون الخلال هذا. والله أعلم.
ثم قَفاه في جمعها: تلميذه: غلام الخلال: أَبو بكر عبد العزير ت سنة (363 هـ) فاجتهد في الجمع، ورَتَّبَ، وَنَقَّحَ، وَرَجَّح.
ثم قَفَا غُلَامَهُ: الحسن بن حامد ت سنة (403 هـ) فبسط المذهب بأَسانيده على أَبواب العلم في جامعه: " الجامع في المذهب " نحو أَربعمائة جزء.
3-
وفي هذه الطبقة: بدء دورالاختصار وَقَصْرُ التصنيف على المعتمد في المذهب، وكان لأَبي القاسم الخِرَقي ت سنة (334 هـ) فضل السبق في عمل:" المختصر في فقه أَحمد " الشهير بالنسبة إِليه: " مختصر الخرقي " وكان تأليفه له، والحجر الأَسوَد لدى القرامطة ولهذا قال في أَحكام الطواف من كتاب الحج:" ويقبله إن كان ".
4-
وفيها بَدَأَ قَصْرُ التأليف في " المتون " على: " القولين "، كما عمل غلام الخلال ت سنة (363 هـ) في كتابه:" كتاب القولين ".
5-
وَبَدَأَ قَصْرُ التأليف في " المتون " على المذهب المختار عند الأصحاب، كما عمل الآجري ت سنة (360 هـ) في كتابه:" النصيحه " قال ابن بدران عنه: " عادته فيه أن لا يذكر إلَّا اختيارات الأصحاب " انتهى.
6-
وفيها بدأت " الشروح "، وكان فيها أول شرح لمختصر
الخِرَقي له، ثم لابن المسلم ت سنة (387 هـ) .
وأَول شرح في هذه الطبقة، شرح الخِرَقي، و " شرح بعض مسائل الكوسج " لأَبي حفص البرمكي ت سنة (387 هـ) يتلوهما: شرح الخِرَقي للحسن بن حامد ت سنة (403 هـ) .
ولم يحصل الوقوف في هذه الطبقة على غير هذه الشروح الثلاثة، وعلى مَتْنِ شُرح سوى: مختصر الخِرَقي.
7-
وفيها بدأ التأليف في باب من أبواب الفقه، مثل " كتاب المناسك " لتلميذه إبراهيم الحربي ت سنة (285 هـ) مطبوع، وكتاب " المناسك " لابن بطة العكبري ت سنة (387 هـ) قفوا لإمام المذهب الإمام أَحمد- رحمه الله تعالى-؛ إِذ له:" المنسك الكبير و " المنسك الصغير ".
8-
وفيها بدأ التأليف في مسألة من مسائل العلم، مثل: عدد من مؤلفات ابن بطة ت سنة (387 هـ) منها: " النهي عن صلاة النافلة بعد العصر والفجر " و " إِبطال الحيل " وهو مطبوع.
9-
وفيها بدأ التأليف في أصول الفقه، وفي أصول مذهب أحمد، ومصطلحاته، كما عمل خاتمة الطبقة الحسن بن حامد ت سنة (403 هـ) في كتابيه:" أصول الفقه و " تهذيب الأجوبة " أي: أصول مذهب أحمد، ومصطلحاته في أجوبته على المسائل، وهو مطبوع
ثم تتابع التأليف في: " طبقة المتوسطين " ويأتي.
وبهذا تعرف وَهْمَ بعض من كتب من أهل عصرنا في أصول مذهب أحمد من أن أول من كتب في أصول الفقه من الحنابلة هو تلميذ الحسن بن حامد: القاضي أبو يعلى ت سنة (458 هـ) .
هذه ضروب التأليف في المذهب التي عناها علماء طبقة المتقدمين بالتأليف، بدءا من كتب الرواية عن أحمد وهي في عدِّ المرداوي لها " 131 " كتاباَ، لكل كتاب منها رواية عن أَحمد، وأن المؤلفين بعدهم في " الفقه وعلومه " إلى نهاية الطبقة بوفاة الحسن ابن حامد ت سنة (403 هـ) هم نحو العشرة، وأن كتبهم نحو " 25 " كتابًا كما تقدم.
وكما ترى أيضا: أَن التأليف في هذه الطبقة يعتمد دور التأسيس، بتدوين الرواية لفقه أحمد، وروايتها طبقة بعد طبقة، ثم جمعها وترتيبها وتنقيحها، ثم انتخاب خلاصة المعتمد في مذهب أحمد منها في " مختصر الخِرَقي " الذي صار عليه عمل المشايخ قراءة، وإقراءا، وحفظاً، وشرحا، بل عمدة لدى طبقات الأصحاب الثلاث كما يأتي.
وأن من طريقتهم سرد الأدلَّة في المختصرات، والمتون، وانتقلت إلى طبقة المتوسطين بعدهم.
- وليس لكتب المذهب في هذه الطبقهّ نصيب من تناولها
بالنظم، وشرح الغريب، والحواشي، والنكت، والتعاليق، وتخريج الأَدلة، والزوائد، والجمع بين كتابين فأَكثر من كتب المتون. وكل هذه من خصائص طبقة المتوسطين.
- وعمدة كتب هذه الطبقة: كتب الرواية، وخاتمتها " جامع الروايات " للخلال و " الشافي "، و " التنبيه " كلاهما لغلام الخلال، فكتاب " الجامع في المذهب " للحسن بن حامد بل هي عمدة كتب المذهب في الطبقتين اللاحقتين، إلى الآخر.
و" مختصر الخِرَقي، معتمد، ولهذا خَصُّوه بالشرح، والتعقب كما في تعقبات غلام الخلال عليه.
