الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابن يسار النسائى وطريح الثقفى ويزيد بن ضبّة وأبو العباس الأعمى، ومن النجديين الرّاعى والعجير السّلولى وأرطاة بن سهيّة وعقيل بن علّفة وابن ميّادة ومن العراق جرير والفرزدق والأخطل ومسكين الدارمى وعبد الله بن الزّبير الأسدى وأعشى شيبان ونابغتهم وذو الرمة.
وهؤلاء الشعراء جميعا كانوا وافدين، ولم يستقروا فى الشام، إنما كانوا يلمّون بها، ثم يعودون إلى ديارهم وأهليهم بجر الحقائب. وربما كان أهم عشيرة اشتهرت بالشعر فى هذه البيئة هى العشيرة الأموية نفسها، فقد اشتهر من بين أفرادها بنظم الشعر يزيد بن معاوية، ثم ابن أخته يزيد بن عبد الملك، وابنه الوليد وسنعرض له ولشعره فى موضع آخر.
على أن هذه الأسرة نفسها كانت طارئة على الشام، ومن ثمّ لا نغلو إذا قلنا إن الشعر فيها لهذا العصر كان بعامة شعرا طارئا. ومن هذا الشعر الطارئ ما كان ينظمه الغزاة فى حروب الروم، وكانت كثرتهم من عرب الشام اليمنية، ولذلك لم يكثر الشعر فى هذه الحروب، غير أن نفرا من المضريين شاركوا فيها، فجرى الشعر على ألسنتهم وتصايحوا به فى بعض معاركهم، وبكوا به شهداءهم على نحو ما نجد عند أبى العيال الهذلى حين غزا مع يزيد بن معاوية الروم (1) واستشهد ابن عم له يسمى عبد بن زهرة فرثاه رثاء حارّا (2).
وعلى هذا النحو كان الشعر فى الشام لهذا العصر محدود النشاط، وكان فى جملته طارئا إما مع قبائل قيس، وإما مع الوافدين على أبواب الخلافة، وإما مع البيت الأموى القرشى نفسه، وإما مع الغزاة الذين كانوا يجاهدون الروم.
6 - مصر والمراكز الأخرى
إذا أخذنا نستقصى مراكز الشعر الأخرى لهذا العصر وجدنا العناصر اليمنية
(1) الإصابة لابن حجر 7/ 143.
(2)
ديوان الهذليين (طبع دار الكتب) 2/ 241
تغلب عليها، وهى من حيث الشعر والشاعرية تتخلّف عن العناصر المضرية.
وقد تصادف أن كان أكثر الفاتحين لمصر وبلاد المغرب والأندلس من العناصر اليمنية، وأخذت تقدم وراءهم قبائل منهم، تستقر فى تلك الديار، فكان طبيعيّا أن لا ينشط فيها الشعر، وأن يظل خامدا طوال العصر.
ولعل أهم هذه المراكز المتخلفة فى الشعر والشعراء مصر، وكانت متصلة بالحضارة اليونانية والرومانية قبل الفتح. ومدرسة الإسكندرية بها مشهورة وقد ظلت منارة للعرفان حتى عصر عمر بن عبد العزيز إذ هجرها أكثر أساتذتها إلى أنطاكية. والذى لا ريب فيه أنه ظلت بمصر بقايا كثيرة من الحضارة اليونانية والرومانية.
وقد أخذت تتنفس فى جو الثقافة الإسلامية العربية، وسرعان ما ظهرت بها مدرسة دينية على رأسها عبد الله بن عمرو بن العاص، وأخذت تنهض فى هذا المجال. غير أننا إذا رجعنا إلى الشعر بها وجدناه متخلفا، لما قلنا من غلبة العناصر اليمنية على العرب النازلين فيها. وحقّا نجد فيها أشعارا كانت تنظم من حين إلى حين فى الأحداث التاريخية واليومية، وهى مبثوثة فى كتاب الولاة والقضاة للكندى، ولكن قيمتها الشعرية ضعيفة وأكثر من ينظمونها يعدّون مجهولين لنا، وربما كان أهمهم ابن أبى زمزمة الذى عاصر عبد العزيز بن مروان فى ولايته على مصر (65 - 85 هـ) وأشعاره المنسوبة إليه لا ترقى إلى أفق شاعر متوسط من شعراء المراكز الأخرى فى الحجاز ونجد والعراق وخراسان.
ومن المحقق أن الشعر نشط بمصر فى ولاية عبد العزيز بن مروان، غير أنه فى جملته شعر وافد، أنشده بمصر شعراء الحجاز ونجد والعراق، الذين وفدوا على ابن مروان يمدحونه لأخذ نواله، وكان بحرا فياضا، وغيثا مدرارا، فقصده الشعراء من كل صوب أمثال كثيّر وابن قيس الرقيات ونصيب وجميل وأيمن بن خريم وعبد الله بن الحجاج الثعلبى. وبمجرد أن مات عبد العزيز خمد هذا النشاط الطارئ، إذ لم يعد يفد عليها الشعراء لأخذ الجوائز والعطايا الجزيلة.
فمصر لم يكن بها نشاط قوى للشعر فى هذا العصر، وإذا تركناها إلى الغرب انبسطت أمامنا بلاد المغرب إلى مشارف المحيط الأطلسى، وكان الشعر بها
أكثر تخلفا، لغلبة العناصر اليمنية على من نزلها من العرب، ولأنه لم يظهر بها وال على شاكلة عبد العزيز بن مروان، يرحل إليه الشعراء ويمدحونه. وكذلك الشأن فى الأندلس المفتوحة فى عهد الوليد بن عبد الملك، فقد فتحتها قبائل يمنية، ومن ثمّ لم يزدهر الشعر بها، بل ظل ذاويا ذابلا إلى نهاية العصر.
وطبيعى أن يكون النشاط الشعرى فى اليمن خامدا، لأنها لم تجلّ فيه من قديم، ولأنه لم تضطرم بها العصبيات والثورات التى تدلع ألسنة الشعراء على نحو ما مرّ بنا فى البصرة والكوفة وخراسان، ومع ذلك فقد كان ينزلها بعض الشعراء لمديح ولاتها على شاكلة أبى دهبل الجمحى الذى اشتهر بمديحه ابن الأزرق المخزومى والى ابن الزبير (1). وحين ظهر فيها نشاط الخوارج الإباضيين لأواخر هذا العصر أخذ الشعر يجرى على بعض الألسنة. ولكن على كل حال كان الشعر هناك متخلفا، وربما كان خير شعرائها خالد الزبيدى الذى ترجم له ياقوت فى معجمه (2).
(1) أغانى (دار الكتب) 7/ 128.
(2)
معجم الأدباء (طبع القاهرة) 11/ 21.