المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بحث في عجائب المسيح عليه السلام: - الوحي المحمدي

[محمد رشيد رضا]

فهرس الكتاب

- ‌على سبيل التقديم

- ‌مقدمة الطبعة الأولى

- ‌ارتقاء البشر المادى، وهبوطهم الأدبى، وحاجتهم إلى الدين:

- ‌الحجب الثلاثة بين حقيقة الإسلام وشعوب الإفرنج:

- ‌الأسباب العائقة عن فهم الأجانب للقرآن:

- ‌(أولها): جهل بلاغة القرآن

- ‌(ثانيها): قصور ترجمات القرآن وضعفها

- ‌(ثالثها): أسلوب القرآن المخالف لجميع أساليب الكلام

- ‌(رابعها): الإسلام ليس له دولة ولا جماعات

- ‌نتيجة هذه المقدمات:

- ‌بيان هذا الكتاب لحقيقة الإسلام بما تقوم به الحجة على جميع الأنام

- ‌فاتحة الطبعة الثانية

- ‌دعوة الناس إلى الإسلام عامة وأهل الكتاب خاصة

- ‌دعوة الوحى المحمدى فى هذه الآيات:

- ‌رواج الكتاب وترجمته ببعض لغات:

- ‌الفصل الأول فى تحقيق معنى الوحى والنبوة والرسالة وحاجة البشر إليها وأصولها وعدم إغناء العقل والعلم الكسبى عنها

- ‌تعريف الوحى لغة وشرعا:

- ‌النبى معناه لغة وشرعا والفرق بين الرسول وغيره

- ‌حاجة البشر إلى الرسالة وأصول أديان الرسل الأساسية

- ‌عصمة الأنبياء

- ‌العقل والعلم البشرى لا يغنيان عن هداية الرسل

- ‌تعريف الوحى والنبوة والأنبياء عند النصارى

- ‌بعض ما يرد على نبوتهم من تعريفها

- ‌وأما كلامهم فى النبوة والأنبياء فيؤخذ منه ما يأتى:

- ‌امتياز نبوة محمّد على نبوة من قبله فى موضوعيها والموازنة بينه وبين موسى وعيسى (ع. م)

- ‌صد الكنيسة عن الإسلام

- ‌الآيات والعجائب (أى الخوارق) وإثبات النبوة عندنا وعندهم

- ‌العجائب وما للمسيح منها

- ‌بحث في عجائب المسيح عليه السلام:

- ‌آية نبوة محمّد العقلية العلمية وسائر آياته الكونية

- ‌تأثير العجائب فى الأفراد والأمم:

- ‌ثبوت نبوة محمد بنفسها وإثباتها لغيرها:

- ‌درس علماء الإفرنج للسيرة المحمدية وشهادتهم بصدقه صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل الثالث فى شبهة منكرى عالم الغيب على الوحى الإلهى وتصويرهم لنبوة محمّد صلى الله عليه وسلم بما يسمونه الوحى النفسى

- ‌شبهة على الوحى

- ‌جواب المنار

- ‌تفصيل الشبهة ودحضها بالحجة

- ‌المقدمة الأولى: لشبهة الوحى النفسى دعوى الأخذ عن بحيرا الراهب

- ‌المقدمة الثانية: دعوى الأخذ عن ورقة بن نوفل

- ‌المقدمة الثالثة: دعوى انتشار اليهودية والنصرانية فى بلاد العرب

- ‌المقدمة الرابعة: حديث إسلام سلمان الفارسى

- ‌المقدمة الخامسة: رحلتا الشتاء والصيف لتجار قريش

- ‌المقدمة السادسة: ما قيل من وجود يهود ونصارى بمكة

- ‌المقدمة السابعة: ما زعمه من سبب نشوء محمّد صلى الله عليه وسلم أميا وما استفاد من رحلاته التجارية

- ‌المقدمة الثامنة: تصوير مجامع قريش بمكة وشأن محمد فيها

- ‌المقدمة التاسعة: موت أبناء محمد وما أثاره فى نفسه

- ‌المقدمة العاشرة: ضعف الوثنية فى العرب، وتعبد محمد فى الغار وسببها بزعم درمنغام

- ‌نتيجة تلك المقدمات العشر

- ‌باب كيف كان بدء الوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌بسط ما يصورون به الوحى النفسى لمحمد صلى الله عليه وسلم

