الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على سبيل التقديم
بسم الله الرحمن الرحيم
صاحب هذا الكتاب (الوحى المحمدى) الشيخ الجليل/ محمد رشيد رضا؛ واحد من الرموز الشوامخ الذين دافعوا عن الإسلام وتبنّوا قضايا أمتنا المسلمة في زمن كان فيه الزحف الاستعمارى لا يكتفى باستيطان أرض المسلمين وإنما كان يعمل بقواه كلّها على استيطان الأفئدة والعقول من خلال «الغزو الثقافى» لصرف أعين الأمة عن التطلع إلى الخلاص من غزاتها والقدرة على الشفاء من علتها وأدوائها وعلى رأسها الأمية الطاغية والظلمة المطبقة على الأفكار والعقول.
ومن ثم كان دور هذه الصفوة المجاهدة التى كانت تمثلها مدرسة المصلحين العظيمين جمال الدين الأفغانى والإمام محمد عبده، ومن تتلمذ عليهما من أمثال صاحب الكتاب كان دور هذه الصفوة عظيم الأثر فى إيقاظ وعى الأمة بما تحمله دينها من أسباب الخلاص وعوامل النهوض، ثم بما ينبغى أن تكون عليه مسلكها في مواجهة مكايد الغازين من الخارج ومضار المتخلّفين والجاهلين بحقيقة التدين من فقراء الفكر ومحدودى الرؤية ممن ينسبون إلى العلم فى الداخل.
وكان القيام بهذه المهام الكبار بحاجة إلى رجال أولى عزم وقوة، وذوى ثقافة جامعة وبصر مستنير يتيح لهم الرؤى النفاذ إلى حقائق الأحداث والأمور.
ومن هنا كان للتكوين الثقافى الشامل والمتجدد لصاحب هذا الكتاب «الشيخ محمد رشيد رضا» عاملا مؤثرّا فى تحديد الموقع الذى قام عليه في خدمة المسلمين والإسلام.
ولد الشيخ فى: «القلمون» من أعمال طرابلس الشام فى عام 1282 هـ 1865 م.
وفيها وفى طرابلس أخذ يدرس ويتعلم.
ثم رحل إلى مصر فى العقد الثالث من عمره (1315 هـ) حيث تتلمذ ولازم أستاذه الإمام محمد عبده وكانا قد التقيا قبل ذلك في «بيروت» .
وهنا كان إصداره لمجلة «المنار» ذات المكانة والتأثير الثقافى الرفيع فى كلّ مكان عرفت فيه فى ديار الإسلام. حيث ضمّها آراءه الإصلاحية التى كانت ثمرة ناضجة لعلاقته بالأستاذ الإمام، ولاهتماماته الواسعة لقضايا المسلمين والإسلام، ولا سيما اهتماماته بالإصلاح الدينى الذى كان أستاذه الشيخ محمد عبده هو الرائد له فيها، وكان إطارها العام هو تخليص مناهج التعليم الأزهرى من الحشود من الحواشى والتقارير وغيرها مما يعطل ملكات الطلاب ويقف بهم عند مجرد الاستظهار والحفظ.
وظل الرجل يتدخل بين ديار الإسلام وغيرها العربية حتى استقر به المطاف فى وطنه الثانى مصر حتى لقى ربه.
أما عن هذا الكتاب فهو رسالة إلى الأمة المسلمة يشرح فيها المؤلف أسباب عجز المسلمين عن إبلاغ روعة الإسلام إلى العالم على الوجه الذى يحقق اقتناع غير المسلمين بالإسلام، ثم يؤدى إلى دخولهم فيه.
