المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المقصد التاسع من مقاصد القرآن إعطاء النساء جميع الحقوق الإنسانية والدينية والمدنية - الوحي المحمدي

[محمد رشيد رضا]

فهرس الكتاب

- ‌على سبيل التقديم

- ‌مقدمة الطبعة الأولى

- ‌ارتقاء البشر المادى، وهبوطهم الأدبى، وحاجتهم إلى الدين:

- ‌الحجب الثلاثة بين حقيقة الإسلام وشعوب الإفرنج:

- ‌الأسباب العائقة عن فهم الأجانب للقرآن:

- ‌(أولها): جهل بلاغة القرآن

- ‌(ثانيها): قصور ترجمات القرآن وضعفها

- ‌(ثالثها): أسلوب القرآن المخالف لجميع أساليب الكلام

- ‌(رابعها): الإسلام ليس له دولة ولا جماعات

- ‌نتيجة هذه المقدمات:

- ‌بيان هذا الكتاب لحقيقة الإسلام بما تقوم به الحجة على جميع الأنام

- ‌فاتحة الطبعة الثانية

- ‌دعوة الناس إلى الإسلام عامة وأهل الكتاب خاصة

- ‌دعوة الوحى المحمدى فى هذه الآيات:

- ‌رواج الكتاب وترجمته ببعض لغات:

- ‌الفصل الأول فى تحقيق معنى الوحى والنبوة والرسالة وحاجة البشر إليها وأصولها وعدم إغناء العقل والعلم الكسبى عنها

- ‌تعريف الوحى لغة وشرعا:

- ‌النبى معناه لغة وشرعا والفرق بين الرسول وغيره

- ‌حاجة البشر إلى الرسالة وأصول أديان الرسل الأساسية

- ‌عصمة الأنبياء

- ‌العقل والعلم البشرى لا يغنيان عن هداية الرسل

- ‌تعريف الوحى والنبوة والأنبياء عند النصارى

- ‌بعض ما يرد على نبوتهم من تعريفها

- ‌وأما كلامهم فى النبوة والأنبياء فيؤخذ منه ما يأتى:

- ‌امتياز نبوة محمّد على نبوة من قبله فى موضوعيها والموازنة بينه وبين موسى وعيسى (ع. م)

- ‌صد الكنيسة عن الإسلام

- ‌الآيات والعجائب (أى الخوارق) وإثبات النبوة عندنا وعندهم

- ‌العجائب وما للمسيح منها

- ‌بحث في عجائب المسيح عليه السلام:

- ‌آية نبوة محمّد العقلية العلمية وسائر آياته الكونية

- ‌تأثير العجائب فى الأفراد والأمم:

- ‌ثبوت نبوة محمد بنفسها وإثباتها لغيرها:

- ‌درس علماء الإفرنج للسيرة المحمدية وشهادتهم بصدقه صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل الثالث فى شبهة منكرى عالم الغيب على الوحى الإلهى وتصويرهم لنبوة محمّد صلى الله عليه وسلم بما يسمونه الوحى النفسى

- ‌شبهة على الوحى

- ‌جواب المنار

- ‌تفصيل الشبهة ودحضها بالحجة

- ‌المقدمة الأولى: لشبهة الوحى النفسى دعوى الأخذ عن بحيرا الراهب

- ‌المقدمة الثانية: دعوى الأخذ عن ورقة بن نوفل

- ‌المقدمة الثالثة: دعوى انتشار اليهودية والنصرانية فى بلاد العرب

- ‌المقدمة الرابعة: حديث إسلام سلمان الفارسى

- ‌المقدمة الخامسة: رحلتا الشتاء والصيف لتجار قريش

- ‌المقدمة السادسة: ما قيل من وجود يهود ونصارى بمكة

- ‌المقدمة السابعة: ما زعمه من سبب نشوء محمّد صلى الله عليه وسلم أميا وما استفاد من رحلاته التجارية