- ‌تفنيد تصويرهم للوحى النفسى وإبطاله من وجوه

- ‌القول الحق فى استعداد محمد صلى الله عليه وسلم للنبوة والوحى

- ‌الأمثال النورانية لفطرة محمد صلى الله عليه وسلم وروحه، ووحيه، وكتاب الله تعالى ودينه

- ‌آية الله الكبرى القرآن العظيم القرآن الكريم، القرآن الحكيم، القرآن المجيد، الكتاب العزيز الذى: (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد)

- ‌الفصل الرابع فى إعجاز القرآن بأسلوبه وبلاغته، وتأثيره وثورته

- ‌أسلوب القرآن فى تركيبه المزجى:

- ‌الثورة والانقلاب الذى أحدثه القرآن في الأمة العربية فسائر الأمم

- ‌اعتبار الموازنة بين تأثير القرآن فى العرب والتوراة فى بنى إسرائيل

- ‌المسلمون أرحم البشر بهداية القرآن:

- ‌فعل القرآن فى أنفس الأمة العربية وإحداثها به أكبر ثورة عالمية

- ‌فعل القرآن فى أنفس مشركى العرب

- ‌فعل القرآن فى أنفس المؤمنين

- ‌المقصد الأول من مقاصد القرآن فى بيان حقيقة أركان الدين الثلاثة التى دعا إليها الرسل وضل فيها أتباعهم

- ‌الركن الأول للدين الإيمان بالله تعالى

- ‌الركن الثانى للدين: عقيدة البعث والجزاء

- ‌البعث الإنسانى جسمانى روحانى

- ‌الركن الثالث للدين: العمل الصالح

- ‌سنّة القرآن فى تهذيب الأخلاق وصلاح الأعمال والفرق بينها وبين كتب الفلسفة والآداب

- ‌سنّة القرآن فى الإرشاد إلى العبادات

- ‌ترجيح فضائل القرآن على الإنجيل

- ‌شبهة فلسفية على عمل الخير لمرضاة الله تعالى

- ‌المقصد الثانى من مقاصد القرآن: بيان ما جهل البشر من أمر النبوة والرسالة ووظائف الرسل

- ‌1 - بعثة الرسل فى جميع الأمم ووظائفهم:

- ‌2 - أطوار النصارى وما انتهوا إليه فى الدين:

- ‌3 - مسألة الشفاعة:

- ‌4 - الإيمان بجميع الرسل وعدم التفرقة بينهم:

- ‌بحث فى الآيات الكونية التى أيد الله بها رسله وما يشبه بعضها من الكرامات، وما يشتبه بها من خوارق العادات وضلال الماديين والخرافيين فيها

- ‌آيات الله تعالى فى خلقه نوعان:

- ‌سنن الله فى عالم الشهادة وعالم الغيب:

- ‌الغيب قسمان حقيقى وإضافى:

- ‌الخوارق الحقيقية والصورية عند الأمم

- ‌الفرق بين المعجزة والكرامة

- ‌الكافرون بالآيات صنفان: مكذبون ومشركون، وعلاج كل منهما

- ‌علاج خرافات تصرف الأولياء فى الكون:

- ‌المنكرون للمعجزات وشبهة الخوارق الكسبية عليها

- ‌أعجوبة من خوارق الهنود

- ‌المعجزات قسمان: تكوينية، وروحانية تشبه الكسبية

- ‌عبادة بعض الناس للمسيح وللأولياء دون موسى

- ‌ختم النبوة وانقطاع الخوارق بها ومعنى الكرامات

- ‌لا يمكن إثبات معجزات الأنبياء إلا بالقرآن

- ‌الإيمان بالقدر والسّنن العامة وآيات الله الخاصة

- ‌الخطر على البشر من ارتقاء العلم بدون الدين:

- ‌المقصد الثالث من مقاصد القرآن إكمال نفس الإنسان من الأفراد والجماعات والأقوام

- ‌1 - الإسلام دين الفطرة:

- ‌2 - الإسلام دين العقل والفكر:

- ‌3 - الإسلام دين العلم والحكمة والفقه:

- ‌الحكمة والفقه

- ‌4 - الإسلام دين الحجة والبرهان:

- ‌5 - الإسلام دين القلب والوجدان والضمير:

- ‌6 - منع التقليد والجمود على اتباع الآباء والجدود:

- ‌دحض شبهة، وإقامة حجة

- ‌7 - الحرية الشخصية فى الدين بمنع الإكراه والاضطهاد ورئاسة السيطرة:

- ‌المقصد الرابع من مقاصد القرآن الإصلاح الإنسانى الاجتماعى السياسى الوطنى بالوحدات الثمانى

