الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أمتهم، وتكون حجّة على سائر الأمم فى تفضيل دينهم على سائر الأديان، وحاجة الأمم إليه لإنقاذ الحضارة من جشع عباد المال، واستذلالهم للملايين من البشر به، وما أفضى إليه من فوضى الشيوعية الدينية والأدبية المشار إليهما فيما يلى:
القطب السابع: فى الحقوق المفروضة والمندوبة فى المال والإصلاح المالى فى الإسلام
قد عقدت لتفسير قوله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها [التوبة:
103] فصلا فى فوائد الزكاة المفروضة والصدقات والإصلاح المالى للبشر وامتياز الإسلام بذلك على جميع الأديان. بينت فيه مكانة المال من حياة الناس، وما له من التأثير فى الثورات والحروب والسياسة والعمران، وغلو بعض الجماعات فى جمعه وادخاره وأنظمته واستغلاله، واستعباد الألوف وألوف الألوف من البشر به، ويدعون فى عرف هذا العصر بالرأسماليين، وقيام جماعات أخرى بالدعوى إلى إبطال النظام الدولى العام فى المال، ووضع نظام آخر لاشتراك جميع الناس فيه ويلقبون بالبلشفيين والشيوعيين، وما بين هذين الفريقين من الجماعات ومن التعادى والخصام.
ثم بيّنت أنّ هذه الفتن وما تنذر العالم به من الخراب والدمار لا علاج لها إلا اتباع هداية الإسلام فى الإصلاح المالى، ولخصت أصول هذا الإصلاح فى أربعة عشر أصلا هى:
1 -
إقرار الملكية الشخصية وتحريم أكل أموال الناس بالباطل.
2 -
تحريم الربا والقمار.
3 -
منع جعل المال دولة بين الأغنياء.
4 -
الحجر على السفهاء فى أموالهم حتى لا يضيعوها فيما يضرّهم ويضرّ أمتهم.
5 -
فرض الزكاة فى أول الإسلام وجعلها اشتراكية مطلقة باعثها الوجدان لا إكراه الحكام، وإنما تكون كذلك حيث لا حكومة ولا دولة للإسلام.
6 -
نسخها بعد وجود الدولة والحكومة بالزكاة المحدودة بربع العشر فى النقدين والتجارة فى كل عام ما دام النصاب تاما، وبالعشر ونصف العشر فى غلات الزراعة التى عليها مدار الأقوات أو مطلقا، وزكاة الأنعام المعروفة، وفاتنى هنالك ذكر الخمس فى الركاز، وهو ما ينبش من المال المكنوز القديم والمعدن.
7 -
فرض نفقة الزوجية والقرابة.
8 -
إيجاب كفاية المضطر من كل جنس ودين وضيافة الغرباء.
9 -
بذل المال فى كفارات بعض الذنوب.
10 -
ندب صدقات التطوع للمحتاجين.
11 -
ذم الإسراف والتبذير، والبخل والتقتير.
12 -
إباحة الزينة والطيبات من الرزق بشرطهما، لتوقف ترقى الصناعة والحضارة عليها.
13 -
مدح القصد والاعتدال بل إيجابه.
14 -
تفضيل الغنى الشاكر على الفقير الصابر اهـ. باختصار.
وكنت قد شرحت قبله مصارف الزكاة فى تفسير آيتها: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ [التوبة: 60].
ثم عقدت فصلا آخر فى خلاصة السورة «وهى سورة التوبة» المشتملة على هذه الآيات فى أحكام الأموال فى الإسلام يدخل فى ثلاثة أقسام:
1 -
المسائل الدينية والاجتماعية فى الأموال.
2 -
أنواع الأموال ومصارفها.
3 -
فوائد إصلاح الإسلام المالى للبشر.
فالرجوع إلى هذه المباحث فى ذلك من التفسير يغنينا عن إعادتها هنا.
وخلاصة القول فى هذه القواعد العلمية فى إصلاح ثروة البشر وجعلها خيرا عاما كما سمّاها الله تعالى فى كتابه، واتقاء شرور التنازع عليها- بالوازع الدينى، والتشريع الدولى- إنها هى التى يصلح بها أمر البشر على اختلاف أحوالهم واستعدادهم، فيكونون سعداء فى دنياهم وفى دينهم، ولن تجد مثلها فى دين من الأديان، ولا شىء من كتب القوانين والحكمة البشرية، وإن البشر لعلى خطر عظيم مما سقطوا فيه من التعادى على المال حتى أعيتهم الحيل، وسبيل النجاة ممهدة معبدة أمامهم وهم لا يبصرونها، وهى الإسلام وهداية القرآن: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ [البقرة: 251].
وموضوع بحثنا فى هذا المقصد وهو دلائل الوحى المحمدى، أنه لا يعقل أن يكون
محمد النبى الأمى الذى عرفنا خلاصة تاريخه قد اهتدى بوحى من نفسه لنفسه فى العقد السادس من عمره- أى بعد هجرته إلى هذه الحقائق التى قامت وعلت جميع الكتب الإلهية والبشرية والنظم الدولية فى أرقى عصور العلم والحكمة والقوانين، وإنما المعقول عند من يؤمن بأن للعالم ربا حكيما رحيما مدبرا أن يكون هذا بوحى منه عز وجل أفاضه على خاتم النبيين عند استعداد البشر له. لا يحتاجون بعده إلى وحى آخر.