الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والاتحاد، وإن لم يسلموا كان الاتحاد بينكم وبينهم بالمساواة فى العدل، ولم يكونوا حائلا دونهما فى دار الإسلام. والقتال لما دون هذه الأسباب التى يكون بها وجوبه عينيا أولى بأن ينتهى بإعطاء الجزية، ومتى أعطوا الجزية وجب تأمينهم وحمايتهم والدفاع عنهم وحريتهم فى دينهم بالشروط التى تعقد بها الجزية، ومعاملتهم بعد ذلك بالعدل والمساواة كالمسلمين، ويحرم ظلمهم وإرهاقهم بتكليفهم ما لا يطيقون كالمسلمين، ويسمون أهل الذمة لأن كل هذه الحقوق تكون لهم بمقتضى ذمة الله وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأما الذين يعقد الصلح بيننا وبينهم عهد وميثاق يعترف به كل منا ومنهم باستقلال الآخر فيسمون بأهل العهد والمعاهدين «1» .
حكمة الجزية وسببها وما تسقط به:
هذا- وإن الجزية فى الإسلام لم تكن كالضرائب التى يضعها الفاتحون على من يتغلبون عليهم فضلا من المغارم التى يرهقونهم بها، وإنما هى جزاء قليل على ما تلتزمه الحكومة الإسلامية من الدفاع عن أهل الذمة وإعانة للجند الذى يمنعهم أى يحميهم- ممن يعتدى عليهم، كما يعلم من سيرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم أعلم الناس بمقاصد الشريعة وأعدلهم فى تنفيذها، والشواهد على ذلك كثيرة أوردنا طائفة منها فى تفسير الآية بعد ما تقدم آنفا.
«منها» ما كتبه خالد بن الوليد رضى الله عنه «الصلوبا بن نسطونا» حينما دخل الفرات وهو: «هذا كتاب من خالد بن الوليد لصلوبا بن نسطونا وقومه، إنى عاهدتكم على الجزية والمنعة فلك الذمة والمنعة، وما منعناكم فلنا الجزية وإلا فلا، وكتب سنة اثنتى عشرة فى صفر» أ. هـ، وهو صريح فى أن الجزية جزاء على المنعة والحماية تدوم بدوامها، وتمتنع بزوالها.
ويؤيده بالعمل ما ذكره البلاذرى فى فتوح البلدان، والأزدى فى فتوح الشام من ردّ الصحابة رضى الله عنهم لما كانوا أخذوه من أهل حمص من الجزية حين اضطروا إلى تركهم لحضور وقعة اليرموك بأمر أبى عبيدة رضى الله عنه وقد صرّحوا لهم أنهم قد أخذوها جزاء منعتهم فوجب ردها للعجز عن هذه المنعة. فعجب أهل حمص- نصاراهم ويهودهم- أشد العجب من رد الفاتحين أموالهم إليهم ودعوا لهم بالنصر على الروم.
(1) راجع القواعد فى 6 - 9 ص 140 و 141 ج 10 تفسير المنار، وما تحيل عليه من الآيات.
فظهر بما ذكرنا أنّ الإسلام حرّم حرب الاعتداء والظلم، وقصر حرب الدفاع على دفع المفاسد وتقرير المصالح العامة للبشر فجعلها ضرورة تقدر بقدرها، وأن السلام الصحيح الشريف لا يمكن تمتع العالم به إلا بهداية الإسلام، ووضع قوانين الحرب على قواعده.
ومن تأمل هذه القواعد رأى أنه لم يسبق الإسلام إلى مثلها دين من الأديان ولا قانون دولى، ولا إرشاد فلسفى أو أدبى، ولا تبعته بها أمة بتشريع ولا عمل عرفى.
أفليس هذا وحده دليلا واضحا لدى من يؤمن بوجوب رب للبشر عليم حكيم، بأن محمدا العربى الأمى قد تلقاها بوحى منه عز وجل، وأنّ عقله وذكاءه لم يكن ليبلغ هذه الدرجة من العلم والحكمة فى هذه المعضلات الاجتماعية بدون هذا الوحى؟ فكيف إذا أضفنا إليها ما تقدم، وما يأتى من المعارف الإلهية والأدبية والاجتماعية والأنباء الغيبية وغير ذلك من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم؟.