- ‌الأصل الأول

- ‌الأصل الثانى:

- ‌الأصل الثالث:

- ‌الأصل الرابع:

- ‌الأصل الخامس:

- ‌الأصل السادس:

- ‌الأصل السابع:

- ‌الأصل الثامن:

- ‌المقصد الخامس من مقاصد القرآن «وتقرير مزايا الإسلام العامة فى التكاليف الشخصية من الواجبات والمحظورات» ونلخص أهمها بالإجمال فى عشر جمل أو قواعد

- ‌الأولى

- ‌الثانية

- ‌الثالثة

- ‌ الرابع

- ‌الخامسة

- ‌السادسة

- ‌السابعة

- ‌الثامنة

- ‌التاسعة

- ‌العاشرة

- ‌المقصد السادس من مقاصد القرآن بيان حكم الإسلام السياسى الدولى: نوعه، وأساسه، وأصوله العامة

- ‌القاعدة الأساسية الأولى للحكم الإسلامى

- ‌أصول التشريع فى الإسلام

- ‌قواعد الاجتهاد من النصوص

- ‌العدل والمساواة فى الإسلام نصوص القرآن فى إيجاب العدل المطلق والمساواة فيه وحظر الظلم

- ‌حظر الظلم فى الإسلام الشواهد على حظر الظلم ومفاسده وعقابه:

- ‌قواعد مراعاة الفضائل فى الأحكام والمعاملات

- ‌المقصد السابع من مقاصد القرآن: الإرشاد إلى الإصلاح المالى

- ‌تمهيد:

- ‌القطب الأول: القاعدة العامة فى المال؛ كونه فتنة واختبارا فى الخير والشر

- ‌القطب الثانى: ذم طغيان المال وغروره وصده عن الحق والخير

- ‌القطب الثالث: ذم البخل بالمال والكبرياء به والرياء فى إنفاقه

- ‌القطب الرابع: مدح المال والغنى بكونه من نعم الله وجزائه على الإيمان والعمل الصالح

- ‌القطب الخامس: ما أوجب الله من حفظ المال من الضياع بالإسراف والاقتصاد فيه

- ‌القطب السادس: (إنفاق المال فى سبيل الله) آية الإيمان والوسيلة لحياة الأمة وعزة الدولة وسعادة الإنسان

- ‌القطب السابع: فى الحقوق المفروضة والمندوبة فى المال والإصلاح المالى فى الإسلام

- ‌المقصد الثامن من مقاصد القرآن إصلاح نظام الحرب ودفع مفاسدها وقصرها على ما فيه الخير للبشر نظرة عامة فى فلسفة الحرب والسلم والمعاهدات

- ‌أعجوبة القرآن فى فساد معاهدات الزمان:

- ‌أهم قواعد الحرب والسلام فى دين الإسلام، وشواهدها من القرآن

- ‌القاعدة الأولى: فى الحرب المفروضة على الأعيان

- ‌القاعدة الثانية: فى الغرض من الحروب ونتيجتها

- ‌القاعدة الثالثة: إيثار السلم على الحرب

- ‌القاعدة الرابعة: الاستعداد التام للحرب لأجل الإرهاب المانع منها

- ‌القاعدة الخامسة: الرحمة فى الحرب

- ‌القاعدة السادسة: الوفاء بالمعاهدات وتحريم الخيانة فيها

- ‌القاعدة السابعة: الجزية وكونها غاية للقتال لا علة

- ‌حكمة الجزية وسببها وما تسقط به:

- ‌المقصد التاسع من مقاصد القرآن إعطاء النساء جميع الحقوق الإنسانية والدينية والمدنية

- ‌المقصد العاشر من مقاصد القرآن تحرير الرقبة

- ‌هداية الإسلام فى تحرير الرقيق وأحكامه

- ‌الطريقة الأولى منع الإسلام جميع ما كان عليه الناس من استرقاق الأقوياء للضعفاء بكلّ وسيلة من وسائل البغى والعدوان

- ‌الطريقة الثانية: ما شرعه لتحرير الرقيق الموجود وجوبا وندبا

- ‌النوع الأول من أحكام الرق ووسائل تحريره اللازبة وفيه عشر مسائل

- ‌النوع الثانى من وسائل تحرير الرقيق الموجود: الكفارات

- ‌النوع الثالث من وسائل إلغاء الرق الموجود

- ‌النوع الرابع منها العتق الاختيارى لوجه الله تعالى (أى ابتغاء مرضاته ومثوبته)

