الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الطبيعة، ويقيسون ما لم يظهر لهم تعليله على ما اقتنعوا بتعليل له وإن لم يقم عليه دليل يثبته، ويقولون إن ما لم يظهر لنا اليوم فلا بد أن يظهر لنا أو لمن بعدنا غدا. وهذا دأبهم فى جميع نظرياتهم العلمية إذ ليس عندهم علم قطعى بشيء منها، وهذا مرادهم من تسميتها بالنظريات، فمعناها المسائل الموضوعة للنظر والبحث والاستدلال «1» .
سنن الله فى عالم الشهادة وعالم الغيب:
ونحن معشر المؤمنين بعالم الغيب وما فيه من الملائكة- وهم جند الله الأكبر- وما لهم من التأثير والتدبير فى عالم الشهادة المادى بإذن الله تعالى وتسخيره، نعتقد أن لله تعالى سننا فى نظام ذلك العالم غير سننه الخاصة بعالم المادة، وأن الإنسان هو حلقة الاتصال بين العالمين، فجسده ووظائفه الحيوية من عالم الشهادة، وروحه من عالم الغيب، وهو ما دام فى عالم الجسد المادى فإن جميع مداركه تكون مشغولة بعالم المادة وسننها، وحاجاته الشخصية والنوعية منها، فيحجبه ذلك عن عالم الروح الغيبى حتى روحه وهى الفصل المقوم لحقيقته، وإنما يكون الظهور والسلطان للروح على الجسد فى الحياة الآخرة، إلا من اصطفى الله تعالى من رسله وأنبيائه فأعدّهم بفضله ورحمته للاتصال بملائكته والتلقى عنهم، وأظهرهم على ما شاء من غيبه ليبلغوا عباده عنه ما أمرهم به، وقد يشرف غيرهم من الأصفياء وأصحاب الرياضات النفسية على بعض الخواص الروحية دون ما يطلع عليه الله أنبياءه ورسله عليهم السلام.
الغيب قسمان حقيقى وإضافى:
الغيب: ما غاب علمه عن الناس، وهو قسمان: غيب حقيقىّ لا يعلمه إلا الله، وغيب إضافىّ يعلمه بعض الخلق دون بعض لأسباب تختلف باختلاف الاستعداد الفطرى والعمل الكسبى، ومن أظهره الله على بعض الغيب الحقيقى من رسله فليس لهم فى ذلك كسب لأنه من خصائص النبوة غير المكتسبة «2» .
(1) لا يزال يظهر للباحثين ما ينقص ما كانوا يعدونه من أثبت القواعد، ونقل إلينا أخيرا أن الأستاذ شينلجو ألف كتابا فى سر فلسفة القدر، نقض فيه جميع قواعد العلوم والفنون، وأسند كل شىء من أطوار الكون إلى القضاء والقدر.
(2)
يراجع تحقيق هذا الموضوع بالتفصيل فى الصفحات 421 - 456 - 469 من الجزء السابع، وملخصه (ص 513) من الجزء التاسع- تفسير المنار.
ومن دونهم أفراد من خواصّ أتباعهم وأوتوا نصيبا من الإشراف على ذلك العالم بانكشاف ما للحجاب، وإدراك ما لشىء من تلك الأنوار، كان بها إيمانهم برسلهم فوق إيمان أهل البرهان. وقد روى عن أمير المؤمنين علىّ كرّم الله وجهه أنه قال:«لو كشف الحجاب ما ازددت يقينا» . يعنى والله أعلم أن الله قد شرح صدره للإسلام، فكان على نور من ربّه بلغ به مقام الاطمئنان، وقد صحّ عن بعض من دونه من الصحابة فى العلم والعرفان، أنهم رأوا النور الغيبى بالعيان، ورأوا الملائكة عليهم السلام، فى غير ما كانوا يرون جبريل متمثلا بصورة إنسان.
ومن دون هؤلاء أفراد آخرون قد يكون لهم من سلامة الفطرة، أن معالجة النّفس بأنواع من الرياضة، أو من طروء مرض يصرف قوى النفس عن الاهتمام بشهوات الجسد، أو من سلطان إرادة قوية على إرادة ضعيفة تصرفها عن حسها، وتوجه قواها النفسية إلى ما شاءت أن تدركه لقوتها الخاصة بها- قد يكون لهؤلاء الأفراد فى بعض الأحوال من قوة الروح ما يلمحون به بعض الأشياء أو الأشخاص البعيدة عنهم، وتتمثل لهم بعض الأمور قبل وقوعها مرتسمة فى خيالهم فيخبرون بها فتقع كما أخبروا، وثبت هذا وذاك عند بعض الماديين فى هذا الزمان «1» .
(1) منه ما يسمونه بقراءة الأفكار وبمراسلة الأفكار ولا يزالون يصدقون العرافين والعرافات كما نرى فى الصحف عن جرائد أوروبا وآخرها ما قرأته عند تصحيح هذه الكراسة فى المقطم الذى صدر فى غرة صفر سنة 1354 هـ مايو سنة 1935 م، عن العرافة (مدام ترفران ليلى) أنباء قالتها للوزراء والملوك والرؤساء فى أوربا ثم وقعت كما أنبأت، منها قتل دومر رئيس جمهورية فرنسا، ومنها عودة كاروك ملك رومانيا المنفى إلى بلاده، ومنها أن أحمد زوغو سيصير ملكا لألبانيا، ومنها الانقلاب فى ألمانيا الخ.