الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أعشى (1) همدان
هو عبد الرحمن بن عبد الله الهمدانىّ القحطانىّ، نشأ فى الكوفة، وعنى فى أول نشأته بالفقه وقراءة القرآن؟ ؟ ؟ فقيه الكوفة المشهور يصهر إليه، فيتزوج أخته ويزوّجه أخته.؟ ؟ ؟ وتيقت؟ ؟ ؟ فيه موهبة الشعر فترك القرآن ورواية الحديث النبوى، وأقبل عليه، وآخى أحمد النّصبى مغنى بلده، فكان إذا قال شعرا غنّى له فيه. وأول ما بين أيدينا من أشعاره يتصل بمديح النعمان بن بشير الأنصارى الذى ولى على الكوفة سنة تسع وخمسين، وفيه يقول:
متى أكفر النعمان لم ألف شاكرا
…
وما خير من لا يقتدى بشكور
وله أشعار ينزع فيها منزع زهد فى الدنيا، فهو ينفّر منها ومن التعلق بمتاعها، وأكبر الظن أنه كان ينظم هذه الأشعار فى أول عهده بالنظم حين كان يختلف إلى مجالس صهره الشعبى وغيره من وعّاظ الكوفة، ومن أطرفها قوله:
وبينما المرء أمسى ناعما جذلا
…
فى أهله معجبا بالعيش ذا أنق (2)
غزّا، أتيح له من حينه عرض
…
فما تلبّث حتى مات كالصّعق
فما تزوّد مما كان يجمعه
…
إلا حنوطا وما واراه من خرق (3)
وغير نفحة أعواد تشبّ له
…
وقلّ ذلك من زاد لمنطلق
ونراه حين هزم التوابون بقيادة سليمان بن صرد سنة خمس وستين يبكيهم بقصيدة كانت إحدى المكتّمات التى كتمت فى ذلك الزمان (4). ويتولّى مصعب البصرة لأخيه عبد الله بن الزبير فيلزمه فى سلمه وحربه للمختار الثقفى ناظما أشعارا كثيرة، رواها الطبرى، يصوّر فيها شعوذة المختار الثقفى وما كان يتخذ من
(1) انظر فى ترجمة
أعشى همدان
الأغانى (طبع دار الكتب) 6/ 33 والاشتقاق ص 423 والمؤتلف 14 والموشح ص 191 وراجع فهرس الطبرى والجزء الخامس من أنساب الأشراف للبلاذرى وله ديوان نشره جاير ملحقا بديوان أعشى قيس.
(2)
أنق: فرح وسرور.
(3)
الحنوط: طيب يتخذ للميت خاصة.
(4)
طبرى 4/ 472.
كرسى وحمامات بيضاء تمويها على جنده (1). ويدال للبصرة من الكوفة، ويفتخر البصريون بانتصارهم، فيغضب لبلدته، ويتوجه إليهم بالخطاب قائلا:
وإذا فاخرتمونا فاذكروا
…
ما فعلنا بكم يوم الجمل (2)
ونراه يخرج مع جيوش مصعب لحرب الخوارج محاربا تحت لواء المهلب وغيره من القواد أمثال عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث. ويظهر أنه ظل يشهر سيفه ضدهم حتى عهد بشر بن مروان على العراق إذ نراه فى موقعة جلولاء، وقد انتصر الخوارج، فمضى يهجو قائد الحملة هجاء مرا. ويتولى خالد بن عتاب بن ورقاء أصبهان، وكان صديقه، فيمدحه مدائح رائعة، غير أنه يجفوه، فيهجوه. ونراه فى شعره يتحدث عن طلاقه لامرأة من قومه بسبب بذائها، ويشكو من أخرى تنكرها له، مع شغفه بها.
ويبعث به الحجاج مع بعض جيوشه إلى مكران، فيمرض هناك، وينظم قصيدة طويلة يصور فيها حنينه إلى بلدته وأهله وأنه خرج إلى الحرب على رغمه، خوفا من سيف الحجاج وبطشه. ويتوغل مع بعوث الحجاج فى بلاد الديلم، فيقع أسيرا، وتهواه بنت للعلج الذى أسره وتحلّ قيوده، وتأخذ به طرقا تعرفها، وبذلك تخلّصه وتهرب معه. ويظهر أنه لم يولّ وجهه إلى العراق، بل اتجه إلى سجستان حيث كان ينازل عبيد الله بن أبى بكرة زنبيل ملك الترك، ولما دارت على جيشه الدوائر بكى هذا الجيش مضمنا بكاءه هجاء شديدا لابن أبى بكرة سواء فى قيادته غير الحكيمة أو فى إهداره لمسئولياته، إذ انتهز ما كان فيه جيشه من ضيق، فباع القفيز من الشعير بدرهم، كما باع لهم العنب الحصرم، وهم يتساقطون جوعا، يقول:
أسمعت بالجيش الذين تمزّقوا
…
وأصابهم ريب الزمان الأعوج
حبسوا بكابل يأكلون جيادهم
…
بأضرّ منزلة وشرّ معرّج (3)
لم يلق جيش فى البلاد كما لقوا
…
فلمثلهم قل للنوائح تنشج
(1) انظر الطبرى 4/ 550، 561، 565.