- ‌المقدمة الثامنة: تصوير مجامع قريش بمكة وشأن محمد فيها

- ‌المقدمة التاسعة: موت أبناء محمد وما أثاره فى نفسه

- ‌المقدمة العاشرة: ضعف الوثنية فى العرب، وتعبد محمد فى الغار وسببها بزعم درمنغام

- ‌نتيجة تلك المقدمات العشر

- ‌باب كيف كان بدء الوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌بسط ما يصورون به الوحى النفسى لمحمد صلى الله عليه وسلم

- ‌تفنيد تصويرهم للوحى النفسى وإبطاله من وجوه

- ‌القول الحق فى استعداد محمد صلى الله عليه وسلم للنبوة والوحى

- ‌الأمثال النورانية لفطرة محمد صلى الله عليه وسلم وروحه، ووحيه، وكتاب الله تعالى ودينه

- ‌آية الله الكبرى القرآن العظيم القرآن الكريم، القرآن الحكيم، القرآن المجيد، الكتاب العزيز الذى: (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد)

- ‌الفصل الرابع فى إعجاز القرآن بأسلوبه وبلاغته، وتأثيره وثورته

- ‌أسلوب القرآن فى تركيبه المزجى:

- ‌الثورة والانقلاب الذى أحدثه القرآن في الأمة العربية فسائر الأمم

- ‌اعتبار الموازنة بين تأثير القرآن فى العرب والتوراة فى بنى إسرائيل

- ‌المسلمون أرحم البشر بهداية القرآن:

- ‌فعل القرآن فى أنفس الأمة العربية وإحداثها به أكبر ثورة عالمية

- ‌فعل القرآن فى أنفس مشركى العرب

- ‌فعل القرآن فى أنفس المؤمنين

- ‌المقصد الأول من مقاصد القرآن فى بيان حقيقة أركان الدين الثلاثة التى دعا إليها الرسل وضل فيها أتباعهم

- ‌الركن الأول للدين الإيمان بالله تعالى

- ‌الركن الثانى للدين: عقيدة البعث والجزاء

- ‌البعث الإنسانى جسمانى روحانى

- ‌الركن الثالث للدين: العمل الصالح

- ‌سنّة القرآن فى تهذيب الأخلاق وصلاح الأعمال والفرق بينها وبين كتب الفلسفة والآداب

- ‌سنّة القرآن فى الإرشاد إلى العبادات

- ‌ترجيح فضائل القرآن على الإنجيل

- ‌شبهة فلسفية على عمل الخير لمرضاة الله تعالى

- ‌المقصد الثانى من مقاصد القرآن: بيان ما جهل البشر من أمر النبوة والرسالة ووظائف الرسل

- ‌1 - بعثة الرسل فى جميع الأمم ووظائفهم:

- ‌2 - أطوار النصارى وما انتهوا إليه فى الدين:

- ‌3 - مسألة الشفاعة:

- ‌4 - الإيمان بجميع الرسل وعدم التفرقة بينهم:

- ‌بحث فى الآيات الكونية التى أيد الله بها رسله وما يشبه بعضها من الكرامات، وما يشتبه بها من خوارق العادات وضلال الماديين والخرافيين فيها

- ‌آيات الله تعالى فى خلقه نوعان:

- ‌سنن الله فى عالم الشهادة وعالم الغيب:

- ‌الغيب قسمان حقيقى وإضافى:

- ‌الخوارق الحقيقية والصورية عند الأمم

- ‌الفرق بين المعجزة والكرامة

- ‌الكافرون بالآيات صنفان: مكذبون ومشركون، وعلاج كل منهما

- ‌علاج خرافات تصرف الأولياء فى الكون:

- ‌المنكرون للمعجزات وشبهة الخوارق الكسبية عليها

- ‌أعجوبة من خوارق الهنود

- ‌المعجزات قسمان: تكوينية، وروحانية تشبه الكسبية

- ‌عبادة بعض الناس للمسيح وللأولياء دون موسى

- ‌ختم النبوة وانقطاع الخوارق بها ومعنى الكرامات

- ‌لا يمكن إثبات معجزات الأنبياء إلا بالقرآن

- ‌الإيمان بالقدر والسّنن العامة وآيات الله الخاصة

- ‌الخطر على البشر من ارتقاء العلم بدون الدين:

