الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على خلاف ما كان عليه أئمة السنة من تحريم اتباع أحد لذاته فى الدين بعد محمد المعصوم الذى لا معصوم بعده صلى الله عليه وسلم، ولكن المقلّدين لهؤلاء المجرمين للتقليد قد اتبعوا القائلين بعصمة أئمتهم، حتى ملاحدة الباطنية منهم، فهم يردون نصوص الكتاب والسنة بأقوال أئمتهم، بل بأقوال كل من ينتمى إليهم من أدعياء العلم على اعتقادهم وإقرارهم بأنهم غير معصومين.
وإنما تروج البدع فى سوق التقليد الذى يتبع أهله كل ناعق، لا فى سوق الاستقلال والأخذ بالدلائل، ومن باب التقليد دخل أكثر الخرافات على المسلمين لانتساب جميع الدجالين من أهل الطرائق وغيرهم إلى أئمة المذاهب المجتهدين، وهم فى دعوى اتباعهم من الكاذبين، ونحن دعاة العلم الصحيح والاهتداء بالكتاب والسنة أحق منهم باتباع الأئمة، ولا نعنى بالاهتداء بالكتاب والسّنة أن كل واحد منهم إمام مجتهد مطلق كمالك والشافعى رضى الله عنهم فهذه أعلى درجة فى العلم، والعلم درجات كما قال الله عز وجل، وقد كان يوجد فى السلف قبل تدوين المذاهب عوام وخواص كلهم يهتدون بهما.
وصاحب المنار قد وقف نفسه على الردّ على جميع الملاحدة والبهائية والقاديانية والقبوريين وسائر مبتدعة عصرنا وهو لم يدع مذهبا له يدعو إليه، ولم يخالف إجماع الأمة، ولا فرق عنده بين الأئمة، ولله الحمد والمنة.
7 - الحرية الشخصية فى الدين بمنع الإكراه والاضطهاد ورئاسة السيطرة:
هذه المزية من مزايا الإسلام، وهى نتيجة المزايات التى بينّا بها كونه دين الفطرة، فأما منع الإكراه فيه وعليه فالأصل فيه قوله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم بمكة: وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99) وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (100) قُلِ انْظُرُوا ماذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ [يونس: 99 - 101]، علم الله تعالى رسوله بهذه الآيات أن من سننه فى البشر أن تختلف عقولهم وأفكارهم فى فهم الدين وتتفاوت أنظارهم فى الآيات الدالة عليه فيؤمن بعض ويكفر بعض، فما كان يتمناه صلى الله عليه وسلم من إيمان جميع الناس مخالف لمقتضى مشيئته تعالى فى اختلاف استعداد الناس للإيمان، وهو منوط باستعمال عقولهم وأنظارهم فى آيات الله فى خلقه، والتمييز بين هداية الدين وضلالة الكفر «1» .
(1) راجع تفسير هذه الآيات من آخر سورة يونس فى آخر (ج 11) من تفسير المنار.
ثم قوله تعالى عند ما أراد أصحابه أخذ من كان بنى النضير من أولادهم عند إجلائهم عن الحجاز وكان قد تهود بعضهم: لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ [البقرة: 256]، فأمرهم صلى الله عليه وسلم أن يخيروهم فمن اختار اليهود أجلى مع اليهود ولا يكره على الإسلام، ومن اختار الإسلام بقى مع المسلمين، كما بيناه فى تفسير الآية من جزء التفسير الثالث.
وأما منع الفتنة وهى اضطهاد الناس لأجل دينهم حتى يتركوه فهو السبب الأول لشرعية القتال فى الإسلام وسيأتى فى المقصد الثامن من هذا الكتاب.
وأما منع رئاسة السيطرة الدينية كالمعهودة عند النصارى ففيها آيات مبينة فى القرآن، وأحاديث صريحة فى السّنة، وهى معلومة بالضرورة من سيرة النبى صلى الله عليه وسلم، وخلفائه الراشدين، وقد بيناها فى الكلام على وظائف الرسل عليهم الصلاة والسلام، وحسبك منها قوله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين: فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ [الغاشية: 21، 22].