الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
علوم البشر لا تستقل بهدايتهم لأنهم لا يدينون إلا لوحى ربهم
ألا إنه قد ثبت بالحس والعيان، أن العلم البشرى وحده لا يصلح أنفس الناس؛ لأنهم لا يخالفون أهواءهم وشهواتهم الشخصية والقومية إلى اتباع آراء أفراد منهم، وإنما يدينون بوازع الفطرة لما هو فوق معارفهم البشرية، وهو ما يأتيهم من ربهم، ولا يوجد فى الأرض دين عام كامل صحيح ثابت إلا دين الإسلام، وقد بينا لكم أصول تشريعه الروحى والسياسى والاجتماعى الصالح لكل زمان ومكان، وأنه دين السلام والحق والعدل والمساواة التى تعطى كل شعب وكل فرد حقه، فبه وحده يمكن البرء من الأدواء المالية والسياسية والحربية والاجتماعية كلها، فاليهوديّة دين مؤقت خاص غير عام وانتهى زمانها، والمسيحية إصلاح روحى لليهودية ليس فيها تشريع، ولا تصلح وصاياها الزهدية التواضعية لحضارة هذا العصر، وإنما كانت موقوتة لإصلاح غلو اليهود والروم فى الطمع الدنيوى والشهوات كما تقدم.
والبرهمية والبوذية والمجوسية على ما تعلمون فيهن من وثنية وخصوصية، وخرافات وعداوات، وتفاوت طبقات يدينون الله بجعل بعض من كرمهم من البشر أخساء
بالفطرة كالحشرات، أو رجسا من عمل الشيطان، فلا يصلح شىء منها لتثقيفهم بالتوحيد والعرفان، والإخاء الإنسانى العام، فإذن لا ملجأ ولا وزر، والمتحد للبشر، إلا دين الإسلام قال الله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ [آل عمران: 19]، فلئن اهتدت به أمة قوية منظمة لتصلحن به سائر الأمم، ولتكون لها السيادة العليا فى جميع الأرض، وليدخلن العالم الإنسانى فى طور جديد من الترقى الجامع بين منافع القوى المادية، والمعارف الروحية، وهما منتهى السعادة الإنسانية.
الرجاء فى العلماء المستقلين دون السياسيين:
بلغنا أنه دعا بعض العلماء منكم إلى عقد مؤتمر من كبار علماء الشعوب كلها للبحث فى الوسائل التى يمكن أن تقى حضارة العصر من غوائل الشحناء القومية والدولية، ولئن
عقد هذا المؤتمر فلن يكون أمثل ولا أرجى من هذه المؤتمرات التى تعقدها الدول فى جامعة الأمم وعواصم السياسة، وهى لم تزد الأدواء القومية إلا إعضالا، والأخطار الدولية إلا تفاقما، والشعوب التى تتصرف بثروة العالم إلا فقرا، وإنما الدواء الواقى المضمون بين أيديهم وهم لا يبصرون، وحجته البينة تناديهم ولكنهم لا يسمعون، قال الله تعالى: وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ [الأنفال: 23].
وأما أنتم أيّها العلماء المستقلو العقول والأفكار، فالمرجو منكم أن تسمعوا وتبصروا، وأن تعلموا فتعلموا، فإن كانت دعوة القرآن لم تبلغكم حقيقتها الكافلة لإصلاح البشر، على الوجه الصحيح الذى يحركك النظر، بما ضرب دونه من الحجب أو لأنكم لم تبحثوا عنها بالإخلاص مع التجرد من التقاليد المسلمة عندكم والأهواء، ولأنّ الإسلام ليس له زعامة ولا جماعات تثبت دعوته، ولا دولة تقيم أحكامه وتنفذ حضارته، بل صار المسلمون فى جملتهم حجة على الإسلام وحجابا دون نوره، إلى غير ذلك من الحجب والأسباب، التى بينتها فى مقدمة هذا الكتاب فأرجو أن يكون هذا الكتاب كافيا فى بلوغ الدعوة إليكم بشرطها المناسب لحال هذا العصر، فإن ظهر لكم بها الحقّ فذلك ما نبغى ونرجو لخير الإنسانية كلها، وإن عرضت لكم شبهة فيها، فالمرجو من حبّكم للعلم، وحرصكم على استبانة الحق، أن تشرحوها لنا لنعرض عليكم جوابنا عنها، والحقيقة بنت البحث كما تعلمون.
ولا أراكم تعدون من الشبهات الصادرة عن الإسلام (بعد أن ثبتت أصوله بما ذكرنا) أن فيه أخبارا عن عالم الغيب الذى وراء المادة لا دليل عليها عندكم، فإنما مصدر الدين عالم الغيب، ولو كان مما يعلمه البشر بكسبهم، ويدينون به لما كانوا فى حاجة إلى تلقيه من الوحى، وقد بينّا أنّ تعاليم القرآن قد أثبتت أنه وحى من عالم الغيب، وقامت برهانا على وجود الله علمه وحكمته، فوجب أن تؤخذ أخباره بالتسليم، وحسبكم أنه ليس فيه منها ما يقوم البرهان على استحالته، وإنّ منها ما كان يعدّ من وراء إدراك العقل، ثم كان من ثمرات العلم أن أثبت وجود مثله بالفعل، كتخاطب أهل الجنة وأهل النار وترائيهم وهم فيهما على ما بينهما من البعد، ولا تكونوا ممن قال الله تعالى فيهم: ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [آل عمران: 66].