- وأَما المنتقدة: فهي بعض كتب الرواية التي أَغرب فيها رواتها على الأصحاب في بعضها، وهي كتب مسائل: ابن مهران، والجراح، وحبيش، وطاهر والبغوي، وعبيد الله، وابن المنذر والترمذي، والبيوردي، وابن مطر والخفاف، والسجزي، الكوسج، والآمدي، وابن أبي قيماز والشقراني، والتستري، وحنبل، وعبد الله ابنه، وأَبي زرعة، وابن خرذاذ، والطرسوسي، والحمضي، والمنذر ويحيى بن المختار كما يأتي الحديث عنها في كتب مسائل الرواية من المدخل الثامن.
- وعمدة المجتهدين في المذهب من هذه الطبقة:
الخلال ت سنة (311 هـ) ، وتلميذه أبو القاسم الخرقي ت
سنة (334 هـ) ، وابن المنادي ت سنة (336 هـ) والآجري ت سنة (360 هـ) ، وغلام الخلال ت سنة (363 هـ) وابن بطة العكبري. وأَبو حفص البرمكي، وابن المسلم، وفاة ثلاثتهم في (387 هـ) ، وخاتمتهم الحسن بن حامد ت سنة (403 هـ) والله أعلم.
- والمتوسطون: (403 هـ-884 هـ) :
يبدأون من تلامذة الحسن بن حامد، المتوفى سنة (403 هـ)، وهم رؤساء الطبقة الخامسة من طبقات علماء الحنابلة ورأس هذه الطبقة ورئيسها: تلميذه الأكبر، حامل لواء المذهب، وشيخه، وناشره في زمانه، الإمام المجتهد: القاضي أَبو يعلى الفراء: محمد بن الحسين، المتوفى بدار ولادته بغداد سنة (458 هـ) .
و" الفراء " نسبة إلى خياطة الفِراء وبيعها، وهو أَول حنبلي وَليَ القضاء سنة (447 هـ) وهو أيضا أَول حنبلي من أَهله؛ إِذ كان أَبوه الحسين من علماء الحنفية، وجده لأمه عبيد الله بن عثمان الدقاق، المعروف بابن جليقا، من أهل الرواية ت سنة (390 هـ) وتنتهي هذه الطبقة بوفاة مجتهد المذهب: البرهان ابن مفلح صاحب " المبدع "، المتوفى سنة (884 هـ) .
وهذه الطبقة حافلة بشيوخ الإسلام، والأئمة الكبار وبيوت الحنابلة في العراق، والشام.
ففيها زينة الدنيا وبهجتها في زمانهم: المقادسة، ثم
الصالحيون، وأخص منهم آل قدامة بن مقدام، ومنهم سَمْعُ الفقهِ وبصره في زمانه: الموفق ابن قدامة، المتوفى سنة (620 هـ)، قال عنه ابن غنيمة:" ما أعرف أحدا في زماننا أدركَ درجة الاجتهاد إلَّا الموفق " انتهى.
وشيخه: ابن المَنِّي: نصر بن فتيان بن مطر النهرواني ثم البغدادي ت سنة (583 هـ) .
وفي ترجمته من: " ذيل الطبقات: 1/ 360- 361 " لابن رجب، قال: " قال ابن الحنبلي: أفتى، ودرَّس، نحوًا من سبعين سنة
…
ثم قال: وسمعت الشيخ الإمام جمال الدين ابن الجوزي وقد رآه، يقول له: أنت شيخنا. وأضَرَّ بعد الأربعين سنة، وثقل سمعه، وكانت تعليقة الخلاف على ذهنه، وفقهاء الحنابلة اليوم في سائر البلاد يرجعون إليه، وإلى أصحابه.
قلت - القائل ابن رجب -: وإلى يومِنا هذا الأمر على ذلك.
فإن أهل زماننا إنَما يرجعون في الفقه من جهة الشيوخ والكتب، إلى الشيخين: موفق الدِّين المقدسي، ومجد الدِّين ابن تيمية الحراني،
فَأمَّا الشيخ موفق الدين: فهو تلميذ ابن المني، وعنه أخذ الفقه.
وَأمَّا ابن تيمية: فهو تلميذ تلميذه أبي بكر محمد بن الحلاوي " انتهى.
وفيها: آل تيمية النميريون نسبا، الحرانيون موطنا ثم الدماشقة.
منهم سَمْعُ الإسلام وبصره في زمانه، ومجدد الدين بعد اندِرَاسِهِ، شيخ الإسلام ابن تيمية: أحمد، المتوفى سنة (728 هـ) ووالده: عبد الحليم، المتوفى سنة (682 هـ) وجده المجد - تلميذ الموفق ابن قدامة-: مجد الدين أبو البركات عبد السلام ت سنة (652 هـ) . قال عن الثلاثة ابن رجب- رحمه الله تعالى- في ترجمة عبد الحليم: " كوكب بين شمس وقمر "، الشمس: شيخ الإسلام: الابن، والقمر: الجد، المجد.- رحم الله الجميع-.
وفي هذه الطبقة تلامذة القاضي، وأقرانه، وأصحابه، وأبناؤه: محمد أبو الحسين الشهيد، صاحب الطبقات، ومحمد أبو خازم، وعبد الله أبو قاسم، وأبو يعلى الصغير وهو ابن أبي خازم: محمد بن محمد بن محمد بن الحسين الفراء عماد الدِّين، حفيد القاضي أبي يعلى، وفيها: الشريف أَبو جعفر ابن أبي موسى الهاشمي، وعمه الشريف ابن أَبي موسى: محمد بن أحمد، مرورًا بمن بعدهم في الطبقتين الخامسة والسادسة من طبقات ابن أَبي يعلى مع جميع المترجمين في:" ذيله " لابن رجب، ثم ما استدرك عليهما إلى خاتمة طبقة المتوسطين- البرهان ابن مفلح، المتوفى سنة (884 هـ) - رحمه الله تعالى-.
