الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
آية الله الكبرى القرآن العظيم القرآن الكريم، القرآن الحكيم، القرآن المجيد، الكتاب العزيز الذى:(لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد)
هو كتاب لا كالكتب، هو آية لا كالآيات، هو معجزة لا كالمعجزات، هو نور لا كالأنوار، هو سر لا كالأسرار، هو كلام لا كالكلام، هو كلام الله الحى القيوم، الذى ليس لروح القدس جبريل الأمين عليه السلام منه إلا نقله بلفظه العربى من سماء الأفق الأعلى إلى هذه الأرض، ولا لمحمّد رسول الله وخاتم النبيين صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله منه إلا تبليغه للناس بلفظه الذى تلقاه عن الروح الأمين، ثم بيانه لهم بالقول والعمل ليهتدوا به، فهو معجز للخلق بلفظه ونظمه وأسلوبه وهدايته وتأثيره وعلومه. لم يكن فى استطاعة محمّد صلى الله عليه وسلم أن يأتى بسورة من سوره بكسبه ولا مواهبه. من علومه ومعارفه، وفصاحته وبلاغته، وهو صلى الله عليه وسلم لم يكن عالما ولا بليغا ممتازا إلا به. بل فيه آيات صريحة ناطقة بأنه لم يكن يعلم شيئا من علومه- تقدم بعضها، وبأنه كان يعجز كغيره عن الإتيان بمثله، وهو ما أمره تعالى أن يقوله للناس فى تحديه إياهم واستدلاله به على نبوته، وهو قوله تعالى: وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ [يونس: 15]، أى: لو شاء الله ألّا أتلوه عليكم ما تلوته، ولما أعلمكم هو به، فإنى إنما تلوته عليكم بمشيئته وأمره، فقد أقمت فيكم عمرا طويلا لم أتل عليكم شيئا، أفلا تعقلون أنّ من عاش أربعين سنة لم يصدر عنه علم ولا عرفان ولا بلاغة لسان، لا يمكن أن يصدر عنه بعد الاكتهال، ما لم يكن له أدنى نصيب منه فى سن الشباب «1» ؟.
وقد بينت فى الكلام على آية التحدى بالقرآن من تفسير سورة البقرة [32] أهم وجوه الإعجاز اللفظى والمعنوى بالإجمال والإيجاز، وهى بضعة أنواع «2» .
(1) راجع تفسير الآية ص 320 من جزء التفسير الحادى عشر، ترى ما يؤيد هذا الدليل العقلى من العلم العصرى.
(2)
هى:
1 -
أسلوبه ونظمه.
ثم تكلمت عن التحدى ببلاغته ونظمه فى آيتى يونس [37، 38] ومنه دلالتهما على عجز النبى صلى الله عليه وسلم عن الإتيان بسورة من مثله كغيره، ومنه وجه التحدى بعشر سور مثله مفتريات، ووجه الإعجاز فى السور القصيرة، وسأعود إلى هذا فى آخر الكتاب.
وأوجّه الكلام هنا إلى هداية القرآن بأسلوبه وتأثيره وعلومه المصلحة للبشر بما يحتمله المقام من البسط والتفصيل، وهو القدر الذى يعلم منه أن هذه العلوم أهدى من كل ما حفظه التاريخ عن جميع الأنبياء والحكماء، وواضعى الشرائع والقوانين، وساسة الشعوب والأمم، وأن إعجازه من هذه الناحية أقوى البراهين على كونه وحيا من الله تعالى تقوم به الحجة على جميع البشر.
فمن كان يؤمن بأن للعالم ربا عليما حكيما مريدا فاعلا مختارا فلا مندوحة له ولا مناص من الإيمان بأن هذا القرآن وحى من لدنه عز وجل أنزله على خاتم أنبيائه المرسلين رحمة بهم ليهتدوا به إلى تكميل فطرتهم، وتزكية أنفسهم، وإصلاح مجتمعهم من المفاسد التى كانت عامة لجميع أممهم، فيكون اتباع محمد فرضا إلهيا عاما كما قال تعالى: قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [الأعراف: 158].
