المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفرق بين المعجزة والكرامة - الوحي المحمدي

[محمد رشيد رضا]

فهرس الكتاب

- ‌على سبيل التقديم

- ‌مقدمة الطبعة الأولى

- ‌ارتقاء البشر المادى، وهبوطهم الأدبى، وحاجتهم إلى الدين:

- ‌الحجب الثلاثة بين حقيقة الإسلام وشعوب الإفرنج:

- ‌الأسباب العائقة عن فهم الأجانب للقرآن:

- ‌(أولها): جهل بلاغة القرآن

- ‌(ثانيها): قصور ترجمات القرآن وضعفها

- ‌(ثالثها): أسلوب القرآن المخالف لجميع أساليب الكلام

- ‌(رابعها): الإسلام ليس له دولة ولا جماعات

- ‌نتيجة هذه المقدمات:

- ‌بيان هذا الكتاب لحقيقة الإسلام بما تقوم به الحجة على جميع الأنام

- ‌فاتحة الطبعة الثانية

- ‌دعوة الناس إلى الإسلام عامة وأهل الكتاب خاصة

- ‌دعوة الوحى المحمدى فى هذه الآيات:

- ‌رواج الكتاب وترجمته ببعض لغات:

- ‌الفصل الأول فى تحقيق معنى الوحى والنبوة والرسالة وحاجة البشر إليها وأصولها وعدم إغناء العقل والعلم الكسبى عنها

- ‌تعريف الوحى لغة وشرعا:

- ‌النبى معناه لغة وشرعا والفرق بين الرسول وغيره

- ‌حاجة البشر إلى الرسالة وأصول أديان الرسل الأساسية

- ‌عصمة الأنبياء

- ‌العقل والعلم البشرى لا يغنيان عن هداية الرسل

- ‌تعريف الوحى والنبوة والأنبياء عند النصارى

- ‌بعض ما يرد على نبوتهم من تعريفها

- ‌وأما كلامهم فى النبوة والأنبياء فيؤخذ منه ما يأتى:

- ‌امتياز نبوة محمّد على نبوة من قبله فى موضوعيها والموازنة بينه وبين موسى وعيسى (ع. م)

- ‌صد الكنيسة عن الإسلام

- ‌الآيات والعجائب (أى الخوارق) وإثبات النبوة عندنا وعندهم

- ‌العجائب وما للمسيح منها

- ‌بحث في عجائب المسيح عليه السلام:

- ‌آية نبوة محمّد العقلية العلمية وسائر آياته الكونية

- ‌تأثير العجائب فى الأفراد والأمم:

- ‌ثبوت نبوة محمد بنفسها وإثباتها لغيرها:

- ‌درس علماء الإفرنج للسيرة المحمدية وشهادتهم بصدقه صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل الثالث فى شبهة منكرى عالم الغيب على الوحى الإلهى وتصويرهم لنبوة محمّد صلى الله عليه وسلم بما يسمونه الوحى النفسى

- ‌شبهة على الوحى

- ‌جواب المنار

- ‌تفصيل الشبهة ودحضها بالحجة

- ‌المقدمة الأولى: لشبهة الوحى النفسى دعوى الأخذ عن بحيرا الراهب

- ‌المقدمة الثانية: دعوى الأخذ عن ورقة بن نوفل

- ‌المقدمة الثالثة: دعوى انتشار اليهودية والنصرانية فى بلاد العرب

- ‌المقدمة الرابعة: حديث إسلام سلمان الفارسى

- ‌المقدمة الخامسة: رحلتا الشتاء والصيف لتجار قريش

- ‌المقدمة السادسة: ما قيل من وجود يهود ونصارى بمكة

- ‌المقدمة السابعة: ما زعمه من سبب نشوء محمّد صلى الله عليه وسلم أميا وما استفاد من رحلاته التجارية

- ‌المقدمة الثامنة: تصوير مجامع قريش بمكة وشأن محمد فيها

- ‌المقدمة التاسعة: موت أبناء محمد وما أثاره فى نفسه

- ‌المقدمة العاشرة: ضعف الوثنية فى العرب، وتعبد محمد فى الغار وسببها بزعم درمنغام