وفي هذه الطبقة: بيوت الحنابلة المشهورة بالعلم والفضل الذين انتفع بعلمهم أهل المذاهب الأخرى، بل أهل الإسلام كافة،
ومنهم:
آل أَبي يعلى الكبير تقدموا، وآل قدامة بن مقدام، وانظر خبر طلب جدهم للعلم في ترجمة: عبد الواحد بن محمد الشيرازي، ت سنة (486 هـ) من:" الذيل " لابن رجب، ومن آل قدامة:" بنو قاضي الجبل "، أَشهرهم جدهم: أَحمد بن الحسن بن عبد الله بن قدامة ابن قاضي الجبل ت سنة (771 هـ) ، كان يحفظ عشرين أَلف بيت من الشعر وهو شيخ الحنابلة في الشِّعْر.
وله:
نبيي أَحمد وكذا إمامي
…
وشيخي أحمد كالبحر طامي
واسمي أَحمد ولذاك أَرجو
…
شفاعة أَشرف الرسل الكرامِ
ومنهم أيضا: آل عبد الهادي، وأَصل الجميع عدويون من ذرية عمر بن الخطاب رضي الله عنه نزحوا من " جَمَّاعِيْل " في فلسطين، وَقَدْ وُجِدَ مَكْتُوْبًا عَلَى سَقْفِ دارهم:
وتلك الدار دار بني قدامه
…
ديار الأَكرمين لها علامه
فَقُلْتُ لها دُوَيْرَةَ هَلْ تَعُوْدِي
…
فقالت لا إلى يوم القيامه
ثم لاستيلاء الفرنجة على الأَرض المقدسة نزحوا إلى دمشق. فنزلوا بمسجد أبي صالح نحو سنتين، ثم انتقلوا إلى الجبل، قال أبو عمر: فقال الناس: الصالحية، ينسبوننا إلى مسجد أبي صالح، لا أَنَّا
صالحون.
ثم أَصبح اسمًا للصالحية، المحلة المشهورة بسفح جبل قاسيون إلى يومنا هذا، وفيها يقول أحمد بن الحسين المعروف بابن قاضي الجبل، المتوفى سنة (771 هـ) :
الصالحية جَنة
…
والصالحون بها أَقاموا
فعلى الديار وأهلها
…
مني التحية والسلام
ومن بيوت الحنابلة في هذه الطبقة: آل مفلح، وآل منده، قال اللفتواني الحافظ: بيت بني منده بدئ بيحيى، وختم بيحيى. وآل تيمية، وآل قيم الجوزية، وقد ذكرتهم في ترجمة: الإمام شمس الدِّين ابن قيم الجوزية ت سنة (751 هـ) في كتاب مفرد باسم: " ابن قيم الجوزية حياته وآثاره وموارده ". وآل سرور المقادسة، ومنهم الحافظ صاحب:" الكمال في أَسماء الرجال " وكفى به شرفًا، وآل ابن الحنبلي، وبنو المحب السعدي، وبنو المنجا، وبنو اليونانية، وآل ابن هشام الأَنصاري النحوي، وآل الجراعي: زيد، وأَخواه، وأَولادهم، وأَحفادهم.
والجراعيون هؤلاء: نسبة إلى جَراع من عمل نابلس، وهم من ذرية أحمد البدوي الحسيني المشهور قبره بطنطا ت سنة (675 هـ) كما في ترجمة أبو بكر بن زيد ت سنة (883 هـ) من " الأعلام للزركلي "
وأحمد البدوي مترجم في: " الأعلام: 1/ 75 " وأن وفاته سنة (675 هـ) وذكر من أخباره وسيرته شيئا، وليس فيها مصدر لترجمته في القرن السابع، أو الثامن؛ ولهذا فإن الشيخ أحمد بن محمد شاكر ت سنة (1377 هـ) - رحمه الله تعالى- ذكر لفتة نفيسة في:" مجلة الفتح العدد/ 191 " وهي في كتاب: " حكم الجاهلية: ص/ 166 " بعنوان: " بحث في تاريخ السيد البدوي، وهذا نصها:
" وبهذه المناسبة نريد أن نسأل المؤرخين العارفين عن تاريخ السيد أحمد البدوي الذي يقول بعضهم بوجوده، وينكره بعضهم، وأعني بهذا أنه هل وجد شخص حقيقي بهذا الاسم هو المدفون في طنطا، والذي نُسب إليه المسجد؟ لأن الذين كتبوا في ترجمة حياته إنما هم المتأخرون ويزعمون أنه توفي في منتصف القرن السابع الهجري - أي بين سنتي 600 و750 هجرية - لأني لم أجد من ذكره من المؤرخين السابقين الذين يوثق بنقلهم إلا جلال الدين السيوطي الحافظ رحمه الله وهو من رجال أواخر القرن الثامن (1) ، لأنه مات سنة (911 هـ) وبين التاريخين بون شاسع، ولم يذكر السيوطي عمن تلقى خبر تاريخه.
والقاعدة الصحيحة عند علماء النقل وزعمائه- وهم حفاظ الحديث- أن المرسَل لا تقوم به حجة، وهو ما يرويه شخص عمن
(1) صوابه التاسع؛ لأن السيوطي وُلد سنة (849 هـ)
لم يدركه ولم يتلق عنه مباشرة، لما فيه من جهالة الواسطة، فلعله غير ثقة، وهذا أمر معروف. ولعل من يجيبنا عن هذ السؤال يذكر من أين نقل، والكتاب الذي نقل منه، على أنا لا نريد إلا التحقق من هذا الأمر ونسأل الله العون والتوفيق " انتهى (1) .
ومن الطرائف أيضا: أَن علي بن محمد من ولد زيد بن علي ابن الحسين، فقيه نجران: حنبلي النحلة والمذهب كما في: " نقط العروس " لابن حزم: (2/112) .
