الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المنكرون للمعجزات وشبهة الخوارق الكسبية عليها
وأما المنكرون للآيات فلا يمكن أن تقوم عليهم الحجّة إلا بالقرآن كما تقدّم فهم لا يصدّقون ما ينقله اليهود والنصارى من آيات موسى وعيسى وغيرهما من النبيين (ع. م)، ولا يسلمون صحة تواترها، إذ يقيسون نقلهم لها على ما ينقله العوام فى كل عصر عن بعض المعتقدين فى بلادهم من الخوارق الخادعة التى مثارها الوهم والتخيّل، ويحتجون على ذلك بأن يوسيفوس المؤرخ اليهودى المعاصر للمسيح (ع. م) لم ينقل للناس أخبار عجائبه التى تقصها الأناجيل التى ألّفت بعده. ويعلّلونها على تقدير صحة النقل بما يعللون به الخوارق الصورية التى يشاهدونها فى كل عصر، فإن لم يستطيعوا تعليلها قالوا إنه لا بد لها من سبب كسبى يظهر لنا أو يعترف به فاعلوها كما وقع فى أمثالها من صوفية الهندوس (الفقراء) كالارتفاع فى الهواء وغير ذلك مما هو أغرب منه (كما بيناه فى الكلام على عجائب المسيح من الفصل الثانى).
أعجوبة من خوارق الهنود
روت إحدى الجرائد المصرية فى هذه الأيام «1» من أخبار سائحى الإفرنج فى الهند حادثة لفقير من هؤلاء الفقراء اسمه سارجو هاردياس وقعت فى سنة 1837، خلاصتها أن هذا الفقير جاء قصر المهراجا رانجيت سنجا أمير بنجاب وعرض عليه أن يريه بعض كراماته وكان المهراجا لا يصدّق ما ينقل من خوارق هؤلاء الفقراء، فسأله عما يريد إظهاره فقال إنه يدفن أربعين يوما ثم يعود إليهم حيا، فأحضر المهراجا نفرا من أطباء الانكليز والفرنسيس وأمراء بنجاب فجلس الفقير القرفصاء أمامهم فكفّنوه بعد أن وضعوا القطن والشمع على أذنيه وأنفه- كما أوصاهم- وخاطوا عليه الكفن ووضعوه فى صندوق من الخشب السميك وسمّروا غطاءه ووضع المهراجا عليه ختمه، ودفنوه فى قبو داخل حجرة صغيرة فى حديقة القصر وأقفلوا بابها ووضع المهراجا ختمه بالشمع على قفلها، وأمر اثنين من رجال حرسه الأمناء بحراستها وطائفة من جنده بمعاونتهما، وكان ذلك كله بمشهد من حضر من الأوربيين والبنجابيين وحاشية المهراجا.
(1) هى جريدة الاتحاد وكان هذا فى أثناء الطبعة الأولى للكتاب فى أوائل عام (1352 هـ).
ولما تمت الأربعون حضر هؤلاء كلّهم قصر المهراجا وشاهدوا ختم الحجرة كما كان، والعشب أمامها فى الحديقة لم تطأه قدم أحد، ثم فتحوا باب الحجرة وامتحنوا أختام القبو ثم أخرجوا الصندوق وامتحنوا أختامه فوجدوها كلّها على حالها، ففتحوه وأخرجوا الفقير منه فإذا هو كما وصفه أحد أولئك من الانكليز قال:
لما فتحوا الصندوق وأخرجوا الفقير منه وجدت الذراعين والساقين صلبة والرأس مائلا على إحدى الكنفين فخلتنى أمام جثّة هامدة فارقتها الحياة منذ أمد بعيد، فطلبت من طبيبى أن يفحصها فانحنى عليها وجسّ القلب والصدغين والذراعين وقال: إنه لم يجد أثرا للنبض البتة ولكنه شعر حرارة فى منطقة الدماغ إلخ.
ثم نفذ ما أوصى الفقير أن يعمل بعد إخراجه فغسّل بالماء الحار فرد على الأوصال لينها السابق بالتدريج، وأزيل القطن والشمع عن الأذنين والأنف ووضعت أكياس دافئة على الرأس فدبّت الحياة فى الجسد المسجى، وتقلصت الأعصاب والأطراف ثم اضطربت فسال منها عرق غزير وعادت الأعضاء إلى حالتها الأولى، وبعد دقائق اتسعت حدقتا العينين وعاد إليهما لونهما الطبيعىّ، فلمّا رأى الفقير المهراجا شاخصا إليه دهشا متحيرا قال له:
أرأيت يا مولاى صدق قولى وفعلى؟ وبعد نصف ساعة خرج من التابوت وأنشأ يحدث الحاضرين أحسن حديث ويطرفهم بما يحير العقول أ. هـ.
إن هذه الحادثة من آيات الله التى أظهرتها الرياضة المكتسبة، وهى أعجب من رواية الإنجيل لموت ليعازر ثم حياته بدعاء المسيح بعد أربعة أيام- كما تقدم فى بحث عجائبه (ع. م) - وأغرب من حادثة أصحاب الكهف أيضا من بعض الوجوه فإن الفقير الهندى قد سد أنفه، ولفّ فى كفن، ووضع فى تابوت دفن تحت الأرض، فحيل بينه وبين الهواء الذى لا يعيش أحد بدونه عادة، وأهل الكهف ناموا فى فجوة واسعة من كهف بابه إلى الشمال مهب الهواء اللطيف، وكانت الشمس تصيب مدخله من جانبيه عند شروقها وعند غروبها مائلة متزاورة عنهم، فتلطف هواءه من حيث لا تصيبهم، وإنما كان أكبر الغرابة فى نومهم طول مدة لبثهم فيه، وكانت طويلة جدا حتى على نقل البيضاوى وغيره من المفسرين أن قوله تعالى: وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ [الكهف: 25] الآية- حكاية عن بعض المختلفين فى أمرهم، فإن كان خلافا ظاهر السياق فقد يقويه قوله تعالى فى الآية بعدها:
قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا [الكهف: 26]، والله أعلم بكل حال على كل حال، وإن خفى سر آياته على خلقه، ولا شىء من الأمرين بمحال، وقد نام بعض أهل العصر بمرض النوم عدة أشهر.