- ‌المقصد الثالث من مقاصد القرآن إكمال نفس الإنسان من الأفراد والجماعات والأقوام

- ‌1 - الإسلام دين الفطرة:

- ‌2 - الإسلام دين العقل والفكر:

- ‌3 - الإسلام دين العلم والحكمة والفقه:

- ‌الحكمة والفقه

- ‌4 - الإسلام دين الحجة والبرهان:

- ‌5 - الإسلام دين القلب والوجدان والضمير:

- ‌6 - منع التقليد والجمود على اتباع الآباء والجدود:

- ‌دحض شبهة، وإقامة حجة

- ‌7 - الحرية الشخصية فى الدين بمنع الإكراه والاضطهاد ورئاسة السيطرة:

- ‌المقصد الرابع من مقاصد القرآن الإصلاح الإنسانى الاجتماعى السياسى الوطنى بالوحدات الثمانى

- ‌الأصل الأول

- ‌الأصل الثانى:

- ‌الأصل الثالث:

- ‌الأصل الرابع:

- ‌الأصل الخامس:

- ‌الأصل السادس:

- ‌الأصل السابع:

- ‌الأصل الثامن:

- ‌المقصد الخامس من مقاصد القرآن «وتقرير مزايا الإسلام العامة فى التكاليف الشخصية من الواجبات والمحظورات» ونلخص أهمها بالإجمال فى عشر جمل أو قواعد

- ‌الأولى

- ‌الثانية

- ‌الثالثة

- ‌ الرابع

- ‌الخامسة

- ‌السادسة

- ‌السابعة

- ‌الثامنة

- ‌التاسعة

- ‌العاشرة

- ‌المقصد السادس من مقاصد القرآن بيان حكم الإسلام السياسى الدولى: نوعه، وأساسه، وأصوله العامة

- ‌القاعدة الأساسية الأولى للحكم الإسلامى

- ‌أصول التشريع فى الإسلام

- ‌قواعد الاجتهاد من النصوص

- ‌العدل والمساواة فى الإسلام نصوص القرآن فى إيجاب العدل المطلق والمساواة فيه وحظر الظلم

- ‌حظر الظلم فى الإسلام الشواهد على حظر الظلم ومفاسده وعقابه:

- ‌قواعد مراعاة الفضائل فى الأحكام والمعاملات

- ‌المقصد السابع من مقاصد القرآن: الإرشاد إلى الإصلاح المالى

- ‌تمهيد:

- ‌القطب الأول: القاعدة العامة فى المال؛ كونه فتنة واختبارا فى الخير والشر

- ‌القطب الثانى: ذم طغيان المال وغروره وصده عن الحق والخير

- ‌القطب الثالث: ذم البخل بالمال والكبرياء به والرياء فى إنفاقه

- ‌القطب الرابع: مدح المال والغنى بكونه من نعم الله وجزائه على الإيمان والعمل الصالح

- ‌القطب الخامس: ما أوجب الله من حفظ المال من الضياع بالإسراف والاقتصاد فيه

- ‌القطب السادس: (إنفاق المال فى سبيل الله) آية الإيمان والوسيلة لحياة الأمة وعزة الدولة وسعادة الإنسان

- ‌القطب السابع: فى الحقوق المفروضة والمندوبة فى المال والإصلاح المالى فى الإسلام

- ‌المقصد الثامن من مقاصد القرآن إصلاح نظام الحرب ودفع مفاسدها وقصرها على ما فيه الخير للبشر نظرة عامة فى فلسفة الحرب والسلم والمعاهدات

- ‌أعجوبة القرآن فى فساد معاهدات الزمان:

- ‌أهم قواعد الحرب والسلام فى دين الإسلام، وشواهدها من القرآن

- ‌القاعدة الأولى: فى الحرب المفروضة على الأعيان

- ‌القاعدة الثانية: فى الغرض من الحروب ونتيجتها

- ‌القاعدة الثالثة: إيثار السلم على الحرب

- ‌القاعدة الرابعة: الاستعداد التام للحرب لأجل الإرهاب المانع منها

- ‌القاعدة الخامسة: الرحمة فى الحرب

- ‌القاعدة السادسة: الوفاء بالمعاهدات وتحريم الخيانة فيها

- ‌القاعدة السابعة: الجزية وكونها غاية للقتال لا علة

- ‌حكمة الجزية وسببها وما تسقط به:

- ‌المقصد التاسع من مقاصد القرآن إعطاء النساء جميع الحقوق الإنسانية والدينية والمدنية

- ‌المقصد العاشر من مقاصد القرآن تحرير الرقبة

- ‌هداية الإسلام فى تحرير الرقيق وأحكامه

- ‌الطريقة الأولى منع الإسلام جميع ما كان عليه الناس من استرقاق الأقوياء للضعفاء بكلّ وسيلة من وسائل البغى والعدوان

- ‌الطريقة الثانية: ما شرعه لتحرير الرقيق الموجود وجوبا وندبا

- ‌النوع الأول من أحكام الرق ووسائل تحريره اللازبة وفيه عشر مسائل

- ‌النوع الثانى من وسائل تحرير الرقيق الموجود: الكفارات

- ‌النوع الثالث من وسائل إلغاء الرق الموجود

- ‌النوع الرابع منها العتق الاختيارى لوجه الله تعالى (أى ابتغاء مرضاته ومثوبته)

- ‌علاوة فى عتق غير المسلم

- ‌الوصية بالمماليك

- ‌نتيجة التحدى بالوحى المحمدى: دعوة شعوب المدنية: أوروبا وأمريكا واليابان، بلسان علمائها إلى الإسلام لإصلاح فساد البشر المادى وتمتيعه بالسلام، والإخاء الإنسانى العام

- ‌علوم البشر لا تستقل بهدايتهم لأنهم لا يدينون إلا لوحى ربهم

- ‌الرجاء فى العلماء المستقلين دون السياسيين:

- ‌معجزات القرآن الطبيعية والفلكية:

- ‌فهرس الموضوعات

الفصل: ‌المقصد التاسع من مقاصد القرآن إعطاء النساء جميع الحقوق الإنسانية والدينية والمدنية

‌المقصد التاسع من مقاصد القرآن إعطاء النساء جميع الحقوق الإنسانية والدينية والمدنية

كانت النّساء قبل الإسلام مظلومات ممتهنات مستعبدات عند جميع الأمم وفى جميع شرائعها وقوانينها حتى عند أهل الكتاب، إلى أن جاء الإسلام، وأكمل الله دينه ببعثه خاتم النبيين محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، فأعطى الله النّساء بكتابه الذى أنزله عليه، وبسنته التى بين بها كتاب الله تعالى بالقول والعمل، جميع الحقوق التى أعطاها للرجال إلا ما يقتضيه اختلاف طبيعة المرأة ووظائفها النسوية من الأحكام، ومع مراعاة تكريمها والرحمة بها والعطف عليها، حتى كان النبى صلى الله عليه وسلم يقول:«ما أكرم النساء إلا كريم، ولا أهانهن إلا لئيم» . رواه ابن عساكر من حديث علىّ كرّم الله وجهه.