وفيها: أَبو علي البناء وآله، وأَبو الوفاء ابن عقيل ت سنة (513 هـ) وابنه، وابن الجوزي عبد الرحمن الإمام، وأَبناؤه ومنهم: يوسف، مؤلف كتاب: " المذهب الأَحمد
…
" ت سنة (656) قتيلًا على يد التتار هو وأَبناؤه الثلاثة العلماء- رحم الله الجميع-.
والهاشميان: الشريف القاضي أَبو جعفر ابن أَبي موسى، وعمه، محمد، والزريراني عبد الله، وابنه عبد الرحيم صاحب:" الفروق " المسمى: " إيضاح الدلائل في الفروق بين المسائل "، وأَبو الخطاب الكلوذاني، وابناه محمد، وأَحمد، وحفيده من ولده أَحمد: محفوظ، وعبد القادر الجيلاني، وابناه: عبد الوهاب وعبد الرزاق، وحفيداه: عبد السلام بن عبد الوهاب، المتوفى سنة (611 هـ) ، وهو الذي اتُّهِمَ بمذهب الفلاسفة فأخذت كتبه وأحرقت وحبس ثم أفرج عنه بشفاعة
(1) وقد ذكرت في " النظائر العُزاب " أن ابن العماد صاحب الشذرات- وهو مؤرخ متأخر بالنسبة لزمن البدوي - قال: " ولم يتزوج قط " اهـ، فكيف يكون الجراعيون من نسل من لم يتزوج؟
أَبيه، ونصر بن عبد الرزاق، المتوفى سنة (633 هـ) وهو أَول مَنْ دُعِيَ من الحنابلة بلقب:" قاضي القضاة ".
- وهذه الطبقة: قد حوت نحو " 166 " عَلَمًا من فقهاء المذهب المؤلفين فيه، وقد بلغت تأليفهم في الفقه الحنبلي وأصوله نحو " 550 " كتابًا
وفي هذه الطبقة: كان التأليف يعني: شرح المتون في طبقة المتقدمين، وتأليف المتون، والتفنن والتنوع في تأليفها على رواية واحدة، أو على روايتين، أو على روايتين فأكثر مقرونة بالدليل، كما عمل أَبو الوفاء ابن عقيل ت سنة (513 هـ) في " التذكرة " وهي على رواية واحدة، وعلى منوالها " العمدة " للموفق ابن قدامة ت سنة (620 هـ) ، أو غير مقرونة به.
وإلحاقها بأَنواع الخدمات العلمية لها من: الشرح، والاختصار واختصار الشروح، ونظم المتن، وحل غريبه، وإلحاقها بالحواشي، والتعاليق، والنكت، والتصحيحات، والتعقبات، وكلها لم تبدأ إلَّا في هذه الطبقة، ولعلَّ أَولها: حاشية ابن مفلح ت سنة (763 هـ) على: " المقنع ".
وَلَعَل أَول نظم وقع في هذه الطبقة هو نظم مختصر الخِرَقي للسراج، المتوفى سنة (500 هـ) .
وكانت " المتون " المعتمدة في هذه الطبقة التي لحقتها الشروح
وما إليها " 11 " متنا هي:
كتاب المجرد، والتعليق، والروايتين، ثلاثتها للقاضي أَبي يعلى.
ت سنة (459 هـ) ، والهداية لأَبي الخطاب ت سنة (510 هـ) ، والعمدة، والكافي، والمقنع، ثلاثتها للموفق ابن قدامة ت سنة (620 هـ) ، والمحرر للمجد ت سنة (652 هـ) ، والوجيز للدجيلي ت سنة (732 هـ) ، والفروع للشمس ابن مفلح ت سنة (763 هـ) ، والتسهيل للبعلي ت سنة (777 هـ) وكان مالحقها يبلغ " 101 " كتاب.
وَثَمَّةَ " مُتُوْنٌ " سِوى هذه، مثل " الجامع الصغير " للقاضي أَبي يعلى، كان مشهور التداول في القراءة، والإقراء، والحفظ، لكن لم أقف على شرح له، أو حاشية عليه، أو على غيره من " المتون " الأخرى. وهذا العصر عصر الخدمة الفائقة للمذهب متنًا وشرحًا. ورأس الشروح المعتمدة: المغني شرح الخِرَقي للموفق ابن قدامة، والشرح الكبير للمقنع للشيخ ابن أبي عمر، والمبدع شرح المقنع للبرهان ابن مفلح، وشرح الزركشي للخِرَقي.
- ومن كتب المذهب المنتقدة في هذه الطبقة:
نهاية المطلب للأزجي ت سنة (616 هـ) ، والرعايتان لابن حمدان ت سنة (695 هـ)
- والمتأخرون: " 885 هـ - إلى الآخر ".
يبدأون من رأس المتأخرين ورئيسهم: إِمام المذهب في زمانه، وجامع شتاته، ومحرر رواياته، من حقق فيه ودقق، وشرح وهذَّب: مُنَقّحُ المذهب، العلامة المرداوي: أَبو الحسن علاء الدّين علي بن سليمان المرداوي الصالحي، المتوفى سنة (885 هـ) مرورًا بطبقته فمن بعدهم على توالي القرون إلى الآخر
ـ وفي هذه الطبقة: نحو " 100 " من فقهاء الحنابلة بلغت مؤلفاتهم في الفقه وعلومه نحو " 700 " كتاب، وطرائقهم في التأليف كما جرى عليه سلفهم في طبقة المتوسطين، وكان كتاب " المقنع " للموفق ابن قدامة، المتوفى سنة (620 هـ) المؤلف في طبقة " المتوسطين " هو أَصل للمتون المؤلفة بعده في آخر طبقة المتوسطين وفي طبقة المتأخرين هذه، كما عمله الشويكي في " التوضيح
…
" والفتوحي في: " منتهى الِإرادات. " ومن أَعلام هذه الطبقة:
- يوسف بن عبد الهادي، المتوفى سنة (909 هـ) ، صاحب " مغني ذوي الأَفهام " مطبوع.
