الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 - الإسلام دين العلم والحكمة والفقه:
ذكر اسم العلم معرفة ونكرة فى عشرات من آيات القرآن الحكيم تناهز المائة، وذكرت مشتقات أضعاف ذلك، وهو يطلق على علوم الدين والدنيا بأنواعها، فمن العلم المطلق قوله تعالى فى وصايا سورة [الإسراء، الآية: 36]: وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا أى: لا تتبع ما ليس لك به علم يثبت عندك بالرؤية البصرية، أو بالروايات السمعية، أو بالبراهين القطعية، فإن الله يسألك عما أعطاك من آلات هذا العلم الثلاث.
قال الراغب فى تفسير لا تَقْفُ، أى: تحكم بالقيافة والظن. وقال البيضاوى ما ملخصه: ولا تتبع ما لم يتعلق به علمك تقليدا أو رجما بالغيب. أ. هـ.
ومنه قوله تعالى فى العلم المأثور فى التاريخ: ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [الأحقاف: 4]، ومنه قوله تعالى فى علوم البشر المادية: وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (6) يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا [الروم: 6، 7] إلخ، وقوله فى العلم الروحى: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء: 85].
وهاتان الآيتان فى بيان ضعف علم البشر وقلته حتى الدنيوى منه لا يزال يعترف العلماء أيهم أوسع علما بمضمونهما، وبأن علمهم لا يتجاوز الظواهر، وقد صرح بعض
فحول علماء الغرب بأنهم كلما ازدادوا علما عملوا من حاجتهم إلى تحقيق ما سبق والزيادة عليه ما لم يكونوا يعلمون، كما قال الإمام الشافعى:
كلما أدّبنى الده
…
ر أرانى نقص عقلى
وإذا ما ازددت علما
…
زادنى علما بجهلى
وقوله تعالى فى العلم العقلى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ [الحج: 8]، الظاهر أنّ المراد بالعلم فيه: العلم النظرى بدليل مقابلته بالهدى والكتاب المنير، وهو هدى الدين والوحى. وقوله فى العلم الطبيعى: وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ [الروم: 22]، بكسر اللام أى: علماء الكون، ومثله قوله بعد ذكر إخراج الثمرات المختلف ألوانها من ماء المطر، واختلاف ألوان الطرائق فى الجبال وألوان الناس والدواب: إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ
الْعُلَماءُ [فاطر: 28]، فالمراد بالعلماء هنا الذين يعلمون أسرار الكون وأطواره وأسباب اختلاف أجناسه وأنواعه وألوانها وآيات الله وحكمه فيها، وهو يشمل أكثر العلوم والفنون أو جميعها، وفى معناها آيات فى سور أخرى.
عظّم القرآن شأن العلم تعظيما لا تعلوه عظمة أخرى بقوله تعالى: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ [آل عمران: 18]، فبدأ عز وجل بنفسه وثنى بملائكته، وجعل أولى العلم فى المرتبة الثالثة، ويدخل فيها الأنبياء والحكماء ومن دونهم من أهل الدرجات فى قوله تعالى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ [المجادلة: 11]، وأمر أكرم رسله وأعلمهم بأن يدعوه بقوله: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً [طه: 114].
ويؤيد الآيات المنزلة فى مدح العلم والحث عليه ما ورد فى ذم اتباع الظن كقوله تعالى:
وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً [يونس: 36]، ومثله: وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً [النجم: 28]، وقوله فى قول النصارى بصلب المسيح: ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ [النساء: 157].
وبلغ من تعظيمه لشأن العلم البرهانى أن قيد به الحكم بمنع الشرك بالله تعالى والنهى عنه وهو أكبر الكبائر وأقصى الكفر فقال تعالى: قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ [الأعراف: 33].
وقال الله تعالى فى برّ الوالدين الكافرين: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما [العنكبوت: 8]، ومعلوم من الدين بالضرورة أن الشرك بالله لا يكون بعلم ولا ببرهان، لأنه ضرورى البطلان، وترى تفصيل هذا فيما بعده من تعظيم أمر الحجة والدليل، وما يليه من ذم التقليد.