الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«وبقيت قوة العجائب فى عصر الرسل، ولما امتدت الديانة المسيحية زال الاضطرار إليها «1» ، ولا يلزمنا الآن سوى العجائب الأدبية الحاصلة من هذه الديانة مع الشواهد الداخلية على صحتها، غير أنه يمكن لله تعالى أن يحددها في أى وقت شاء» ا. هـ.
ثم وضع المؤلف جدولا أحصى فيه عجائب العهد القديم من خراب سدوم وعمورية على قوم لوط إلى خلاص يونان (يونس) بواسطة حوت، فبلغت 67 عجيبة، وقفى عليه بجدول العجائب المقرونة بحياة المسيح، من الحبل به «يفعل الروح القدس» إلى (الصعود إلى السماء) فبلغت 37، وعزز الجدولين بثالث فى (العجائب التى جرت فى عصر الرسل)، أى الذين بثوا دعوة المسيح من تلاميذه وغيرهم من (انسكاب الروح القدس يوم الخميسين) إلى (شفاء أبى بوبليوس «2» وغيره) فكانت عشرين، وقد صرح بأن يوحنا المعمدان لم يرد فى الكتاب أنه صنع عجائب.
بحث في عجائب المسيح عليه السلام:
أقول: إن 27 من عجائب المسيح المذكورة: شفاء مرضى، ومجانين لا بستهم الشياطين، وثلاث منها إقامة موتى عقب موتهم، وما بقى فمسألة الحبل له، وتحويله الماء إلى خمر وسحب الشبكة فى بحر الجليل، وإشباع خمسة آلاف مرة، وأربعة آلاف مرة أخرى، وضرب التينة العقيمة بما أيبسها، وقيامة المسيح، وصيد السمك والصعود. وإننا نلخص رواية الأناجيل لأهمها وهو إحياء الموتى، ونذكر ما يقوله فيها منكرو العجائب.
الميت الأول: شاب من مدينة نابين كان محمولا فى جنازة وأمه تبكى، فاستوقف النعش وقال له: أيها الشاب لك أقول قم. فجلس وابتدأ يتكلم فدفعه إلى أمه، فأخذ الجميع خوف ومجّدوا الله قائلين: قد قام فينا نبى عظيم وافتقد الله شعبه (لوقا 7: 11 - 16).
الثانى: صبية ماتت فقال له أبوها وكان رئيسا: ابنتى الآن ماتت، لكن تعال فضع يدك عليها فتحيا. فجاء بيت الرئيس ووجد المزمرين يضجون، فقال لهم:«تنحوا فإن الصبية لم تمت، لكنها نائمة، فضحكوا عليه، فلما أخرج الجمع دخل وأمسك بيدها فقامت الصبية» متى (9: 18 - 24).
(1) هذا مذهب البروتستانت، ويلزمهم أن عجائب الشيطان بقيت بدون معارض، وأما الكاثوليك فيدعون وجودها في كل عصر.
(2)
هو رئيس جزيرة كان مريضا فرقاه بولص وصلى له فشفى (أعمال 28).
فمنكرو العجائب يقولون: إن كلا من الشاب والشابة لم يكونا قد ماتا بالفعل، وإن كثيرا من الناس فى كل زمان قد قاموا من نعوشهم، بل من قبورهم بعد أن ظنّ النّاس أنهم ماتوا. ولذلك تمنع الحكومات المدنية دفن الميت إلا بعد أن يكتب أحد الأطباء شهادة بثبوت موته ثبوتا عمليّا فنيّا- وللمؤمنين بالآيات أن يجزموا أيضا بأن الصبيّة لم تكن ميتة أخذا بظاهر قوله عليه السلام:«لم تمت ولكنها نائمة» ، يعنى أنها أغمى عليها فظنّوا أنها ماتت وهى لم تمت.