- والشويكي، المتوفى سنة (939 هـ) له:" التوضيح في الجمع بين المقنع والتنقيح " مطبوع.
- والحجاوي، المتوفى سنة (968 هـ) له:" الإقناع "، و " زاد المستقنع "، مطبوعان، وله غيرهما.
ومحمد بن أَحمد الفتوحي الشهير بابن النجار، المتوفى سنة (972 هـ)، له: منتهى الِإرادات. مطبوع. وشرحه، وشرح الكوكب المنير في أصول الفقه. مطبوع. وهو ووالده أَحمد، وحفيده عثمان، من فقهاء المذهب بمصر، ووالده كان قاضي القضاة بمصر.
- والشيخ مرعي، المتوفى سنة (1033 هـ) له: دليل الطالب. مطبوع. وغاية المنتهى في الجمع بين الِإقناع والمنتهى. مطبوع.
- والبهوتي، المتوفى سنة (1051 هـ) له: كشاف القناع، وشرح المنتهى، والروض المربع، وعمدة الطالب، كلها مطبوعة.
- والبلباني، المتوفى سنة (1083 هـ) له: أَخصر المختصرات، وكافي المبتدي. مطبوعان.
والرحيباني السيوطي، المتوفى في سنة (1240 هـ) له: مطالب أُولي النهى شرح غاية المنتهى (1) مطبوع.
وفي هذه الطبقة علماء نجد المحققون في المذهب، منهم:
- ابن عطوة، المتوفى سنة (948 هـ) ، وابن ذهلان، المتوفى سنة (1099 هـ)
(1) في كتاب: " مخطوطات السيوطي " لمحمد الشيباني، والخزندار نسبة هذا الكتاب إليه، وهو وهم إذ السيوطي هذا شافعي توفي سنة (911 هـ) والرحيباني السيوطي: حنبلي توفي سنة (1240 هـ) فليصحح
وأَحمد المنقور المتوفى سنة (1125 هـ) له: الفواكه العديدة في المسائل المفيدة. مطبوع.
- وعثمان بن جامع النجدي، المتوفى سنة (1240 هـ) له: شرح أَخصر المختصرات، لم يُطبع
ومنهم الشيخ العنقري، المتوفى سنة (1373 هـ) صاحب حاشية الروض المربع، وهي غاية فى التحرير والتحقيق.
والشيخ ابن مانع، المتوفى سنة (1385 هـ) له حاشيتان على دليل الطالب، وهي مطبوعة، وعلى عمدة الفقه.
والشيخ ابن قاسم، المتوفى سنة (1392 هـ) جامع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية في " 35 " مجلدًا، وفهارسها في مجلدين وصاحب:" حاشية الروض المربع " في سبعة مجلدات. حقق فيها ودقق- رحمه الله تعالى-،
- وفيها من الشام، ومصر من يُعلمون من كتب التراجم، منهم:
- آل الشطي في الشام، وأَهل دُوْمَا، وهم حنابلة إلى يومنا هذا.
وكان آخر من علمناه في الشام: ابن بدران، المتوفى سنة (1346 هـ) صاحب المدخل. له حواش على: الروض المربع، وشرح المنتهى، وأَخصر المختصرات، وهذه مطبوعة.
وكانت " المتون " المعتمدة في هذه الطبقة إِضافة إلى المتون
في الطبقتين السابقتين المتقدم ذكرهما، هي ثمانية متون:
الِإقناع، وزاد المستقنع، كلاهما للحجاوي ت سنة (968 هـ) ، ومنتهى الإرادات للفتوحي ت سنة (972 هـ) ، وغاية المنتهى ودليل الطالب لمرعي ت سنة (1033 هـ) ، وعمدة الطالب للبهوتي ت سنة (1051 هـ) وكافي المبتدي، وأَخصر المختصرات للبلباني ت سنة (1083 هـ)، ومجموع ما لحق هذه من الشروح وغيرها:" 58 " كتابًا، ويأتي تسمية الشروح وما إليها في الطبقات الثلاث في:" المدخل الثامن " - إِن شاء الله تعالى-.
ومن الكتب المنتقدة في هذه الطبقة: وسيلة الراغب لصالح البهوتي ت سنة (1121 هـ) ، ونيل المآرب للتغلبي ت سنة (1135 هـ) ، ومطالب أولي النهى للرحيباني ت سنة (1240 هـ)
المبحث الثاني (1) : طبقات الأصحاب في الاجتهاد والتقليد
يمر في هذا الفصل المصطلحات الآتية:
الاجتهاد المطلق: وهو الذي يتتبع صاحبه أصول الشرع المطلقة، فيأخذ من حيث أِّخذ الأَئمة.
ويُقال لصاحبه: " المجتهد المطلق ".
الاجتهاد المقيد: وهو الذي يتتبع صاحبه أصول إمامه الذي
(1) انظر للحنابلة: " صفة الفتوى والمستفتي لابن حمدان: (ص: 16- 24) ، وعند المرداوي في: " خاتمة الإنصاف ": (12/ 228- 265) " إعلام الموقعين " (4/ 270- 271) . المسودة: (547) . شرح الكوكب المنير ": (4/ 468- 471) . خاتمة " شرح منتهى الإرادات لابن النجار الفتوحي. " المدخل " لابن بدران: (ص 184، 179- 186) ، " العقود الياقوتية له: (ص 120-141) .
للمالكية: " نشر البنود ": (2/321- 323) . " الطليحة ".
للشافعية: " أدب المفتي " لابن الصلاح: (ص: 86- 91) . المجموع للنووي: (1/ 42-44، 71) . روضة الطالبين له: (11/101) . " الأنوار لأعمال الأَبرار: (2/ 395) " جمع الجوامع: (2/385) . الرد على من أخلد إلى الأرض
…
للسيوطي: (ص/ 116)
" الاجتهاد وطبقات المجتهدين " محمد حسن هيتو (ص 11- 51) .