- ‌علاوة فى عتق غير المسلم

- ‌الوصية بالمماليك

- ‌نتيجة التحدى بالوحى المحمدى: دعوة شعوب المدنية: أوروبا وأمريكا واليابان، بلسان علمائها إلى الإسلام لإصلاح فساد البشر المادى وتمتيعه بالسلام، والإخاء الإنسانى العام

- ‌علوم البشر لا تستقل بهدايتهم لأنهم لا يدينون إلا لوحى ربهم

- ‌الرجاء فى العلماء المستقلين دون السياسيين:

- ‌معجزات القرآن الطبيعية والفلكية:

- ‌فهرس الموضوعات

الفصل: ‌بحث في عجائب المسيح عليه السلام:

«وبقيت قوة العجائب فى عصر الرسل، ولما امتدت الديانة المسيحية زال الاضطرار إليها «1» ، ولا يلزمنا الآن سوى العجائب الأدبية الحاصلة من هذه الديانة مع الشواهد الداخلية على صحتها، غير أنه يمكن لله تعالى أن يحددها في أى وقت شاء» ا. هـ.

ثم وضع المؤلف جدولا أحصى فيه عجائب العهد القديم من خراب سدوم وعمورية على قوم لوط إلى خلاص يونان (يونس) بواسطة حوت، فبلغت 67 عجيبة، وقفى عليه بجدول العجائب المقرونة بحياة المسيح، من الحبل به «يفعل الروح القدس» إلى (الصعود إلى السماء) فبلغت 37، وعزز الجدولين بثالث فى (العجائب التى جرت فى عصر الرسل)، أى الذين بثوا دعوة المسيح من تلاميذه وغيرهم من (انسكاب الروح القدس يوم الخميسين) إلى (شفاء أبى بوبليوس «2» وغيره) فكانت عشرين، وقد صرح بأن يوحنا المعمدان لم يرد فى الكتاب أنه صنع عجائب.

‌بحث في عجائب المسيح عليه السلام:

أقول: إن 27 من عجائب المسيح المذكورة: شفاء مرضى، ومجانين لا بستهم الشياطين، وثلاث منها إقامة موتى عقب موتهم، وما بقى فمسألة الحبل له، وتحويله الماء إلى خمر وسحب الشبكة فى بحر الجليل، وإشباع خمسة آلاف مرة، وأربعة آلاف مرة أخرى، وضرب التينة العقيمة بما أيبسها، وقيامة المسيح، وصيد السمك والصعود. وإننا نلخص رواية الأناجيل لأهمها وهو إحياء الموتى، ونذكر ما يقوله فيها منكرو العجائب.

الميت الأول: شاب من مدينة نابين كان محمولا فى جنازة وأمه تبكى، فاستوقف النعش وقال له: أيها الشاب لك أقول قم. فجلس وابتدأ يتكلم فدفعه إلى أمه، فأخذ الجميع خوف ومجّدوا الله قائلين: قد قام فينا نبى عظيم وافتقد الله شعبه (لوقا 7: 11 - 16).

الثانى: صبية ماتت فقال له أبوها وكان رئيسا: ابنتى الآن ماتت، لكن تعال فضع يدك عليها فتحيا. فجاء بيت الرئيس ووجد المزمرين يضجون، فقال لهم:«تنحوا فإن الصبية لم تمت، لكنها نائمة، فضحكوا عليه، فلما أخرج الجمع دخل وأمسك بيدها فقامت الصبية» متى (9: 18 - 24).

(1) هذا مذهب البروتستانت، ويلزمهم أن عجائب الشيطان بقيت بدون معارض، وأما الكاثوليك فيدعون وجودها في كل عصر.

(2)

هو رئيس جزيرة كان مريضا فرقاه بولص وصلى له فشفى (أعمال 28).

ص: 49

فمنكرو العجائب يقولون: إن كلا من الشاب والشابة لم يكونا قد ماتا بالفعل، وإن كثيرا من الناس فى كل زمان قد قاموا من نعوشهم، بل من قبورهم بعد أن ظنّ النّاس أنهم ماتوا. ولذلك تمنع الحكومات المدنية دفن الميت إلا بعد أن يكتب أحد الأطباء شهادة بثبوت موته ثبوتا عمليّا فنيّا- وللمؤمنين بالآيات أن يجزموا أيضا بأن الصبيّة لم تكن ميتة أخذا بظاهر قوله عليه السلام:«لم تمت ولكنها نائمة» ، يعنى أنها أغمى عليها فظنّوا أنها ماتت وهى لم تمت.

