الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الطريقة الثانية: ما شرعه لتحرير الرقيق الموجود وجوبا وندبا
وهو 4 أنواع
النوع الأول من أحكام الرق ووسائل تحريره اللازبة وفيه عشر مسائل
1 -
الحرية فى الإسلام هى الأصل فى الإنسان كما كتب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه إلى عامله على مصر عمرو بن العاص- وقد اشتكى عليه قبطى-: «يا عمرو منذ كم تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟» ، وقد أخذ الفقهاء من هذا الأصل أن الرقّ لا يثبت بإقرار المرء على نفسه، وجعلوا قول منكره راجحا على قول مدعيه فيكلف إثباته.
2 -
إن الإسلام حرّم استرقاق الأحرار من غير أسرى الحرب الشرعية العادلة بشروطها- كما تقدم- وجعل ذلك من أعظم الآثام. روى البخارى وغيره نم حديث أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله تعالى: ثلاث أنا خصمهم يوم القيامة ومن كنت خصمه خصمته:
رجل أعطى بى ثم غدر، ورجل باع حرا ثم أكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره»، وفى حديث الثلاثة الذين لا يقبل الله منهم صلاة:«ورجل اعتبد محررا» ، أى جعله كالعبد فى استخدامه كرها أو أنكر عتقه أو كتمه، وهو فى سنن أبى داود وابن ماجة.
3 -
شرّع الله تعالى للمملوك أن يشترى نفسه من مالكه بمال يدفعه ولو أقساطا، ويسمى هذا فى الشرع «الكتاب والمكاتبة» وأصله قوله تعالى: وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ [النور: 33]، أمر بمكاتبتهم إن علم المالك أنهم يقدرون على الكسب والوفاء بما التزموه وأنه خير لهم، وأمر بإعانة المالك لمكاتبه على أداء ما باعه نفسه به. ويدخل فيه الهبة وحط بعض الأقساط عنه، وجعل فى مال الزكاة المفروضة سهما تدخل فيه هذه الإعانة، وندب غير المالك لذلك أيضا.
ذهب بعض العلماء إلى أن الأمرين فى الآية للوجوب: الأمر بالمكاتبة، والأمر بالإعانة عليها، والأكثرون على أن الأول للندب والثانى للوجوب، وفى صحيح البخارى بعد ذكر الآية. قال روح عن ابن جريج: قلت لعطاء «أواجب علىّ إذا علمت أن له (أى لمملوكه) مالا أن أكاتبه؟ قال: «ما أراد إلا واجبا» وقاله عمرو بن دينار، قلت لعطاء: «أتؤثره عن
أحد؟ قال: لا، ثم أخبرنى أن موسى بن أنس أخبره أن سيرين «1» سأل أنسا المكاتبة وكان كثير المال فأبى فانطلق سيرين إلى عمر فدعاه عمر، فقال: كاتبه، فأبى فضربه بالدرة وتلا:
فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً [النور: 33] فكاتبه» أ. هـ.
4 -
إذا خرج الأرقاء من دار الكفر ودخلوا دار الإسلام يصيرون أحرارا، وعلى الحكومة الإسلامية تنفيذ ذلك ومستنده فى السنة معروف، وقد انعكس الأمر فى هذا العصر فصار الأرقاء الذين يخرجون من دار الإسلام إلى دار الكفر أو ما فى حكمها هم الذين يعتقون، والمراد بالكفر هنا غير الإسلام.
5 -
إن من أعتق حصة له من عبد عتق كله عليه من ماله إن كان له مال، وإن كان لغيره حصة فيه فله أحكام، وفى ذلك أحاديث فى الصحيحين وغيرهما، منها حديث أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:«من أعتق نصيبا أو شقيصا فى مملوك فخلاصة عليه فى ماله إن كان له مال وإلا قوم عليه فاستسعى «2» به غير مشفوق عليه»، وحديث ابن عمر مرفوعا أيضا:«من أعتق نصيبا له فى مملوك أو شركا له فى عبد فكان له من المال ما يبلغ قيمته بقيمة العدل فهو عتيق» ، والشقيص كالنصيب وزنا ومعنى.