ومن كان لا يؤمن بوجود هذا الرب العليم الحكيم فهذا القرآن حجة ناهضة على وجوده الحق. بكونه ليس من المعهود فى الخلق. وبما اشتمل عليه من الآيات البينات فى الأنفس والآفاق. فمن لم يهتد إلى فهمها فلا مندوحة له عن الجزم بأن محمدا أكمل وأفضل وأعلم وأحكم من كل من عرف فى هذا العالم من الحكماء الهادين المهديين، ويكون الواجب بمقتضى العقل أن يعترف له هؤلاء بأنه أفضل البشر على الإطلاق. وأولاهم بالاتباع. ولا غرو فقد اعترف له بهذا كثير من علماء الشرق والغرب، سنورد بعض شهاداتهم بعد.
2 - بلاغته.
3 -
ما فيه من علم الغيب الماضى والحاضر والآتى.
4 -
سلامته من الاختلاف بأنواعه.
5 -
ما فيه من العلوم الدينية والتشريع.
6 -
عجز الزمان عن نقض شىء منه بما تجدد فيه من العلوم.
7 -
اشتماله على مسائل كثيرة لم تكن معروفة فى عصر نزوله للبشر. ويتلو هذه الأنواع وجوه دلالتها على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وتفسير الآية فى الجزء الأول من تفسير المنار (ص 228 - 291).
بل رأينا بعض المنصفين من الواقفين على السيرة المحمدية الذين يفهمون القرآن فى الجملة يعتقدون أنّ ما وجد ولن يوجد مثله فى المستقبل: ومنهم الأستاذ وليام موير الانكليزى المشهور «1» ، ومنهم ذلك الفيلسوف الطبيب السورى الكاثوليكى النشأة. المادى الكهولة الذى رأى فى مجلة المنار بعض المناقب المحمدية فكتب إلينا كتابا
نشرناه فى الجزء الأول من المجلد الحادى عشر سنة 1336 هذا نصه:
مكتوب الدكتور شبلى شميل المادى فى تفضيل محمد صلى الله عليه وسلم على جميع البشر إلى غزالى عصره السيد محمد رشيد رضا صاحب المنار:
الحق أولى أن يقال
دع من محمّد فى سدى قرآنه
…
ما قد نحاه للحمة الغايات
إنى وإن أك قد كفرت بدينه
…
هل أكفرنّ بمحكم الآيات
أو ما حوت فى ناصع الألفاظ من
…
حكم روادع للهوى وعظات
وشرائع لو أنهم عقلوا بها
…
ما قيدوا العمران بالعادات
نعم المدبّر والحكيم وإنّه
…
ربّ الفصاحة مصطفى الكلمات
رجل الحجا رجل السياسة والدها
…
بطل حليف النصر فى الغارات
ببلاغة القرآن قد غلب النهى
…
وبسيفه أنحى على الهامات
من دونه الأبطال فى كل الورى
…
من سابق أو حاضر أو آت
والمؤمنون بهذه الحقيقة من أحرار مفكّرى الشعوب كلّها كثيرون كما قلنا، ولكن الجاحدين لوجود رب مدبر للعالمين قليلون، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم لحجة عليهم فيما شهدوا له به
(1) قال السير وليام موير فى كتابه (حياة محمد) بعد أن ذكر طائفة من صفاته صلى الله عليه وسلم: وبالاختصار فإنه مهما ندرس حياة النبى محمد صلى الله عليه وسلم نجدها على الدوام عبارة عن كتلة فضائل مجسمة مع نقاء سريرة وخلق عظيم، وستبقى تلك الفضائل عديمة النظير على الإطلاق فى جميع الأزمان فى الماضى وفى الحاضر وفى المستقبل.
وعزوه إلى استعداده وكسبه، وأسنده هو إلى وحى ربه مع ما علم بالضرورة من صدقه الفطرى المطبوع.
ولكن شبلى شميل كان يزعم أنه نسج قرآنه من سدى الحكمة ولحمة الدين ليقبله جمهور الناس، وقد بطل هذا الزعم بما بسطناه فى هذا الكتاب وأثبتنا به نبوته صلى الله عليه وسلم وهو يتضمن الحجة على وجود الرب تعالى بل هو مجموعة حجج عقلية وطبيعية، على الألوهية وعلى النبوة.
وسترى أيها القارئ بسط هذه الحجة فى خاتم هذا الكتاب، وأمهد السبيل لها بفصلين فى إعجاز القرآن للخلق، من وجهين هما أوجه وأقوى مما ألف فيه علماؤنا المصنفات الممتعة وأحراها بإقناع أهل هذا العصر المستقلى الفكر، فأقول:
***