وأما الثالث: فهو ليعازر حبيبه وأخو مرثا ومريم حبيبته: مرض في قريتهم (بيت عنيا) فأرسلتا إلى المسيح قائلين: هو ذا الذي تحبه مريض، فمكث يومين وحضر فوجد أنه مات منذ أربعة أيام، فلاقته مرثا وقالت: يا سيد لو كنت هنا لم يمت أخى، ثم دعت أختها مريم، فلما رأته خرت عند رجليه قائلة كما قالت مرثا، وكانوا قد ذهبوا إلى القبر للبكاء، فلما رآها تبكي واليهود الذين جاءوا معها يبكون (انزعج بالروح واضطرب) وقال: أين وضعتموه؟ فدلوه عليه، فبكى وانزعج فى نفسه وجاء إلى القبر، وكان مغارة وقد وضع عليه حجر، فأمر برفع الحجر فرفعوه (ورفع يسوع عينيه إلى فوق وقال: أيها الأب أشكرك لأنك سمعت لى، وأنا علمت أنك فى كل حين تسمع لى، ولكن لأجل هذا الجمع الواقف قلت ليؤمنوا أنك أرسلتنى) ولما قال هذا صرخ بصوت عظيم:«ليعازر، هلم خارجا» فخرج الميت ويداه ورجلاه مربوطتان بأقمطة، ووجهه ملفوف بمنديل، فقال لهم يسوع حلّوه ودعوه يذهب» ا. هـ.

ملخصا من الفصل 11 من إنجيل يوحنا.

أتدري أيها القارئ ما يقول منكرو العجائب والآيات فى هذه القصة على تقدير صحة الرواية؟ إننى سمعت طبيبا سوريّا بروتستنتيا يقول: إنها كانت بتواطؤ بينه وبين حبيبته وحبيبه لإقناع اليهود بنبوته- وحاشاه عليه السلام.

وإنما ننقل هذا لنتبين أن النصارى لا يستطيعون إقامة البرهان فى هذا العصر على نبوة المسيح فضلا عن ألوهيته بهذه الروايات التى تدل على النبوة وتنفى الألوهية كما فهم الذين شاهدوها. لأنه ليس لها أسانيد متصلة إلى كاتبيها، ولا دليل على عصمتهم من الخطأ في روايتها، دع قول المنكرين باحتمال الاحتيال والتلبيس أو المصادفة فيها، أو عدهم إياها على تقدير ثبوتها من فلتات الطبيعة «1» .

(1) وقد نقل مثلها عن بعض صوفية المسلمين والهندوس فإن كذبوا المقولة القديمة فمنها ما رواه من شاهده من أهل عصرنا.

ص: 50

وإذا كان أعظمها هو إحياء الميّت يحتمل ما ذكروا من التأويل، فما القول فى شفاء المرضى وإخراج الشياطين الذى يكثر وقوع مثله فى كل زمان، والأطباء كلهم يقولون إن ما يدعيه العوام من دخول الشياطين فى أجساد الناس ما هو إلا أمراض عصبية تشفى بالمعالجة أو بالوهم والاعتقاد، ودونها مسألة الخمر والسمك ويبس التينة «1» .

(1) خلاصة عجينة التينة أنه جاع وهو خارج من بيت عنيا إلى أورشليم مع تلاميذه فرأى شجرة تين مورقة فجاءها لعله يجد فيها شيئا يأكله فلم يجد فيها شيئا «لأنه لم يكن وقت التين فلعنها قائلا لها: «لا يأكل أحد منك ثمرا بعد إلى الأبد» ، ولما رجعوا من أورشليم رأوا التينة قد يبست فقال له بطرس: يا سيدى انظر التينة التى لعنتها قد يبست إلخ (مرقس: 11: 11 - 14) فأجابهم بما خلاصته: إن هذه آية الإيمان وأن كل مؤمن يقول لأى شىء «كن» وهو يؤمن أنه يكون فإنه يكون ولو كان أمرا للجبل أن يزول من مكانه».

وفى هذه العجيبة نظر من ثلاث جهات: (الأولى): أن منكر الآيات يقول إنه يجوز أن تكون التينة يبست بسبب مادى فى أثناء وجود المسيح وتلاميذه فى أورشليم.