والقضية فعلا كانت وستبقى محل الاهتمام والتساؤل لأنها هى القضية المحورية للدعوة والدعاة .. وسبب التساؤل هو أنه على الرغم من كثرة وتعدد المؤسسات والهيئات التى تعمل فى حقل الدعوة الإسلامية إلّا أنّ القوى المعادية للإسلام لا تزال ممتلكة للتفوق فى إحداث التأثير المعاكس فى الإساءة إلى الإسلام وفى تنفير غير المسلمين منه وهنا تكون التساؤلات:
هل السبب فى ذلك وفرة الإمكانات المادية والتقنية التى تعطيهم من مساحة بث دعاواهم واتهاماتهم للإسلام ما لا تجده المؤسسات الإسلامية؟
وربما كان هذا- فعلا- أحد الأسباب لكنه ليس كلّ الأسباب ولا أهمها، لأنّ الأسباب الحقيقية هى فينا نحن المسلمين فهى أسباب داخلية أكثر منها خارجية.
ففي الجانب العقيدى البحت- جانب التعريف بالإسلام عقيدة وشريعة- تطفو الخلافات الفقهية المتصلة بفروع الشريعة .. وتطفو لتتخذها بعض الهيئات والمؤسسات لتعرضها وتركز عليها وكأنها هى أصل الإسلام الأمر الذى يفقد الدعوة ركنها الأهم الذى ينبغى أن يقدم إلى الناس ويتم التعريف به.
ليس هذا فحسب بل إنه يتحرك له أثرا سلبيا بالغ الإساءة إلى الإسلام والمسلمين بالصورة التى يتركها لدى غير المسلم من أنهم عاجزون عن الاتفاق على موقف واحد وصورة موحدة لعقيدتهم وتشريعاتهم .. ومن ناحية أخرى فإن أخطر وأهم أسباب تصورنا وعدم استجابة الآخرين لمعطيات شريعتنا هو أوضاعنا الداخلية فى أنحاء العالم الإسلامى الذى عانى من التمزق والعجز والتخلف، بينما جوهر الإسلام وصريح القرآن يدعوان إلى الوحدة، وإلى القوة وإلى التقدم، وهى المبادئ التى قامت عليها الدولة فى عصر النبوة والراشدين، وعصور ازدهار الدولة المسلمة التى شرّقت وغرّبت فيما وراء ما بين المحيط والخليج وصولا إلى آسيا الوسطى وبلاد ما وراء النهر وتحت حكم دام قرونا فى الأندلس حتى جنوب فرنسا.
وهى الفترة التاريخية التى ازدهرت فيها حضارة الإسلام وأفرزت الشوامخ الكبار من علماء المسلمين فى كل فروع المعرفة والذين كان عطاؤهم هو المحرك والمؤثّر الأكبر فى النهضة الأوروبية فى العصور الوسطى.
ومما هو جدير بالتسجيل أن يكون هذا هو ما قال به حكيم الشرق، وباعث النهضة السيد جمال الدين الأفغانى، والأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده. وما سجّله الشيخ رشيد رضا فى مقدمة الطبعة الأولى لهذا الكتاب.
الأمر الذى يؤكد حقيقة بالغة الأهمية فى كيفية استعادة دور ومكانة الإسلام فى العلم، ليس اعتمادا على مجرد التبليغ بل أهم منه هو أن تكون حال المسلمين فى الداخل صورة صحيحة وصادقة عن الإسلام حتى يصدق المدعون ما ندعوهم إليه.
وهنا نصل إلى الباعث الدافع للشيخ رشيد رضا على تأليف هذا الكتاب. وهو الإسهام فى تصفية وتوضيح حقيقة الإسلام التى ينبغى أن يلتقى حولها المسلمون- كل
المسلمين- على اختلاف مشاربهم فى كل مكان من العالم.
وبعد فإن ذلك العصر الذى ازدان بهؤلاء الشوامخ من المصلحين وكبار المفكرين كان وسيبقى رجاله وأعلامه نعم القدوة والأسوة لأبناء الأمة فى هذا الزمن الذى تزحف فيه القوى
المعادية للإسلام على أرضنا وأهلينا، وتزحف فيه قبل ذلك وبعده على العقول والقلوب بهذا القدر الهائل من الغزو الفكرىّ.
الأمر الذى يوجب على الجميع رعاة ورعايا أن يكونوا على مستوى المسئولية فى مواجهة المخاطر، والله من وراء القصد وهو دائما حسبى.
نائب رئيس المجلس «أ. د/ عبد الصبور مرزوق»