6 -
من عذّب مملوكه أو مثّل به أو أخصاه عتق عليه، فقد روى الإمام أحمد أن زنباعا أبا روح وجد غلاما له مع جارية له فجدع أنفه وجبه، فشكاه إلى النبى صلى الله عليه وسلم فسأله فاعترف وذكر ذنبه فقال النبى صلى الله عليه وسلم للغلام:«اذهب فأنت حر» ، ويؤخذ منه: أن الجب والخصاء حرام وموجب لعتق العبد، وينفذه الحاكم عليه، فكل ما كان يخصى من المماليك ففيه مخالفة للشرع الإسلامى بخصائصهم وبعدم عتقهم.
وفى رواية له (الإمام أحمد) أخرجها أبو داود وابن ماجة: وجاء رجل إلى النبى صلى الله عليه وسلم صارخا فقال له: «ما لك؟» ، قال: سيدى رآنى أقبل جارية له فجب مذاكيرى، فقال النبى صلى الله عليه وسلم «وعلىّ بالرجل» ، فطلب فلم يقدر عليه فقال صلى الله عليه وسلم للغلام:«اذهب فأنت حر» ، وفى جامع الأصول من حديث سمرة ابن جندب وأبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:«ومن مثل بعبده عتق عليه» .
7 -
إيذاء المملوك بما دون التمثيل والتعذيب الشديد حرام ولا كفارة لذنبه إلا عتقه، فقد
(1) هو والد محمد بن سيرين العالم التابعى المشهور وأخوته.
(2)
أى كلف المملوك أن يسعى فى جمع المال الباقى من ثمنه بما لا مشقة عليه فيه، فيا لله ما أعجب هذه الرحمة فى الإسلام.
روى أحمد، ومسلم، وأبو داود عن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
«من لطم مملوكه أو ضربه فكفارته أن يعتقه» ، وللشيخين والترمذى عن سويد بن مقرن قال:«كنا بنى مقرن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس لنا إلا خادمة واحدة فلطمها أحدنا فبلغ ذلك النبى صلى الله عليه وسلم فقال: «أعتقوها» . وقيل له إنه ليس لبنى مقرن خادم غيرها فرخص لهم باستخدامها ما دامت الحاجة وإطلاقها إذا زالت».
وروى مسلم وغيره عن أبى مسعود البدرى قال: «كنت أضرب غلاما بالسوط فسمعت صوتا من خلفى: «اعلم أبا مسعود» فلم أفهم الصوت من الغضب، قال: فلما دنا منى إذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يقول: «اعلم أبا مسعود، اعلم أبا مسعود» فألقيت السوط من يدى، وفى رواية فسقط من يدى السوط من هيبته فقال:«اعلم أبا مسعود أنّ الله أقدر منك على هذا الغلام» - وفى رواية عليه- فقلت: يا رسول الله هو حر لوجه الله فقال: «أما لو لم تفعل للفحتك النار، أو لمستك النار» .
فهذا وما قبله بعض هدى الرسول فى الرحمة ومعاملة الرقيق الذى لا يزال يصفه رجال الكنيسة ورجال السياسة من الإفرنج وتلاميذهم بما علم القاصى والدانى من الكذب والإفك والبهتان، كيف لا وهو الرحمة العامة للعالمين.
8 -
التدبير عتق لازم، وينعقد بقول السيد لعبده: أنت مدبر، وأنت حرّ عن دبر منى، أى بعد أن أدبر عن هذه الدنيا، وكذا أنت حرّ بعد موتى، إذا قصد به التدبير، فإن أطلق ولا قرينة، فبعض العلماء يرجح أنه تدبير تقوية لجانب العتق الذى هو من مقاصد الشرع الأساسية ومنهم من يرجح جانب الوصية.
ومن أحكام التدبير أنه لازم فى الحال لا يجوز الرجوع عنه كالوصية، وأنه لا يجوز للمدبر (بالكسر) بيع المدبر (بالفتح) عند مالك وأبى حنيفة وأن من دبر بعض مملوكه وهو مالك له كله سرى العتق إلى باقيه، وقال جمهور العلماء: إن أولاد الجارية المدبرة تابعون لها فى العتق والرق فإذا عتقت عتقوا معها.
9 -
عتق أمهات الأولاد- وهو أنّ الجارية التى تلد لسيدها ولدا تصير حرّة من رأس ماله بعد موته فلا تدخل فى ملك الورثة ولا يجوز له بيعها فى حياته عند جمهور السلف والخلف وأولهم عمر وعثمان رضى الله عنهما.
ففي حديث عمر عن الإمام مالك: «أيّما وليدة ولدت من سيدها فإنه لا يبيعها ولا يهبها