(2)
يشير إلى وقعة الجمل وانتصار على فيها بأهل الكوفة على أهل البصرة.
(3)
كابل: قصبة زنبيل ملك الترك.
ثم اتجه بخطابه إلى عبيد الله فقال:
ولّيت شأنهم وكنت أميرهم
…
فأضعتهم والحرب ذات توهّج
وتبيعهم فيها القفيز بدرهم
…
فيظلّ جيشك بالملامة ينتجى (1)
ومنعتهم ألبانهم وشعيرهم
…
وتجرت بالعنب الذى لم ينضج
ومات ابن أبى بكرة كما قدمنا، فولى سجستان ابن الأشعث، فسأله أن يزيد فى عطائه، فلم يلبّ سؤاله، فمضى يعاتبه فى قصيدة طويلة، يقول له فى تضاعيفها:
مالك لا تعطى وأنت امرؤ
…
مثر من الطّارف والتّالد
تجبى سجستان وما حولها
…
متّكئا فى عيشك الراغد
وتتطور الظروف، ويثور ابن الأشعث على الحجاج، فيضع الأعشى يده فى يده وكأنه صدر فى ثورته عن أمنيته، فقد وقف من قديم فى صفوف المعارضة الأموية، وقف كما قدمنا مع التوابين من الشيعة ثم وقف مع مصعب بن الزبير. وكان دائما لا يرضى عن ولاة بنى أمية، ويراهم ظالمين للرعية يسومونها العذاب على نحو ما رأينا فى هجائه لابن أبى بكرة. وهذا الحجّاج على العراق قد بغى وطغى، ولا يعرف أحد طغيانه وبغيه مثله، فقد أمره بالخروج فى بعوث الشرق، وخرج كارها مرغما، لا يعرف متى يأذن له فى العودة لتقرّ عينه بأهله وولده. لذلك حين أعلن ابن الأشعث الثورة على الحجاج لزمه ينظم الشعر محمّسا لجنده، فلما توجه مقبلا إلى العراق سار بين يديه على فرس وهو يقول:
إنا سفونا للكفور الفتّان
…
حين طغى فى الكفر بعد الإيمان (2)
بالسيد الغطريف عبد الرحمن
…
سار بجمع كالدّبى من قحطان (3)
أمكن ربّى من ثقيف همدان
…
يوما إلى الليل يسلّ ما كان
إن ثقيفا منهم الكذّابان
…
كذّابها الماضى وكذاب ثان
(1) ينتجى: يتسار، من النجوى وهى السر.
(2)
سفا: خف وأسرع.
(3)
الدبى: الجراد.
وأخذ ينظم أشعارا كثيرة، يثير بها الجند ويحرّضهم على القتال، ونجده فى هذه الأشعار يتحدث عن مجد ابن الأشعث القديم، وما كان لآبائه من ملك وشرف وسيادة فى الجاهلية، وهو بذلك يضع فى يدنا وثيقة سياسية لهذه الثورة، فهى كما قدمنا ثورة أشراف الكوفة الذين انحدروا من أسر العصر الجاهلى النبيلة، يقول:
يأبى الإله وعزة ابن محمّد
…
وجدود ملك قبل آل ثمود (1)
أن تأنسوا بمذمّمين عروقهم
…
فى الناس إن نسبوا عروق عبيد
كم من أب لك كان يعقد تاجه
…
بجبين أبلج مقول صنديد (2)
ما قصرّت بك أن تنال مدى العلا
…
أخلاق مكرمة وإرث جدود
وانتهت الحرب وانتصر الحجاج، وأتى إليه بأعشى همدان أسيرا، فأخذ يستعطفه ويسترحمه ويحاول أن يلين قلبه له بقصيدة رائعة يقول فيها مشيدا بانتصاره:
أبى الله إلا أن يتمّم نوره
…
ويطفئ نار الفاسقين فتخمدا
وينزل ذلاّ بالعراق وأهله
…
لما نقضوا العهد الوثيق المؤكّدا
وما نكثوا من بيعة بعد بيعة
…
إذا ضمنوها اليوم خاسوابها غدا (3)
وما أحدثوا من بدعة وعظيمة
…
من القول لم تصعد إلى الله مصعدا
وما زاحف الحجّاج إلا رأيته
…
معانا ملقّى للفتوح معوّدا
ليهنئ أمير المؤمنين ظهوره
…
على أمة كانوا بغاة وحسّدا
ولكن ذنبه عند الحجاج كان عظيما فاربدّ وجهه واهتزّ منكباه، وأمر الحرسىّ فضرب عنقه سنة 83 للهجرة.
(1) ابن محمد: هو عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث. ويريد بآل ثمود قبيلة ثقيف قوم الحجاج، وكان هناك من يقول إنهم بقايا ثمود.
(2)
أبلج: طلق الوجه. مقول: خطيب. صنديد: الجواد الشجاع
(3)
خاس: غدر ونكث