للحنفية: " مناهج العقول " للبدخشي: (3/ 345) . " وطبقات المجتهدين " لابن كمال باشا مقدمة: " طبقات الفقهاء " لطاش كبرى زادة: (1/ 11- 12) (شرح عقود رسم المفتي "
(1/ 77) . أبو حنيفة " لأبي زهرة: (ص: 447-448)
ينتسب إليه خاصة.
ويقال لصاحبه: مجتهد المذهب.
- التقليد: وهو الذي يتبع صاحبه التخريج على مذهب إمامه أو " الترجيح في المذهب ".
ودونهما: التقليد بلا تمييو
ويقال لكل منهم: مقلد، وصاحب " التخريج أعلى منزلة من من صاحب " الترجيح " وأَمَّا المقلد بلا تمييز فلا عبرة به.
وتفريعاً عن هذه الأقسام في الاجتهاد والتقليد، اصطلح فقهاء كل مذهب من المذاهب الأربعة على تصنيف فقهاء المذهب على طبقات - ولامشاحة في الاصطلاح - وهي مبسوطة في كتب أصول الفقه. وأَعلى التقاسيم: بسطهم إلى سبع طبقات كما فعل أحمد بن سليمان الشهير بابن كمال باشا الحنفي، المتوفى سنة (940 هـ) أَفردها في رسالة بثلاث صفحات مطبوعة، ومتأخرو الحنفية ينازعون في هذا التقسيم، منهم: هارون المرجاني، المتوفى في سنة (1306 هـ) في كتابه: ناظورة الحق
…
" ولا منازعة؛ إذ البسط مطوي في الاختصار والطبقات هي:
1-
طبقة المجتهد المطلق.
2-
طبقة المجتهد في المذهب
3-
طبقة المجتهد فيما لا رواية فيه عن صاحب المذهب.
4-
طبقة المخرجين.
5-
طبقة المرجحين من المقلدين.
6-
طبقة المقلدين القادرين على التمييز.
7-
طبقة المقلدين الذين لا تمييز لهم.
وبعض الشافعية جعلهم خمس طبقات (1) :
1-
المجتهد المطلق
2-
المجتهد المنتسب.
3-
مجتهد المذهب.
4-
مجتهد الفتوى والترجيح.
5-
الحافظ للمذهب المفتي به.
وبعضهم قصر التقسيم على المجتهدين كما فعل ابن حمدان الحنبلي على تقسيمهم في " آداب المفتي "، وعنه: المرداوي في: " قاعدة نافعة جامعة " في خاتمة الِإنصاف: (12/258- 265) مع زيادات له عليه، وهذا نص سياق المرداوي- رحمه الله تعالى-:
" فصل: صاحب هذه الأَوجه والاحتمالات والتخاريج: لا يكون إلَاّ مجتهدًا واعلم أن المجتهد ينقسم إلى أَربعة أقسام: مجتهد مطلق، ومجتهد في مذهب إمامه، أو في مذهب إمام غيره، ومجتهد في نوع من العلم، ومجتهد في مسألة أو مسائل
(1) الاجتهاد لهيتو (ص 11- 51)
ذكرها في " آداب المفتي، والمستفتي " فقال:
* القسم الأول:
" المجتهد المطلق " وهو الذي اجتمعت فيه شروط الاجتهاد التي ذكرها المصنف في آخر " كتاب القضاء " - على ما تقدم هناك- إذا استقل بإِدراك الأَحكام الشرعية، من الأدلَّة الشرعية العامة والخاصة، وأَحكام الحوادث منها ولا يتقيد بمذهب أحد.
وقيل: يُشترط أَن يعرف أَكثر الفقه.
قدمه في " آداب المفتي والمستفتي ".
قال أَبو محمد الجوزي: من حَصَّل أصوله وفروعه فمجتهد وتقدم هذا وغيره في آخر " كتاب القضاء ".
قال في آداب المفتي والمستفتي: ومن زمن طويل عدم المجتهد المطلق.
مع أنه الآن أَيسر منه في الزمن الأول؛ لأَن الحديث والفقه قد دُوّنا، وكذا ما يتعلَّق بالاجتهاد من الآيات، والآثار وأصول الفقه، والعربية، وغير ذلك. لكن الهمم قاصرة، والرغبات فاترة، وهو فرض كفاية، قد أَهملوه ومَلُّوه، ولم يعقلوه ليفعلوه. انتهى.
قلت: قد ألحق طائفة من الأصحاب المتأخرين بأصحاب هذا القسم: الشيخ تقي الدين ابن تيمية رحمة الله عليه، وتصرفاته في فتاويه وتصانيفه تدل على ذلك.
وقيل: المفتي من تمكن من معرفة أحكام الوقائع على يُسر، من
غير تعلم آخر
* القسم الثاني:
مجتهد في مذهب إمامه، أو إمام غيره.
وأحواله أربعة:
الحالة الأولى: أن يكون غير مقلد لإمامه في الحكم والدليل، لكن سلك طريقه في الاجتهاد والفتوى، ودعا إلى مذهبه، وقرأ كثيرا منه على أهله فوجده صوابًا وأولى عن غيره، وأشد موافقة فيه وفي طريقه.
قال ابن حمدان في " آداب المفتي ": وقد ادَّعى هذا منا ابن أبي موسى، في شرح الإرشاد الذي له، والقاضي أبو يعلى، وغيرهما من الشافعية خلق كثير.
قلت: وعن أصحاب الإمام أحمد- رضي الله عنه.
فمن المتأخرين: كالمصنف، والمجد، وغيرهما.
وفتوى المجتهد المذكور كفتوى المجتهد المطلق في العمل بها، والاعتداد بها في الإجماع والخلاف.