- ‌نتيجة تلك المقدمات العشر

- ‌باب كيف كان بدء الوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌بسط ما يصورون به الوحى النفسى لمحمد صلى الله عليه وسلم

- ‌تفنيد تصويرهم للوحى النفسى وإبطاله من وجوه

- ‌القول الحق فى استعداد محمد صلى الله عليه وسلم للنبوة والوحى

- ‌الأمثال النورانية لفطرة محمد صلى الله عليه وسلم وروحه، ووحيه، وكتاب الله تعالى ودينه

- ‌آية الله الكبرى القرآن العظيم القرآن الكريم، القرآن الحكيم، القرآن المجيد، الكتاب العزيز الذى: (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد)

- ‌الفصل الرابع فى إعجاز القرآن بأسلوبه وبلاغته، وتأثيره وثورته

- ‌أسلوب القرآن فى تركيبه المزجى:

- ‌الثورة والانقلاب الذى أحدثه القرآن في الأمة العربية فسائر الأمم

- ‌اعتبار الموازنة بين تأثير القرآن فى العرب والتوراة فى بنى إسرائيل

- ‌المسلمون أرحم البشر بهداية القرآن:

- ‌فعل القرآن فى أنفس الأمة العربية وإحداثها به أكبر ثورة عالمية

- ‌فعل القرآن فى أنفس مشركى العرب

- ‌فعل القرآن فى أنفس المؤمنين

- ‌المقصد الأول من مقاصد القرآن فى بيان حقيقة أركان الدين الثلاثة التى دعا إليها الرسل وضل فيها أتباعهم

- ‌الركن الأول للدين الإيمان بالله تعالى

- ‌الركن الثانى للدين: عقيدة البعث والجزاء

- ‌البعث الإنسانى جسمانى روحانى

- ‌الركن الثالث للدين: العمل الصالح

- ‌سنّة القرآن فى تهذيب الأخلاق وصلاح الأعمال والفرق بينها وبين كتب الفلسفة والآداب

- ‌سنّة القرآن فى الإرشاد إلى العبادات

- ‌ترجيح فضائل القرآن على الإنجيل

- ‌شبهة فلسفية على عمل الخير لمرضاة الله تعالى

- ‌المقصد الثانى من مقاصد القرآن: بيان ما جهل البشر من أمر النبوة والرسالة ووظائف الرسل

- ‌1 - بعثة الرسل فى جميع الأمم ووظائفهم:

- ‌2 - أطوار النصارى وما انتهوا إليه فى الدين:

- ‌3 - مسألة الشفاعة:

- ‌4 - الإيمان بجميع الرسل وعدم التفرقة بينهم:

- ‌بحث فى الآيات الكونية التى أيد الله بها رسله وما يشبه بعضها من الكرامات، وما يشتبه بها من خوارق العادات وضلال الماديين والخرافيين فيها

- ‌آيات الله تعالى فى خلقه نوعان:

- ‌سنن الله فى عالم الشهادة وعالم الغيب:

- ‌الغيب قسمان حقيقى وإضافى:

- ‌الخوارق الحقيقية والصورية عند الأمم

- ‌الفرق بين المعجزة والكرامة

- ‌الكافرون بالآيات صنفان: مكذبون ومشركون، وعلاج كل منهما

- ‌علاج خرافات تصرف الأولياء فى الكون:

- ‌المنكرون للمعجزات وشبهة الخوارق الكسبية عليها

- ‌أعجوبة من خوارق الهنود

- ‌المعجزات قسمان: تكوينية، وروحانية تشبه الكسبية

- ‌عبادة بعض الناس للمسيح وللأولياء دون موسى

- ‌ختم النبوة وانقطاع الخوارق بها ومعنى الكرامات

- ‌لا يمكن إثبات معجزات الأنبياء إلا بالقرآن

- ‌الإيمان بالقدر والسّنن العامة وآيات الله الخاصة

- ‌الخطر على البشر من ارتقاء العلم بدون الدين:

- ‌المقصد الثالث من مقاصد القرآن إكمال نفس الإنسان من الأفراد والجماعات والأقوام

- ‌1 - الإسلام دين الفطرة:

- ‌2 - الإسلام دين العقل والفكر:

- ‌3 - الإسلام دين العلم والحكمة والفقه:

- ‌الحكمة والفقه

- ‌4 - الإسلام دين الحجة والبرهان:

- ‌5 - الإسلام دين القلب والوجدان والضمير:

- ‌6 - منع التقليد والجمود على اتباع الآباء والجدود:

- ‌دحض شبهة، وإقامة حجة

- ‌7 - الحرية الشخصية فى الدين بمنع الإكراه والاضطهاد ورئاسة السيطرة:

- ‌المقصد الرابع من مقاصد القرآن الإصلاح الإنسانى الاجتماعى السياسى الوطنى بالوحدات الثمانى

- ‌الأصل الأول

- ‌الأصل الثانى:

- ‌الأصل الثالث:

- ‌الأصل الرابع:

- ‌الأصل الخامس:

- ‌الأصل السادس:

- ‌الأصل السابع:

- ‌الأصل الثامن:

- ‌المقصد الخامس من مقاصد القرآن «وتقرير مزايا الإسلام العامة فى التكاليف الشخصية من الواجبات والمحظورات» ونلخص أهمها بالإجمال فى عشر جمل أو قواعد

- ‌الأولى

- ‌الثانية

- ‌الثالثة

- ‌ الرابع

- ‌الخامسة

- ‌السادسة

- ‌السابعة

- ‌الثامنة

- ‌التاسعة

- ‌العاشرة

- ‌المقصد السادس من مقاصد القرآن بيان حكم الإسلام السياسى الدولى: نوعه، وأساسه، وأصوله العامة

- ‌القاعدة الأساسية الأولى للحكم الإسلامى

- ‌أصول التشريع فى الإسلام

- ‌قواعد الاجتهاد من النصوص

- ‌العدل والمساواة فى الإسلام نصوص القرآن فى إيجاب العدل المطلق والمساواة فيه وحظر الظلم

- ‌حظر الظلم فى الإسلام الشواهد على حظر الظلم ومفاسده وعقابه:

- ‌قواعد مراعاة الفضائل فى الأحكام والمعاملات

- ‌المقصد السابع من مقاصد القرآن: الإرشاد إلى الإصلاح المالى

- ‌تمهيد:

- ‌القطب الأول: القاعدة العامة فى المال؛ كونه فتنة واختبارا فى الخير والشر

- ‌القطب الثانى: ذم طغيان المال وغروره وصده عن الحق والخير

- ‌القطب الثالث: ذم البخل بالمال والكبرياء به والرياء فى إنفاقه

- ‌القطب الرابع: مدح المال والغنى بكونه من نعم الله وجزائه على الإيمان والعمل الصالح

- ‌القطب الخامس: ما أوجب الله من حفظ المال من الضياع بالإسراف والاقتصاد فيه

- ‌القطب السادس: (إنفاق المال فى سبيل الله) آية الإيمان والوسيلة لحياة الأمة وعزة الدولة وسعادة الإنسان

- ‌القطب السابع: فى الحقوق المفروضة والمندوبة فى المال والإصلاح المالى فى الإسلام

- ‌المقصد الثامن من مقاصد القرآن إصلاح نظام الحرب ودفع مفاسدها وقصرها على ما فيه الخير للبشر نظرة عامة فى فلسفة الحرب والسلم والمعاهدات

- ‌أعجوبة القرآن فى فساد معاهدات الزمان:

- ‌أهم قواعد الحرب والسلام فى دين الإسلام، وشواهدها من القرآن

- ‌القاعدة الأولى: فى الحرب المفروضة على الأعيان

- ‌القاعدة الثانية: فى الغرض من الحروب ونتيجتها

- ‌القاعدة الثالثة: إيثار السلم على الحرب

- ‌القاعدة الرابعة: الاستعداد التام للحرب لأجل الإرهاب المانع منها

- ‌القاعدة الخامسة: الرحمة فى الحرب

- ‌القاعدة السادسة: الوفاء بالمعاهدات وتحريم الخيانة فيها

- ‌القاعدة السابعة: الجزية وكونها غاية للقتال لا علة

- ‌حكمة الجزية وسببها وما تسقط به:

- ‌المقصد التاسع من مقاصد القرآن إعطاء النساء جميع الحقوق الإنسانية والدينية والمدنية

