الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نتيجة التحدى بالوحى المحمدى: دعوة شعوب المدنية: أوروبا وأمريكا واليابان، بلسان علمائها إلى الإسلام لإصلاح فساد البشر المادى وتمتيعه بالسلام، والإخاء الإنسانى العام
إذا عجز حكماء هذا العصر والحياة والاجتماع والأخلاق والمؤرخون من أحرار الإفرنج وغيرهم عن إخبارنا بوجود رجل مثل محمد صلى الله عليه وسلم فيما علم من تاريخه المعروف والمشهور بمثل هذا القرآن فى خصائصه، ولا سيما التعاليم التى لخصنا كلياتها فى هذا الكتاب، وقدر أن ينفذها ويربى بها أمة كالأمة العربية حتى كان لها بها من الأثر الدينى والمدنى فى العالم مثل أثرها- وأنهم لعاجزون عن ذلك قطعا- أفلا يكون عجزهم هذا برهانا على أن دين محمد، وكتاب محمد، وهدى محمد، وتربية محمد للأمة العربية، بما قلب به نظام العالم الإنسانى كلها، وحولها إلى ما هو خير منها- كل أولئك من خوارق العادات، وما لا يقبل المرء الظاهر من المعجزات؟ بلى.
وإذا كان حقا واقعا ما له من دافع، فما المانع من عدّ هذه التعاليم وحيا من رب العالمين، العليم الحكيم؟ وما معنى كونها وحيا إلا أنها علم أفاضه الله تعالى على روح محمد وقلبه، بطريقة خفية غير طرق العلم الكسبية المعروفة للبشر عامة، وفوق الإلهامات النفسية القليلة التى تؤثر عن بعض الخاصة؟ وما معنى كونها معجزة إلا أنها جاءت على غير المعهود فى علم البشر الكسبى والنفسى، وخلاف المقرر فى علم النفس والفلسفة العقلية وسنن الاجتماع، وتواريخ الأمم، وسير الحكماء والعلماء والملوك، وفوق المعروف عن الأنبياء أيضا، وإن كانت من جنسها، فالأنبياء قد أنبئوا ببعض الغيوب الحاضرة فى عصرهم والعصور التى أتت بعدهم- وأنبأ محمد صلى الله عليه وسلم بما هو أصرح منها وأظهر وأكثر، وبغيوب سابقة كانت قبل نبوته بقرون، ولكن لم يجئ أحد منهم بمثل ما تقدم إجماله فى المقاصد العشرة العالية من العلم والحكمة والتشريع.
قد بينّا لكم أيّها العلماء الأحرار، بطلان ما اخترعته عقول المنكرين لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم من العلل والآراء، لجعل ما جاء به من العلم الإلهى الأعلى، والتشريع المدنى الأسمى، والحكمة الأدبية المثلى، نابعا من استعداده الشخصى، وما اقتبسه فى بيئته وأسفاره من أقوال بعض الأعراب، وهى شوارد ما كان يعنى مثله بحفظها، وآراء أهل الكتاب، وهى أوابد ما كان يثق بها فيحفل بقيدها، ولا كان هذا من شأنه، وعلمتم أن بعض ما قالوه افتراء على
التاريخ، وأن ما قد يصح منه عقيم لا ينتج ما ادعوه، وعلمتم أنه فى جملته مخالف للعلم والفلسفة وطباع البشر وسنن الاجتماع ووقائع التاريخ.
ونحن نتحداكم الآن بالإتيان بعلل أخرى لما عرضناه على أنظاركم من وحى الله تعالى وكتابه لمحمد صلى الله عليه وسلم مع القطعى من تاريخه- علل يقبلها ميزان العقل المسمى بعلم المنطق، وسنن الإنسان، وعلم الاجتماع.
فإن لم تستطيعوا- ولن تستطيعوا- أن تأتونا بعلل تقبلها العقول، وتؤيدها النقول فالواجب عليكم أن تؤمنوا بنبوّة محمد صلى الله عليه وسلم ورسالته، وبكتابه المنزل عليه من عند الله تعالى لإصلاح البشر، وأن تتولوا الدعوة إلى هذا الإيمان، ومعالجة أدواء الاجتماع الحاضرة به، بعد أن عجزت علومكم الواسعة، وفلسفتكم الدقيقة أن توقف عدوى فساد الإباحة وعبادة الشهوات وفوضى الأفكار فى الأمم، وعجزت عن منع دول حضارتكم أن تنفق معظم أموالها المنتزعة من شعوبها ومستعمراتها فى الاستعداد لحرب البغى والعدوان المدمرة، وتأريث العدوات بين شعوب الأرض كافة، بل زادوا شعوبهم عداوة وشنآنا وبغيا وعدوانا، بما هو شر مما عليه قبائل الهمج وسباع الوحش والطير والسمك؛ فقد كان غاية شوط هذه العلوم الواسعة عند هذه الدول أعظم نكبة على البشر، فإن أبيتم وتوليتم أيها العلماء عن دعوة الإسلام إلى السلام، فعليكم إثم شعوبكم ودولكم وسائر الناس.
لقد كتب النبى صلى الله عليه وسلم لكل ملك وزعيم دعاة إلى الإسلام: «فإن تولّيت فعليك إثم من ولّيت أمرهم» .
ونقول لكم اليوم: فإن توليتم فعليكم إثم البشر كلهم، لأنكم إذا أظهرتم الإيمان وتواطأتم على نشر الدعوة إليه، لا تلبث جميع الشعوب أن تستجيب لكم، وترغم حكوماتها على الأخوة الإنسانية والسلام، بهداية الإسلام.