الحالة الثانية: أن يكون مجتهدًا في مذهب إمامه، مستقلًا بتقريره بالدليل، لكن لا يتعدَّى أصوله وقواعده، مع إتقانه للفقه وأصوله، وأدلة مسائل الفقه، عالمًا بالقياس ونحوه، تام الرياضة، قادرًا على التخريج والاستنباط، وإلحاق الفروع بالأصول، والقواعد التي لإمامه.
وقيل: ليس من شرط هذا معرفة علم الحديث، واللغة العربية؛ لكونه يتخذ نصوص إمامه أصولًا يستنبط منها الأحكام، كنصوص الشارع.
وقد يرى حكمًا ذكره إِمامه بدليل، فيكتفي بذلك، من غير بحث عن معارض أو غيره، وهو بعيد، وهذا شأن أهل الأوجه والطرق في المذاهب.
وهو حال أكثر علماء الطوائف الآن.
فمن علم يقينًا هذا، فقد قلَّد إمامه دونه؛ لأن معوله على صحة إضافة ما يقول إلى إمامه؛ لعدم استقلاله بتصحيح نسبته إلى الشارع بلا واسطة إمامه. والظاهر معرفته بما يتعلق بذلك من حديث، ولغة، ونحو، وقيل: إن فرض الكفاية لايتأدَّى به؛ لأن في تقليده نقصًا وخَلَلًا في المقصود.
وقيل: يتأدى به في الفتوى، لا في إحياء العلوم التي تستمد منها الفتوى؛ لأنه قد قام في فتواه مقام إمام مطلق، فهو يؤدي عنه ما كان يتأدى به الفرض حين كان حيًا قائمًا بالفرض منها.
وهذا على الصحيح في جواز تقليد الميت.
ثم قد يوجد من المجتهد المقيد استقلال بالاجتهاد والفتوى في مسألة خاصة، أو باب خاص، ويجوز له أن يُفتي فيما لم يجده من أحكام الوقائع منصوصًا عليه عن إمامه، لما يخرجه على مذهبه.
وعلى هذا العمل وهو أَصح.
فالمجتهد في مذهب الإمام أَحمد- رضي الله تعالى عنه- مثلًا- إذا أَحاط بقواعد مذهبه، وتدرب في مقاييسه وتصرفاته: ينزل - من الِإلحاق بمنصوصاته وقواعد مذهبه- منزلة المجتهد المستقل في إِلحاقه ما لم ينص عليه الشارع بما نص عليه.
وهذا أَقدر على ذا من ذاك على ذاك فإِنَّه يجد في مذهب إِمامه قواعد ممهدة، وضوابط مهذبة، ما لا يجده المستقل في أصول الشارع ونصوصه.
وقد سُئِلَ الإمام أَحمد- رضي الله تعالى عنه- عمن يفتي بالحديث: هل له ذلك، إذا حفظ أَربعمائة أَلف حديث؟ فقال: أَرجو.
فقيل لأَبي إِسحاق بن شاقلا: فأَنت تفتي، ولست تحفظ هذا القدر؟
فقال: لكني أفتي بقول من يحفظ أَلف أَلف حديث.
يعني الإمام أَحمد- رضي الله تعالى عنه-.
ثم إِن المستفتي- فيما يفتي به من تخريجه هذا- مقلد لِإمامه، لا له.
وقيل: ما يخرجه أَصحاب الإمام على مذهبه: هل يجوز أَن ينسبوه إليه، وأنه مذهبه؟
فيه لنا ولغيرنا خلاف، وتفصيل.
والحال: أن المجتهد في مذهب إمامه: هو الذي يتمكن من
التفريع على أقواله، كما يتمكن المجتهد المطلق من التفريع على كل ما انعقد عليه الإجماع، ودل عليه الكتاب والسنة والاستنباط. وليس من شرط المجتهد: أن يفتي في كل مسألة بل يجب أَن يكون على بصيرة في كل ما يفتي به، بحيث يحكم فيما يدري، ويدري أَنَّهُ يَدْري، بل يجتهد المجتهد في القبلة، ويجتهد العامي فيمن يقلده ويتبعه.
فهذه صفة المجتهدين أَرباب الأَوجه، والتخاريج، والطرق.
وقد تقدم ذِكْرُ صفة تخريج هذا المجتهد - وأَنه: تارة يكون من نصه، وتارة يكون من غيره- قبل أقسام المجتهد محررًا.
الحالة الثالثة: أَن لا يبلغ به رتبة أَئمة المذهب، أصحاب الوجوه والطرق، غير أَنه فقيه النفس، حافظ لمذهب إِمامه، عارف بأدلته، قائم بتقريره، ونصرته، يصور ويحرر ويمهد، ويقوي، ويزيف، ويرجح. لكنه قَصَّر عن درجة أولئك، إِما لكونه لم يبلغ- في حفظ المذهب- مبلغهم، وإما لكونه غير متبحر في أصول الفقه، وغيره.
على أنه لا يخلو مثله - في ضمن ما يحفظه من الفقه ويعرفه من أدلته - عن أطراف من قواعد أصول الفقه، ونحوه.
وإما لكونه مقصرًا في غير ذلك من العلوم التي هي أَدوات الاجتهاد الحاصل لأصحاب الوجوه، والطرق.
وهذه صفة كثير من المتأخرين الذين رتبوا المذاهب، وحرروها، وصنفوا فيها تصانيف، بها يشتغل الناس اليوم غالبًا، ولم يلحقوا من
يخرج الوجوه، ويمهد الطرق في المذاهب.
وَأمَّا فتاويهم: فقد كانوا يستنبطون فيها استنباط أولئك، أو نحوه، ويقيسون غير المنقول والمسطور على المنقول والمسطور نحو: قياس المرأة على الرجل في رجوع البائع إلى عين ماله عند تعذر الثمن.
ولا تبلغ فتاويهم فتاوى أَصحاب الوجوه.
وربما تطرق بعضهم إلى تخريج قول، واستنباط وجه أو احتمال. وفتاويهم مقبولة.