(الثانية): أن الروحيين من فلاسفة الهندوس وغيرهم يقولون إن كل من كان روحانيا قوى الإرادة يكون له مثل هذا التأثير فهو من خواص النفس، وهذا بمعنى قول المسيح لهم فى تأثير الإيمان، وهو ينافى أن يكون بتأييد من الله خارق للعادات الكسبية الدالة على أن من جرت على يده على الحق.

(الثالثة): أن الناس ينقلون مثل هذا فى كل زمان، ومن ذلك ما نقلته جريدة المقطم فى عددها الذى صدر بتاريخ 4 رمضان من عامنا هذا (1352) الموافق 21 من ديسمبر 1933 مترجما عن كتاب لطبيب اسمه الكسندر كان فى بلدية لندن له منصب معروف فى مستشفى الأمراض النفسية أنه ألف كتابا فى الشهر الماضى اسمه (العالم غير المنظور) تكلم فيه عن التنويم المغناطيسى والسحر الأسود وغيرهما من

(علوم الغيب)، ذكر فيه رحلته إلى الهند والتبت وما رأى فيها من المناظر المدهشة (ومنها شجرة تين تذبل بأمر رجل، وجثة فقدت الحياة مدة سبع سنوات تعاد إليها الحياة).

ثم نقل عن هذا الكتاب فى تفصيل عجيبتى إماتة التينة وإحياء الإنسان نبأ قاض إنكليزى اسمه مكردى أنذره أنه سيقتل قبل مرور سبع سنين برصاص بندقية تطلق عليه بأمره وكان الأمر كذلك، وأن المؤلف سمع هذا الخبر من «اللاما» أى كاهن التبت الأكبر ثم قال المقطم ما نصه بعد العنوان:

إماتة الصوفى الهندى للتينة كالمسيح ويتكلم الطبيب فى كتابه عن صديقه (البروفسور

) ويقول عنه إنه يزور سريره كل ليلة وعمره مائة سنة ولكن منظره منظر رجل ابن أربعين. وقد صحبه مرة إلى شجرة تين فخاطبها صاحبها بعد قائلا: لقد أحسنت وقاومت عواصف الحياة وسليت نفسى وشفيتها. وقد آن وقت رحيلك عن عالم الغرور والعدم هذا فموتي الآن ولا تعودى إلى الحياة مرة أخرى. قال الطبيب فذبلت التينة حالا وسمح لى بفحصها أنا وغيرى لنتأكد موتها.

وقص حكاية الرجل الذى أعيدت إليه حياته إليه فقال:

إحياء اللاما كاهن التبت للميت

«كان اللاما الكبير على عرشه فدخل عليه جوق من الرهبان يحملون المشاعل فجلسوا فى حلقه واسعة

ص: 51

............. ................ ........

وهم يتمتمون أغنية. فصلى اللاما وفى تلك الدقيقة دخل ثمانية يحملون تابوتا من حجر فأنزلوه ورفعوا غطاءه فرأينا شخصا منظره ميت فسمح لى بفحصه فلم أشعر بنبضه ولا بخفقان قلبه وكان باردا كالحجر وعيناه عينا رجل انقضى عليه يوم كامل وهو ميت ووضعت مرآة على فمه وأنفه فلم يظهر عليها أثر تنفسه. ثم لفظ اللام كلمات فرأينا الميت يفتح عيناه، ثم جلس فى تابوته فساعده راهبان على الوقوف والمشى فدنا من اللاما وانحنى وعاد إلى نعشه وهو لا يزحزح بصره عن (أعظم الحكماء) ثم لم تمض دقائق قليلة حتى عاد ولا حياة فيه. فلم أدر أكان ميتا حقيقة أم فى غيبوبة؟ فقرأ اللاما أفكارى فقال لى إن الرجل كان ميتا مدة سبع سنوات أخرى. وأن عمره مئات من السنين وقد يحيا إلى الأبد إذا صح أن نعد هذا حياة».

(يقول محمد رشيد): وفى هذا الكتاب عجائب أخرى ذكر بعضها فى المقطم وذكر أن المجلس البلدى مزله عن وظيفته عقابا له عليه. وأنا قد سمعت فى صغرى حكاية مشهورة عند أهل بلدنا عن رجل معتقد اسمه الشيخ محمد العصافيرى أنه نظر إلى شجرة تين وقال مسكينة مسكينة تموت، فلم تلبث أن عراها الذبول حتى يبست.

وجملة القول: أن حكايات العجائب كثيرة فى كل زمان وسيأتى تحقيق القول فيها.

ص: 52