الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قبلهم، فإن كان صلى الله عليه وسلم قد أخبر بما أطلعه الله عليه من مستقبلها أنهم سيتبعون سنن من قبلهم من اليهود والنصارى، فقد أخبر أيضا بأنه لا بد أن يبقى بعضهم على الحق ليكونوا حجة الله على خلقه فقال صلى الله عليه وسلم:«لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون» .
رواه أحمد والبخارى عن المغيرة بن شعبة رضى الله عنه، وفى رواية لهم عن معاوية:«لا تزال طائفة من أمتى قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتى أمر الله وهم ظاهرون للناس» . رواه مسلم والترمذى وابن ماجة عن ثوبان بلفظ: «لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحقّ لا يضرّهم من خذلهم حتى يأتى أمر الله وهم كذلك إلى قيام الساعة» «1» . رواه مسلم من حديث جابر بن سمرة مرفوعا: «لن يبرح هذا الدين قائما يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة» . وروى آخرون
من طرق ضعيفة يقوى بعضها بعضا أن هذه الأمة لا تجتمع على ضلالة. ولله الحمد.
2 - الإسلام دين العقل والفكر:
تقرأ قاموس الكتاب المقدس فلا تجد فيه كلمة (العقل) ولا فى معناها من أسماء هذه الغريزة البشرية التى فضل الإنسان بها جميع أنواع هذا الجنس الحى كاللب والنهى، لا لأن هذه المادة لم تذكر فى كتب العهدين مطلقا بل لأنها لم ترد فيها أساسا لفهم الدين ودلائله والاعتبار به، ولا أن الخطاب بالدين موجه إليه، وقائم به وعليه، وكذلك أسماء التفكر والتدبر والنظر فى العالم التى هى أعظم وظائف العقل.
أما ذكر العقل باسمه وأفعاله فى القرآن الحكيم فيبلغ زهاء خمسين مرة، وأما ذكر أولى الألباب أى العقول ففي بضع عشرة مرة، وأما كلمة أولى النهى (جمع نهية بالضم كغرفة) أى العقول، فقد جاءت مرة واحدة من آخر سورة طه.
أكثر ما ذكر فعل العقل فى القرآن قد جاء فى الكلام على آيات الله وكونه المخاطبين بها والذين يفهمونها ويهتدون بها هم العقلاء ويراد بهذه الآيات فى الغالب آيات الكون الدالة على علم الله ومشيئته وحكمته ورحمته كقوله تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ
(1) زدنا فى هذه الطبعة رواية معاوية، وحديث ثوبان لأنهما أصح وأبسط من حديث عمر وأبى هريرة فى الموضوع.
وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [البقرة: 164]، ويلى ذلك فى الكثرة آيات كتابه التشريعية، ووصاياه كقوله فى تفصيل الوصايا الجامعة من أواخر [سورة الأنعام: 151]: ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ، وكرر قوله: أَفَلا تَعْقِلُونَ أكثر من عشرات كأمره لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يحتج على قومه بكون القرآن من عند الله لا من عنده بقوله: فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ [يونس: 16]، وجعل إهمال استعمال العقل سبب عذاب الآخرة بقوله فى أهل النار فى سورة [سورة الملك الآية: 10]: وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ، وفى معناها قوله تعالى من [سورة الأعراف: 179]: وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ، وقوله فى [سورة الحج: 46]: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها.
كذلك آيات النظر العقليّ والتفكر كثيرة فى الكتاب العزيز، فمن تأملها علم أن أهل هذا الدين هم أهل النظر والتفكر والعقل والتدبر، وأنّ الغافلين الذين يعيشون كالأنعام لا خطّ لهم منه إلا الظواهر التقليدية التى لا تزكى الأنفس ولا يثقف العقول، ولا تصعد بها فى معارج الكمال، بعرفان ذى الجلال والجمال، ومنها قوله تعالى: أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى [الروم: 8]، وقوله فى صفات العقلاء أولى الألباب: وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [آل عمران: 191]، وقوله بعد نفى علم الغيب والتصرف فى خزائن الأرض عن الرسول صلى الله عليه وسلم وحصر وظيفته فى اتباع الوحى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ [الأنعام: 50].
وقد صرّح بعض حكماء الغرب بما لا يختلف فيه عاقلان فى الأرض من أنّ التفكّر هو مبدأ ارتقاء البشر، وبقدر جودته يكون تفاضلهم فيه.
كانت التقاليد الدينية قد حجرت حريّة التفكر واستقلال العقل على البشر. حتى جاء الإسلام فأبطل بكتابه هذا الحجر، وأعتقهم من هذا الرقّ، وقد تعلم هذه الحرية أمم الغرب من المسلمين، ثم نكس هؤلاء المسلمون على رءوسهم فحرموها على أنفسهم إلا قليلا منهم حتى عاد بعضهم يقلدون فيها من أخذوها عن أجدادهم، وقد اعترف علماء الغرب لعلماء سلفنا بسبقهم وإمامتهم لهم فيها وفى ثمراتها، ونقل شيخنا الأستاذ الإمام طائفة من أقوالهم فى كتاب (الإسلام والنصرانية).