وأما الثالث: فهو ليعازر حبيبه وأخو مرثا ومريم حبيبته: مرض في قريتهم (بيت عنيا) فأرسلتا إلى المسيح قائلين: هو ذا الذي تحبه مريض، فمكث يومين وحضر فوجد أنه مات منذ أربعة أيام، فلاقته مرثا وقالت: يا سيد لو كنت هنا لم يمت أخى، ثم دعت أختها مريم، فلما رأته خرت عند رجليه قائلة كما قالت مرثا، وكانوا قد ذهبوا إلى القبر للبكاء، فلما رآها تبكي واليهود الذين جاءوا معها يبكون (انزعج بالروح واضطرب) وقال: أين وضعتموه؟ فدلوه عليه، فبكى وانزعج فى نفسه وجاء إلى القبر، وكان مغارة وقد وضع عليه حجر، فأمر برفع الحجر فرفعوه (ورفع يسوع عينيه إلى فوق وقال: أيها الأب أشكرك لأنك سمعت لى، وأنا علمت أنك فى كل حين تسمع لى، ولكن لأجل هذا الجمع الواقف قلت ليؤمنوا أنك أرسلتنى) ولما قال هذا صرخ بصوت عظيم:«ليعازر، هلم خارجا» فخرج الميت ويداه ورجلاه مربوطتان بأقمطة، ووجهه ملفوف بمنديل، فقال لهم يسوع حلّوه ودعوه يذهب» ا. هـ.
ملخصا من الفصل 11 من إنجيل يوحنا.
أتدري أيها القارئ ما يقول منكرو العجائب والآيات فى هذه القصة على تقدير صحة الرواية؟ إننى سمعت طبيبا سوريّا بروتستنتيا يقول: إنها كانت بتواطؤ بينه وبين حبيبته وحبيبه لإقناع اليهود بنبوته- وحاشاه عليه السلام.
وإنما ننقل هذا لنتبين أن النصارى لا يستطيعون إقامة البرهان فى هذا العصر على نبوة المسيح فضلا عن ألوهيته بهذه الروايات التى تدل على النبوة وتنفى الألوهية كما فهم الذين شاهدوها. لأنه ليس لها أسانيد متصلة إلى كاتبيها، ولا دليل على عصمتهم من الخطأ في روايتها، دع قول المنكرين باحتمال الاحتيال والتلبيس أو المصادفة فيها، أو عدهم إياها على تقدير ثبوتها من فلتات الطبيعة «1» .
(1) وقد نقل مثلها عن بعض صوفية المسلمين والهندوس فإن كذبوا المقولة القديمة فمنها ما رواه من شاهده من أهل عصرنا.
وإذا كان أعظمها هو إحياء الميّت يحتمل ما ذكروا من التأويل، فما القول فى شفاء المرضى وإخراج الشياطين الذى يكثر وقوع مثله فى كل زمان، والأطباء كلهم يقولون إن ما يدعيه العوام من دخول الشياطين فى أجساد الناس ما هو إلا أمراض عصبية تشفى بالمعالجة أو بالوهم والاعتقاد، ودونها مسألة الخمر والسمك ويبس التينة «1» .
(1) خلاصة عجينة التينة أنه جاع وهو خارج من بيت عنيا إلى أورشليم مع تلاميذه فرأى شجرة تين مورقة فجاءها لعله يجد فيها شيئا يأكله فلم يجد فيها شيئا «لأنه لم يكن وقت التين فلعنها قائلا لها: «لا يأكل أحد منك ثمرا بعد إلى الأبد» ، ولما رجعوا من أورشليم رأوا التينة قد يبست فقال له بطرس: يا سيدى انظر التينة التى لعنتها قد يبست إلخ (مرقس: 11: 11 - 14) فأجابهم بما خلاصته: إن هذه آية الإيمان وأن كل مؤمن يقول لأى شىء «كن» وهو يؤمن أنه يكون فإنه يكون ولو كان أمرا للجبل أن يزول من مكانه».
وفى هذه العجيبة نظر من ثلاث جهات: (الأولى): أن منكر الآيات يقول إنه يجوز أن تكون التينة يبست بسبب مادى فى أثناء وجود المسيح وتلاميذه فى أورشليم.
(الثانية): أن الروحيين من فلاسفة الهندوس وغيرهم يقولون إن كل من كان روحانيا قوى الإرادة يكون له مثل هذا التأثير فهو من خواص النفس، وهذا بمعنى قول المسيح لهم فى تأثير الإيمان، وهو ينافى أن يكون بتأييد من الله خارق للعادات الكسبية الدالة على أن من جرت على يده على الحق.