الحالة الرابعة: أَن يقوم بحفظ المذهب، ونقله، وفهمه، فهذا يعتمد نقله وفتواه به فيما يحكيه من مسطورات مذهبه من منصوصات إمامه، أو تفريعات أَصحابه المجتهدين في مذهبه، وتخريجاتهم.
وأما ما لا يجده منقولًا في مذهبه: فإن وجد في المنقول ما هذا معناه، بحيث يدرك - من غير فَضْل فكر وتأمل- أنه لا فارق بينهما- كما في الأَمَة بالنسبة إلى العبد المنصوص عليه في إعتاق الشريك -: جاز له إلحاقه به والفتوى به، وكذلك ما يعلم اندراجه تحت ضابط، ومنقول ممهد محرر في المذهب.
وما لم يكن كذلك: فعليه الإمساك عن الفتيا فيه.
ومثل هذا يقع نادرًا في حق مثل هذا المذكور.
إذْ يبعد أن تقع واقعة حادثة لم ينص على حكمها في
المذهب، ولا هي في معنى بعض المنصوص عليه من غير فرق، ولا مندرجة تحت شيء من قواعد وضوابط المذهب المحرر فيه.
ثم إِن هذا الفقيه: لايكون إلَّا فقيه النفس؛ لأَن تصوير المسائل على وجهها، ونقل أَحكامها بعده: لا يقوم به إلَّا فقيه النفس، ويكفي استحضاره أَكثر المذهب مع قدرته على مطالعة بقيته قريبا.
* القسم الثالث: " المجتهد في نوع من العلم "
فمن عَرَفَ القياس وشروطه: فله أَن يُفتي في مسائل منه قياسية، لا تتعلق بالحديث.
ومن عَرَفَ الفرائض: فله أَن يُفتي فيها وإن جهل أَحاديث النكاح، وغيره، وعليه الأصحاب.
وقيل: يجوز ذلك في الفرائض، دون غيرها.
وقيل: بالمنع فيهما، وهو بعيد.
ذكره في " آداب المفتي ".
* القسم الرابع: " المجتهد في مسائل، أو مسألة "
وليس له الفتوى في غيرها.
وأما فيها، فالأظهر: جوازه.
ويحتمل المنع؛ لأنه مظنة القصور والتقصير.
قاله في " آداب المفتي والمستفتي ".
قلت: المذهب الأول.
قال ابن مفلح في أصوله: يتجزأ الاجتهاد عند أصحابنا وغيرهم.
وجزم به الآمدي، خلافًا لبعضهم.
وذكر بعض أَصحابنا مثله.
وذكر أيضا: قولًا لا يتجزأ في باب، لا مسألة. انتهى
وقد تقدم ذلك في أواخر " كتاب القضاء ".
فهذه أَقسام المجتهد ذكرها ابن حمدان في " آداب المفتي والمستفتي " انتهى
وإذ قد أَحطنا خبرًا بطبقات المجتهدين والمقلدين فهذه تسمية بعض من يلتحق بهذه الطباق:
* فمن طبقة المجتهدين بإطلاق: بعد إِمام المذهب أَحمد بن حنبل، المتوفى سنة (241 هـ) رحمه الله تعالى:
- القاضي أَبو يعلى الكبير، المتوفى سنة (458 هـ) .
- أَبو الوفاء ابن عقيل، المتوفى سنة (513 هـ) .
- الموفق ابن قدامة المقدسي، المتوفى سنة (620 هـ) .
- شيخ الإسلام ابن تيمية أَحمد بن عبد الحليم، المتوفى سنة (728 هـ) .
ـ ابن قيم الجوزية محمد بن أبي بكر المتوفى سنة (751 هـ) .
* ومن طبقة المجتهدين في المذهب:
في المتقدمين: الخلال ت سنة (311 هـ) ، وغلامه ت سنة
(363 هـ) ، والخِرَقي ت سنة- (334 هـ) ، والبربهاري ت (329 هـ) ، وابن المسلم ت سنة (387 هـ) ، وخاتمة المتقدمين الحسن بن حامد ت سنة (403 هـ) . وغيرهم ممن مضى ذكرهم في طبقة المتقدمين.
* وفي طبقة المتوسطين من مجتهدي المذهب: جُلُّ آل أَبي يعلى، وجُلّ البيوتات الآتية: آل قدامة المقادسة، وآل تيمية، وآل مفلح، وغيرهم من البيوتات الحنبلية.
* ومن أَفرادهم:
- البناء ت سنة (471 هـ) ومحقق المذهب في زمانه، ورأس الحنابلة في أوانه ابن المَنِّي: نصر بن فتيان النهرواني ت سنة (583 هـ) وهو شيخ الموفق ابن قدامة.
- الحافظ عبد الغني المقدسي وأخوه العماد. وفخر الدين ابن تيمية، صاحب " البلغة " وغيرها، والشيخ أَبو عمر ابن قدامة ت سنة (607 هـ) ، وابن الزاغوني ت سنة (527 هـ) ، والسامري صاحب المستوعب ت سنة (616 هـ) ، وأَبو الخطاب ت سنة (510 هـ) ، وابن عبد الهادي ت سنة (756 هـ) .
وعبد الله الزريراني ت سنة (729 هـ) ، والشمس ابن مفلح ت سنة (763 هـ) ، والزركشي ت سنة (774 هـ) ، وابن رجب ت سنة (795 هـ) ، وشيخ المذهب ابن نصر الله ت سنة (844 هـ) ، والبرهان ابن مفلح ت سنة (884 هـ)
* ومن مجتهدي المذهب في طبقة المتأخرين:
شيخ المذهب المرداوي ت سنة (885 هـ) ، والحجاوي ت سنة (968 هـ) ، والفتوحي الشهير بابن النجار ت سنة (972 هـ) ، والشيخ مرعي ت سنة (1033 هـ) ، والبهوتي ت سنة (1051 هـ) .