- ‌المقصد العاشر من مقاصد القرآن تحرير الرقبة

- ‌هداية الإسلام فى تحرير الرقيق وأحكامه

- ‌الطريقة الأولى منع الإسلام جميع ما كان عليه الناس من استرقاق الأقوياء للضعفاء بكلّ وسيلة من وسائل البغى والعدوان

- ‌الطريقة الثانية: ما شرعه لتحرير الرقيق الموجود وجوبا وندبا

- ‌النوع الأول من أحكام الرق ووسائل تحريره اللازبة وفيه عشر مسائل

- ‌النوع الثانى من وسائل تحرير الرقيق الموجود: الكفارات

- ‌النوع الثالث من وسائل إلغاء الرق الموجود

- ‌النوع الرابع منها العتق الاختيارى لوجه الله تعالى (أى ابتغاء مرضاته ومثوبته)

- ‌علاوة فى عتق غير المسلم

- ‌الوصية بالمماليك

- ‌نتيجة التحدى بالوحى المحمدى: دعوة شعوب المدنية: أوروبا وأمريكا واليابان، بلسان علمائها إلى الإسلام لإصلاح فساد البشر المادى وتمتيعه بالسلام، والإخاء الإنسانى العام

- ‌علوم البشر لا تستقل بهدايتهم لأنهم لا يدينون إلا لوحى ربهم

- ‌الرجاء فى العلماء المستقلين دون السياسيين:

- ‌معجزات القرآن الطبيعية والفلكية:

- ‌فهرس الموضوعات

الفصل: ‌الفرق بين المعجزة والكرامة

‌الفرق بين المعجزة والكرامة

إن الله تعالى لم يؤيد رسله بما أيّدهم به من المعجزات إلا لتكون حجة لهم على أقوامهم يهدى بها المستعد للهداية، وتحق بها الكلمة على الجاحدين المعاندين فتقع عليهم العقوبة، وذلك لا يكون إلا بإظهارها، فهو واجب لإتمام تبليغ الدعوة التى أرسلوا لتبليغها. وما كان الأنبياء يدعون الله تعالى بشيء من خوارق العادات غير ما يؤيدهم به من الآيات الدالة على صدقهم فى دعوى الرسالة إلا لضرورة كالاستسقاء.

وكان خاتمهم وأكرمهم على الله تعالى يصبر هو وأهل بيته وأصحابه على المرض والجوع والعطش، ولا يدعو لهم صلى الله عليه وسلم بما يزيل ذلك إلا نادرا. وقد سألته المرأة التى كانت تصرع أن يدعو الله لها بالشفاء فأرشدها إلى أن الصبر على مصيبتها خير لها، فشكت إليه أنها تتكشف عند النوبة وسألته أن يدعو لها ألا تتكشف فدعا لها واستجاب الله دعاءه.

وكان المشركون يقترحون عليه الآيات كآيات موسى وعيسى (ع. م)، فيجيبهم بأمر الله تعالى بما هو صريح فى أن الآيات عند الله وهو القادر عليها دون الرسول، ومنه التعجب من طلبهم بقوله تعالى له: قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا [الإسراء: 93]، وقوله وما فى معناها ما حكاه من جواب الرسل الأولين لأقوامهم الذين كانوا يطالبونهم بمثل ذلك بقوله تعالى: قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ [إبراهيم: 11].

والأصل فى الكرامة الإخفاء والكتمان وكثيرا ما يكون ظهورها فتنة للناس.

وما كان أهلها يظهرون ما لهم كسب فيه منها كالمكاشفة إلا لضرورة وقد صرح بهذا محققو العلماء والصوفية، فهو متفق عليه بينهم خلافا للمشهور بين العامة.

قال التاج السبكى فى سياق حجج منكرى جواز وقوع الكرامات من طبقات الشافعية:

«(الحجة الثانية): قالوا لو جازت الكرامة لاشتبهت بالمعجزة، فلا تدلّ المعجزة على ثبوت النبوة. والجواب منع الاشتباه بقرن المعجزة بدعوى النبوة دون الكرامة، فهى إنما تقترن بكمال اتباع النبى من الولى. وأيضا فالمعجزة يجب على صاحبها الاشتهار، والكرامة مبناها على الإخفاء، ولا تظهر إلا على الندرة والخصوص لا على الكثرة والعموم. وأيضا فالمعجزة يجوز أن تقع بجميع خوارق العادات، والكرامة تختص ببعضها كما بيناه من كلام القشيرى وهو الصحيح» أ. هـ. ثم قال:

ص: 154

«(الحجة الرابعة): قالوا لو جاز ظهور خوارق العادات على أيدى الصالحين لما أمكن أن يستدل على نبوة الأنبياء بظهورها على أيديهم لجواز أن تظهر على يد الولى سرا فإن من أصول معظم جماعتكم أنّ الأولياء لا يظهرون الكرامات ولا يدعون بها وإنما تظهر سرا وراء ستور ويتخصص بالاطلاع عليها آحاد الناس ويكون ظهورها سرا مستمرا بحيث لا يلتحق بحكم المعتاد، فإذا ظهر نبى وتحدّى بمعجزة جاز أن تكون مما اعتاده أولياء عصره من الكرامات فلا يتحقّق فى حقه خرق العادة، فكيف السبيل إلى تصديقه مع عدم تحقق خرق العوائد فى حقه؟ وأيضا تكرر الكرامة يلحقها بالمعتاد فى حق الأولياء وذلك بصدهم عن تصحيح النظر فى المعجزة إذا ظهر نبى فى زمنهم» .

وقال فى الجواب: «لأئمتنا وجهان؛ الأول: منع توالى الكرامات واستمرارها حتى تصير فى حكم العوائد، وإنما يجوز ظهورها على وجه لا تصير عادة فلا يلزم ما ذكروه، والثانى:

وهو لمعظم أئمتنا قالوا: إنه يجوز توالى الكرامات على وجه الاختفاء بحيث لا يظهر ولا يشيع ولا يعتاد لئلا تخرج الكرامات عن كونها كرامات» أ. هـ.

وأقول: إن المحققين من الصوفية يوافقون علماء الكلام والأصول على منع توالى الكرامات وتكرارها، ومنع إظهارها.

قال الشيخ محيى الدين بن عربى: إن ما يتكرر لا يكون كرامة لأنه يكون عادة وإنما الكرامة من خوارق العادات.

وقال الشيخ أحمد رفاعى: إنّ الأولياء يستترون من الكرامة كما تستتر المرأة من دم المحيض، وصرحوا بأنها ليست بشرط للولاية ولا دليل عليها.

جهل هذا الأصل المحكم من عقائد الإسلام أدعياء العلم من سدنة القبور والمعبودة وغيرهم، فظنوا أنّ المعجزات والكرامات أمور كسبية كالصناعات العادية، وأن الأنبياء والصالحين يفعلونها باختيارهم فى حياتهم وبعد مماتهم متى شاءوا، ويغرون «1» الناس بإتيان قبورهم ولو بشد الرحال إليها، لدعائهم والاستغاثة بهم عندها ليدفعوا أو يرفعوا عنهم نزول البلاء والشدائد التى يعجزون عن دفعها بكسبهم وكسب أمثالهم من البشر بالأسباب العادية- كالأطباء مثلا- ويتقرّبون إليهم بالنذور والقرابين كما كان المشركون يتقربون إلى

(1) من الإغراء، أى: يحضونهم على ذلك ويرغبونهم فيه.

ص: 155

آلهتهم من الأصنام وغيرها، وهم يأكلونها سحتا حراما، ويخبرونهم بأن دين الله تعالى يأمرهم أن يعتقدوا أنهم يقضون حوائجهم، حتى قال بعضهم إنهم يخرجون من قبورهم بأجسادهم ويتولون قضاء الحاجات، وكشف الكربات، ولو كانت كذلك لما كانت من خوارق العادات، وقال بعضهم فى كتاب مطبوع: إن فلانا من الأقطاب يميت ويحيى، ويسعد ويشقى، ويفقر ويغنى. بل قالوا وكتبوا ما هو أبعد من ذلك عن نصوص الكتاب والسنة القطعية المحكمة، والعقائد المجمع عليها المعلومة من الدين

بالضرورة فى الأصل، وما كان عليه مسلمو القرون الأولى، فصارت بانتشار الخرافات والجهل من الكرامات. التى تؤوّل وتحرف لأجلها الآيات المحكمات. وقد فصّلنا هذا فى تفسير المنار مرارا ونجمله فيما يأتى:

ص: 156