كان كبار العقول من الصحابة رضى الله عنهم يرون ما أصلحه الإسلام من فساد وظلم ورذيلة فى الأمة العربية فيكبرونه إكبارا ويعدونه من دلائل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم إذ لم يكن يمتاز عليهم قبل النبوة بشيء من العلم لا البلاغة، بل بالأخلاق وسلامة الفطرة فقط، ولذلك كان عمر بن الخطاب المصلح الكبير، والمنفذ الأعظم لسياسة الإسلام وهدى محمد صلى الله عليه وسلم من بعده فى الفتوح والعدل وإدارة شئون الشعوب يقول:

«إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ فى الإسلام من لم يعرف الجاهلية» ، ولو كان رضى الله عنه واقفا على تواريخ الأمم والشعوب لعلم أن ما جاء به الإسلام إنما هو إصلاح لشئون البشر كافة، وثنيهم وكتابيهم، همجيهم وحضريهم، لا فى شىء واحد بل فى كل شىء، وإننى أشير هنا إلى أهم أصول الإصلاح النسوى التى بسطتها فى كتاب وسيط فى حقوق النساء فى الإسلام سميته (نداء للجنس اللطيف)؛ بينت فى مقدمته حالهن قبل البعثة المحمدية عند أمم الأرض إجمالا بقولى:

«كانت المرأة تشترى وتباع، كالبهيمة والمتاع، وكانت تكره على الزواج وعلى البغاء وكانت تورث، ولا ترث، وكانت تملك ولا تملك، وكان أكثر الذين يملكونها يحجرون عليها التصرف فيما تملكه بدون إذن الرجل، وكانوا يرون للزوج الحق فى التصرف بمالها من دونها، وقد اختلف الرجال فى بعض البلاد فى كونها إنسانا ذا نفس وروح خالدة كالرجل أم لا؟ وفى كونها تلقن الدين وتصح منها العبادة أم لا؟ وفى كونها تدخل الجنة أو الملكوت فى الآخرة أم لا؟ فقرر أحد المجامع فى رومية أنها حيوان نجس لا روح له ولا خلود،

ص: 234

ولكن يجب عليها العبادة والخدمة، وأن يكون فمها كالبعير والكلب العقور لمنعها من الضحك والكلام لأنها أحبولة الشيطان، وكانت أعظم الشرائع تبيح للوالد بيع ابنته، وكانت بعض العرب يرون أن للأب الحق فى قتل بنته بل فى وأدها «دفنها حية» أيضا.

وكان منهم من يرى أنه لا قصاص على الرجل فى قتل المرأة ولا دية».

وكتبت فى مقدمة الكلام على حقوق النساء المالية فى الإسلام ما نصه:

«وقد أبطل الإسلام كل ما كان عليه العرب والعجم من حرمان النساء من التملك أو التضييق عليهن فى التصرف بما يملكن، واستبداد أزواج المتزوجات منهن بأموالهن. فأثبت لهن حق التملك بأنواعه، والتصرف بأنواعه المشروعة، فشرع الوصيّة والإرث لهن كالرجال، وزادهن ما فرض لهن على الرجال من مهر الزوجية والنفقة على المرأة وأولادها وإن كانت غنية، وأعطاهن حق البيع والشراء والإجازة والهبة والصدقة وغير ذلك. ويتبع ذلك حقوق الدفاع عن مالها كالدفاع عن نفسها بالتقاضى وغيره من الأعمال المشروعة، وأن المرأة الفرنسية لا تزال إلى اليوم مقيدة بإرادة زوجها فى جميع التصرفات المالية، والعقود القضائية.

وإننى ألخص من ذلك الكتاب المسائل الآتية بالإيجاز، ولمن شاء مراجعتها فيه بطولها.

1 -

كان بعض البشر من الإفرنج وغيرهم يعدون المرأة من الحيوان الأعجم أو من الشياطين لا من نوع الإنسان، وبعضهم يشك فى ذلك فجاء محمد صلى الله عليه وسلم يتلو عليهم أمثال قول الله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى [الحجرات: 13] وقوله تعالى:

يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً [النساء: 1].

2 -

كان بعض البشر فى أوروبا وغيرها يرون أن المرأة لا يصح أن يكون لها دين، حتى كانوا يحرمون عليها قراءة الكتب المقدسة رسميا، فجاء الإسلام يخاطب بالتكاليف الدينية الرجال والنساء معا بلقب المؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، والآيات فى ذلك معروفة.

