الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عبادة بعض الناس للمسيح وللأولياء دون موسى
وإنما عبد بعض البشر عيسى واتخذوه إلها ولم يعبدوا موسى كذلك وآياته أعظم لأنهم جهلوا أنّ آيات عيسى جارية على سنن روحية عامة قد يشاركه فيها غيره فظنوا أنه يفعلها بمحض قدرته التى هى عين قدرة الخالق سبحانه لحلوله فيه واتحاده به بزعمهم، وآيات موسى بمحض قدرة الله وحده، ولم يفطنوا لاتباع عيسى لموسى فى
شرعه (التوراة) إلا قليلا مما نسخه الله على لسانه؛ من إحلال بعض ما حرم عليهم بظلمهم عقوبة لهم، ومن تحريم ما كانوا عليه من الغلو فى عبادة المال والشهوات.
ومثل النصارى فى هذا من يفتنون من المسلمين بعبادة الصالحين بدعائهم فى الشدائد لاعتقادهم أنهم يدفعون عنهم الضرّ، ويجلبون لهم النفع بالتصرف الغيبى الخارج عن سنن الله فى الأسباب والمسببات الداخل عندهم فى باب الكرامات، وهو خاص بالرب تعالى، ولكنهم لا يطلقون على أحد منهم اسم الربّ ولا الإله ولا الخالق. إذ الأسماء اصطلاحية، وإنما الفرقان بين الخالق والمخلوق والرب والمربوب أن الربّ الخالق هو القادر على النفع والضر لمن يشاء وصرفهما عمن يشاء بما يسخره من الأسباب وبدونها إن شاء، وأن المخلوق المربوب هو المقيد فى أفعاله الكسبية الاختيارية فى النفع والضر بسنن الله تعالى فى الأسباب والمسببات التى سخرها تعالى لجميع خلقه، ولكنهم يتفاوتون فى العلم والعمل بها كما يتفاوتون فى الاستعداد لها بقوى العقل والحواس والأعضاء، وفى وسائلها، وقد بلغ البشر بالعلم والعمل الكسبيين من المنافع ودفع المضار ما لم يعهد مثله لأحد من خلق الله قبلهم لا الأنبياء ولا غيرهم لأن الأنبياء المرسلين لم يبعثوا لهذا، وإنما بعثوا لهداية الناس إلى معرفة الله وعبادته وتهذيب أخلاقهم بها، فمنافع الدّنيا لا تطلب منهم أحياء ولا أمواتا، وإنما تطلب من أسبابها، وما وراء الأسباب لا يقدر عليه إلا الله عز وجل وقد قتل الظالمون بعض الأنبياء والأولياء، وآذوا بعضهم بضروب من الإيذاء، ولم يستطيعوا أن يدفعوا عن أنفسهم، ولذلك تكرر فى القرآن الحكيم نفى هذا النفع والضرر عن كل ما عبدوا من دون الله بالذات أو بالشفاعة عند الله تعالى كما قال: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ [يونس: 18]، ومثلها آيات. وأمر خاتم رسله أن يعلم الناس ذلك كما فعل من قبله من الرسل فقال: قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ
يُؤْمِنُونَ [الأعراف: 188]، وقال تعالى: قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً [الجن: 21]، وقد فصلنا هذه المسألة مرارا.
ونلخص الموضوع هنا فى المسائل الآتية: (1) أن الله تعالى قد أتقن كل شىء خلقه فجعله بإحكام ونظام لا تفاوت فيه، ولا اختلال، وسنن مطردة ربط فيها الأسباب بالمسببات، فمخلوقاته العليا والسفلى. هى مظهر أسمائه الحسنى وصفاته العلى، ولهذا قال حجة الإسلام الغزالى: ليس فى الإمكان أبدع مما كان، وهذا النظام المطرد فى الأكوان، والثابت بالحس والعقل ونصوص القرآن- هو البرهان الأعظم على وحدانية خالق السموات والأرض: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا [الأنبياء: 22].
(2)
إن سنن الله تعالى فى إبداع خلقه ونظام الحركة والسكون والتحليل والتركيب فيه لا يحيط بها علما غيره عز وجل، وكلما ازداد البشر فيها نظرا وتفكرا واختيارا وتدبرا وتجربة وتصرفا، ظهر لهم من أسرارها وعجائبها ما لم يكونوا يعلمون ولا يظنون، ومن منافعها ما لم يكونوا يتخيلون ولا يتوهمون.
وها نحن أولاء نرى مراكبهم الهوائية من تجارية وحربية تحلّق فى الجو، حتى تكاد تبلغ محيط الهواء، وبعض مراكبهم البحرية تغوص فى لجج البحار، ونراهم يتخاطبون من مختلف الأقطار، كما نطق الوحى بتخاطب أهل الجنة مع أهل النار، فيسمع أهل المشرق أصوات أهل المغرب، وأهل الجنوب حديث أهل الشمال وخطبهم وأغانيهم، قبل أن يسمعها بعض أهل البلد أو المكان الذى يصدر عنه الكلام «1» ، وقد يغمز أحدهم زرا كهربائيا فى قارة أوروبا فتتحرك بغمزته آلات عظيمة فى قارة أخرى فى طرفة عين، وبينهما المهامة الفيح، والجبال الشاهقة، ومن دونهما البحار الواسعة، والجاهلون بهذه السنن الإلهية، والفنون العملية، لا يزالون يلجئون فى طلب المنافع ودفع المضار من غير طريق الأسباب- التى ضيّق الجهل عليهم سبلها- إلى قبور الموتى من الصالحين المعروفين والمجهولين، ليقضوا لهم حاجاتهم، ويشفوا مرضاهم، ويعينوهم على أعدائهم، بل ينتقموا لهم من أصدقائهم الذين عادوهم بغيا وفسادا. من زوج وقريب وجار ووطنى، وأعداؤهم فى دينهم ووطنهم من الأجانب قد سادوا حكومتهم، واستذلّوا أمّتهم، واستأثروا بجل ثروتهم، ولا يتصرف فيهم هؤلاء الأولياء بما يدفع عن المسلمين ضررهم وإذلالهم!!.
(1) روى لنا أن آلة المذياع (الراديو) الناقلة للأصوات من أوروبا يصل الكلام الذى تحمله إلى مصر وغيرها فتعكسه الآلات التى فيها ويسمعه أهلها قبل أن يسمعه من فى الصفوف الخلفية من المكان الذى ألقى فيه.