(الثالثة): أن الناس ينقلون مثل هذا فى كل زمان، ومن ذلك ما نقلته جريدة المقطم فى عددها الذى صدر بتاريخ 4 رمضان من عامنا هذا (1352) الموافق 21 من ديسمبر 1933 مترجما عن كتاب لطبيب اسمه الكسندر كان فى بلدية لندن له منصب معروف فى مستشفى الأمراض النفسية أنه ألف كتابا فى الشهر الماضى اسمه (العالم غير المنظور) تكلم فيه عن التنويم المغناطيسى والسحر الأسود وغيرهما من
(علوم الغيب)، ذكر فيه رحلته إلى الهند والتبت وما رأى فيها من المناظر المدهشة (ومنها شجرة تين تذبل بأمر رجل، وجثة فقدت الحياة مدة سبع سنوات تعاد إليها الحياة).
ثم نقل عن هذا الكتاب فى تفصيل عجيبتى إماتة التينة وإحياء الإنسان نبأ قاض إنكليزى اسمه مكردى أنذره أنه سيقتل قبل مرور سبع سنين برصاص بندقية تطلق عليه بأمره وكان الأمر كذلك، وأن المؤلف سمع هذا الخبر من «اللاما» أى كاهن التبت الأكبر ثم قال المقطم ما نصه بعد العنوان:
إماتة الصوفى الهندى للتينة كالمسيح ويتكلم الطبيب فى كتابه عن صديقه (البروفسور
…
) ويقول عنه إنه يزور سريره كل ليلة وعمره مائة سنة ولكن منظره منظر رجل ابن أربعين. وقد صحبه مرة إلى شجرة تين فخاطبها صاحبها بعد قائلا: لقد أحسنت وقاومت عواصف الحياة وسليت نفسى وشفيتها. وقد آن وقت رحيلك عن عالم الغرور والعدم هذا فموتي الآن ولا تعودى إلى الحياة مرة أخرى. قال الطبيب فذبلت التينة حالا وسمح لى بفحصها أنا وغيرى لنتأكد موتها.
وقص حكاية الرجل الذى أعيدت إليه حياته إليه فقال:
إحياء اللاما كاهن التبت للميت
«كان اللاما الكبير على عرشه فدخل عليه جوق من الرهبان يحملون المشاعل فجلسوا فى حلقه واسعة
............. ................ ........
وهم يتمتمون أغنية. فصلى اللاما وفى تلك الدقيقة دخل ثمانية يحملون تابوتا من حجر فأنزلوه ورفعوا غطاءه فرأينا شخصا منظره ميت فسمح لى بفحصه فلم أشعر بنبضه ولا بخفقان قلبه وكان باردا كالحجر وعيناه عينا رجل انقضى عليه يوم كامل وهو ميت ووضعت مرآة على فمه وأنفه فلم يظهر عليها أثر تنفسه. ثم لفظ اللام كلمات فرأينا الميت يفتح عيناه، ثم جلس فى تابوته فساعده راهبان على الوقوف والمشى فدنا من اللاما وانحنى وعاد إلى نعشه وهو لا يزحزح بصره عن (أعظم الحكماء) ثم لم تمض دقائق قليلة حتى عاد ولا حياة فيه. فلم أدر أكان ميتا حقيقة أم فى غيبوبة؟ فقرأ اللاما أفكارى فقال لى إن الرجل كان ميتا مدة سبع سنوات أخرى. وأن عمره مئات من السنين وقد يحيا إلى الأبد إذا صح أن نعد هذا حياة».
(يقول محمد رشيد): وفى هذا الكتاب عجائب أخرى ذكر بعضها فى المقطم وذكر أن المجلس البلدى مزله عن وظيفته عقابا له عليه. وأنا قد سمعت فى صغرى حكاية مشهورة عند أهل بلدنا عن رجل معتقد اسمه الشيخ محمد العصافيرى أنه نظر إلى شجرة تين وقال مسكينة مسكينة تموت، فلم تلبث أن عراها الذبول حتى يبست.
وجملة القول: أن حكايات العجائب كثيرة فى كل زمان وسيأتى تحقيق القول فيها.