كان أول من آمن بمحمد خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم امرأته، وهى زوجته خديجة بنت خويلد رضى الله عنها، وقد ذكر الله تعالى مبايعته صلى الله عليه وسلم للنساء

فى نص القرآن ثم بايع الرجال بما جاء فيها ولما جمع القرآن فى مصحف واحد جمعا رسميا وضع عند امرأة هى حفصة أم المؤمنين، وظل عندها من عهد الخليفة الأول أبى بكر الصديق إلى عهد الخليفة الثالث

ص: 235

عثمان رضى الله عنهم فأخذ من عندها واعتمدوا عليه فى نسخ المصاحف الرسمية التى كتبت وأرسلت إلى الأمصار لأجل النسخ عنها والاعتماد عليها.

3 -

كان بعض البشر يزعمون أن المرأة ليس لها روح خالدة فتكون مع الرجال المؤمنين فى جنة النعيم فى الآخرة- وهذا الزعم أصل لعدم تدينها- فنزل القرآن يقول: لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (123) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً [النساء: 123، 124]، ويقول الله تعالى: فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ [آل عمران: 195]، وفيها الوعد الصريح بدخولهن جنات تجرى من تحتها الأنهار ..

4 -

كان بعض البشر يحتقرون المرأة فلا يعدونها أهلا للاشتراك مع الرجال فى المعابد الدينية، والمحافل الأدبية، ولا فى غيرهما من الأمور الاجتماعية والسياسية، والإرشادات الإصلاحية، فنزل القرآن يصالحهم بقوله تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة: 71].

فأثبت للمؤمنات الولاية المطلقة مع المؤمنين، وتدخل فيها ولاية النصرة فى الحرب، ولكن الشرع أسقط عنهن فريضة القتال فكان حظهن من النصرة تهيئة الطعام والشراب للمقاتلين ومداواة جرحاهم، وكن يصلين الجماعة مع الرجال ويحججن معهم، ويأمرن بالمعروف وينهين عن المنكر، حتى أن بعضهنّ كن ينكرون على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب قوله جهرا، فيرجع عنه إذا كان خطأ، وهو الذى كان يهابه الرجال كالنساء.

وقد قفى الله تعالى على هذه الآية بأعظم آية فى جزاء الفريقين جمعت بين بيان النعيم الجسمانى والنعيم الروحانى وهى: وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة: 72].

5 -

كان بعض البشر يحرمون النساء من حق الميراث وغيره، وبعضهم يضيّق عليهن حق التصرف فيما يملكن، فأبطل الإسلام هذا الظلم، وأثبت لهن حق التملك والتصرف

ص: 236

بأنفسهن فى دائرة الشرع، قال الله تعالى: لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً [النساء: 7].

ونحن نرى أن دولة الولايات المتحدة الأمريكية لم تمنح النساء حق التملك والتصرف إلا من عهد قريب فى عصرنا هذا «1» ، وأنّ المرأة الفرنسية لا تزال مقيدة بإرادة زوجها فى التصرفات المالية والعقود القضائية، وقد منحت المرأة المسلمة هذه الحقوق منذ ثلاثة عشر قرنا ونصف قرن.

6 -

كان الزواج فى قبائل البدو وشعوب الحضارة ضربا من استرقاق الرجال للنساء فجعله الإسلام عقدا دينيا مدنيا لقضاء حقّ الفطرة بسكون النفس من اضطرابها الجنسى بالحب بين الزوجين وتوسيع دائرة المودة والألفة بين العشيرتين، واكتمال عاطفة الرحمة الإنسانية وانتشارها من الوالدين إلى الأولاد، على ما أرشد إليه قوله تعالى: وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الروم: 21].

