الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إن الكتاب الإلهى الوحيد الذى نقل بنصه الحرفى تواترا عمن جاء به بطريقتى الحفظ والكتابة معا هو القرآن، وأن النبىّ الوحيد الذى نقل تاريخه بالروايات المتصلة الأسانيد حفظا وكتابة هو محمد صلى الله عليه وسلم، فالدين الوحيد الذى يمكن أن يعقله العلماء المستقلون فى الفهم والرأى ويبنوا عليه حكمهم، هو الإسلام.
وأما خلاصة ما يمكن الاعتراف به من الأديان السابقة لثبوت قضاياه الإجمالية بالتواتر المعنوى، فهو أنه وجد فى جميع أمم الحضارة القديمة دعاة إلى عبادة الله تعالى وحده، وإلى العمل الصالح، وإلى ترك الشرور والرذائل، منهم أنبياء مبلغون عن الله تعالى مبشرين ومنذرين، كما أنه وجد فيهم حكماء يبنون إرشادهم على الاحتجاج بما ينفع الناس ويرضهم بحكم العقل والتجربة، ووجد فى جميع ما نقل عن الفريقين أمور مخالفة للعقل ولما ينفع الناس، وأمور خاصة بأقوامهم وبزمانهم، وخرافات ينكرها العقل وينقضها العلم.
وإذا كان الإسلام ونبيّه هو الدين الوحيد الذى عرفت حقيقته وتاريخه بالتفصيل؛ فإننا نذكر هنا شبهة علماء الإفرنج الماديين ومقلدتهم عليه، بعد مقدمة فى شهادتهم الإجمالية له، تمهيدا لدحض الشبهة، ونهوض الحجة، فنقول:
درس علماء الإفرنج للسيرة المحمدية وشهادتهم بصدقه صلى الله عليه وسلم
درس علماء الإفرنج تاريخ العرب قبل الإسلام وبعده على طريقتهم فى النقد والتحليل، ودرسوا السيرة النبوية المحمدية وفلوها فليا ونقشوها بالمناقيش، وقرءوا القرآن بلغته وقرءوا ما ترجمه به أقوامهم، وكانوا على علم محيط بكتب العهدين القديم والجديد، وتاريخ الأديان ولا سيما الديانتين اليهودية والنصرانية. وربما كتبه المتعصّبون للكنيسة من الافتراء على الإسلام والنبىّ والقرآن مما أشرنا إلى بعضه آنفا، فخرجوا من هذه الدروس كلّها بالنتيجة الآتية:
وزادهم ثقة بصدقه أن كان أول الناس إيمانا به واهتداء بنبوته أعلمهم بدخيلة أمره وأولهم: زوجته خديجة المشهورة بالعقل والنبل والفضيلة، ومولاه زيد بن حارثة الذى اختار أن يكون عبدا له على أن يلحق بوالده وأهل بيته ويكون معهم حرا، ثم إن كان الذين آمنوا به من أعظم العرب حرية واستقلالا فى الرأى ولا سيما أبى بكر وعمر «1» .
فأما المؤمنون بالله وملائكته، وبأن للبشر أرواحا خالدة من هؤلاء الإفرنج فقد آمنوا بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم على علم وبرهان، وهم يزيدون عاما بعد عام، بقدر ما يتاح لهم من العلم بالإسلام، وأما الماديون فلم يكن لهم بد من تفسير لهذه الحادثة أو الظاهرة التى لا ريب فيها صحّتها وثبوتها، وتصويرها بالصورة العلمية التى يقبلها العقل، الذى لا يؤمن صاحبه بما وراء المادة أو الطبيعة من عالم الغيب.
قدحوا زناد الفكر، واستوروا به نظريات الفلسفة، فلاح لهم منه سقط أبصروا فى ضوئه الضئيل الصورة الخيالية التى أجملها الأستاذ «مونتيه» فى عبارته التى نقلناها عنه آنفا، وفصلها «أميل درمنغام» وغيره بما نشرحه هاهنا (فى الفصل الثالث من هذا الكتاب).
…
(1) سننقل طائفة من شهادات العلماء الأحرار فى الجزء الثانى من هذا الكتاب.