7 -

القرآن ساوى بين المرأة والرجل باقتسام الواجبات والحقوق بالمعروف مع جعل حق رئاسة الشركة الزوجية للرجل؛ لأنه أقدر على النفقة والحماية بقول الله عز وجل فى الزوجات: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [البقرة: 228]، وقد بين هذه الدرجة بقوله تعالى: الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ [النساء: 34] فجعل من واجبات هذه القيامة على الزوج نفقة الزوجة والأولاد، لا تكلف الزوجة منه شيئا ولو كانت أغنى منه، وزادها المهر، فالمسلم يدفع لامرأته مهرا عاجلا مفروضا عليه بمقتضى العقد حتى إذا لم يذكر فيه لزمه مهر مثلها فى الهيئة الاجتماعية، ولهما أن يؤجلا بعضه بالتراضى، على حين ترى بقية الأمم حتى اليوم تكلف المرأة دفع المهر للرجل.

وكان أولياء المرأة يجبرونها على التزوج بمن تكره أو يعضلونها بالمنع منه مطلقا وإن كان زوجها وطلقها، فحرم الإسلام ذلك، والنصوص فى هذا معروفة فى كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم وسنته.

8 -

كان الرجال من العرب وبنى إسرائيل وغيرهم من الأمم يتخذون من الأزواج ما شاءوا غير مقيدين بعدد، ولا مشترط عليهم فيه العدل، فقيدهم الإسلام بأن لا يزيدوا على

(1) طبع هذا الكتاب أول مرة فى أوائل القرن العشرين عام 1935 م.

ص: 237

أربع، وأن من خاف على نفسه أن لا يعدل بين اثنتين وجب عليه الاقتصار على واحدة، وإنما أباح الزيادة لمحتاجها القادر على النفقة والإحصان لأنها قد تكون ضرورة من ضرورات الاجتماع فى أحوال. منها: أن تكون الأولى عقيما أو تدخل فى سن اليأس من الحمل. أو تكون ذات مرض مانع منه، أو من إحصان الرجل، وقد يكون التعدد من

مصالح النساء خاصة إذا كثرن فى أمة أو قبيلة كما يكون فى أعقاب الحروب، أو هجرة كثير من الرجال لأجل الكسب.

وناهيك بأمة تحرم شريعتها الزنا وتعاقب عليه، فهل من مصلحة النساء أو الإنسانية أن تبقى النساء الزائدات على عدد الرجال محرومات من الحياة الزوجية وحصانتها، وكفالة الأزواج، ومن نعمة الأمومة؟ وهل من المصلحة أو المنفعة العامة أو الخاصة أن يباح لهن الزنا وما يترتب عليه من المصائب البدنية والاجتماعية التى نراهن مرهقات برجسها فى بلاد الإفرنج والبلاد التى ابتليت بسيطرتهم عليها أو تقليدها لهم؟.

وقد فصلنا ذلك فى تفسير آية التعدد من سورة النساء، ثم زدنا عليه فى كتاب «حقوق النساء فى الإسلام» ما هو مقنع لكل عاقل منصف بأن ما شرعه الإسلام فى التعدد هو عين الحق والعدل ومصلحة البشر كافة والنساء خاصة، فهو قد أباح ذلك بشرطه الشديد ولم يوجبه، وهن فى شريعته مخيرات فى قبول العقد على رجل متزوج وعدمه، بل تجيز الشريعة للمرأة أن تشترط فى عقد نكاحها جعل عصمتها بيدها لتطلق نفسها إذا شاءت بناء على ما ذهب إليه بعض أئمة الفقه فى صحة كل شرط يتعاقد عليه الناس غير مخالف لنص قطعى فى الكتاب والسنة ولا سيما شروط الزوجية عملا بحديث:«أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج» . رواه البخارى فى مواضع من صحيحه وأصحاب السنن.

9 -

الطلاق قد يكون ضرورة من ضروريات الحياة الزوجية إذا تعدل على الزوجين القيام بحقوق الزوجية من إقامة حدود الله، وحقوق الإحصان والنفقة والمعاشرة بالمعروف، وكان مشروعا عند أهل الكتاب والوثنيين من العرب وغيرهم، وكان يقع النساء منه وفيه ظلم كثير وغبن يشق احتماله فجاء الإسلام فيه بالإصلاح الذى لم يسبقه إليه شرع ولم يلحقه بمثله قانون، وكان الإفرنج يحرمونه ويعيبون الإسلام به، ثم اضطروا إلى إباحته، فأسرفوا فيه إسرافا منذرا بفوضى الحياة الزوجية وانحلال روابط الأسرة والعشيرة، ومما نقلته الصحف من أسباب حكم القضاة بالطلاق عندهم مسائل شعر رأس المرأة ووجه الرجل فى إرساله أو قصه وحلقه وشكوى المرأة من اشتغال الرجل عنها بمطالعته الكتاب أو الصحف فى الدار،

ص: 238

وشكواها من نتن رائحته لعدم استحمامه، وشكوى الرجل من كثرة كلام المرأة حتى بالمسرة (التليفون) ومثله كثير «1» .

جعل الإسلام عقدة النكاح بيد الرجال ويتبعه حق الطلاق لأنهم أحرص على بقاء الزوجية بما تكلفهم من النفقات فى عقدها وحلها وكونها أثبت من النساء جأشا وأشد صبرا على ما يكرهون، وقد أوصاهم الله تعالى فوق هذا بما يزيدهم قوة على ضبط النفس وحبسها على ما يكرهون من نسائهم فقال الله تعالى: وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً [النساء: 19]، وأعطت الشريعة المرأة حق طلب فسخ عقد الزواج من القاضى إذا وجد سببه من العيوب الخلقية أو المرضية كالرجل، وكذا إذا عجز الزوج عن النفقة. وجعلت للمطلقة عليه حق النفقة مدة العدة التى لا يحل لها فيها الزواج، وذم النبى صلى الله عليه وسلم الطلاق بأن الله يبغضه للتنفير عنه .. إلى غير ذلك من الأحكام التى بيناها فى تفسير الآيات المنزلة فيها وفى كتابنا الجديد فى حقوق النساء فى الإسلام (نداء للجنس اللطيف).

10 -

بالغ الإسلام فى الوصية ببر الوالدين فقرنه بعبادة الله تعالى، وأكد النبى صلى الله عليه وسلم فيه حق الأم فجعل برها مقدما على بر الأب، ثم بالغ فى الوصية بتربية البنات وكفالة الأخوات. بأخص مما وصى به من صلة الأرحام، بل وجعل لكل امرأة قيّما شرعيا يتولى كفايتها والعناية بها، ومن ليس لها ولى من أقاربها وجب على أولى الأمر من حكام المسلمين أن يتولوا أمرها، وقد أثبتنا فى ذلك الكتاب طائفة من تلك الوصايا.

وجملة القول: أنه ما وجد دين ولا شرع ولا قانون فى أمة من الأمم أعطى النساء ما أعطاهن الإسلام من الحقوق والعناية والكرامة، أفليس هذا كله من دلائل كونه من وحى الله العليم الحكيم الرحيم إلى محمد النبى الأمى المبعوث فى الأميين؟

بلى وإنا على ذلك من الشاهدين المبرهنين، والحمد لله رب العالمين.

(1) نشرت جريدة الأهرام فى هذا الشهر (المحرم سنة 1354 هـ- 1935 م) اعتقادا للقاضى «لندسى» أشهر قضاة الطلاق فى (لوس أنجلوس) من ولاية (كاليفورنيا)؛ خلاصته أن الحياة الزوجية ستزول من بلادهم (أمريكا الشمالية) وتحل محلها الإباحة والفوضى فى العلاقة بين النساء والرجال فى زمن قريب وهى الآن كشركة تجارية ينقضها الشريكان لأوهى الأسباب خلافا لهداية جميع الأديان إذ لا دين ولا حب يربطهما، بل الشهوات والتنقل فى وسائل المسرات- الطبعة الثالثة.

ص: 239